مؤخرا، تبين أن ثلثي الشعب البريطاني تقريبا، يعتقدون أن بيع الأسلحة للمملكة العربية السعودية، أكبر زبون للمملكة المتحدة، أمر غير مقبول، ولا يجب السكوت عنه البتة، وفي الواقع، وردت هذه الإحصائيات قبل أسبوع واحد من إصدار قرار المحكمة العليا، الذي من شأنه أن يعرقل مبيعات الأسلحة للسعودية، والذي قد تكون له عواقب وخيمة على الصادرات الدفاعية لبعض الدول الأخرى.
ومن المتوقع أن يتم النظر في هذه القضية ، يوم الثلاثاء القادم، في الوقت الذي تحرص فيه حكومة، تيريزا ماي، على تعزيز صادرات الأسلحة البريطانية، خاصة عقب انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي. وبالإضافة إلى ذلك، يؤمن العديد من الوزراء البريطانيين بأن المملكة المتحدة ستستفيد من عقد صفقات تجارية جديدة في هذا المجال.
وخير مثال على ذلك، هو موافقة ماي، في الشهر الماضي، على تقديم 100 مليون جنيه إسترليني، للمساعدة في تجهيز الجيش التركي بطائرات مقاتلة.
وفي استطلاع رأي أجرته شركة " أوبينيوم" للأبحاث، لصالح "الحملة الدولية ضد تجارة السلاح"، بهدف رصد مختلف التطلعات فيما يخص تجارة الأسلحة، وسعي الحكومة لبيع الأسلحة لأنظمة مشكوك في انتهاكها لحقوق الانسان، أظهر الاستطلاع أن حوالي 62 بالمائة من البريطانيين، يظنون بأن بيع الأسلحة للسعودية أمر غير مقبول، وما يقارب ثلاثة أرباعهم؛ أي ما يربو على 73 أو 72 بالمائة، يعتقدون أنه من غير الجائز بيع الأسلحة لكل من ليبيا وإيران. وتجدر الإشارة إلى أن بريطانيا أوقفت بيع الأسلحة لكلا البلدين في الوقت الحالي.
إن سبعة من كل عشرة مواطنين يرفضون فكرة بيع الأسلحة لروسيا، في حين أن ما يقارب عن 63 بالمائة من البريطانيين يرفضون تعامل بريطانيا مع الصين، في حين أن ما يناهز عن 68 بالمائة عارضوا بيع الأسلحة لباكستان.
وعلى نطاق أوسع، يرفض سبعة من بين كل عشرة بريطانيين (71 بالمائة)، بيع المملكة المتحدة للأسلحة للحكومات الأجنبية، المتهمة بانتهاك القانون الدولي الإنساني. فضلا عن أن ستة من كل عشرة أشخاص (60 بالمائة) أجمعوا على أن الحكومة يجب ألا تعزز مبيعات الأسلحة مع البلدان غير الديمقراطية. وفي الأثناء، وافق ربع الأشخاص فقط (26 بالمائة)، على بيع بريطانيا للأسلحة لحكومات أجنبية، مقارنة بالثلث (34 بالمائة)، الذين رفضوا قطعيا هذه الفكرة، ومن المرجح أن يفضي قرار المحكمة العليا إلى وضع جميع صادرات الأسلحة البريطانية تحت رقابة وثيقة.
ومن جانب آخر، دعت "الحملة الدولية ضد تجارة السلاح"، إدارةَ التجارة الدولية إلى تعليق جميع تراخيص تصدير الأسلحة المتعامل بها في الوقت الراهن، ووقف إصدار المزيد من التراخيص إلى المملكة العربية السعودية، خاصة وأن الرياض تستعمل هذه المعدات الحربية في اليمن. وعموما، وردت هذه الدعوة في الوقت الذي يتم فيه مراجعة توافق صادرات المملكة المتحدة وتشريعات الاتحاد الأوروبي.
وفي هذا الصدد، صرح المتحدث باسم الحملة الدولية ضد تجارة السلاح، أندرو سميث، أنه "قد أثبت أن الطائرات المقاتلة والقنابل البريطانية، كانت وراء الدمار الذي تشهده اليمن، وبغض النظر عن الحكم، فلن يوضع حد لهذه القضية، ما لم تصغي ماي لأصوات الشعب، وتنهي العلاقة العسكرية الخطيرة مع المملكة العربية السعودية ".
باعت المملكة المتحدة ما قيمته 3.3 مليار جنيه استرليني تقريبا من الأسلحة للسعودية
وفي الواقع، باعت المملكة المتحدة ما قيمته 3.3 مليار جنيه استرليني تقريبا من الأسلحة للسعودية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة، والقنابل والصواريخ، منذ بدء القصف على اليمن في أذار/مارس سنة 2015. في المقابل، أدانت مجموعة من المنظمات الدولية، بما في ذلك لجنة من خبراء الأمم المتحدة، والبرلمان الأوروبي، والعديد من المنظمات غير الحكومية الإنسانية، الغارات الجوية السعودية المستمرة ضد اليمن التي تعتبر خرقا للقوانين الدولية.
ومن ناحية أخرى أفاد المتابعون للشأن الدولي، أن قانون المملكة المتحدة والقانون الدولي ومعاهدة تجارة الأسلحة العالمية التي تعتبر المملكة المتحدة طرفا فيها، جميعها تفرض على بريطانيا أن تضمن عدم استخدام الأسلحة التي تبيعها في ارتكاب جرائم حرب من قبل المملكة العربية السعودية.
وفي السياق ذاته، اعتبرت منظمات حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية، أن الضربات الجوية العسكرية التي شنتها السعودية هي بمثابة انتهاك صريح لهذه القوانين، لعدد من الأسباب، لعل من أبرزها؛ الضرر الذي ألحقته بالمدنيين والبنية التحتية للمدينة، علاوة على تدميرها للممتلكات الثقافية.
وفي هذا الإطار، قال رئيس برنامج الحد من الأسلحة وحقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية، جيمس لينش، إن "رفض بريطانيا المتكرر لوقف بيع الأسلحة يصعب تصديقه، علما وأن العديد من التقارير الشافية والوافية، وذات مصداقية، قد أثبتت أن التحالف السعودي يواصل انتهاك حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، كما يقوم أيضا بارتكاب جرائم حرب".
في المقابل، تصر الحكومة على أن جميع صادرات أسلحتها يخضع لمعايير ترخيص صارمة، وتتماشى مع القانون الدولي المحلي. وفي هذا السياق، أكد العديد من الوزراء في وزارة الخارجية، على أهمية الدور الذي يضطلع به "الفريق المشترك لتقييم الحوادث"، وهي هيئة التحالف السعودي، التي أنشئت بدعم من المملكة المتحدة، للتحقيق في مزاعم مقتل المدنيين في اليمن.
وفي هذا الشأن، نشر القاضي البحريني، منصور المنصور، نتائج دراسته التي تضمنت دراسة ثمانية تحقيقات أعدها "الفريق المشترك لتقييم الحوادث" والتي تم من خلالها تبرئة السعودية من مسؤولية قتل المدنيين.
ومن الجدير بالذكر، أن المنصور كان القاضي الذي ترأس محكمة الأمن الوطني في البحرين، وهي المحكمة العسكرية التي بتت في قضايا المدنيين الذين احتجوا في فترة الربيع العربي.
أفادت "اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق" أن "انتهاكات جسيمة للإجراءات القانونية وقعت من قبل المحكمة، حُرم على إثرها بعض المتهمين من محاكمة ابتدائية عادلة".
وفي سنة 2011، ذكر وزير الخارجية البريطاني، أليستر بيرت أن التقارير التي اطلع عليها، والتي تفيد بأن المدنيين في البحرين كانوا يتعرضون للعديد من المضايقات خلال محاكمتهم، كانت مقلقة للغاية. وأضاف بيرت أن " المدنيين كانوا يخضعون لمحاكمة أمام محاكم يرأسها قضاة عسكريون، كما تعرضوا لانتهاكات أثناء احتجازهم. علاوة على ذلك، حرموا من الحصول على المشورة القانونية اللازمة، وتم انتزاع الاعترافات منهم بالإكراه".
وفي هذا الصدد، قال مدير معهد البحرين للحقوق والديمقراطية، سيد أحمد الوادعي، إن "الحكومة البريطانية قد أدانت القاضي العسكري منصور المنصور، الذي حكم على أطباء وسياسيين بالتعذيب سنة 2011. وفيما بعد قامت الحكومة البريطانية بخطوة أقل ما يقال عنها أنها "فضيحة"، حيث دعمت نفس الرجل، حتى يتولى التحقيق فيما يخص الانتهاك الصريح للقانون الدولي في اليمن، وهذا الأمر حقا مدعاة للسخرية والضحك".
جيمي دوارد - الغارديان