شهدت العمليات التي قامت بها جماعة بوكو حرام النيجيرية تحولا نوعيًّا في طبيعتها بعد إعلان الجماعة مبايعتها لتنظيم داعش في مارس الماضي، وقد انعكست هذه المبايعة في تصاعد نشاط الجماعة بشكل ملحوظ؛ حيث تجاوزت عمليات الجماعة الإرهابية حدود نيجيريا لتمتد إلى الدول الأخرى المجاورة في منطقة غرب إفريقيا، مثل الكاميرون والنيجر وتشاد، وهو ما جعلها تمثل مصدر تهديد رئيسيًّا لاستقرار هذه الدول التي حشدت الآلاف من الجنود لمحاربة بوكو حرام، وقامت بشن العديد من الهجمات ضدها، خاصةً في ظل وضوح عدم قدرة نيجيريا على احتواء هذه الجماعة التي يستمر نفوذها في التزايد داخل وخارج نيجيريا.
أولا: النشاط الخارجي لـ 'بوكو حرام':
قامت جماعة بوكو حرام بتنفيذ عدد من العمليات الإرهابية في الدول المجاورة لنيجيريا، والتي شملت دول: التشاد، والكاميرون، والنيجر. ويمكن إجمال أهم العمليات التي نفذتها الحركة في الدول المجاورة لنيجيريا مؤخرًا على النحو التالي:
&bascii117ll; دولة التشاد: فقد كثف الجيش التشادي من 'عملياته العسكرية الانتقامية' ضد جماعة بوكو حرام ردًّا على العديد من العمليات الإرهابية التي نفذتها الجماعة داخل الأراضي التشادية، والتي كان من أبرزها: الهجوم الانتحاري الذي استهدف مقر الشرطة وأكاديمية تابعة لها في شهر يونيو 2015 وأسفر عن قتل 23 وإصابة 101 شخص، ثم التفجير الانتحاري الذي استهدف السوق المركزية بالعاصمة التشادية في شهر يونيو 2015، وترتب على الهجوم قتل عشرة أشخاص وعدد كبير من المصابين. إضافةً إلى الهجوم الذي تم في فبراير 2015 على الأراضي التشادية، حيث عبر مسلحون بحيرة تشاد باستخدام قوارب ذات محركات ونفذوا هجومًا على قرية نغوبا التي تقع على شاطئ البحيرة، وقتلوا عددًا من الأشخاص، وأضرموا النيران في عددٍ من البيوت. وأخيرًا التفجير الانتحاري في أغسطس 2015 لمدخل مخيم للجيش التشادي بمنطقة كايغا بمحافظة نغوبوا قرب بحيرة تشاد على الحدود مع نيجيريا، ولم يسفر التفجير عن خسائر بشرية.
&bascii117ll; دولة الكاميرون: تتكرر هجمات بوكو حرام عبر الحدود بين نيجيريا والكاميرون بصورة شبه يومية، وتمثلت أهم هذه الهجمات في: ذبح ستة أشخاص وخطف نحو 100 شخص آخرين في هجوم لمسلحين من جماعة بوكو حرام على قرية بلاميه شمال الكاميرون في أغسطس 2015. ثم هجوم آخر للجماعة على قرية 'بيا' في أقصى شمال الكاميرون أسفر عن سقوط 19 قتيلا قطعت رؤوس أغلبهم، وحرق عدد من المنازل. وهاجمت الجماعة في اليوم نفسه موقعًا لجيش الكاميرون في أمشيدي (البلدة الواقعة على الحدود مع نيجيريا) في أبريل 2015، إضافة إلى قتل سبعة أشخاص، بينهم ثلاثة بقطع الرأس في هجمات على قريتي تشيبيـتشيبي ودزابا المجاورتين اللتين تبعدان عشرة كيلومترات عن الحدود النيجيرية، بالإضافة إلى إحراق أملاك أهل القرية وكنيسة كاثولوكية.
&bascii117ll; دولة النيجر: حيث تستخدم بوكو حرام أراضي النيجر في الهروب من ضرب مدن الشمال النيجيري، وقد تعرضت النيجر للعديد من الهجمات من بوكو حرام، خاصةً بعد موافقة النيجر على التعاون مع نيجيريا وتشاد والكاميرون لمكافحة تنظيم بوكو حرام، ومن أبرز العمليات التي نفذتها الجماعة داخل النيجر: الهجوم على سجن نيامي في يونيو 2013 لإطلاق سراح عددٍ من الإرهابيين، وكذلك الهجوم على سجن في ديفا ما أدى إلى مقتل حارس بحسب السلطات المحلية، فيما قُتل ثلاثة من المهاجمين، إضافة إلى الهجوم الذي نفذه مسلحو الجماعة على قريتين في منطقة ديفا بجنوب النيجر في يونيو 2015، والذي أسفر عن مقتل ثلاثين مدنيًّا على الأقل، وأخيرًا قتل 16 مدنيًّا في هجوم على بلدية بوسو الواقعة جنوب شرق النيجر على الحدود مع نيجيريا، حيث أطلق عناصر من بوكو حرام النار على سكان محليين في يوليو 2015.
ثانياً:ـ أهم الدلالات للعمليات الخارجية:
العمليات التي قامت بها جماعة 'بوكو حرام' خارج حدود نيجيريا، تحمل عددًا من الدلالات، من أهمها:
* هذه العمليات تُعد انعكاسًا لتزايد قوة الجماعة والذي بدا في قدرتها على تنفيذ العديد من الهجمات المتزامنة والمتباينة في طبيعتها وأهدافها، حيث تراوحت العمليات التي نفذتها الجماعة ما بين قتل وذبح للرهائن (على طريقة داعش)، وخطف، وحرق وإتلاف للمباني، حيث استهدفت الهجمات المدنيين والمؤسسات العامة التي تقع في الغالب على الحدود مع نيجيريا.
* تبني الحركة فيما توجهه من هجمات للدول المجاورة تكتيك حرب العصابات التي تقضي بشن هجمات على الجيش والسلطات الرسمية والمدارس.
* ظهر تأثير مبايعة الجماعة لتنظيم داعش ليس فقط في طبيعة العمليات التي تقوم بتنفيذها، وإنما في استراتيجية التنفيذ، حيث عمدت الجماعة إلى تغيير استراتيجيتها منذ أشهر من هجمات يتم شنها لأهداف انتقامية أو أهداف متعلقة بالتمويل إلى التوجه نحو الاستيلاء على مناطق بأكملها، فيما يُعد بمثابة خطوات جادة لإقامة دولة إسلامية.
ثالثاًـ الدوافع من وراء العمليات الخارجية:
من المؤكد أن هناك مجموعة من الأسباب خلف توسع جماعة بوكو حرام من خلال تنفيذها عددًا من العمليات في دول الجوار، من أهمها:
ـ تأسيس 'دولة الخلافة': حيث إن حلم الخلافة لدى جماعة بوكو حرام قائم لديها منذ إنشائها، وعززه انضمام الحركة لتنظيم داعش الذي يسعى بدوره لمد نفوذه داخل إفريقيا، وقد حث تنظيم 'الدولة الإسلامية' المقاتلين الذين لا يتسنى لهم الانضمام إلى صفوف مسلحيه في العراق وسوريا على الالتحاق بحركة بوكو حرام النيجيرية للمساعدة في مد حدود 'دولة الخلافة' لتشمل إفريقيا، وبادرت الحركة بدورها لإعلان الخلافة الإسلامية في القرى والمناطق التي فرضت سيطرتها عليها في منطقة شمال شرق نيجيريا (وذلك قبل إعلان مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية).
ـ توسيع النفوذ: حيث تعكس العمليات التي تنفذها جماعة بوكو حرام محاولة الجماعة الخروج من نيجيريا، وتوسيع نفوذها للدول المجاورة من خلال محاولة فرض سيطرتها على عدد من القرى والبلدات الصغيرة على الحدود بين نيجيريا ودول الجوار لتضمها إلى المناطق الواقعة تحت سيطرتها.
ـ الحصول على التمويل: تستفيد الجماعة من هجماتها على دول الجوار في تعزيز مصادر تمويلها، حيث تعتمد الجماعة على الفديات الناجمة عن عمليات الخطف وسرقة الأسلحة من المناطق التي تقوم بمهاجمتها، وقد ساهمت هذه الهجمات في ازدهار تمويل التنظيم.
ـ السعي للثأر: تكبدت الجماعة خسائر بشرية ومادية فادحة عقب ما تعرضت له من هجمات شنتها دول الجوار، حيث شكلت عدة دول إفريقية، ومنها النيجر وتشاد والكاميرون، تحالفًا دوليًّا إفريقيًّا لمساعدة الحكومة والسلطات النيجيرية لمواجهة تهديدات جماعة 'بوكو حرام' التي نجحت في السيطرة على مناطق واسعة في نيجيريا، وتحاول الجماعة من خلال ما تشنه من هجمات الرد على محاولات هذه الدول تقويض نفوذ الجماعة.
رابعًاـ هل تنجح محاولات الدول المجاورة في التصدي لعمليات جماعة بوكو حرام؟
على الرغم مما حققته القوة الإفريقية المشتركة التي تم تشكيلها لمساعدة نيجيريا في التصدي لحركة بوكو حرام من نجاحات أدت إلى طرد التنظيم من مدن كان قد أحكم سيطرته عليها بشمال شرق نيجيريا، وحاصرته في العديد من المواقع، وهو ما أدى إلى تحجيم وتقويض تقدم التنظيم بصورة ملموسة ـ فإن هناك عددًا من العقبات الرئيسية التى يراها بعض الخبراء، تحول دون تحقيق القوة الإفريقية أهدافها، ويمكن إجمالها في الآتي:
1ـ عدم وضوح الرؤية: حيث يفتقر التحالف لوجود رؤية استراتيجية على المدى البعيد فيما يتعلق بالتصدي لتنظيم 'بوكو حرام'، ومثل هذا الخلل ينحدر من مفارقة غريبة نوعًا ما، وهي أن إفريقيا، ورغم أنها القارة التي تحصد نصيب الأسد من الدمار جراء العنف، إلا أنها 'لم تمتلك أبدًا ثقافة الحرب المحترفة'.
2ـ ضعف قدرات الجيوش المشاركة في التحالف: حيث إن تجميع القوى لن يكون مثمرًا إلا في حال التقاء جيوش محترفة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. وتفتقر معظم الجيوش المشاركة ـباستثناء الجيش التشاديـ إلى خبرة القتال الجماعي، وأيضًا لحرب العصابات التي تشنها بوكو حرام، بالإضافة إلى أن بعض هذه الجيوش يمكن أن تكون قد تعرضت للاختراق بفعل عمليات 'إعادة الإدماج'، والتي غالبًا ما تشمل 'المحاربين القدامى في صفوف المجموعات الانفصالية المسلحة، أي أعداء النظام'، والذين يتم دمجهم في صفوف الجيوش النظامية.
3ـ المصالح الضيقة: والتي قد تدفع كل دولة لمتابعة أهدافها المختلفة بشكل منفصل، حيث يصبح استقرارها الخاص موضوع الاهتمام على حساب الاستقرار الإقليمي ككل، فقد يكون هدف نيجيريا ـعلى سبيل المثالـ ليس 'بالضرورة' القضاء على 'بوكو حرام'، بقدر سعيها لطردها خارج حدودها.
وخلاصة القول.. إن هناك تناميًا في نفوذ وقدرات جماعة بوكو حرام عززته طبيعة البيئة التي نشأت فيها الجماعة، ومدى استفادتها من مواقعها على الحدود في التوغل داخل الدول المجاورة، خاصة بعد مبايعتها لتنظيم داعش، والذي انعكس تأثيره في طبيعة العمليات التي تقوم الجماعة بتنفيذها، والتي تمثل خطوات متقدمة نحو تحقيق 'حلم الخلافة'، لذا يبدو من الصعوبة بمكان التصدي للجماعة في ظل تعقيد البيئة القتالية وضعف القدرات العسكرية لدول الجوار مقارنة بما تتلقاه الجماعة من دعم يزيد من قدرتها على الاستمرار في فرض نفوذها خارج حدود نيجيريا.
المصدر: المركز الاقليمية للدراسات الاستراتيجية