تتحدث مراكز دراسات وأبحاث عالمية عن أزمة مالية تعصف بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بعد تضييق الخناق عليه، في المقابل، يدفع المدنيون القابعون تحت سيطرة التنظيم في سوريا والعراق، ثمنًا باهظًا لهذه الأزمة.
وأجبر التنظيم الراغبين في مغادرة المناطق الواقعة تحت سيطرته في العراق، على دفع 600 دولار مقابل الشخص الواحد، فيما وصل المبلغ في المناطق السورية لما يقارب الضعف. ولم يكن ذلك النهج الأول للتنظيم في استغلال واستنزاف المدنيين، إذ تتعدد أساليبه بين مصادرة عقارات الهاربين من بطشهم، وفرض الغرامات لمن تحت سيطرته، أو حتى استخدامهم دروعًا بشرية.
«إتاوة» مقابل النزوح
«فقط من يملك المال يستطيع المغادرة، ومن لا يملك يلزم الصمت في بيته، دفعنا كل ما نملك أنا وأولادي وأحفادي، وجازفنا بالهروب من التنظيم«، تلك الكلمات لخصت معاناة العراقية أميرة سامي، عندما أرادت النزوح من المناطق التي يسيطر عليها «تنظيم الدولة» في كركوك.
خرجت أميرة بعد أن دفعت الـ600 دولار التي فرضها التنظيم على كل شخص يرغب في مغادرة الأراضي التي يسيطر عليها، فكما يقول العقيد هيوا أنور، من قوات البيشمركة الكردية، في مدينة كركوك، لوكالة أنباء الأناضول، فإنه «كل يوم يلجأ إلينا المئات من المدنيين الهاربين من مناطق سيطرة التنظيم (في المحافظة التي تحمل نفس الاسم)، حيث يفرض على كل شخص يريد المغادرة مبلغ 600 دولار«، مضيفًا: «تنظيم الدولة يستجوب كل من يريد المغادرة، وجميع الأشخاص بدون استثناء دفعوا 600 دولار من أجل الخروج«.
ولم تكن كركرك المنطقة العراقية الوحيدة التي دفع سكانها مبالغ مالية لـ«تنظيم الدولة» مقابل الخروج، فقد اضطر مدنيو الموصل شمالي العراق، إلى دفع مبالغ تتراوح ما بين 200- 1000 دولار أمريكي للشخص الواحد، مقابل الخروج الآمن من المدينة التي تشهد عملية عسكرية للقوات العراقية ضد التنظيم منذ منتصف أكتوبر (تشرين الأوّل) الماضي، وهو ما أكّدته مجلة فورين بوليسي: «المهرّب طلب مبلغ 200 دولار أمريكي عن كل شخص يزيد عمره على 12 عامًا».
وفي سوريا، وتحديدًا في مدينة الرقة، معقل التنظيم، تفرض قياداته مبالغ مالية مقابل السماح بالخروج من المدينة، وبحسب ما ذكرت شبكة شام الإخبارية، فإن «عددًا من قيادات التنظيم، بدؤوا يتعاملون مع سماسرة لقبض مبلغ يقدر بألف دولار أمريكي، رسم خروج من مناطق سيطرتهم».
مصادرة منازل المدنيين
تلقى السوري علي الشاهر، اتصالًا من أحد أقاربه بعد نزوحه إلى مناطق النظام السوري، يخبره فيه أن «تنظيم الدولة» استولى على منزله المتواضع الكائن في منطقة بقرص، في الريف الشرقي لدير الزور، ونقل له حجة السيطرة تلك، وهي أنه «يسكن بلاد الكفر»، وهو ما يفعله التنظيم مع كل منزل أو عقار تركه أهله وذهبوا إلى ما يُسميه التنظيم بـ«بلاد الكفر».
وانتهج التنظيم سياسة مصادرة عقارات المدنيين في أماكن سيطرته بشكل كبير، وتؤكد مصادر سورية تحدثت لـ«ARA News»، أنّ «التنظيم يتبع سياسة ممنهجة في الاستيلاء على منازل المدنيين في الريف الشرقي، وبخاصة مدينة الميادين وقراها، لموقعها الإستراتيجي على ضفاف نهر الفرات، ولتميزها بخيراتها النفطية والزراعية، وكذلك الحال في مدينة البوكمال وقراها، نظرًا لموقعها القريب من مناطق سيطرة التنظيم في العراق».
ويقع ضمن هذه السياسة إجبار من يريد المغادرة على وضع أملاكه رهنًا تحت يد عناصر التنظيم، يسيطر عليها في حال عدم عودته. هناك طارق، وهو مواطن حاول الخروج من الرقّة، والذي روى قصته لموقع «الرقة تذبح في صمت»، فقال: «حاولت الذهاب إلى مدينة حماة، لتفقد أمور عائلتي التي تقطن هناك، وعند ذهابي لطلب الإذن بالسفر، طلب ديوان الحسبة التابع لتنظيم الدولة، إحصاء ما أملك من عقارات ووضعها رهن الحجز ريثما أعود في مدة محددة، وسيتم حجز جميع أملاكي حال تأخري عن موعد العودة»، ليضطر طارق إلى إلغاء رحلته؛ خوفًا على أملاكه، بخاصة وأن الطريق قد يُغلق لأي سبب، ولأيّام.
وأشارت مصادر سورية، إلى أن منازل قيادات وعناصر الجيش السوري الحر، وليمة سهلة لعناصر التنظيم، إذ استولى التنظيم على منازل من يصفهم بـ«المرتدين»، وهم قيادات وعناصر فصائل المعارضة المسلحة، ويُضاف إليهم العاملون في الإغاثة الإنسانية.
وقال تحقيق لصحيفة العربي الجديد، إن «تنظيم الدولة» استولى على مئات المنازل والمحال لمواطنين في مدينة البوكمال على الحدود العراقية، وذلك بتهمة الخروج من أراضي التنظيم، كما استولى التنظيم على عقارات مجموعة محالات كبرى في المدينة تُسمى «محالات المرسومي»، وأجّر عددًا منها لصالحه.
بيع الأعضاء البشرية
وأصدر «تنظيم الدولة» تعليمات مُشددة بأنه في حال سقوط أي من عناصره جريحًا أو قتيلًا في معركة ما، أن يُنقل بسرعة إلى المستشفى، يشمل ذلك أيضًا من يسقط تحت وطأة أحكام قضاء التنظيم، في أماكن سيطرته.
أما الهدف من هذه التعليمات، فهو الاستفادة من الأعضاء البشرية للضحايا. وتحدثت مصادر عراقية في سبتمبر (أيلول) الماضي، عن لجوء التنظيم لتجارة الأعضاء البشرية لتوفير المال، كما أكّدت مصادر عراقية إنشاء التنظيم شعبةً خاصة بتهريب الأعضاء البشرية، وتعامله في ذلك مع مافيا تجارة الأعضاء البشرية العالمية.
وكشف تقرير لصحيفة ديلي ميل البريطانية، عن استعانة التنظيم بأطباء أجانب للاحتفاظ بالأعضاء البشرية للقتلى، بطريقة طبية سليمة، قبل بيعها لمافيا تجارة الأعضاء البشرية، قائلًا إن التنظيم «سرق أعضاء بشرية من 23 قتيلًا ومصابًا، كان قد قطّع أوصالهم في مستشفى بالموصل، وباعها للحصول على أموال».
ونقل تقرير الصحيفة البريطانية عن سروان، وهو طبيب عراقي متخصص في الأنف والأذن والحنجرة، أن «تجارة الأعضاء البشرية بدأت مع سيطرة التنظيم على الموصل في عام 2014، حيث قام التنظيم باستئجار جراحين أجانب لتشغيل نظام واسع النطاق للاتجار بالأعضاء البشرية في مستشفى بمدينة الموصل، غير مسموح فيه باختلاط الأطباء المحليين مع هؤلاء الأطباء الأجانب، قبل أن تتسرب القصة المروعة لوسائل الإعلام».
المدنيون دروعًا بشرية
على عجل، بدأ عناصر «تنظيم الدولة» قبل فترة، بنقل صفوف مدنيين من مدينة الباب (ريف حلب الشرقي) إلى محافظتي الرقة، ودير الزور الواقعتين تحت سيطرته، ولم تكن جموع هؤلاء المدنيين إلا عائلات قادة ومقاتلي التنظيم، أما المدنيون الذين لا صلة لهم بالتنظيم فقد استُخدموا دروعًا بشرية
في مواجهة قوات درع الفرات التي تقاتل التنظيم الآن.
ولم يكتفِ التنظيم بذلك؛ بل لضمان منع المدنيين من النزوح؛ زرع عناصره في محيط المدينة ألغامًا، وأخبروا المدنيين بذلك لترهيبهم في حال قرروا ترك المكان.
ويحتجز التنظيم الآن عشرات الألوف من مدنيي محافظة نينوى، كدروع بشرية، في المعركة حامية الوطيس بين التنظيم، والقوات العراقية. وتقول رافينا شامداساني، المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، إن تقارير موثقة، كشفت عن أن التنظيم «يقتاد عشرات الآلاف من بيوتهم في مناطق حول الموصل، ويرغم أعدادًا من المدنيين على الوجود داخل المدينة نفسها، منذ بدأت العملية العسكرية لاستعادة المدينة في السابع عشر من أكتوبر الجاري».
وأوضحت شامداساني أن «إستراتيجية تنظيم الدولة هي محاولة استغلال وجود رهائن مدنيين لجعل نقاط معينة، أو مناطق، أو قوات بمأمن من العمليات العسكرية، واستخدام عشرات الألوف من النساء والرجال والأطفال دروعًا بشرية فعليًّا»، مؤكدة «الكثير ممن رفضوا الامتثال أطلقت عليهم النار في التو».
على كل تحرك إتاوة وغرامة
ينظر التنظيم إلى أي مواطن يقطن المناطق التي يسيطر عليها، كمورد مالي، فيفرض عليه الضرائب والإتاوات والغرامات، تحت مسميات كثيرة، إذ تجوب دوريات ما تُعرف بـ«الحسبة»، الشوارع، باحثةً عن أي حجة لأخذ النقود من المواطنين.
من ذلك أيضًا ما حدث في بلدة الحوايج، ومدينة الميادين، في ريف دير الزور الشرقي، حيث منع التنظيم السوريين من تملك قوارب لعبور نهر الفرات، وقصر الأمر على قواربه الخاصة، لجني المال من المواطنين.
وقال الناشط الإعلامي سامر الخلف لـ«ARA News»، إن «التنظيم أبلغ المدنيين في مناطق ضفتي نهر الفرات بعدم شراء واقتناء القوارب، كما قام التنظيم بوضع يده على كافة القوارب الموجودة، ووضع عليها عناصر لجعلها عبارات لنقل المدنيين من ضفة الحوايج من جهة الجزيرة، والميادين من جهة الشامية، فارضًا مبلغ خمسين ليرة سورية على كل شخص».
ARA News