سونر چاغاپتاي، أويا أكتاس، و كاغاتاي اوزدمير
في العام السادس من الحرب الأهلية السورية، تخطى عدد المهجّرين بسبب القتال الـ 13.5 مليون شخص، فيما تبقى تركيا ملاذاً رئيسياً للعديد منهم. فبإيوائها 2.5 مليون سوري على الأقلّ، أصبحت تركيا الوجهة الأولى للاجئين الهاربين من النزاع، تليها لبنان بأكثر من مليون لاجئ. ويحوّل هذا التدفّق تشكيلة تركيا العرقية والطائفية، لا سيّما في المحافظات الجنوبية المحاذية لسوريا. وفي 2 تموز/ يوليو، وعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بـ " فتح المجال أمام تجنيس اللاجئين السوريين" . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف سيكون تأثير مثل هذه الجهود لتجنيسهم على البنية السكانية في تركيا والمشهد الاجتماعي السياسي في البلاد؟
اللاجئين السوريين في تركيا منذ عام 2011
منذ أواخر عام 2015، كان عدد سكّان تركيا 78.7 مليون شخص، من بينهم 3.1 في المائة هم لاجئون سوريون، وفقاً لتقديرات متحفظّة. إلّا أنّ الاتجاهات الديمغرافية تشير إلى أنّ البلاد كانت تضم بالفعل ما يصل إلى 1.5 مليون مواطن من أصل عربي قبل الحرب، لذلك يصل عدد سكّان تركيا العرب حالياً إلى ما يقرب من 4.5 إلى 5.1 في المائة من السكّان. بعبارة أخرى، بوجود 4 مليون عربي، تضمّ تركيا عرباً أكثر من بعض البلدان ذات الغالبية العربية بما فيها الكويت والبحرين وقطر.
إنّ إحصاء التشكيلة العرقية في تركيا هو مهمّة صعبة لأنّ الحكومة لم تجمع بيانات شاملة حول الانتماء العرقي منذ عام 1960. ففي ذلك الوقت، بلغت نسبة الأفراد الذين قالوا إنّ العربية هي لغّتهم الأمّ 1.25 في المائة من عدد السكّان. وبدا هذا الرقم ثابتاً نوعاً ما قبل الحرب السورية - في إحصاء وطني أجرته شركة " كوندا" في عام 2007، قال 1.38 في المائة من الأتراك الذين شاركوا فيه إنّ لغتّهم الأمّ هي العربية.
بغض النظر عن الزيادة الإجمالية للعرب في تركيا منذ عام 2011، أدى تركّز اللاجئين السوريين في الجنوب إلى قلب التوازن الديمغرافي في عدة محافظات. ووفقاً لـ " المديرية العامة لإدارة الهجرة" في وزارة الداخلية، استقبلت المحافظات الحدودية الخمس، كيليس وهاتاي وماردين وسانليورفا وغازي عنتاب، أكثر من نصف اللاجئين. فعدد السكّان في كيليس ما قبل الحرب (130 ألف) قد تضاعف خلال السنوات القليلة الماضية، وقد شهد عدد سكّانها العرب ازدياداً مطرداً: فخلال إحصاء عام 1960، كانت نسبة عدد سكّان كيليس الذين أعلنوا أنّ لغتهم الأمّ هي العربية أقلّ من 1 في المائة، إلّا أنّ هذه النسبة قد أصبحت 49.2 في المائة حالياً. وفي محافظة هاتاي، زاد تدفّق اللاجئين عدد السكّان العرب من 34 في المائة إلى 47 في المائة. كما أن تحوّل هاتاي يسلط الضوء على التأثير الطائفي للحرب، لأنّ اللاجئين هم من السنّة العرب بشكل حصري تقريباً. وفي السابق، كان معظم العرب في هاتاي ينتمون إلى الطائفة العلوية المسلمة (التي ينتمي إليها نظام الأسد في سوريا)، أمّا اليوم فهم منقسمون بالتساوي تقريباً ما بين السنة والعلويين.
وحصلت أيضاً.تغييرات طائفية وعرقية في محافظتَي ماردين وسانليورفا (أورفة). فقد تكوّنت هاتان المحافظتان في السابق من غالبية أو أكثرية كردية، إلّا أنّهما شهدتا زيادة في عدد سكّانهما العرب خلال الحرب - في ماردين، من 21 إلى 29 في المائة، وفي سانليورفا، من 13 إلى 28 في المائة. أمّا في غازي عنتاب، المحور الاقتصادي في المنطقة، فقد شكل عدد العرب في الأصل أقلّ من 1 في المائة من السكان، لكنّ هذا الرقم قد وصل إلى 18 في المائة عقب وصول أكثر من 325 ألف لاجئ.
وفيما يتخطى الحدود، استقبلت أربع محافظات - أضنة ومرسين وكهرمان ماراس وعثمانية - حوالي 15 في المائة من اللاجئين السوريين في تركيا، الذين يشكلون الآن 5 في المائة من السكان في المحافظات الأربع. إنّ الهجرة المتواصلة ومستويات الإنجاب المتفاوتة ستفاقم من تغيّر التوازن بين الأتراك والأكراد والعرب في هذه المناطق، وما بين العلويين والسنّة.
أما خارج المحافظات الجنوبية، فقد استقرّ ربع اللاجئين في مدن تركيا الكبرى. إذ هاجر الكثيرون إلى اسطنبول التي تستقبل حالياً حوالي 360 ألف سوري، أو 2.4 في المائة من سكّان المدينة. أمّا إزمير، ثالث أكبر مدينة في تركيا، فتستضيف ما يزيد قليلاً عن 83 ألف لاجئ، أو حوالي 2 في المائة من سكّانها. في حين أنّ المدن متوسطة الحجم مثل بورصا وقونيا وقيصري فتضمّ عشرات الآلاف من السكّان السوريين، ما يشير إلى أنّ اللاجئين ينتشرون أيضاً عبر غرب ووسط منطقة الأناضول.
التأثير السياسي
قد تُترجم هذه التغيّرات الديمغرافية قريباً عبر تغيّرات سياسية. إذ يسمح قانون الجنسية التركية للرعايا الأجانب الذين عاشوا في البلاد لمدة خمس سنوات بالتقدّم بطلب للحصول على الجنسية. ووصلت الموجة الأولى من اللاجئين في نيسان/ إبريل 2011، وهكذا يكون بعض المهاجرين قد أتمّوا بالفعل شرط المدة الزمنية لبدء عملية التجنيس. وبالتالي فإنّ حوالي 2.5 مليون سوري قد يحصلون على الجنسية خلال السنوات الخمس المقبلة إذا عبّرت الحكومة عن الإرادة السياسية لتجنيسهم. ونظراً لامتنانهم المحتمل لدور الرئيس أردوغان في توفير ملجأ لهم، والمساعدات الاجتماعية، والطريق نحو الجنسية، يُتوقّع أن يقوم معظم هؤلاء المواطنين الجدد المحتملين بالتصويت لـ " حزب العدالة والتنمية" الذي ينتمي إليه أردوغان في الانتخابات المقبلة.
وحالياً، يُعتبر المشهد السياسي التركي منقسم ما بين " حزب العدالة والتنمية" والأحزاب المعارضة التي تحظى بدعم متساوي تقريباً. فخلال الدورتَين الانتخابيتَين الماضيتَين، حصل " حزب العدالة والتنمية" على 49.5 في المائة من الأصوات، لذلك سعى أردوغان إلى إجراء استفتاء شعبي حول تغيير الدستور ليجعل من نفسه رئيساً حزبياً بأسلوب تنفيذي (على الرغم من أنّه استمرّ في قيادة " حزب العدالة والتنمية" منذ أيامه كرئيس للوزراء، إلّا أنّه ممنوع فعلياً من شغل منصب زعيم الحزب الرسمي كونه رئيساً للبلاد). وبالإضافة إلى آراء مؤيّدة لأردوغان نفسه، يأتي العديد من اللاجئين من ريف سوريا الشمالي ويتمتّعون بالفعل بميول محافظة، مما يجعل منهم ناخبين محتملين لـ " حزب العدالة والتنمية" لدى حصولهم على الجنسية.
ومثل هذا التطوّر قد يهدي أردوغان انتصاراً في الاستفتاء ويمنحه أغلبية ساحقة محتملة في الانتخابات البرلمانية المقبلة التي ستجري في عام 2019. وفي حين أنّه من المستبعد أن يتم منح جميع اللاجئين الجنسية على الفور، إلا أنّ فتح المجال أمام التجنس قد يغيّر بالفعل نفوذ " حزب العدالة والتنمية" مقابل أحزاب المعارضة الثلاثة: " حزب الشعب الجمهوري" اليساري العلماني، و" حزب الحركة القومية" اليميني، و" حزب الشعوب الديمقراطي" الموالي للأكراد.
وحتى أن التأثير السياسي قد يكون أكبر من ذلك، إذا ازداد تدفّق اللاجئين السوريين، والذي قد يحدث أيضاً إذا نجح هجوم نظام الأسد المستمرّ في حلب. وفي الوقت نفسه، إنّ التوغّل التركي الأخير داخل بلدة جرابلس الحدودية السورية يخدم مخططات أنقرة لردع تدفّق آخر للاجئين، من بين أهداف أخرى. وإذا نجحت هذه العملية في إنشاء نقطة عبور في شمال سوريا، فقد تمنح تركيا قطعة أرض على الجانب الآخر من الحدود حيث يمكنها إيواء اللاجئين في المستقبل، وربما قد يسمح لها وقف تدفق المزيد منهم إلى تركيا. ومع ذلك، فقد ألمح أردوغان عن استعداده لاستقبال المزيد من اللاجئين إذا أملت الظروف ذلك؛ ففي مقابلة مع صحيفة " لوموند" في 8 آب/ أغسطس، قال إنّ " تركيا التي استقبلت بالفعل أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري، مستعدّة لاستقبال مليون آخر" .
الخاتمة
بغض النظر عن توقيت وكيفية اكتساب العديد من السوريين الجنسية التركية، سيكون لأزمة اللاجئين تأثير دائم على المشهد الديموغرافي والسياسي والاجتماعي في البلاد. وليس هناك شك أن عملية اكتساب الجنسية ستصبح مسألة سياسية مستقطبة بوجود " حزب العدالة والتنمية" الداعم لها، و" حزب الشعب الجمهوري" و" حزب الحركة القومية" المعارضَيْن لها، و" حزب الشعوب الديمقراطي" الذي يأخذ مواقف متقلّبة وفقاً لعدد الأكراد بين اللاجئين. وفي الوقت نفسه، إنّ قدرة تركيا على دمج السوريين واستعداد الحكومة للإصغاء لمطالب العرب السياسية والثقافية المتزايدة سيحدّدان ما إذا كان بإمكان هذا التأثير الدائم أن يكون إيجابياً أم لا.
المصدر: معهد واشنطن لسياسة الشرق الادنى