قراءات سياسية » عملية شباب المجاهدين في كينيا.. المقدمات والأسباب

أثار الهجوم الذي قامت به حركة 'شباب المجاهدين' الصومالية، على جامعة 'غاريسا' بشمال شرق كينيا، والذي راح ضحيته 147، منهم ما يقرب من 70 طالبًا وأربعة من المسلحين الذين شاركوا في الهجوم، إضافةً إلى عشرات المصابين ـ الكثير من التساؤلات حول الأسباب التي دفعت بالحركة للقيام بمثل هذه العملية، ووضع الحركة على الساحة الصومالية، ومدى قدرتها على تكرار مثل هذه العملية في المستقبل؟ خاصةً وأنها ليست المرة الأولى التي تقوم بها الحركة بعمليات داخل الأراضي الكينية.

وكانت حركةُ 'شباب المجاهدين' الصومالية قد تبنت عملية اقتحام الجامعة واحتجاز رهائن فيها يوم الخميس 2/4/2015، وقد نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المتحدث باسم الحركة علي محمد راغي قوله: إن منفذي العملية يقاتلون من يعادون حركة 'الشباب' ـ في إشارة إلى كينيا ـ بسب تدخل قوات كينية في الصومال منذ عام 2001، ومساعدتها القوات الصومالية وقوات الاتحاد الإفريقي على طرد مقاتلي حركة الشباب من مناطق استراتيجية في الصومال، بينها مدينة كيسمايو الساحلية في أكتوبر 2012.

الوضع الحالي لحركة 'شباب المجاهدين' في الصومال

برغم أن الحركة لا تزال تُسيطر على أجزاء من وسط وجنوب الصومال، فإن هناك انحسارًا واضحًا لنفوذ الحركة في الصومال، فبعد أن كانت تُسيطر على ما يقرب من ثلثي الصومال حتى عام 2006، فقد فقدت الحركة السيطرة على العديد من المناطق الهامة والاستراتيجية والتي كان آخرها مدينة كيسمايو في سبتمبر 2012، بعد الضربات العسكرية التي وجهتها إليها القوات الإفريقية المسانِدة للحكومة المركزية، كما أن مقتل بعض قادة الحركة في غارات أمريكية من أمثال أحمد عبدي جودان، أدى إلى تراجع نفوذها إداريًّا وعسكريًّا وأمنيًّا.

ورغم ذلك لا تزال 'حركة الشباب' قادرةً على القيام بدور على الساحة الصومالية، نظرًا إلى أنها ما زالت تُؤمّن لنفسها مصادر تمويل جيدة تُمكّنها من الإنفاق على أنشطتها المختلفة، ويأتي على رأس تلك المصادر تجارة الفحم الصومالي التي يصل حجمها إلى 250 مليون دولار، والذي تتحصل الحركة منه على ثلث ذلك المبلغ تقريبًا، يُضاف إلى ذلك دعم بعض القبائل الصومالية المستمر لها والتي ينتمي لها بعض قادة الحركة، إضافةً إلى الأموال التي تتلقاها الحركة من الجمعيات الخيرية والأفراد المتعاطفين معها، أو من التنظيمات 'القاعدية' الأخرى في المنطقة.

النشاط العابرُ للحدود لحركة 'شباب المجاهدين'

هجومُ الحركة على جامعة 'غاريسا' الكينية، يُعد خامس أبرز هجوم تُنفذه حركة 'شباب المجاهدين' الصومالية في كينيا خلال الـ18 شهرًا الماضية، وأكثرها دموية، لتتوارى خلفه عملية مركز التسوق التجاري بالعاصمة نيروبي 'ويستغيت'، الذي حاصره رجال الحركة لمدة أربعة أيام، وقُتل في المواجهة 67 شخصًا في (سبتمبر 2013)، ثم نفذت الحركة بعده سلسلةً من الهجمات، بعضها ببلدة ميكتوني الساحلية، والتي راح ضحيتها أكثر من مائة قتيل، كما بدأت الحركةُ تستهدف القوات الدولية من جديد، من خلال بعض العمليات والتي كان أشهرها العملية التي حدثت في مطلع عام 2015، وسقط فيها جنديان من خلال هجوم بالقنابل والأسلحة.

وبشكلٍ عام، يأتي تصاعد نشاط الحركة الخارجي في ظل التراجع في النشاط الداخلي بعد المواجهة الإقليمية للحركة داخل الأراضي الصومالية، من خلال القوات الإفريقية المتواجدة حاليًّا بالصومال (بعثة الاتحاد الإفريقي للصومال)، والتي أسسها الاتحاد الإفريقي من 17 ألف جندي تقريبًا، من أجل مساعدة الجيش الصومالي على مواجهة الحركة، في ظل ضعف القوات الصومالية في مواجهة الحركة أو القضاء عليها رغم التأييد الدولي لها، وتضم تلك القوات جنودًا من أوغندا وكينيا وبوروندي وجيبوتي وسيراليون، إلى جانب القوات الإثيوبية التي كانت قد دخلت إلى الصومال في 2006، وقد استطاعت تلك القوات توجيه عدة ضربات قوية للحركة، وإخراجها من عدة معاقل لها، أهمها أجزاء كبيرة من مقديشيو العاصمة في 2011.

أهم الدوافع وراء عملية جامعة 'غاريسا'

من المؤكد أن هناك عددًا من الدوافع والأسباب التي دفعت حركة 'شباب المجاهدين' إلى القيام بتلك العملية الكبيرة التي أدت إلى سقوط هذا العدد الكبير من الضحايا والمصابين، في مثل ذلك التوقيت، ويمكن تحديد أهم تلك الدوافع في الآتي:

ـ الضغط على الحكومة الكينية، من أجل سحب قواتها الموجودة على الأراضي الصومالية ضمن قوات 'بعثة الاتحاد الإفريقي'؛ حيث تلعب القوات الكينية دورًا محوريًّا في العمليات التي تُوجّه ضد معاقل الحركة، والتي أدت إلى فقدانها العديد من المناطق التي كانت تسيطر عليها، وهذا ما جعل الحركة تستهدف كينيا على وجه الخصوص، من دون الدول التي تُشارك بقواتها في 'بعثة الاتحاد الإفريقي'، وقد دل على هذا التوجه بيان الحركة بعد العملية، والذي صرح بأنها سوف ترتكب المزيد من المذابح في كينيا، بسبب ما أسمته 'الفظائع التي ترتكبها القوات الكينية ضد المسلمين' في جنوب الصومال منذ بدء تدخلها العسكري، حيث اعتبرت الحركةُ الشعب الكيني متواطئًا أيضًا لأنه هو الذي انتخب حكومته.

ـ الحفاظ على التماسك التنظيمي، بعد أن بدأت قبضة الحركة تتراخى تحت وقع هجمات القوات الإفريقية، مما أدى إلى تقلص المساحة التي كانت تسيطر عليها، حتى فقدت السيطرة على مدينة كيسماو المعقل القوي للجماعة والميناء الحيوي، مما كان له أسوأ الأثر على الحركة؛ حيث بدأ العديد من أفرادها يفقدون الثقة فيها وفي قيادتها، حتى بدأ عقد الحركة التنظيمي في الانفراط، فكان لا بد من القيام بتلك العملية حتى تتمكن الحركة من العودة إلى واجهة الأحداث من جديد، من خلال عملية كبيرة، تُعيد الثقة للأفراد في جماعتهم، وتؤكد لهم أنها ما زالت قوية إلى درجة تُمكّنها من القيام بعمليات خارج الحدود، وبالتالي تتمكن الحركة من الحفاظ على تماسكها في تلك المرحلة.

ـ التنافس الجهادي؛ حيث تشهد الساحة الإفريقية مؤخرًا حالةً من التنافس الجهادي بين التنظيمات القاعدية وعلى رأسها 'شباب المجاهدين'، وبين التنظيمات الداعشية وعلى رأسها 'بوكو حرام'، بعد مبايعتها تنظيم 'داعش'، والعلاقة بين التنظيمات الجهادية علاقة تنافسية صراعية وليست علاقة تعاونية تكاملية، وقد بدأت 'المظلة القاعدية' تتراجع لصالح 'المظلة الداعشية'، ففي الوقت الذي تتراجع فيه قوة حركة 'شباب المجاهدين'، تزداد يومًا بعد يوم قوة 'بوكو حرام'، وهذا تقريبًا ما دفع الحركة إلى القيام بتلك العملية الكبيرة، في محاولة لإثبات أن لديها القدرة على تحقيق إنجازات خارج حدود بلادها، تجعلها تنظيمًا 'عابرًا للحدود'، قادرًا على خلق حالة من التوازن الجهادي في المنطقة.

وأخيرًا، فإنه برغم الضربات التي تلقتها الحركة في الفترة الأخيرة، والتي أفقدتها العديد من المناطق التي كانت تُسيطر عليها، فإن الأحداث أثبتت أنها قد تضعف، ولكن من الصعب أن تختفي من الوجود نهائيًّا، بسبب عوامل كثيرة تساعدها على البقاء، على رأسها الأوضاع الداخلية في الصومال، والتي تمثل بيئة مناسبة لبقاء الحركة، كما أن اعتماد الحركة علي حرب العصابات بدلا من المواجهة المباشرة، يضمن لها بقاء قدراتها وإمكاناتها العسكرية أطول فترة ممكنة. وبالتالي فإن الحركة ستكون قادرة على ممارسة نشاطها خارج الأراضي الصومالية، بل وستحرص على ذلك الأمر؛ حيث أثبتت الأحداثُ أن العمليات الخارجية تمثل للحركة أحد أهم أساليب الخروج من الأزمات الداخلية التي تتعرض لها، وبالتالي ستحرص الحركة على القيام بمثل تلك العمليات في المستقبل كلما دعت الحاجة إلى ذلك، وكانت الحركة قادرة على تنفيذها.
المصدر: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية

موقع الخدمات البحثية