قراءات سياسية » "جبل عامل" في العقل الصهيوني

إعداد : نسيب شمس
لا شك أن قراءة ومراجعات المصادر التاريخية تساعد بالتعرف على جذور المشروع الصهيوني وعدوانيته تجاه أمتنا الإسلامية والعربية، كما يفيد في التعرف على التفكير التأسيسي لهذه الدولة ــ الغدة السرطانية التي زرعت في هذا الشرق، سنحاول الإضاءة على جذور المشروع الصهيوني وتوجهاته بما يتعلق بأرض المقاومة أرض جبل عامل في بداية حراك الوكالة اليهودية في مطلع القرن العشرين، وذلك من خلال مراجعة مذكرات المسؤولين الصهاينة في المؤسسات والأحزاب الصهيونية وغيرها من كتب المؤرخين والساسة.

عريضة ومسألة الحدود

نبدأ من اجتماع بين البطريرك أنطون عريضة والياهو إيلات(1) ودوف هوز(2)، يومها أكد دوف أنه إذا قامت دولة يهودية في فلسطين بناء على خطة التقسيم التي تعدها لجنة بيل الملكية، فيجب أن لا يكون هناك أي حاجز بين أراضي الدولة اليهودية ولبنان. (...)
وطالب دوف من قادة الطائفة المارونية أن يكونوا على أتم استعداد عند تحديد خارطة تقسيم فلسطين، بحيث تجري المحافظة على مبدأ الإبقاء على حدود متواصلة مشتركة بين الدولة اليهودية ولبنان، شرط ألا تكون هناك مناطق إسلامية تفصل بين البلدين.

مقترحات مارونية برسم الوكالة اليهودية

ونقل الياهو ساسون ما كتبه في حزيران/يونيو 1938 رئيس فرقة مارونية يدعى جورج مشحور "أن المسيحيين الذي يشكلون 8/1 من السكان جنوب لبنان لا يؤيدون فكرة إقامة وطن قومي يهودي في أرض إسرائيل، ولكنهم في الوقت نفسه لا يعارضون هذه الفكرة، أنهم في الواقع يتخذون موقفاً حيادياً، وسيكون من السهل التوصل الى تفاهم معهم (...).
إن عدد المسلمين السنة قليل في جنوب لبنان، لذلك يجب التحدث عن الشيعة الذين يشكلون وحدهم 7/8 سكان المنطقة. كيف يجب التعامل مع السكان الشيعة؟
أن السكان الشيعة هم في الأساس فلاحون "جهلة"، اما القادة والوجهاء الذين يقودونهم كما تقاد القطعان، ويعاملوهم معاملة الاسياد للعبيد الرؤساء الدينيون. وفي اثناء حكم الإمبراطورية العثماني ــ السنية عانى الشيعة من الاضطهاد الشديد. وما زالوا يتذكرون بمرارة، على تعاقب اجيالهم، تلك المعاناة لذلك يجب اثارة هذه الذكريات وبصورة خاصة ما نسي منها، وبعد ذلك يمكن تحقيق انفجار بناء على طلب رؤساء الطائفة".

مقترح لتفريغ جبل عامل

اقترح أحد "زعماء" المسلمين في جبل عامل واسمه (م ـ ع)(3) على الياهو ساسون، شراء أراضي جبل عامل كلها، ووعد بأنه يلتزم شخصياً بتفريغ المنطقة من سكانها الشيعة الذين يبلغ عددهم حوالي 400 ألف نسمة، وترحيلهم الى العراق في غضون عشر سنوات، وأضاف الحاج عبد الله أنه على استعداد لتقديم مذكرة تفصيلية لنا بهذا الخصوص وبالشروط التي نريدها موقعة من الشيوخ والوجهاء في جبل عامل جميعهم، وذلك حال رغبتنا بذلك".

جبل عامل بين الخوري وساسون

وجرى ذكر أمر منطقة جبل عامل أيضاً خلال اجتماع الياس ساسون مع الرئيس بشارة الخوري الذي زاره ساسون بتوجيه من المطران عبد الله خوري، ويقول ساسون: "يُعد بشارة الخوري(4)، أحد القادة الموارنة ويترأس الحزب المعارض لرئيس الجمهورية إميل إده". ويضيف: "عندما تطرقنا في الحديث الى ضرورة التعاون بين فلسطين اليهودية ولبنان الماروني قال لي الخوري " يوجد بيننا وبينكم حاجز يجب إزالته، وهذا الحجاز هو جبل عامل. هناك ضرورة لتفريغ هذه المنطقة من السكان الشيعة الذين يشكلون خطراً على بلدينا. وقد سبق لهم في فترة الاضطرابات أن تعاونوا مع عصابات المفتي لتهريب السلاح والرجال". ويعتقد الخوري أنه "يجب تفريغ جبل عامل من سكانه وتوطين الموارنة اللبنانيين المهاجرين حالياً إلى أميركا فيه وذلك بعد انتهاء الحرب". واقترح علينا الخوري "أن نقرض البطريرك الماروني أنطوان عريضة مبلغاً كبيراً من المال لكي يتم شراء منطقة جبل عامل لإسكان الموارنة فقط هناك في المستقبل. وبهذه الطريقة يصبح الموارنة جيراناً لليهود، ويصبح التعاون بالتالي سهلاً ودون مضايقات. وسيقف عندئذ اليهود والموارنة صفاً واحداً أمام الزحف العربي المسلم القادم من الشرق. وبذلك يحافظ اليهود أيضاً على حدودهم الشمالية".

حبل عامل في الدعاية النازية

كذلك برزت مشكلة جبل عامل أيضا في الدعاية الألمانية كما يذكر الياهو ساسون، ويقول: "في الاشهر الأخيرة عندما بدأ الدعاة النازيون بنشر أقوال "كاذبة" عن رغبات اليهود ومطامحهم بالنسبة للبنان وسوريا" ويضيف ساسون:"لقد نشروا وثيقة مزيفة تتضمن التزاماً بريطانياً لليهود بضم جبل عامل الى الوطن القومي اليهودي. وتمت عملية النشر بشكل ناجح جداً، حتى أن الموارنة بدأوا يصدقون هذه الادعاءات".

مقترحات الياهو ساسون

ورأى الياهو ساسون في اقتراح خطة للعمل في فلسطين والبلدان المجاورة في تشرين الثاني/نوفمبر 1946 أنه "كان باستطاعتنا أن نتعامل بشكل صحيح مع مشكلات الأقليات في الشرق العربي والتصدي لمحاولة الجامعة العربية التوسع على حساب بلدان أفريقيا الشمالية، كما كن بالإمكان أيضاً بذل الجهود للاستعانة بالأكثرية الشيعية في العراق ضد الأقلية السنية الحاكمة هناك نظراً لكون العراق أكثر الدول عداء لنا..." ويشير ساسون إلى " وجوب بذل الجهود من أجل إفشال الدعاية السامة التي يقوم بها ضدنا عملاء المفتي أمين الحسيني وممثلو الجامعة العربية، ويجب أيضاً التدخل في الانتخابات البرلمانية المقبلة من أجل تأمين وصول حكومات تميل الى تقليص علاقة لبنان بالعالم العربي، كما يتوجب علينا أيضاً تشجيع العناصر الطامحة لتقسيم لبنان الى دولتين مسيحية، أو العناصر الطامحة لإعادة لبنان الى حدوده في العام 1917 وإقامة دولة مسيحية نقية من العنصر الإسلامي داخل هذه الحدود. ويضيف ساسون "ان دولة كهذه في حال قيامها ستدعم الأهداف الصهيونية في فلسطين وتقوي من جديد النفوذ الفرنسي في لبنان والشرق الأوسط بأجمعه".

ويقترح ساسون:"من المستحسن العمل لإيجاد طرق أخرى لتحقيق هذا الهدف مثل:

1ــ تقوية نفوذ الكنيسة المارونية.

2ــ تقوية الصحافة المارونية.

3ــ تقوية الكتل البرلمانية والمنظمة والأحزاب ذات الميول الإسبارطية (العسكرية).

ويرى ساسون أنه " أذا تم تقسيم لبنان وإقامة دولة مسيحية في أحد أجزائه قبل إقامة الدولة اليهودية، فإن هذا الوضع سيستغل من جانبنا كنموذج سابق لحل مشكلة فلسطين وسيضعف الى حد كبير المعارضة العربية لتحقيق أهدافنا السياسية. أما إذا تم تقسيم لبنان وإقامة الدولة المسيحية بعد إقامة الدولة اليهودية فهذا الوضع سيسهل إقامة تعاون مخلص بين الدولتين الجديدتين المسيحية والمارونية من جهة أخرى، وبين الدول الديمقراطية العظمى وهاتين الدولتين من جهة أخرى وكذلك سيشجع هذا الوضع خلق جبهة مسيحية – يهودية مشتركة في قلب المحيط العربي من أجل تطويره تطويراً حقيقياً في شتى المجالات.

وختم ساسون "وفي حال ازدياد النفوذ الفرنسي في الشرق، فإن الأمر سيؤدي الى تحسين العلاقات الفرنسية ـــ البريطانية في الغرب، وسيحد ذلك من مطامح ونشاطات الجامعة العربية في دول شمال افريقيا، ويقلص الدعاية الغربية في الشرق".

هذا غيض من فيض عما كان في كواليس الشرق والعالم العربي مع بداية قيام دولة العدوان، وعن مخططات هذا الكيان، فعلاقات الوكالة اليهودية تشعبت وحققت لها نفوذا في البلدان العربية كافة، ولا بد من جهد لتتبع هذا النفوذ لنحسن المواجهة.
هوامش:
(1) ـ مسؤول عن علاقات الدائرة السياسية التابعة للوكالة اليهودية مع الدول العربية.
(2) ـ مسؤول عن علاقات الدائرة السياسية التابعة للوكالة اليهودية مع الدول العربية.
(3) ـ كان من الوجهاء المحليين في بلدة الخيام، وعرف عنه أنه صديق دائم للسلطة المحلية ويتقاضى عمولات لقاء خدماته.
(4) ـ رئيس جمهورية لبنان السابق.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية