لم تكن عملية 'عاصفة الحزم' التي قادتها المملكة العربية السعودية بمشاركة عربية وإقليمية بمعزلٍ عن عمليات تَشَكُّلِ واقعٍ جديدٍ، سواء داخل اليمن أو في المنطقة بصفة عامة، عبر تغير خرائط الفاعلين. فعلى الرغم من استهداف العملية العسكرية المكثفة لتوسعات الحوثيين في اليمن، وتهديداتهم الحدود السعودية والملاحة العالمية في مضيق باب المندب؛ فإن التداعيات غير المقصودة ascii85nintended Conseqascii117ences للتدخل العسكري ضد الحوثيين في اليمن من المرجح أن تمس مصالح وسياسات أطراف داخلية وإقليمية على غرار حزب 'التجمع اليمني للإصلاح' وجماعة 'أنصار الشريعة' في الداخل اليمني، وكل من نظام الرئيس السوري بشار الأسد وقطر وتركيا، على نحو يجعلهم أقرب إلى ما يمكن تسميته بـ'الراكب المجاني'.
صعود 'إخوان اليمن':
يُعد حزب 'التجمع اليمني للإصلاح' من أكثر القوى السياسية إفادةً من عملية 'عاصفة الحزم' على الحوثيين، إذ تعرض الحزب وجماعة 'الإخوان المسلمين' التي يمثلها لعدة ضربات قاصمة منذ بدء التمدد العسكري للحوثيين في مطلع عام 2014، انطلاقًا من منطقة دماج بمحاذاة إقليم صعدة، حيث قام الحوثيون، في فبراير 2014، بتدمير منزل الشيخ الأحمر المتحالف مع 'الإخوان المسلمين' في منطقة الخمري، كما تمكنوا من هزيمة 'اللواء 310' المرابط في مدينة عمران، في 8 يوليو 2014، وقتلوا قائد اللواء العميد الركن حميد القشيبي المتحالف مع 'الإخوان المسلمين' والموالي للواء علي محسن الأحمر مستشار الرئيس اليمني للشئون الأمنية والقائد السابق للفرقة الأولى المدرعة.
كما تمكن الحوثيون من دحر قوات اللواء الأحمر، ودفعوها للانسحاب من العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، وقاموا بالاستيلاء على الأسلحة الموجودة بالمعسكرات التابعة للواء الأحمر، ونجحوا في اقتحام منازل الموالين لآل الأحمر و'الإخوان المسلمين'، وتمددوا في مناطق تمركزهم في مدن إب ورداع والحديدة.
ومن ثمّ، لم يكن تأييد حزب 'تجمع الإصلاح' لعملية 'عاصفة الحزم' سوى نتاج طبيعي للصراع المحتدم بين الحوثيين والحزب وحلفائه العسكريين والقبليين، حيث صدر عن الحزب، في 3 أبريل 2015، بيان يعرب فيه عن أمله في أن 'تعيد عملية عاصفة الحزم الأمور إلى نصابها ومسارها الصحيح في اليمن، وإخراج البلاد من الأزمة التي تسبب بها الحوثيون وحلفاؤهم الذين يتحملون كامل المسئولية عن كافة النتائج المترتبة على هذه العملية'، واعتبر الحزب أن 'الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي استخدم صلاحياته وفق ميثاق الأمم المتحدة، واتفاقية الدفاع المشترك لطلب دعم الدول الشقيقة'.
ولا ينفصل ذلك عن إعلان حميد بن عبدالله الأحمر شيخ مشايخ قبائل حاشد، أكبر قبائل اليمن ورئيس مجلس النواب اليمني في عهد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وزعيم حزب 'التجمع اليمني للإصلاح'، عن تخصيص مبلغ مالي بقيمة 50 مليون ريال يمني (23 ألف دولار) لمن يقبض على صالح، وهو ما يرتبط بمساعي اللواء الأحمر إلى تشكيل تحالف عسكري وقبلي لقتال الحوثيين.
تمدد 'أنصار الشريعة':
استغل تنظيم 'أنصار الشريعة' في اليمن انهيار المؤسسات العسكرية والأمنية، وتركيز الميليشيات القبلية على التصدي للتمدد الحوثي في توسيع نطاق المناطق التي يسيطر عليها، ففي مطلع أبريل 2015 هاجمت عناصر التنظيم مؤسسات عديدة بميناء المكلا، مثل البنك المركزي، والسجن المركزي، ودار الرئاسة، ومقر الشرطة، وتمكنت من إطلاق سراح عددٍ من قياداته، وعلى رأسهم أبو المقداد الكندي، وحاولت الاستيلاء على محتويات البنك المركزي، إلى أن تمكنت قوات الجيش اليمني من استعادة السيطرة على المدينة.
وفي السياق ذاته، تمكن التنظيم من السيطرة على عدة مدن يمنية منذ منتصف مارس 2015، أهمها مدينة المحفد في محافظة أبين التي سيطر عليها بعد مهاجمة 'اللواء 29' في المدينة وأسر بعض الجنود، وسبق ذلك تنفيذ تفجيرات في مساجد تابعة للحوثيين في العاصمة صنعاء مما أسفر عن سقوط 142 قتيلا وأكثر من 350 جريحًا، فضلا عن اغتيال بعض القيادات الحوثية، أما التطور الأهم فتمثل في سيطرة 'أنصار الشريعة' على مقرات 'اللواء 19' مشاة في محافظة شبوة جنوب اليمن في منتصف مارس 2015، والاستيلاء على كامل أسلحته بعد ادعائه وجود بوادر للتفاوض بين قيادات الوحدة العسكرية والحوثيين.
وقد رجحت اتجاهات عديدة أن يدفع تركيزُ الغارات الجوية على الحوثيين، وانهيار مؤسسات الدولة اليمنية وخاصة المؤسسات العسكرية والأمنية، وعدم وجود قوى سياسية قادرة على ملء الفراغ السياسي؛ التنظيم إلى مواصلة التمدد، باعتباره كيانًا يمتلك قدرات عسكرية وتنظيمية متماسكة، ومن ثمّ لديه فرصة أكبر لاستغلال حالة الفراغ السياسي والسيولة الأمنية مقارنة بمختلف القوى السياسية والمجتمعية اليمنية.
بقاء نظام الأسد:
لا تنفصل عملية 'عاصفة الحزم' عن تغير التوازنات السياسية في خضم الصراع السوري لصالح نظام الأسد على الرغم من الإخفاقات العسكرية التي تعرّض لها في الآونة الأخيرة، حيث إن الانشغال الإقليمي بالتصدي للحوثيين في اليمن أدى، في رؤية اتجاهات عديدة، إلى تقليص حدة اهتمام المجتمع الدولي بتطورات الأزمة في سوريا، وهو ما يتزامن مع تحقيق نظام الأسد عدة مكاسب سياسية، إذ لا تنفصل هذه التحولات الإقليمية عن التغير في السياسة الأمريكية تجاه الصراع في سوريا، وهو ما يُستدل عليه بتصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، في منتصف مارس 2015، حول أن 'الولايات المتحدة ستُضطر إلى التفاوض مع الأسد من أجل ضمان انتقال سياسي للسلطة في سوريا، وأنها ستضغط على الأسد لقبول التفاوض'، وهو ما يُمثل تغيرًا جذريًّا في المواقف الأمريكية السابقة التي كانت تركز على ضرورة رحيل الأسد كمقدمةٍ لأي تسوية سياسية للصراع في سوريا.
وفي السياق ذاته، أكد الرئيس السوري بشار الأسد في لقائه مع قناة 'سي بي إس' الأمريكية، في 27 مارس 2015، ترحيبه بالحوار مع الولايات المتحدة. وعلى المستوى الدبلوماسي باتت سوريا أكثر انفتاحًا على محيطها الإقليمي بعد فترةٍ من العزلة، وهو ما يرتبط بقرار وزارة الخارجية التونسية استعادة التبادل الدبلوماسي مع سوريا في 2 أبريل 2015، وإنهاء قرار تجميد العلاقات الدبلوماسية الصادر في عام 2012، بالتوازي مع تتابع زيارات الوفود الدولية على العاصمة السورية دمشق منذ مبادرة المبعوث الخاص للأمين العام إلى سوريا ستيفان دو ميستورا حول التسوية في سوريا قبيل نهاية نوفمبر 2014 والتي تضمنت التركيز على 'تجميد المواجهات العسكرية' في مدينة حلب ومحيطها، والتفاوض بين أطراف الصراع بما فيهم الرئيس الأسد، فيما اعتبر اعترافًا أمميًّا بالأسد كطرف يُمكن التفاوض معه، وهو ما أثار احتجاجات المعارضة السورية.
وفي المقابل، يُواجه نظام الأسد انتكاسات عسكرية متتالية؛ حيث فقد سيطرته على آخر معبر حدودي مع الأردن، وهو معبر 'نصيب' الذي سيطرت عليه فصائل المعارضة السورية في مطلع أبريل الجاري، كما تلقى هزيمة أخرى عقب سيطرة 'جبهة النصرة' وفصائل إسلامية، أبرزها 'جبهة أحرار الشام' على مدينة إدلب في الشمال الغربي بالكامل في 28 مارس 2015. وفي الجنوب تلقى النظام خسائر متتابعة في محافظة درعا، وفي 25 مارس الفائت سيطرت المعارضة السورية على البلدة التاريخية بصرى الشام، وانتزعتها من القوات الحكومية، وهو ما يشير إلى أن استنزاف القدرات العسكرية للنظام السوري وتدفقات السلاح من جانب بعض دول الإقليم على فصائل 'الجيش السوري الحر' قد أدت إلى فقدان النظام السوري القدرةَ على التمدد خارج نطاق مناطق تمركزه الرئيسية في دمشق وحمص.
تزايد الانخراط القطري:
يُمكن اعتبار المشاركة القطرية في عملية 'عاصفة الحزم' بمثابة أحد أهم مؤشرات ترسخ عودة قطر للنظام الإقليمي، إذ شاركت قطر منذ بداية الهجمات الجوية على الحوثيين بما لا يقل عن 10 طائرات، وهو ما تبعه حضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد القمة العربية في شرم الشيخ، واستقبال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي له، مما يعكس، في رؤية اتجاهات عديدة، بداية محاولة جديدة لتحقيق المصالحة بين مصر وقطر، وهو ما أعقبه عودة السفير القطري إلى القاهرة بعد أن سحبته قطر من مصر في 19 فبراير 2015، وهو ما قوبل بتأكيد مصري على أن عودة السفير المصرى إلى الدوحة هو 'قرار يتم تداوله وتقديره وفقًا للاعتبارات والتقديرات السياسية من الدولة'.
تعزيز المكانة التركية:
لا تنفصلُ عملية 'عاصفة الحزم' عن التحولات في السياسة الخارجية السعودية في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز، حيث بدت سياسات المملكة تتجه إلى تأسيس تحالف 'مرن' لمواجهة التمدد الإقليمي لإيران، ومن ثم تصاعد التقارب السعودي-التركي، وهو ما يستدل عليه بإعلان المملكة استعدادها لاستثمار ما لا يقل عن 600 مليار دولار في الاقتصاد التركي على مدار العشرين عامًا المقبلة، بمتوسط 30 مليار دولار سنويًّا.
وربما تساهم السياسات الإقليمية للمملكة في دعم المكانة الإقليمية لتركيا كمحور للتحالف الإقليمي الناشئ الذي يتوقع أن يكتسب زخمًا متصاعدًا عقب توقيع 'اتفاق إطار' بشأن الملف النووي بعد المفاوضات التي جرت بين إيران ومجموعة '5+1' في مدينة لوزان بسويسرا في 2 أبريل الجاري، ولعل بيان الخارجية التركية لإدانة العمليات الإرهابية الأخيرة في سيناء، وتعزية مصر في ضحاياها من العسكريين والمدنيين في 3 أبريل 2015؛ يكشف عن بداية تغير طفيف في السياسة التركية تجاه مصر قد يكون مرتبطًا بجهود تأسيس التحالف الإقليمي لمواجهة إيران.
وإجمالا، يمكن القول إنه على الرغم من استفادة عدد من القوى الداخلية والإقليمية بصورة غير مباشرة من العمليات العسكرية الدائرة في اليمن ضد الحوثيين؛ فإن هذه الانعكاسات غير المقصودة لا ترتبط بمسار الصراع الأهلي الدائر في اليمن، وصعود تحالف الدول الداعمة للاستقرار في اليمن فحسب، وإنما تدعمها متغيرات داخلية وإقليمية أكثر تأثيرًا، على غرار الفراغ السياسي والأمني في اليمن، وانهيار مؤسسات الدولة، والسعي لتأسيس تحالف إقليمي في مواجهة التمدد الإيراني، والتحولات في السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط، بالتوازي مع توقيع اتفاق إطار حول الملف النووي مع إيران، وتأثير ذلك على توازن القوى الإقليمي، ومحاولة الولايات المتحدة الإفادة من الدور الإيراني في مواجهة تنظيم 'داعش' في العراق في ظل مخاوف أمريكية من أن يؤدي تدمير القدرات العسكرية للحوثيين إلى تمدد تنظيم 'القاعدة' وهيمنته على الدولة اليمنية.
المصدر: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية