د. علي دربج - باحث وأستاذ جامعي
مخطئ من يظن أن الوفود الدبلوماسية الغربية التي تقاطرت على "اسرائيل" في المدة الأخير، هدفها الأساسي تقديم الدعم السياسي أو المالي أو العسكري، بل الحرص على انتشالها من مستنقع غزة، بعدما تم تصنيفها من قبل العديد من بلدان وشعوب العالم، كدولة دموية، استحقت لقب "قاتلة الاطفال" بامتياز، فضلًا عن محاولة انقاذها من تهمة الإبادة الجماعية التي تواجهها في محكمة العدل الدولية في أعقاب قيام جنوب افريقيا، بالتقدم بشكوى ضدها على خلفية ارتكابها جرائم ضد الإنسانية.
فظائع وجرائم "اسرائيل" بالأرقام.. الأميركية
في الحقيقة، لم يسبق انت وصلت صورة "إسرائيل" الى الحضيض، وواجهت هذا الكم من حملات الادانة والاستنكار والانتقاد حتى من اقرب حلفائها، بالنظر الى مذابحها ومجازرها بغزة، كما يحصل حاليا. اما أسباب ذلك فكثيرة ومنها ما يعود الى الارقام المرعبة عن أعمال القتل والتدمير المنهجي لغزة.
ولهذا الغاية كشف تحليل أجرته صحيفة "وول ستريت جورنال" لحملة القصف الإسرائيلية، عن أنه بحلول منتصف كانون الأول/ ديسمبر، "تعرض ما يقرب من 70 بالمائة من منازل غزة البالغ عددها 439 ألف منزل، ونحو نصف مبانيها للأضرار أو للتدمير. كما ان الكثير من البنية التحتية للمياه والكهرباء والاتصالات والرعاية الصحية، أصبحت غير قابلة للإصلاح. والأسوأ انه من بين مستشفيات غزة البالغ عددها 36، لا يزال هناك ثمانية مستشفيات فقط قادرة على استقبال المرضى. كذلك أفاد مراقبو الأمم المتحدة أن أكثر من ثلثي جميع المباني المدرسية قد تضررت اي حوالي 342 مدرسة، بما في ذلك 70 مدرسة تابعة لها. ناهيك عن العديد من الكنائس، وأكثر من 100 مسجد. ووجد البنك الدولي ايضا، أن أكثر من نصف الطرق قد تضررت أو دمرت.
وفي السياق ذاته، نقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن خبراء قولهم ان إسرائيل قتلت مدنيين أكثر مما فعلته الولايات المتحدة وحلفاؤها في ثلاث سنوات اثناء ما يسمى حملتها المزعومة ضد "داعش" بسوريا والعراق.
وما يثير الصدمة، انه من الناحية النسبية، تجاوزت الحملة الإسرائيلية تدمير قصف الحلفاء لألمانيا في الحرب العالمية الثانية، وبحسب الخبير "روبرت بيب" من جامعة شيكاغو، قال "إنها واحدة من أشد حملات العقاب الجماعي في التاريخ".
وماذا عن الاعداد التقريبية للقنابل التي سقطت على رؤوس أطفال ومدني غزة؟
قدّرت المخابرات الأمريكية في منتصف كانون الأول/ ديسمبر الفائت، أن 40 إلى 45 بالمائة من 29.000 قنبلة أسقطتها إسرائيل كانت غير موجهة، وتسببت بأضرار متعمدة، ومهولة دفعت بأميرال إسرائيلي الى الاعتراف أن جيش الاحتلال " يركز على ما يسبب أكبر قدر من الضرر".
وتأكيدا على هذا التوجه الدموي، استحضر نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، الروايات الخرافية التوراتية التي ابتدعها اليهود عبر العصور، ويزعمون فيها ان "الله يقول لبني إسرائيل أن يقتلوا كل رجل وامرأة وطفل، ويدمروا جميع الممتلكات ـــ بل ويقتلوا كل حيوان ـــ ردا على هجوم مفاجئ.
ليس هذا فحسب، إذ تشير تقارير لجنة حماية الصحفيين (منظمة غير حكومية غير هادفة للربح مقرها في مدينة نيويورك) إلى أن "عدد الصحفيين الذين قُتلوا في الأسابيع العشرة الأولى من الحرب بين إسرائيل وغزة يفوق عدد الصحفيين الذين قُتلوا في دولة واحدة على مدار عام كامل".
بدورها تؤكد تقارير الأمم المتحدة إلى أن عدد عمال الإغاثة التابعين للأمم المتحدة الذين قُتلوا في غزة، أكبر من عدد القتلى في أي صراع آخر على مدار 78 عامًا من عمر المنظمة.
ما هو رأي الجمهور الإسرائيلي بسياسة حكومتهم؟
في الواقع، أظهرت استطلاعات الرأي منذ بداية هذا الصراع أن معظم الجمهور فقد الثقة ببنيامين نتنياهو. وتبعا لذلك، كشف استطلاع للرأي نشر الأسبوع الماضي أن 15% فقط ممن شملهم الاستطلاع يريدون أن يحتفظ نتنياهو بمنصبه بعد الحرب. وكان استطلاع سابق اكد أن 69 %، يريدون إجراء انتخابات مبكرة بمجرد انتهاء الحرب.
في المحصلة، يضغط الرئيس الأمريكي جو بايدن ــــ من خلال دعمه الخطابي والمادي لحرب إسرائيل ضد حماس ــــ للتأثير على القادة الإسرائيليين لرؤية (ما تسميه إدارة بايدن) "ما هو أبعد من غضبهم ورغبتهم المشروعة في القضاء على حماس بغزة، والتوجه نحو المساعدات الإنسانية الحيوية، وإلا فأن المخاوف الاستراتيجية التي ينبغي لزعماء إسرائيل أن يروها وفقا للبيت الابيض، هي في مصلحة الجميع، بما في ذلك مصالح اسرائيل نفسها، خصوصا ان ما يخرج من اليأس سيكون قبيحاً بالفعل" والكلام على ذمة مسؤولين امريكيين.