أحمد رجب
تسببت الأزمة السورية التي دخلت عامها الرابع في مجموعة من الأعراض الجانبية لاقتصادات دول الجوار، حيث فر قرابة 6 مليون لاجئ سوري خارج الأراضي السورية، يتمركز نحو 97% منهم في دول الجوار، وعلى رأسها لبنان والأردن وتركيا، الأمر الذي يشكل ضغطًا متزايدًا على الهياكل الاقتصادية لهذه الدول، خاصة فيما يتصل بمرافق البنية الأساسية وأسواق العمل والمالية العامة، فيما تباينت استجابة تلك الدول لهذه الضغوط طبقًا لمجموعة من العوامل، أهمها طبيعة الوضع الاقتصادي العام في الدولة وحالة المالية العامة فيها ونسبة اللاجئين لعدد السكان المحليين.
سياسات متباينة
أدى تصاعد حدة العنف وتحول الأزمة السورية إلى ما يشبه الحرب الأهلية، إلى زيادة أعداد النازحين السوريين إلى حوالي 6 مليون لاجئ، وفقًا لتقرير المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة الصادر في ديسمبر 2013، حيث تحتضن لبنان وحدها أكبر عدد من اللاجئين، والذي يقدر بنحو 1.2 مليون لاجئ، وبما يمثل نسبة 20% من إجمالي عدد اللاجئين، فيما تتوقع الحكومة اللبنانية أن يصل العدد إلى حدود 1.6 مليون لاجئ في نهاية عام 2014، بينما تقدر أعداد اللاجئين في الأردن بحوالي 600 ألف لاجئ، وبما يوازي نسبة 10% من مجموع عدد اللاجئين السوريين، كما تستوعب تركيا قرابة 800 ألف لاجئ سوري، وبما يعادل نسبة 13% من جملة عدد اللاجئين.
وتختلف استجابة الدول المضيفة لتدفقات النزوح السوري وفق مجموعة من العوامل الداخلية في هذه الدول، والتى تشمل حجم اللاجئين السوريين في هذه الدولة، وسياسة تلك الدولة إزاء الأحداث في سوريا بشكل عام، ومواقفها تجاه اللاجئين بشكل خاص، والإمكانيات المالية لهذه الدولة، ويمكن تناول هذه العوامل على النحو التالي:
1- نسبة اللاجئين إلى السكان المحليين: تحدد نسبة اللاجئين إلى السكان بشكل ما ملامح رد فعل الدول المضيفة تجاه تدفقات النزوح المتتالية، فكلما زادت هذه النسبة كلما تأزم الوضع الداخلي وارتفعت التكلفة المالية لاستضافة النازحين، ففي حين تتحمل لبنان، التي يبلغ عدد سكانها 4 مليون نسمة، ما يقرب من 1.5 مليون لاجئ سوري
يمثلون 37% من السكان، بالإضافة إلي ما يقارب 460 ألف لاجئ فلسطيني منذ عام 1948، يمثلون في المجمل نحو نصف عدد السكان الأصليين في لبنان، فإن دولا كبيرة كالعراق ومصر وتركيا استقبلت عددًا أقل من اللاجئين مقارنة بعدد السكان المحليين، ففي حين يبلغ عدد سكان تركيا نحو 77 مليون نسمة، فإنها تستضيف حوالي 800 ألف لاجئ، وبما لا يزيد عن نسبة 1% من إجمالي السكان، فيما تبلغ هذه النسبة في حالتي مصر والعراق أقل من 0.4%.
2- الوضع الاقتصادي العام للدول المضيفة: تعاني معظم دول الجوار في الأصل من مشاكل اقتصادية مركبة، وبما يحد من قدرتها على التعاطي مع تدفقات اللجوء السوري المتزايدة، حيث ترتفع نسب البطالة والفقر في معظم هذه الدول، على سبيل المثال يصل مؤشر نسبة الفقر في لبنان إلى40% وفقًا لبيانات البنك الدولي عام 2013، فيما ترتفع معدلات البطالة بين الشباب اللبناني لتصل إلى نحو 22% في عام 2013 بحسب تقديرات منظمة العمل الدولية، وبالتالي يتنافس اللاجئون السوريون مع الطبقات الأقل دخلا من اللبنانيين على الوظائف الدنيا والوظائف اليدوية التى غالبًا ما تتناسب مع ظروف اللاجئ، في المقابل تتمتع تركيا بنسب بطالة وفقر منخفضتين، إذ لا تتجاوز معدلات الفقر 1.3% وفقًا لبيانات البنك الدولي، كما لا تزيد معدلات البطالة عن 10% بحسب معهد الإحصاءات التركي، وبما لا يمثل ضغطاً على الأوضاع الاقتصادية العامة في تركيا.
3- حالة المالية العامة في الدول المضيفة: تمثل تدفقات النزوح السوري عبئًا ماليًا كبيرًا على المالية العامة لدول الجوار الأقل دخلا مثل الأردن ولبنان، واللتين تستضيفان وحدهما نحو مليوني سوري، إذ تقدر حجم الخسائر المالية في لبنان بنحو7.5 مليار دولار بحسب دراسة أعدها البنك الدولي وأجريت بطلب من الحكومة اللبنانية نهاية عام 2013، والتي أفادت بأن المصاريف المباشرة للخزينة اللبنانية لتأمين الخدمات الإضافية للنازحين السوريين بلغت 1.1 مليار دولار. في الوقت نفسه، لم يتعد حجم تمويل الاستجابة الدولية للنداء الإنساني الذي أطلقته الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين السوريين نسبة 50% من إجمالي فجوة التمويل المطلوب خلال عام 2013، الأمر الذي دفع الأردن، على مدى السنوات الثلاث الماضية، إلى تلقي عدد من المنح والقروض والمساعدات الاقتصادية لمعاونتها في تحمل الأعباء الناتجة عن استضافة اللاجئين السوريين، والتي بلغت حتى نهاية عام 2013 حوالي 2.1 مليار دولار. وعلى العكس من حالتي الأردن ولبنان، لم تحصل تركيا على دعم مالي كبير، وتحملت أعباء الاستجابة لأزمة اللاجئين السوريين، والتي بلغت في ديسمبر 2013 نحو 2 مليار دولار.
4- طريقة إدارة تدفقات اللاجئين في الدول المضيفة: تمثل تدفقات اللاجئين بشكل عام عبئًًا على المجتمعات المضيفة، لكن على الجانب الآخر يتيح اللاجئون منافع اقتصادية مفيدة للتنمية بالنسبة للدول المضيفة، منها توطين مهارات جديدة بأسواق العمل الوطنية، ورفع معدلات الطلب الفعال، وتعزيز الاستفادة من برامج المساعدات، التي تضم مثلا خدمات البنى التحتية والرفاه الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، ارتفع عدد السكان في الأردن بنسبة 10% نتيجة نزوح اللاجئين السوريين، يمكن أن يساهموا في رفع الطلب الكلي بمعدل مساوٍ، وبما يعني زيادة الإنفاق الاستهلاكي، ومن ثم ارتفاع إيرادات الدولة من الضرائب، علمًا بأن ثلث عائدات الحكومة الأردنية تأتي من ضريبة المبيعات، حيث أشارت دراسة أعدتها مجموعة أكسفورد الاقتصادية إلى انخفاض نسبة البطالة في الأردن عام 2012 من 12.9% إلى 12.2%، كنتيجة محتملة لزيادة تدفقات النزوح السورية، بعد ضخ نحو مليار دولار من قبل السوريين في السوق الأردنية، وهو ما تتوقع الدراسة ارتفاعه مع نهاية عام 2014 بمقدار 3%.
في المجمل، يفرض استمرار تأزم الأوضاع السورية على الأرض المزيد من الضغوط على دول الجوار، في ضوء توقع تزايد معدلات تدفقات النزوح في المستقبل القريب، الأمر الذي يتطلب معه إيجاد صيغة دولية مشتركة لحل هذه الأزمة المركبة، وبما يضمن توفير حياة كريمة للاجئين السوريين، دون أن يمثل ذلك ضغطًا على البنية الاقتصادية للدول المضيفة.
المصدر: المرحكز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية