(جورج حداد - كاتب مستقل)
فيما يخص اليهودية، الصهيونية و"اسرائيل"، ينبغي الادراك انه توجد في الظاهرة العامة لليهودية اربع "شخصيات" او حالات substance ، متداخلة ومتشابكة، الا انها تختلف تماما عن بعضها البعض: طبقيا، وسياسيا، واتنيا "قوميا!"، ودينيا "توراتيا". وهذه "الحالات" هي:
ــ1ــ الطغمة المالية ــ الدينية ــ السياسية اليهودية العليا، العالمية؛ وهي التي تعود نشأتها الاولى، وتزعمها العصابات المنضوية تحت عنوان ما يسمى "الديانة اليهودية" و"الشعب اليهودي" و"القومية اليهودية"، ــ تعود الى معركة تدمير الغزاة المتوحشين الرومان لقرطاجة في 146ق.م، التي انطوت فيها صفحة "النظام المشاعي البدائي" القديم، ذي المسحة "الانسانية"، والتي ابيد فيها ذبحا وحرقا بالنار نصف السكان (الذي تقدره مراجع تاريخية بـ700 الف نسمة). فإن النصف الاخر من القرطاجيين الذين وقعوا في الاسر "اشتراهم" النخاسون (تجار العبيد) اليهود من الجيش الروماني بـ"سعر الجملة"، ثم حولوهم الى جوارٍ وعبيد وباعوهم بـ"اسعار المفرق” او “التجزئة" الى النبلاء الرومان وغيرهم؛ اما العجزة والضعفاء والمعاقون والمرضى فباعوهم الى الاغنياء كـ"لحوم" لإطعام الحيوانات المفترسة التي كان الاغنياء يتباهون باقتنائها.
وقد جنى التجار اليهود من هذه الصفقة ارباحا اسطورية وجبالا من الذهب، كانت هي "الرأسمال الاولي"، الذي بنت عليه الطغمة المالية ــ الدينية ــ السياسية اليهودية العليا دورها المركزي في قيادة جميع العصابات اليهودية، وفي شق الطريق للعلاقات الرأسمالية داخل النظام العبودي ــ العنصري القديم الذي ارسته روما، ثم في النظام الاقطاعي ــ الاقناني في العصور الوسطى، واخيرا في النظام الرأسمالي ــ الامبريالي المعاصر.
ــ2ــ دولة "اسرائيل"؛ وهي التي وجدت بفعل تضافر: مصالح الدول الاستعمارية ــ الامبريالية الغربية وسياستها العالمية التوسعية؛ والنزعة الصهيونية الشوفينية، بكل توجهاتها ومفاهيمها اليمينية و"اليسارية"، الدينية و"العلمانية". وبموجب هذه المفاهيم يتألف "شعب" هذه الدولة اولاً من اليهود، الدينيين واللادينيين، ومن ثَمَّ من كل مقيم على "ارض اسرائيل"، من غير اليهود دينيا وعرقيا، اي بمن فيهم السكان الاصليين للاراضي المحتلة، الذين يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية وما دون، على غرار ما كانت تعامل جماهير البلدان المستعمَرة في زمن الاستعمار الكلاسيكي القديم.
ــ3ــ التيار الصهيوني "القومي" و"العلماني"؛ وهو الذي يدعي بأن اليهود، مؤمنين دينيا او لادينيين، هم "قومية" لها لغتها وتاريخها وثقافتها الخاصة (التي تدخل فيها الديانة اليهودية الخاصة)، وان هذه "القومية اليهودية" أُبعدت في الماضي عن "ارضها القومية"، بالقوة، وانها في الزمن الراهن تقاتل لاستعادة "حقها التاريخي" المزعوم في هذه الارض.
ــ4ــ التيار الصهيوني الديني "التوراتي"؛ وهو الذي يصنف البشر الى صنفين: اليهود، او ما يسمى دينيا "شعب اسرائيل"، ويطلق عليهم هذا التيار صفة "البشر الحقيقيين" او "شعب الله المختار"، الذي ينبغي ان يخضع له كل البشر الاخرين، الذين يسميهم هذا التيار "الغوييم" (الاغيار)، ويقصد بهذا التعبير انهم "اشباه بشر" او "حيوانات ناطقة" خلقها الله (يهوه اليهودي) لخدمة "شعبه المختار" (اي اليهود). ويرى انصار هذا التيار ان "قيمة" كل امة او شعب او اتنية او ابناء اية ديانة اخرى، تقاس بمقدار نفعهم لليهود وخدمتهم لهم، ومن ثَمَّ ان كل من يعادي اليهود يعتبر عدوا لله، ويجب ابادته كما تباد الحيوانات والحشرات الضارة.
كما يرى انصار هذا التيار ان الله وهب اليهود "ارض الميعاد" (من النهر الى البحر، او من النيل الى الفرات، حسب مختلف الاجتهادات: "الربانية" التوراتية، او السياسية "القومية" الصهيونية)؛ وبالتالي فان كل الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين والسوريين والاردنيين والعراقيين (السكان الاصليين لهذه الارض منذ آلاف السنين) هم "دخلاء" و"مغتصبون" لهذه الارض التي أوقفها الله لليهود، ويجب معاقبتهم اشد العقاب، لاغتصابهم "ارض الرب!"، وطردهم وابادتهم.
وكل الحالات substances سالفة الذكر تدخل ضمن مفهوم اليهودية الصهيونية، التي يقودها عالميا مركزان رئيسيان هما:
الاول والاهم ــ هو الكتلة المالية اليهودية العليا؛ التي تتخذ من اميركا مقرا لها في المرحلة التاريخية الراهنة.
ويعمل هذا المركز لفرض الهيمنة اليهودية على العالم اجمع، بالارتكاز على العامل المالي، المتمثل في الهيمنة على الدورة المالية ــ التجارية ــ الاقتصادية للنظام الرأسمالي ــ الامبريالي العالمي.
ويتمتع هذا المركز بميزة متفردة، وهي علاقته العضوية ومكانته المميزة بالنظام الرأسمالي ــ الامبريالي الاميركي، والحكومة العميقة في الولايات المتحدة الاميركية، سواء كان في السلطة الحزب "الدمقراطي" او الحزب "الجمهوري". وبحكم موقعه المميز هذا في اميركا، يضطلع هذا المركز بدور الجسر المركزي للتواصل بين اليهودية العالمية ودولة "اسرائيل" من جهة، وبين الدولة الاميركية من جهة اخرى؛ ومن ثم فهو الذي يقرر طبيعة العلاقات الجيوسياسية الاميركية ــ الاسرائيلية، وحجم المساعدات المالية والتجسسية والعسكرية غير المحدودة التي تقدمها الدولة الاميركية لاسرائيل، من وراء ظهر ما يسمى "الشعب الاميركي"، الذي يتماهى مع "الشعب اليهودي"، بوصفه هو ايضا "شعبا من اللقطاء"، الباحثين عن الذهب والمغامرينن والمجرمين الفارين والقراصنة واللصوص واللاجئين والمهاجرين، تكوكبوا حول نواة من "الاوروبيين الاستعماريين البيض"، الذين غزوا "اميركا"، وابادوا سكانها الاصليين، واقاموا فوق جماجمهم الولايات المتحدة الاميركية، التي نصبوا على بابها تمثالا لـ"الحرية!".
وبواسطة الكتلة المالية اليهودية العليا، تتخذ العلاقات بين "الدولة الاميركية" و"الدولة الاسرائيلية" طابعا وثيقا خاصا تبدو معه "اسرائيل" وكأنها "ولاية مميزة" في الدولة الفيديرالية الاميركية. وهذا ما لا مثيل له في علاقة "اسرائيل" مع اي دولة امبريالية غربية اخرى.
والمركز الثاني ــ هو السلطة الفعلية الحاكمة في دولة اسرائيل، والقائمة بالدرجة الاولى على الجيش والاجهزة الامنية والمخابراتية والمستوطنين المسلحين.
ويعمل هذا المركز لفرض الهيمنة اليهودية على العالم، بالارتكاز على العامل الجغرافي، المتمثل في الحروب التوسعية والاحتلال والسيطرة على الاراضي العربية المغتصبة، الفلسطينية والعربية الاخرى. وهو يعمل على توسيع رقعة الاحتلال باستمرار، توصلا الى تأسيس ما يسمى "اسرائيل الكبرى" كهدف نهائي.
وتتأتى اهمية هذا العامل الجغرافي والدور الذي تلعبه اسرائيل في المنظومة الامبريالية ــ اليهودية، العالمية، من ان الرقعة الجغرافية العربية ــ الاسلامية التي يجري الصراع فيها وعليها، والتي تقع في شرق وجنوب حوض البحر الابيض المتوسط، وغرب اسيا، وافريقيا الشمالية، انما تتوسط العالم منذ القدم الى اليوم، حيث انها تقع بين القارات الرئيسية الثلاث، آسيا واوروبا وافريقيا، كما بين المحيطين الاكبرين، الاطلسي والهندي، بكل ما لذلك من اهمية استثنائية: تجاريا واقتصاديا وحضاريا وسياسيا وعسكريا، لجميع دول العالم بدون استثناء، بما في ذلك دول اوقيانوسيا (اوستراليا ومحيطها) واميركا الشمالية والجنوبية.
ومن خلال السيطرة على هذه الرقعة الجغرافية يمكن السيطرة على الدورة الحياتية للمجتمع الدولي بأسره. وهذا هو بالضبط ما تسعى اليه دولة "اسرائيل الصغرى" الحالية، التي تجند كل قواها وتعمل لتجر وراءها اليهودية العالمية وجميع دول الامبريالية الاميركية والغربية، من اجل تفتيت جميع بلدان ودول المنطقة العربية ــ الاسلامية، وتحويلها الى دويلات وممالك وامارات ومشيخات وخانات، متنافسة متناقضة ومتناحرة، تسود فيها وتسيطر عليها جميعا "اسرائيل الكبرى" او "مملكة الرب المقدسة"، التي تمتلك "مفاتيح السماء!" (باسم الديانة الابراهيمية ــ الام) الى جانب "مفاتيح" الاقتصاد العالمي، وارقى التكنولوجيا، واضخم واخطر الاسلحة وعلى رأسها السلاح النووي وغيره من اسلحة الدمار الشامل، والتي ــ عن طريق ذلك كله ــ تتحكم بمصائر جميع شعوب العالم، التي يتم تصنيفها الى درجات في فئة "الغوييم" (الاغيار) ــ اي "الحيوانات الناطقة" ــ التي "يحق" لليهود ابادة من يريدون ابادته منها، والتي "لا قيمة" للاحياء منها الا بمقدار خضوعهم وخنوعهم وخدمتهم لـ"شعب الله المختار!".
ويقوم بين هذين المركزين (المالي اليهودي ــ الاميركي، والجغرافي اليهودي ــ الاسرائيلي) تنافس كبير، ضمني مستتر دائما، ومكشوف احيانا، حول قيادة الحالة المركبة لليهودية والحركة الصهيونية، العالميتين.
وامام هذا الواقع الجيوسياسي الدولي، فإن قدر الشعب الفلسطيني، الذي كان الضحية الاولى للمشروع اليهودي ــ الصهيوني ــ الامبريالي العالمي، ان مقاومته الشعبية المشروعة لا تستطيع الا ان تكون مقاومة فلسطينية ــ عربية ــ اسلامية.وهذا ما اثبته فشل تجربة "منظمة التحرير افلسطينيةة ــ الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني!!!" و"السلطنة الوطنيو الفلسسطينية الاوسلوية و"مشروع اقامة االدولتين الاسرائيلية والفلسطينية!".
وقدر حركة التحرر الوطني في لبنان واي قطر عربي آخر انها لا تستطيع الا ان تكون عربية ــ اسلامية ــ اممية (انسانية)، لتحرير جميع شعوب العالم من ربقة النظام الرأسمالي ــ الامبريالي العالمي وفصيلته المتقدمة: اليهودية العالمية والصهيونية ودولة "اسرائيل".