منذ انهيار المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في نيسان/ إبريل 2014، يحرص المسؤولون الأمريكيون على عدم استبعاد إمكانية وضع الخطوط العريضة لاتفاق سلام بين الجانبين من خلال خطاب رئاسي أو قرار من قبل مجلس الأمن الدولي. كما أن فكرة تقديم مثل هذه الخطوط العريضة، والتي يُشار إليها في لغة عملية السلام على أنها "معايير" [أو "أُطر"]، ليست أمريكية بشكل حصري. فالدبلوماسيون الأوروبيون، وأبرزهم الفرنسيون، غالباً ما عالجوا الموضوع، وهو الأمر بالنسبة إلى الفلسطينيين.
ويكمن المنطق الرئيسي وراء هذه الفكرة في أنه بينما لا تقوى الأطراف نفسها على التوصل إلى اتفاق، وفي الواقع عندما تنخفض إمكانية نجاح حل الصراع القائم على دولتين، من شأن معايير مماثلة أن تحافظ على مفهوم الدولتين وتخلق نقطة مرجعية دبلوماسية لاستئناف المفاوضات في أوقات أكثر مناسبة. وعلى وجه التحديد، من شأنها وضع صيغ لتوجيه القرارات المستقبلية حول القضايا الشائكة، والدعوة إلى اتخاذ تدابير مثل تقسيم القدس، وإقامة دولة فلسطينية غير مسلحة وفق خطوط عام 1967، وتبادل الأراضي بشكل منصف للتعويض عن ضم إسرائيل لبعض المستوطنات، وحق اللاجئين الفلسطينيين بالانتقال إلى الدولة الفلسطينية ولكن ليس إلى إسرائيل، فضلاً عن شكل من أشكال الاعتراف بالطابع اليهودي لإسرائيل.
وإذا كان قرار مجلس الأمن الدولي الجديد وسيلة لتكريس هذه المعايير، يمكن أن يصبح عبارة عن وثيقة سلام نهائية بطريقة مشابهة جداً للقرار 242 الذي أصبح بمثابة أساس لمبادرات السلام في المستقبل. وعلى الرغم من هذا الهدف الذي يستحق الثناء، تواجه أي مقاربة قائمة على مجلس الأمن الدولي عقبات عملية لا يمكنها فقط أن تحبط الجهود، بل قد تؤدي أيضاً إلى نتائج تتعارض مع النوايا المعلنة. فإسرائيل عارضت باستمرار مفهوم حل يفرضه مجلس الأمن الدولي والعديد من التفاصيل، لا سيما تلك المتعلقة بالقدس والحدود، لذا فإن جمع الإسرائيليين حول رأي موحد سيطرح مجموعة من التحديات الخاصة بذلك. لكن التعامل مع رد الفعل الفلسطيني لن يكون سهلاً هو الآخر.
العقبات الفلسطينية
على الرغم من أن المسؤولين الفلسطينيين طالبوا مراراً وتكراراً اتخاذ قرار من قبل مجلس الأمن الدولي يحدد المعايير، إلا أنهم يريدون أن يعكس هذا القرار مواقفهم بالكامل. وفي هذا السياق، يقدم تاريخ كانون الأول/ ديسمبر 2014 مثالاً واضحاً على الطريقة التي من المرجح أن يردّوا من خلالها على مثل هذا الاقتراح. فبعد انهيار المفاوضات الثنائية التي قادها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، سعت "منظمة التحرير الفلسطينية" إلى طرح قرار المعايير، ولكن بغية القيام بذلك كان لا بد لها من المرور عبر الأردن، العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن في ذلك الوقت. فمن أجل كسب الحد الأدنى من تسعة أصوات اللازم لتمرير مثل هذا القرار، على افتراض أن أياً من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن لن يمارس حق "الفيتو"، شرع الأردنيون في صياغة قرار متوازن يعكس حساسية المواقف الفلسطينية ولكنه يشمل أيضاً المواقف الإسرائيلية المشروعة. إلا أن الفلسطينيين لم يشعروا بالارتياح من العناصر المرتبطة بالمواقف الإسرائيلية وأصروا على مشروع قرار متطرف، والذي اضطر الأردنيون إلى تقديمه، مما أثار استياءهم. ولم يكن مستغرباً أن القرار فشل في الحصول على تسعة أصوات.
ومن أجل فهم هذا السلوك، لا بد للمرء أن يدرك أن الفلسطينيين قد اتخذوا طريق مجلس الأمن الدولي أولاً وقبل كل شئ لأسباب ترتبط بالسياسية الداخلية، وليس لأسباب دبلوماسية. فبعد انهيار المفاوضات الثنائية، لم يكن أمام القادة الفلسطينيين ما يقدمونه لجمهورهم على الجبهة الدبلوماسية، حيث سبق أن استنفدوا حملتهم السابقة للحصول على قبول عضوية فلسطين في وكالات الأمم المتحدة. فقد كانوا بحاجة إلى أن يُنظر إليهم على أنهم يقومون بعمل فعّال، ولكن تآكل موقفهم في الداخل حرّمهم من المصادقة السياسية اللازمة لتقديم تنازلات كبيرة. وبالتالي، كمن هدفهم الرئيسي في تقديم مشروع قرار، وليس في المصادقة عليه. فقد كان القبول بما هو أقل من قرار يعكس المواقف الفلسطينية بصدق سيترك القيادة ضعيفة في وجه معارضيها المحليين.
ومنذ ذلك الحين أصبح المشهد السياسي الفلسطيني أكثر هشاشة. فقد تراجعت ثقة الجمهور بالدبلوماسية، وتزايد تقويض مكانة السلطة الفلسطينية المحلية وقدرتها على التسوية. بالإضافة إلى ذلك، تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن حوالي ثلثي الفلسطينيين يعتقدون أنه يتوجب على الرئيس الفلسطيني محمود عباس تقديم استقالته، مما يضع مسألة خلافته في الصدارة. وبالتالي، فإن هذا الموضوع الذي كان من المحرمات سابقاً، أصبح متداولاً سراً وعلناً، كما أن العديد من كبار السياسيين الفلسطينيين أصبحوا يهيّئون أنفسهم بالفعل للمرحلة ما بعد عباس.
فإذا تم تقديم قرار ينص على المعايير ويكون قائماً على حل وسط في ظل هذه الظروف، من الصعب أن نتصور أي سياسي فلسطيني يقف ضد رد فعل الجمهور السلبي الذي لا مفر منه، أو أي شخص يطمح للرئاسة ويريد أن يُنظر إليه على أنه يصادق على القرار. وعلى الأرجح، سيتنافس هؤلاء في مزايدة خطابية لإظهار معارضتهم لكل عنصر من هذه المعايير، ولا سيما تلك المتعلقة باللاجئين وبالاعتراف بالطابع اليهودي لإسرائيل. وبدلاً من إشعال نقاش حول حل الدولتين وإعطاء معسكر السلام حججاً جديدة، من المرجح أن يؤدي إصدار هذه المعايير حالياً إلى دعم الاتجاهات السلبية والمتعنتة في النقاش الداخلي الفلسطيني.
العقبات الدولية
يرى عدد من المراقبين أنه لا يتوجب على الطرفين تأييد قرار يُتخذ في مجلس الأمن الدولي. بل على العكس من ذلك، فغني عن القول من شأن الاحتجاجات الإسرائيلية والفلسطينية أن تشير إلى أن الشعبين قد واجها المجموعة اللازمة من تلك التنازلات المؤلمة. ومع ذلك، لكي تعود هذه المقاربة بالفائدة، لن يحتاج الطرفان إلى مواجهة معايير متوازنة فحسب، بل إلى إجماع دولي راسخ وواسع النطاق حول حل الدولتين أيضاً، وذلك بشكل أساسي للتأكد من عدم امتداد الاعتراضات الإسرائيلية والفلسطينية لتؤثر على رد فعل الآخرين، وعلى وجه التحديد لا الحصر الدول العربية.
وفي الواقع، يمكن أن يجزم المرء بأن الفلسطينيين سيضغطون على الدول العربية، وكذلك على الدول الأوروبية وغيرها، للانضمام إليهم في رفض أي معايير لا تتناسب مع معاييرهم الحالية المتطرفة. وإذا ما نجحوا في حشد مثل هذا الدعم، فبإمكانهم أن يثيروا سلسلة أحداث سلبية جداً. على سبيل المثال، بدلاً من إعادة التأكيد على التوافق حول الخطوط العريضة للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قد تؤدي المعايير إلى كشف فجوات في المجتمع الدولي وقد تعرّض نموذج الدولتين المضطرب بالفعل إلى الخطر. وهذا من شأنه أن يلحق ضرراً بالغاً إذا ما أقنع الفلسطينيون مؤيديهم بتعديل نص القرار بطريقة تفرض "الفيتو" الأمريكي.
إلى جانب ذلك، من المرجح أن يرفع الفلسطينيون القضية أمام جامعة الدول العربية، في وقت تطرح فيه العلاقات بين أعضاء هذه الهيئة إشكالية لدرجة أنه كان لا بد من إلغاء القمة العربية لهذا العام. وفي ظل هذه الظروف، يمكن لبعض الدول الأعضاء أن تقرر التشكيك في "مبادرة السلام العربية" وإعادة فتح ملفها، وبالتالي القضاء على الإجماع العربي على حل الدولتين وتوجيه ضربة شديدة لاحتمالات إقرار هذا الحل.
بالتالي، فإن بناء جبهة عربية ودولية قوية لدعم معايير السلام يتطلب عنصرين. أولاً، يجب أن يعكس جوهر هذه المعايير بوضوح التنازلات الصعبة التي يتعين على الجانبين القيام بها، بما في ذلك التنازل بشأن القضايا الخلافية مثل التخلي عن حق العودة، وقبول تقسيم القدس، وترسيم الحدود على طول خطوط عام 1967 مع تبادل أراض بصورة متساوٍية، والاعتراف بالطابع اليهودي لإسرائيل. وفي هذا السياق، أظهرت مناقشات سابقة في الأمم المتحدة و"اللجنة الرباعية الدولية حول الشرق الأوسط" غياب الإجماع الدولي حول هذه القضايا حتى الآن.
ثانياً، يجب أن تتمتع الولايات المتحدة بالرصيد السياسي من أجل إقناع الآخرين، وخاصة الدول العربية، على توسيع رأسمالهم السياسي في دعم المعايير المثيرة للجدل وشمل الفلسطينيين في هذا النطاق، أو على الأقل إقناعهم بتلطيف اللهجة التي يعتمدونها في الرد. وهناك ثلاثة عوامل سهلت إلى حد كبير إنشاء هذه التحالفات في كل من مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 ومؤتمر أنابوليس عام 2007: (1) عملية السلام كانت أولوية عربية قصوى، (2) اعتبرت الدول العربية مشاركة الولايات المتحدة في عملية السلام بمثابة تعويض جزئي عن غزو العراق (وفي حالة مدريد، ترافق ذلك مع شعور بالامتنان لتحرير الكويت)، (3) لم يشك الزعماء العرب أبداً في أن الولايات المتحدة كانت الوحيدة التي تتولى الزعامة الدولية والإقليمية، وأنها كانت على استعداد لممارسة هذه القيادة. أما في يومنا هذا، فستكون واشنطن مضطرة للعثور على القادة العرب الذين يعتبرون القضية الفلسطينية أولوية تستحق تكريس رأسمالهم السياسي عليها، أو أولئك الذين ينظرون إلى الولايات المتحدة بامتنان أو خوف أو ثقة في إطار قيادتها الإقليمية.
المحصلة
باختصار، تطرح العديد من العناصر تحديات خطرة لفكرة اقتراح معايير أمريكية أو تلك التي [يقررها] مجلس الأمن الدولي فيما يتعلق بالسلام الفلسطيني الإسرائيلي، وهذه العناصر متعلقة بالسياسة الفلسطينية والأولويات الإقليمية ومكانة الولايات المتحدة في المنطقة، ناهيك عن مجموعة من العوامل السياسية والدبلوماسية الإسرائيلية التي لم تناقش في هذا المقال. وإذا لم تتم معالجة هذه التحديات بشكل صحيح، يمكن لقرار المعايير أن يأتي بنتائج عكسية، ويغذي شكوك الجمهور الفلسطيني الخطرة بالفعل حول جدوى الدبلوماسية، ويشجع الخطاب الأكثر تشدداً بين قادته، ويؤدي إلى تآكل الدعم الإقليمي والدولي للتوصل إلى حل الدولتين. أي أنه بدلاً من إعطاء القادة المستقبليين اتفاقاً دولياً قوياً حول ملامح الدولتين وتوليد نقاش حيوي وصحي بين الفلسطينيين، يمكن لقرار غير متوازن، أو قرار صادر من دون تشاور مسبق بشكل مكثف مع أصحاب المصلحة الرئيسيين على الصعيد العالمي، أن يقضي على الإجماع الدولي وحتى يبعد الأطراف أكثر فأكثر عن إمكانية إنهاء الصراع.
غيث العمري هو زميل أقدم في معهد واشنطن، وكان قد شغل سابقاً العديد من المناصب الاستشارية مع السلطة الفلسطينية.