تحليل Iran Review
محمد خاجوئي ـ الاحد 7 يوليو، 2013
من اللحظة الذي بدأ فيها المعارضون للرئيس المصري المخلوع محمد مرسي بالتجمع في الشوارع مصرِّين على الاطاحة به وصولاً إلى الرد الايجابي للجيش المصري الذي أعطاه لمطلب المعارضة من خلال تنظيم انقلاب ضد حكومة مرسي، يمكن اعتبار التطورات السياسية الأخيرة في مصر نقطة تحول كبرى في الحياة السياسية لهذا البلد الشمال افريقي منذ انتصار الثورة الأصلية في 25 يناير/ كانون الثاني 2011. مع ذلك، لقد كانت نقطة التحول هذه مدعاة للقلق أكثر من كونها مشجعة.
وبصرف النظر عن أداء محمد مرسي في منصبه، والذي تميز بدرجات متفاوتة من القبول والمعارضة، فإن الواقع الذي لا يمكن تجاهله هو أنه كان الرئيس الشرعي لمصر الذين وصل إلى منصبه قبل نحو سنة، وبعد ثورة شعبية في البلاد من خلال انتخابات حرة تم تأكيد صحتها من قبل جميع الأطراف. لذلك، لم يكن يليق بالثورة المصرية الإطاحة بحكومتها الجديدة، التي برزت من الأصوات الشعبية، بعد وقت قصير من الثورة التي أنهت ثلاثة عقود من الحكم العسكري والسلطوي للدكتاتور السابق في البلاد، حسني مبارك . مع ذلك، يبدو أن التطور الرئيس الذي مهد الطريق أمام الجيش المصري لتنظيم انقلاب كان ظاهرة تحولت بشكل أو بآخرإلى وباء في الجو السياسي في مصر بعد حكم مبارك. هذه الظاهرة، التي تنتشر بسرعة ليس فقط في مصر، وإنما أيضاً عبر دول أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ليست سوى ما يطلق عليه المحللون 'سياسة الشارع'.
فمنذ حوالي سنتين ونصف، تحولت الشوارع في العديد من دول الشرق الأوسط، والتي كانت فيما مضى مجرد طرق تمر بها مختلف المركبات وتمتلئ بحركة المشاة، تحولت إلى عنصر فعال أثر على المعادلات السياسية على نطاق واسع في العديد من بلدان الشرق الأوسط، بما في ذلك مصر. في الواقع، كان الوجود الواسع النطاق والملون للناس من مختلف المشارب والمدارس النظرية والسياسية في الشوارع والساحات العامة لمدن هامة في الشرق الأوسط العامل الرئيس الذي جعل مثل هؤلاء الحكام الديكتاتوريين كالرئيس المصري (حسني مبارك) والتونسي (زين العابدين بن علي) يتنحون عن الحكم بعد أن ظلوا في السلطة لسنوات طويلة.
على الرغم من أن الشوارع لعبت دوراً إيجابياً في قلب الأنظمة الديكتاتورية، فإنها تحولت تدريجياً إلى عقبة في طريق التطورات اللاحقة في البلدان الثورية بعد انتصار الانتفاضات الشعبية. ويبدو أن استمرار وجود الناس في الشوارع لأسباب متنوعة يتحول الى تطور روتيني حيث يتوصل الجميع إلى استنتاج مفاده أن الشارع هو الوسيلة الوحيدة التي يمكنهم استخدامه بشكل فعال لتحقيق أهدافهم السياسية.
على الرغم من أن الشوارع هي إحدى أهم الأماكن العامة التي يمكن استخدامها لطرح مطالب الشعب السياسية والاجتماعية، فإن بإمكانها أن تلعب دوراً ايجابياً في العملية السياسية فقط طالما أنه لا يتم استخدامها بغرض إخراج العملية السياسية عن الطريق المنطقي الرئيس لها، وهو التنافس على السلطة من خلال الوسائل القانونية والمشروعة.
مع ذلك، وخلال الأيام الأخيرة، سعت مجموعة من الشعب المصري لإسقاط الرئيس الشرعي للبلاد من خلال التجمع في الشوارع، وحققوا أخيراً هدفهم. هذا التطور يمكن أن يعتبر ذروة هذه الظاهرة التي تعرف باسم سياسة الشارع. باختصار، إن جلب الحياة السياسية إلى الشوارع سوف يصل بالأمور إلى جمود كلي في الإجراءات القانونية والمؤسساتية ذات الصلة بمثل هذه التطورات السياسية كإنشاء وتغيير الحكومة. ففي هذه الحالة، يفضل الناس إحداث التغييرات المذكورة عن طريق التجمعات في الشوارع، حيث تسبق العواطف عادة العقلانية.
ولا يمكن لجميع الثورات والحركات الديمقراطية أن تثمر إلا بظل ظروف معينة يتم فيها انشاء جميع المؤسسات الضرورية التي تعطي القوة والحماية للديمقراطية. وإحدى أهم ركائز الديمقراطية هو الدور المركزي الذي تضطلع به صناديق الاقتراع والانتخابات في تحديد أو تغيير الناس الذين يجب أن يديروا مؤسسات السلطة. ولذا، فإن الإطاحة بالحكومة المنتخبة، بغض النظر عن الدوافع والأهداف التي تقف وراء ذلك، سيكون تجاهلاً واضحاً للإجراءات القانونية والمشروعة التي ينبغي أن تقود عملية الانتقال العادي للسلطة. إن جلب السياسة إلى الشوارع يعمل كسيف ذو حدين. فإذا نجح اليوم معارضو مرسي في تحقيق هدفهم من خلال هذه الوسائل، فقد يكون هناك غد يتم فيه خلعهم من السلطة عبر الوسائل ذاتها.
ربما ، يمكن للمرء أن يتقبل ادعاءات معارضي مرسي بأنه وجماعة الإخوان المسلمين يهدفون إلى احتكار السلطة السياسية والتخلص التدريجي من جميع التيارات السياسية الأخرى. لكن، حتى في هذه الحالة، لا يبدو أن المسار الذي اختاره معارضوه لتحقيق هدفهم – وهو الإطاحة بالحكومة المنتخبة من قبل، عن طريق تجاهل أهمية الانتخابات كمؤسسة في الواقع- سيكون أقل ضررا من أداء مرسي والإخوان المسلمين. بعبارة أخرى، إن الأضرار الناجمة عن انقلاب ضد حكومة منتخبة وتحويلها إلى إجراء روتيني سيكون له أثر تدميري أكبر بكثير من أداء مرسي والإخوان المسلمين خلال كل الفترة التي هيمنوا فيها على السلطة السياسية.
لا يمكن للمرء أن يدعي أنه يروج للديمقراطية لمجرد أنه يسعى لمواصلة الدوافع والأهداف الديمقراطية. على الرغم من أن الهدف هو القضية الأهم، فإن الطريقة التي يختارها المرء لتحقيق أهدافه مهمة جداً أيضاً من وجهة نظر منطقية. إن الضرر الرئيس للانتخابات كمؤسسة وللدور المركزي لصناديق الاقتراع إبان التطورات السياسية الأخيرة في مصر قد حصل. ونتيجة لذلك، سيكون من الصعب جداً استعادة هذه المؤسسة إلى حالتها الأصلية، وإقامة توافق وطني حولها، وضمان امتثال الجميع للآليات الديمقراطية.
إن جلب السياسة إلى الشوارع، مثلما شهدنا في مصر خلال الايام الماضية، سيقدم لاعبين سياسيين مختلفين بنموذج جديد: أن وجود ما يكفي من القوة في المواجهة في الشوارع هو العامل الأهم الذي يؤثر في العمليات السياسية لبلد ما . وغني عن القول أنه لن يكون هناك نهاية لهذه العملية حيث أن جميع اللاعبين السياسيين سوف يظلون يدعون أنصارهم للقيام باحتجاجات في الشوارع. في الواقع، إن أهم نتائج هذا النموذج لن يكون سوى وباء من الفوضى وعدم الاستقرار.
يبدو أن تصفية الحسابات السياسية في الشوارع لن تبق محدودة في مصر. فمنذ بعض الوقت تماماً، خرج المتظاهرون في تركيا إلى الشوارع داعين الحكومة [ حكومة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان] للتنحي. والآن حتى، تم اطلاق حركة مشابهة لحركة تمرد ( ومعناها 'العصيان') وقد بدأت بالفعل في تونس، وتتبع الهدف المعلن المتمثل بإسقاط الحكومة التونسية والجمعية التأسيسية [المسماة الجمعية الوطنية التأسيسية (NCA)] وكلاهما نتاج انتخابات حرة في هذا البلد الشمال إفريقي.
هذا المقال ليس بأي حال من الأحوال محاولة للدفاع عن أداء هذه الحكومات الشرق أوسطية كحكومة مرسي. مع ذلك، يهدف المقال إلى تقديم صورة واضحة للمشكلة وللتحدي الجديد والعظيم الذي يواجه منطقة الشرق الأوسط بأكملها حالياً. وإذا لم يتم العثور على حل عاجل لهذه المشكلة، فإن المنطقة ستواجه قريباً الحركات الإقليمية، التي تسعى إلى التغيير في بلدانها، وتهدف إلى بناء مجتمعات ملتزمة بالقانون والديمقراطية، مع تحديات ومخاطر لا يمكن تصورها، وسوف تمنعها من تحقيق أهدافها الحقيقية.
(*) ترجمة: إيمان سويد، خاص مجموعة الخدمات البحثية