"إن القوات الخاصة التابعة للختنشتاين هي التي نفذت الهجوم على داعش".. بهذه الكلمات "الساخرة" علّق وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان على استهداف بعض عناصر تنظيم "ولاية سيناء" التابع لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في شبه جزيرة سيناء المصرية، وذلك بعد قوله: "نحن لا نترك أمرًا من دون رد".
اعتراف ليبرمان الضمني بمسؤولية بلاده عن هذا القصف وتهديده بشأن المزيد من الرد حال تعرض بلاده لأي هجوم من جانب التنظيمات المسلحة في سيناء، يضع النظام المصري في حرج شديد، خاصة في ظل التزام القاهرة الصمت حيال هذه التصريحات، مما يفتح الباب لمزيد من التكهنات عن عمق التنسيق الأمني المصري الإسرائيلي في سيناء، لا سيما أن هذه العملية ليست الأولى كما سيرد ذكره لاحقًا.
ردًا على "داعش"
بحسب ما أعلنه وزير الدفاع الإسرائيلي وأيده شهود عيان، فقد استهدفت طائرة دون طيار سيارة يستقلها 4 مسلحين من عناصر تنظيم "ولاية سيناء" التابع لـ"داعش" في سيناء، تحديدًا في منطقة العجراء الصحراوية، على طريق يربط بين قرية البرث وقرية شيبانة والمهدية، مؤكدًا أن التنظيم في سيناء لا يعتبر "تهديدًا للأمن الإسرائيلي ولكنه يضايق ويشوّش فقط، فلا يمكن مقارنته بحركة حماس أو حزب الله"، على حد قوله.
الاستهداف الإسرائيلي لعناصر التنظيم، يأتي بعد إعلان المتحدث باسم جيش الاحتلال اﻹسرائيلي، أفيخاي أدرعي ، الإثنين الماضي، إطلاق صاروخين من سيناء على أشكول، من دون وقوع خسائر أو إصابات.
وبحسب وكالة أعماق الموالية لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، فإن إطلاق الصواريخ على إسرائيل يأتي ردًا على مقتل 5 من أهالي سيناء في قصف طائرة من دون طيار إسرائيلية، في 18 من فبراير الحالي، لسيارة بقرية شيبانة، جنوب مدينة رفح، على حد وصفها.
ليبرمان لا يعتبر تنظيم "داعش" بسيناء "تهديدًا للأمن الإسرائيلي ولكنه يضايق ويشوّش فقط، فلا يمكن مقارنته بحركة حماس أو حزب الله
ليست المرة الأولى
استهداف جيش الاحتلال لبعض عناصر التنظيمات المسلحة في سيناء أمس ليس الأول من نوعه، بل هو حلقة في سلسلة طويلة من التدخلات العسكرية الإسرائيلية في شبه جزيرة سيناء في السنوات الأخيرة، حيث استغلت تل أبيب حالة الفراغ الأمني الذي شهدته المنطقة من ثورة 25 يناير للقيام ببعض العمليات الانتقامية ضد عدد من المسلحين على الشريط الحدودي لمدينة رفح.
وتعود الواقعة الأولى التي تورط فيها الكيان الإسرائيلي بقصف أهداف له في سيناء، إلى نهاية 2012، حين استهدفت طائرة دون طيار، تابعة لجيش الاحتلال دراجة بخارية كان يستقلها أحد عناصر الجماعات المسلحة ويدعى إبراهيم عويضة، وبحسب تصريحات تنظيم "أنصار بيت المقدس" فإن إسرائيل نجحت في زرع شريحة إلكترونية في دراجة عويضة لإمكانية تحديد مكانه ومن ثم قصفه.
ثم توالت العمليات العسكرية الإسرائيلية منذ 2013، حين أعلن الجيش المصري "الحرب ضد الإرهاب" في سيناء، حيث سهل ذلك الأمر على القيادة العسكرية في تل أبيب، خاصة في ظل العلاقات القوية بين رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وعبد الفتاح السيسي، سواء حين كان وزيرًا للدفاع أو بعد أن أصبح رئيسًا للدولة.
استهداف جيش الاحتلال لبعض عناصر التنظيمات المسلحة في سيناء أمس ليس الأول من نوعه، بل هو حلقة في سلسلة طويلة من التدخلات العسكرية الإسرائيلية في شبه جزيرة سيناء في السنوات الأخيرة
9 أغسطس 2013: استهدفت طيارة دون طيار، خمسة من العناصر المسلحة التابعة لتنظيم "أنصار بيت المقدس"، بصحراء قرية العجراء الحدودية جنوب مدينة رفح، ورغم نفي المتحدث العسكري للجيش المصري مما أثير بشأن تورط جيش الاحتلال الإسرائيلي في هذه العملية، فإن شهود عيان ومصادر صحفية سيناوية أكدت حينها أن الغارة إسرائيلية.
أغسطس 2016: استهدفت طائرة دون طيار، سيارة كان يستقلها مواطن يدعى ناجح سليمان، في مدينة رفح المصرية، وبحسب روايات اﻷهالي حينها، فإن الطائرة التي استهدفت سيارة سليمان من المرجح أن تكون إسرائيلية، لا سيما أنه تلقى تهديدات بعدم المرور في المناطق الحدودية.
20 يناير 2017: استهدفت طائرة دون طيار مسجدًا بمنطقة العجراء، جنوبي رفح، أسفر عن مقتل 10 أشخاص، وهو ما أكده سكان محليون وشهود عيان، لمنظمة سيناء لحقوق الإنسان، حيث حلقت الطائرة في سماء المنطقة الحدودية لفترة طويلة، قبل أن تختتم مهمتها بتوجيه صاروخين صوب المصلين في أثناء خروجهم من المسجد.
وبحسب شهود عيان بسيناء فإن التدخلات العسكرية الإسرائيلية في سيناء زادت بنسبة كبيرة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وذلك عبر التمشيط الدوري للطائرات دون الطيار، والتي تنتشر في سماء شبه جزيرة سيناء بشكل غير مسبوق، مما يتسبب في استفزاز أهالي سيناء، على حد قولهم.
ووفقًا لما نقله "العربي الجديد" على لسان عسكريين متقاعدين، فإنه يمكن رصد حجم الاختراق الإسرائيلي لسيناء، في ثلاثة مشاهد، أولاً اختراق طائرات من دون طيار إسرائيلية المجال الجوي المصري وتنفيذ عمليات قصف ضد أهداف هناك، ثانيًا الاعتماد على شبكة من الجواسيس الذين يتعاملون مع الموساد الإسرائيلي لنقل تحركات المسلحين، وأخيرًا ما تردد عن قيام ضباط إسرائيليين بالاتصال بأهالي سيناء لحثّهم على نقل تحركات المسلحين وتحذيرات من التعامل معهم، فضلاً عن حثهم على الرحيل من المناطق التي تشهد عمليات مسلحة.
تنسيق مصري إسرائيلي
من الواضح أن التحركات الإسرائيلية داخل سيناء بتلك الأريحية، لا يمكن أن تتم دون تنسيق مع الجانب المصري، وهو ما كشف عنه تقرير تلفزيوني لشبكة "بي بي سي عربي"، عن حجم التنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل في سيناء، لمواجهة تنظيم "داعش".
التقرير ذكر أن منطقة الشريط الحدودي الفاصل بين إسرائيل ومصر، أصبحت مختلفة عما كانت عليه قبل سنوات، مع وجود نقاط حدودية جديدة وسياج أمني، وبحسب مسؤول عسكري إسرائيلي فإن تنظيم الدولة في سيناء، هو العدو المشترك لمصر وإسرائيل، وأن مصلحة الطرفين هي التغلب على هذا التنظيم.
رون بن يشاي: إن تل أبيب سخرت قدرات جهاز استخبارات الشاباك والجيش لجمع المعلومات عن تنظيم الدولة، خاصة في مناطق رفح والعريش وجبل الحلال، مؤكدًا أن هذه المعلومات تجد طريقها مباشرة إلى المخابرات المصرية
أما عن حجم هذا التنسيق، فقد رصد التقرير رضا المسؤولين داخل تل أبيب عن التنسيق الأمني المتبادل عند الحدود المصرية الإسرائيليّة القريبة من سيناء، لافتين إلى أن ذلك التنسيق في تحسنِ مستمر وهو الأفضل منذ سنوات، منوهين إلى تطور الوضع الدبلوماسي بين الجانبين في الآونة الأخيرة، وهو ما جسده حضور رئيس وزراء الكيان المحتل بنيامين نتنياهو الاحتفال بذكرى ثورة يوليو في بيت السفير المصري، كما زار وزير الخارجية المصري سامح شكري، إسرائيل، في أول زيارة لوزير خارجية مصر منذ 9 سنوات.
وفي سياق متصل، استنكر الخبير العسكري الإسرائيلي في صحيفة "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي، الضجة المثارة بشأن الهجمات العسكرية الإسرائيلية بسيناء، مشيرًا أنها ليست المرة الأولى كما سبق ذكره، حيث قام الجيش الإسرائيلي في أغسطس 2013 بمهاجمة أهداف في سيناء، بعد أن أطلق مسلحون تابعون لتنظيم "أنصار بيت المقدس" من رفح قذائف صاروخية باتجاهها، وفي مايو 2014 قُتل عدد من قادة التنظيم بغارات من طائرات استطلاعية إسرائيلية.
بن بشاي ختم حديثه بالقول إن تل أبيب سخرت قدرات جهاز استخبارات الشاباك والجيش لجمع المعلومات عن تنظيم الدولة، خاصة في مناطق رفح والعريش وجبل الحلال، مؤكدًا أن هذه المعلومات تجد طريقها مباشرة إلى المخابرات المصرية.
أما الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي الجنرال يعقوف عميدرور، فأشار إلى أن الهدف من وراء الهجمات الصاروخية على إسرائيل، هو المس بالنظام المصري أولاً ثم بإسرائيل، من منطلق الكراهية والانتقام على التنسيق الأمني الكبير بينها وبين مصر ضد المنظمات الجهادية.
هذا بالإضافة إلى ما قاله السفير الإسرائيلي لدى القاهرة حاييم كورين في تصريحات له لصحيفة "تايم اوف إسرائيل": "هذه واحدة من أفضل الفترات من حيث التعاون بين الحكومتين"، مضيفًا: هناك تعاون جيد بين الجيشين، ولدينا تفاهمات حول شبه جزيرة سيناء، وفي الأساس، ونحن متفقان حول التنمية في المنطقة.
ما بين التأكيد والنفي
ردود الفعل الغاضبة حيال التدخلات العسكرية الإسرائيلية في سيناء أثارت حالة من الجدل داخل الشارع المصري، مابين من يراها أكاذيب مفتعلة، ومن يتعامل معها على أنها وقائع حقيقية في ضوء بعض الشواهد والأدلة.
فريق يرى أن ما يثار بشأن تدخلات عسكرية إسرائيلية في سيناء ليس إلا محاولة لإثارة الرأي العام ضد الجيش المصري، من خلال هز ثقة المصريين في قواتهم المسلحة، مستبعدًا وجود أي تعاون بين أجهزة الأمن والاستخبارات في القاهرة ونظيرتها في تل أبيب
وفي المقابل، قال العميد محمود قطري الخبير الأمني، إنه - للأسف - يصدق كل المعلومات المتداولة بشأن التدخلات العسكرية الإسرائيلية في سيناء، وذلك لعدة أسباب منها امتناع القاهرة عن نفي التصريحات الصادرة من وزارة الدفاع الإسرائيلية بشأن هذه التدخلات، وهو أمر يثير الشك، ويدعو لتصديق ما يثار.
قطري في تصريحاته لفت إلى أن القوات المصرية الموجودة على الحدود قد يبدو أنها "قوات شرطة" ولكنها جميعًا تتبع "الجيش" من الباطن، فضلاً عن أنه لا يمكن للجانب المصري التزود بأسلحة ثقيلة في هذه المنطقة في سيناء إلا بموافقة إسرائيل، وهو ما يعني أنه لا بد أن يكون بين الجانبين تعاون أمني ومخابراتي كبير، لا سيما أنه من مصلحة إسرائيل القضاء على الجماعات الإرهابية في سيناء، مؤكدًا أنه في حالة وجود طلعات جوية إسرائيلية في سيناء، فإن ذلك يتطلب موافقة رسمية من السلطات المصرية، خاصة أنه في حالة عدم الحصول على هذه الموافقة، فإن ذلك سيحرج القيادة السياسية المصرية.
الجيش المصري لا يمتلك طائرات من دون طيار قادرة على حمل الأسلحة والمشاركة في عمليات عسكرية، بل إن ما يملكه ليس إلا طائرات استطلاعية فقط، تشارك في عمليات مسح سواء في سيناء أو غيرها
ووفق التصريحات التي نقلت عن مصادر عسكرية رفضت ذكر اسمها، فإن الجيش المصري لا يمتلك طائرات من دون طيار قادرة على حمل الأسلحة والمشاركة في عمليات عسكرية، بل إن ما يملكه ليس إلا طائرات استطلاعية فقط، تشارك في عمليات مسح سواء في سيناء أو غيرها، من دون امتلاك القدرة على حمل صواريخ، نظرًا لرفض تلك الدول وغيرها، تزويد مصر بطائرات من دون طيار حربية.
وفي سياق متصل، فإن أهالي سيناء وتحديدًا سكان مدينتي الشيخ زويد ورفح، يدركون تمامًا - بحسب مصادر قبلية - أن الطائرات من دون طيار، التي تسمى "الزنانة" هي إسرائيلية، ومن تتزايد حالة الغضب الشديد من النظام الحالي والجيش، باعتبار أن اﻷخير يساعد على قتل الصهاينة للمدنيين، على حد قولها.
ماذا عن التدخل العلني؟
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن تطور نوعي في الضربات العسكرية الإسرائيلية في سيناء، يسمح لها بالتدخل علانية بعد أن كان يتم بصورة متخفية، وإن كان بالتنسيق مع الجانب المصري، وهو ما أشار إليه الباحث الإسرائيلي يورام ميتال المتخصص في الشؤون المصرية بجامعة بن جوريون، بقوله إنه لا يستبعد فكرة التدخل العسكري الإسرائيلي العلني في سيناء بالتنسيق مع الجهات المصرية، ليواجها معًا الخطر المتوقع على إسرائيل من قبل الجماعات الإرهابية المسلحة.
ميتال مقابلة تليفزيونية له مع القناة السابعة الإسرائيلية، أوضح أن التعاون والتنسيق الأمني بين القاهرة وتل أبيب وصل إلى مرحلة غير مسبوقة، وذلك منذ أن دعمت إسرائيل عبد الفتاح السيسي ضد جماعة الإخوان المسلمين، حيث شنت حملة دبلوماسية كبيرة تدعو لمنع فرض أي عقوبات دولية على نظام السيسي.
يورام ميتال: لا أستبعد أي عملية علنية لإسرائيل في سيناء، لكنها لن تتم بشكل فردي من الطرف الإسرائيلي، وستتم بالتنسيق بين الجانبين
وبسؤاله عن رد فعل الجيش الإسرائيلي في حال أصبحت الجماعات المسلحة تشكل خطرًا كبيرًا على أمن بلاده، قال إنه لا يستبعد أي عملية علنية لإسرائيل في سيناء، لكنه أكد أن هذه العملية لن تتم بشكل فردي من الطرف الإسرائيلي وستتم بالتنسيق بين الجانبين.
مما سبق يتضح أن النقلة النوعية في العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في سيناء، والتي انتقلت من إطار السرية إلى المكاشفة والعلن، كما أشار وزير الدفاع الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان، تكشف وبصورة فاضحة حجم التنسيق الأمني والعسكري بين مصر وإسرائيل طيلة السنوات الثلاث الماضية، والذي من خلاله أعطت القاهرة الحق لتل أبيب في أن تصول وجول داخل سيناء مابين التجسس على أهالي سيناء تارة، وقصف المواقع التي تراها تمثل تهديدًا لها تارة أخرى، على مرأى ومسمع من الجميع.