حنیف عبدالله (*)
تؤكد التطورات الميدانية في الشرق الاوسط ان ظاهرة الإرهاب المشؤومة التي انتشرت في العراق وسوريا وغيرهما تتطلب نهضة عالمية لمكافحتها واي تباطؤ في ذلك سيؤدي الى استفحالها وربما تبلغ مدى يعجز الشرق والغرب عن استئصالها اذا فات الاوان.
وما يدور في بلدان المنطقة لاسيما سوريا يؤكد ان الذين نصبوا لها الفخ هم اللاعبين نفسهم الذين نصبوا الكمائن في العراق وليبيا واليمن، وهم العناصر نفسهم الذين يخططون لتأجيج الاضطرابات والفوضى المدمرة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا.
واذا كانت تجارب الارهابيين قد برهنت ان العمليات الارهابية الفردية لايمكنها زعزعة اركان حكومة ما، بل لابد من الاصطفاف ضمن مجموعات تضطلع بمهمات واسعة وفق خطط مدروسة والركون الى قوى اجنبية تدعمها بالمال والسلاح، وما حدث في العراق ثم سوريا خير دليل على ذلك، اذ كانت البداية تفجيرات ارهابية وعمليات انتحارية فردية طالت مدن العراق كبغداد وغيرها منذ سنوات، لكنها آلت الى ظهور مجموعات ارهابية في سوريا كداعش والنصرة وجيش الاسلام والفتح وغيرها، حيث استطاعت اقتطاع اجزاءً غير صغيرة من اراضي هذين البلدين.
وفي مقابل هذه التحشدات الارهابية، شعرت البلدان المستهدفة وحلفائها بالمخاطر، ما دفعها الى الاصطفاف لتشكيل تحالفات تتولى عمليات المكافحة والتصدي، فكان الحلف الرباعي الذي ضم طهران وموسكو وبغداد ودمشق وتشكيل غرفة عمليات مشتركة من اجل تنسيق الجهود وتجميع المعلومات في عمليات القضاء على الارهابيين.
ولم تنحصر الدول المناهضة للارهاب على التحالف الرباعي المذكور، بل تعدّت لتشمل بكين ومجموعتي 'بريكس' و'البا'، حيث ادركت ان استمرار ارتكاب المجازر والدمار في سوريا لن يؤدي الى زعزعة الشرق الاوسط فحسب، بل يهدد الامن العالمي برمته.
وبات جليا ان اتساع نطاع الازمة السورية وعسكرة سبل الحل ليس سوى سياسة لم تضف الا الى المزيد من الخراب والتشرد وهو ما وقع خلال الاعوام المنصرمة من الازمة.
واكسبت هذه التطورات المريرة التي بدأت في العراق وانتشرت في سوريا تجارب للقوى المناهضة للارهاب تقوم على ان لا سبيل للحل الا عبر الوقوف الى جانب الحكومات الشرعية ودعم مؤسساتها القانونية من اجل تعزيز صمودها في مواجهة التطرف وارتكاب المجازر ضد الابرياء والحد من دمار البنى التحتية وهدم الحضارة الانسانية والتراث الثقافي في سوريا والمنطقة.
واستخدم اعداء سوريا وشعبها مختلف الادوات والآليات والمخططات لاطالة امد الازمة وزعزعة الامن في المنطقة، ومهدوا لنمو الارهاب والتطرف وتأجيج الفتن الطائفية والقومية.
واسفرت السياسات والحسابات الاميركية الخاطئة مع بعض اللاعبين الاقليميين عن نمو المجموعات التابعة للقاعدة والتفكيريين والمتطرفين، ويوما بعد يوم، توضحت سياسات البيت الابيض في التخطيط لسيناريوهات ترمي لتوسيع رقعة الارهاب والتطرف من سوريا والعراق الى مناطق تتسم بالثبات والامن كالقوقاز وآسيا الوسطى ومناطق اخرى في اوروبا وآسيا.
ولعبت الاجهزة الاستخبارية والتجسسية الغربية لاسيما الـ 'سي آي ايه' والتركية 'ميت' والدولارات النفطية لامراء الخليج دورا كبيرا في تحويل الازمات في سوريا والعراق وليبيا الى ارض لـ'الجهاد المقدس' بهدف اجتذاب الشبان السلفيين والجهاديين من جميع مناطق العالم لاسيما من آسيا الوسطى وجمهوريات الحكم الذاتي في روسيا الاتحادية.
ويقوم مخطط هذه الاجهزة الاستخبارية وفق سياسات البيت الابيض على اعادة الشبان القوقازيين المتشددين الى بلدانهم بعد اكتساب التجارب والفنون القتالية بهدف تأجيج الاضطرابات وزعزعة الامن واثارة الفوضى المدمرة والتمهيد لازمات اخرى في الشيشان ومناطق القوقاز وآسيا الوسطى وشرق الصين.
ومع تصعيد اميركا وحلفائها في المنطقة لوتيرة الازمة في سوريا وتهديد نظامها السياسية وبنيتها الحكومية وصنع بيئة مناسبة لنمو الارهاب والتطرف والعنف والدفع بامن المنطقة والعالم الى المخاطر وتقديم الخدمة لشركات انتاج الاسلحة في الغرب وتفعيل اسواقها والدفع باقتصادياتها الى الامام.
ولم تتوان الامبريالية الغربية في صياغة المخططات الشيطانية والسيناريوهات اللاانسانية لاغراق المنطقة بالفوضى، ما حدا بايران وروسيا والصين ومجموعتي بريكس والبا بتكثيف جهودها في الدفاع عن دمشق لاحباط اهداف اميركا وحلفائها.
ودخلت ايران وروسيا حربا حقيقية على الارهاب والتطرف في سوريا للاسباب التالية:
- العمليات العسكرية للتحالف الذي تقوده اميركا ضد داعش والارهاب في العراق وسوريا اتسم بالضعف وانعدام الكفاءة.
- التصرفات غير المسؤولة لاميركا في مواجهة داعش والمجموعات السلفية والجهادية الاخرى صنعت فراغا امنيا مساعدا لتنمية الارهاب في المنطقة.
- تنامي الارهاب في العراق وسوريا جعل النظامين السياسيين في البلدين يواجهان الانهيار والدمار، ما ترك تداعيات وعواقب سيئة للغاية على الامن في المنطقة والعالم.
وافرغت اميركا وبعض اللاعبين في المنطقة جميع قرارات مجلس الامن التي صدرت ضد داعش والارهاب عام 2014 من محتواها، واعاقت مكافحة الارهاب على صعيد المنطقة والعالم، ما جعل الاستقرار في المنطقة والعالم يواجه تهديدات جادة.
وفي مواجهة هذه التصرفات اللامسؤولة للغرب في مواجهة الارهاب، شكلت العمليات العسكرية لروسيا وايران ضد ارهاب داعش والمجموعات الاخرى التابعة للقاعدة بمثابة ممارسات مسؤولة لانها مثلت رغبات شعوب المنطقة وحكوماتها التي ضاقت ذرعا بالاعتداءات المدمرة للارهاب المتوحش.
والى جانب روسيا وايران، فان الشعوب المحبة للسلام والمدافعة عن الحضارة تدعم الغارات التي تشنها طائرات 'سوخوي' الروسية على مواضع الارهابيين في سوريا.
ان سجل العمليات العسكرية للتحالف الذي تقوده اميركا ضد داعش في العراق وسوريا عكس صورة مسرحية وسيناريو اجوف غير قادر على اقتلاع الارهاب في المنطقة، بل على العكس مهد الاجواء لاتساع دائرته ونمو نشاطاته.
وفي هذا الاطار، فان النشاط العسكري لروسيا وايران في الدفاع عن دمشق يعدّ ردا مسؤولا ودفاعا عن الامن والسلام العالمي في مواجهة التهديدات الارهابية.
وخلال الاسابيع المنصرمة، برزت مؤشرات سياسية - امنية واضحة للغارات التي شنتها روسيا على مقرات الارهابيين في سوريا، وفي هذا السياق يمكن الاشارة الى اهمها:
- عمليات هروب جماعية لداعش والمجموعات الاخرى التابعة للقاعدة باتجاه تركيا ومناطق تغلغل التحالف الدولي ضد الارهاب، لان هؤلاء الارهابيين يدركون جيدا انهم يستطيعون نيل الامن فيها.
- كشفت الغارات الروسية عن حقيقة الوجه المنافق لادعياء مناهضة الارهاب والتطرف، كما جعل اميركا وحلفائها يشعرون بالهلع حيال جدوى العمليات الروسية ضد الارهاب، ما حدا بها الى اتخاذ مواقف سلبية وتآمرية من اجل ايقافها.
- دفعت العمليات العسكرية الروسية بتوازن القوى لصالح الاستقرار والامن والثبات في الدولة السورية، وبات الجميع يدركون ان الامن في هذا البلد يعد صونا للامن والسلام على صعيدي المنطقة والعالم.
- وتعد الهجمات الجوية التي تشنها موسكو ضد عناصر القاعدة والمسلحين القوقازيين المغرر بهم من قبل داعش بمثابة خطوة ذكية لاحباط مؤامرات اميركا والناتو الرامية لنقل الازمة والتوتر الى جمهوريات روسيا الاتحادية وبلدان آسيا الوسطى.
- تصب الضربات المدمرة التي تشنها روسيا ضد عناصر داعش والمجموعات الارهابية الاخرى لصالح الاستقرار والثبات السياسي سواء لروسيا او بلدان المنطقة فضلا عن تثبيت اركان اقتصادياتها، كما ان طلب العراق من روسيا مساعدته في مكافحة الارهاب على اراضيه يصب في السياق نفسه، وربما نشهد مثل هذه النشاطات على صعيد الشرق الاوسط المشحون بالاضطرابات.
(*) باحث فی شؤون الشرق الاوسط