إبراهيم منشاوي(*)ليست المملكة الأردنية الهاشمية ببعيدة عن المخاطر التي يُثيرها تنظيم الدولة 'الإسلامية في العراق والشام' والذي يفرض سيطرته على أراضٍ شاسعة من دولتي العراق وسوريا، وذلك بعد تصاعد التهديدات الموجهة لعمان مع كشف التنظيم عن خريطةٍ لدولته الموعودة تضم إلى جانب العراق وسوريا، الكويت والأردن وفلسطين ولبنان. وتتزايد خطورة التنظيم على الداخل الأردني مع وجود العديد من الفئات المناصرة له داخل الدولة الهاشمية، وإعلان التنظيم عن إنشاء فرع له في عمان لإمداده بالمهمات اللوجستية، وهو الأمر الذي دفع المملكة لاتخاذ إجراءات احترازية لمواجهة تهديدات التنظيم من نشر للقوات العسكرية على امتداد حدودها مع الدول التي تشهد صراعات داخلية، مع عملها على ضبط الأمور داخليًّا باعتقال الفئات المناصرة لهذا التنظيم.
دوافع وأسباب اهتمام داعش بالأردنترجع الأسباب التي دفعت تنظيم 'داعش' إلى الاهتمام بالأردن، والسعي إلى إيجاد مؤيدين له داخلها، إلى ثلاثة أسباب رئيسية، هي على النحو التالي:
أولا: مشاركة الأردن في التحالف الدولي ضد 'داعش': تُعد الأردن حليفًا استراتيجيًّا للولايات المتحدة الأمريكية في حربها ضد الإرهاب، وفي مواجهة التهديدات الإقليمية، وقد برز ذلك من خلال قيام المملكة بتقديم الخدمات اللوجستية والاستخباراتية للتحالف الدولي ضد تنظيم 'داعش'، فضلا عن فتح المجال الجوي الأردني، وجعله منطلقًا لتنفيذ الضربات الجوية ضد 'داعش'. تلك الجهود الأردنية ضد تنظيم الدولة الإسلامية لا يدعمها العديد من الأردنيين، خاصةً الجماعات السلفية المتشددة؛ حيث اعتبر القيادي البارز في التيار السلفي الجهادي في الأردن محمد الشلبي الملقب بـ'أبو سياف' أن مشاركة الأردن في التحالف الدولي هي بداية النهاية لحكم العاهل الأردني الملك عبد الله. بالإضافة إلى أن مثل هذه المشاركة قد أججت غضب الجماعات الجهادية في المنطقة، خاصةً تلك التي أعلنت تأييدها لداعش مثل جبهة النصرة في سوريا، ضد النظام الحاكم في الأردن.
ثانيًا: التمدد الجغرافي للتنظيم: يُقاتل تنظيم 'داعش' على امتداد قوس كبير يبدأ من الحدود العراقية السورية، ويمر في دير الزور والرقة التي باتت تسيطر عليها بشكل كامل، وصولا إلى جرابلس ومنبج وإعزاز شمالي حلب، بالإضافة إلى شمالي إدلب قرب الحدود التركية، وتوسعه الواضح في العراق، وسيطرته على مناطق حيوية حدودية، يستطيع من خلالها تلقي التمويل والأسلحة والتدريب الكافيين، الأمر الذي ساهم بدرجة كبيرة في توجيه أنظاره نحو عمان، حيث أضحى التنظيم على مقربة من الحدود الأردنية، في ظل سيطرته الأخيرة على بلدة الرطبة في محافظة الأنبار العراقية، والتي تبعد 60 كم عن الحدود مع المملكة، فضلا عن سيطرته على معبر حدودي رئيسي (معبر طريبيل)، والذي يقع بين العراق والأردن، ما دفع الجيش الأردني إلى إعلان التعبئة العامة، ونشر القوات على الحدود مع العراق استعدادًا للدخول في أية اشتباكات مع مقاتلي التنظيم؛ حيث يضع زعيم التنظيم 'أبو بكر البغدادي' عينه على المملكة للسيطرة من خلالها على قطاع غزة، وفتح المجال لدخول سيناء المصرية.
ثالثًا: التمدد الفكري ووجود عدد من الفئات المناصرة للتنظيم في الأردن: يتمدد التنظيم في دول الجوار ليس من خلال الانتقال المادي أو السيطرة الفعلية، ولكن من خلال التمدد الفكري القائم على أساس ديني، وعلى الغاية الكبرى التي تجمع الجماعات الجهادية جميعها، وهي غاية الوصول إلى دولة الخلافة، وهو ما أدى إلى مبايعة العديد من التنظيمات الجهادية له مثل جبهة النصرة في سوريا، وأنصار بيت المقدس في مصر، وجماعة أنصار الشريعة في ليبيا. وفي الأردن خرجت تظاهرات مؤيدة للتنظيم في مدينة معان، بجانب مبايعة تنظيمِ 'التوحيد والجهاد' في الأردن زعيمَ تنظيم 'داعش'؛ حيث قال بيانٌ للجماعة يحمل توقيع 'أبناء دعوة التوحيد والجهاد في الأردن'، ونُشر على مواقع تابعة لها، إن تنظيم 'الدولة الإسلامية' (داعش) هو 'قلعة الإسلام، وحصن التوحيد، وجندها هم رأس حربة المسلمين'. بالإضافة إلى تكوين فرع للتنظيم في الأردن مكون من 200 عنصر، بحسب تصريحات أحد أعضاء الفرع ويدعى أبو محمد البكر، فضلا عن البيئة الحاضنة للأفكار المتطرفة في الأردن، ووجود أقطاب هناك للفكر السلفي الجهادي أمثال محمد المقدسي، وعمر محمود المعروف بـ'أبو قتادة'، مما دفعهم للمشاركة في القتال الدائر في سوريا؛ حيث تُشير التقديرات إلى أن الأردن أكبر المساهمين في تدفق الجهاديين إلى سوريا، والذين تتراوح أعدادهم بين 1800-2500 مقاتل، كما أن ظاهرة اللاجئين العراقيين والسوريين في الأراضي الأردنية تثير صعوبات حقيقية للمملكة، خاصةً إذا ما تم استغلال أوضاعهم المتردية في سبيل شن هجمات إرهابية في الدولة الهاشمية.
تحركات أردنية لمواجهة تهديد داعشفي ضوء الإدراك الأردني لحجم التهديدات التي يُشكلها تنظيم داعش؛ اتخذت السلطات الأردنية عددًا من الإجراءات لتكوين حائط صد يمنع من وصول التنظيم إلى أراضيها، والتي تمثلت في:
أولا: تعديلات قانون مكافحة الإرهاب: أقر البرلمان الأردني في يونيو من العام الجاري تعديلات على قانون مكافحة الإرهاب المعمول به منذ عام 2006، وقد أعطت تلك التعديلات للحكومة والأجهزة الأمنية سلطات واسعة؛ حيث انطوى تعديلُ القانون على توسيع مفهوم الإرهاب ليشمل الإرهاب الإلكتروني، وبالتالي فقد طال هذا القانونُ العديدَ من الانتقادات، خاصةً من قبل جماعة الإخوان المسلمين بالأردن، وكذلك منظمة 'هيومان رايتس ووتش' المدافعة عن حقوق الإنسان. وقد أتبعت السلطات الأردنية تلك التعديلات بحملة واسعة من الاعتقالات في عمّان؛ حيث تم اعتقال ما يقرب من 300 ممن يُشتبه في تعاطفهم مع تنظيم 'داعش'، كما منعت وزارة الأوقاف في شهر أغسطس الماضي 25 خطيبًا من اعتلاء المنبر بسبب خرقهم للقانون، والترويج للفكر المتطرف.
ثانيًا: تشكيلُ لجنة وزارية عُليا لمواجهة الإرهاب: نتيجة لتصاعد نفوذ التيار السلفي داخل المدن والبلدات الأردنية، خاصةً تلك المؤيدة لتنظيم 'داعش'، والارتفاع الملحوظ في أعدد الجهاديين الأردنيين إلى ما يزيد عن سبعة آلاف جهادي - تم تشكيلُ لجنة وزارية مؤخرًا بتكليف من مجلس السياسات الذي يترأسه الملك عبد الله، من أجل وضع استراتيجية خاصة لمواجهة التطرف والإرهاب، ومن بين مهام تلك اللجنة التعامل مع البؤر التي يُشتبه في تطرفها، ومواجهتها سياسيًّا وأمنيًّا واجتماعيًّا وفكريًّا، وقد مُثِّلت في تلك اللجنة جميعُ مؤسسات المملكة من أجل مراقبة التيارات المتشددة.
ثالثًا: نشر القوات الأردنية عبر الحدود مع العراق وسوريا عقب سيطرة داعش على معبر طريبيل القريب من الحدود الأردنية؛ حيث قامت الأردن بتحريك قواتها، وتعزيز تواجدها الأمني على الحدود مع العراق، والتي تبلغ 181 كم، فقامت بنقل الدبابات والقوات، والتي تضمنت الكتيبة 71، وهي كتيبة مكافحة الإرهاب، كما تم إرسال طائرات إف 16 لاستهداف قوات داعش في الجانب العراقي، وكانت قوات حرس الحدود قد دفعت بـ5 آلاف عسكري على الحدود الممتدة مع سوريا منذ بداية الثورة هناك، والبالغ طولها 370 كم. كما قامت الأردن بتعزيز الأمن الداخلي والدفاع الوطني؛ حيث أنفق في عام 2013 نحو 1,3 مليار دولار. كما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد الأردن بمساعدات عسكرية قيمتها 300 مليون دولار، فضلا عن 140 مليون دولار لتأمين رعاية اللاجئين السوريين، وكذلك تقديم مليار دولار كمساعدات عسكرية ومالية للأردن عام 2014. ونتيجة للتكلفة العالية لمواجهة الإرهاب والتطرف، فقد تم إنشاء صندوق مكافحة الإرهاب، ومقره مدينة جنيف، وتُشارك فيه الولايات المتحدة الأمريكية بخمسة مليارات دولار، من أجل مساعدة الدول، ومن بينها الأردن على مكافحة ذلك الخطر.
رابعًا: التوجه لحلف الناتو: شارك الملك عبد الله في اجتماعات قمة حلف شمال الأطلنطي في 4 سبتمبر 2014، في مدينة نيوبورت البريطانية، من أجل البحث عن استراتيجية فعالة لمواجهة داعش، كما أشاد الملك عبد الله بدور حلف الناتو في دعم الجهود الرامية لمواجهة الإرهاب إبان مباحثات مع الأمين العام للحلف 'ينس شتولتنبرغ'، في ملتقى سفراء مجموعة الحوار المتوسطي الذي استضافته المملكة في ديسمبر الجاري؛ حيث تسعى الأردن إلى تقوية علاقات التعاون مع الحلف من خلال المبادرة التي أطلقها في قمته الأخيرة لبناء القدرات الدفاعية والعسكرية لعددٍ من الدول الشريكة، ومن بينها الأردن، بما يخدم الشراكة الاستراتيجية بينهما.
استراتيجية شاملة لمواجهة داعشعلى الرغم من نجاح الأردن حتى الآن في مواجهة التنظيمات الجهادية داخلها، من خلال كشفها لخلايا تتبع تنظيم 'داعش'، وقيامها بحملة اعتقالات واسعة؛ فإن التركيز على المواجهة الأمنية وحدها لا تكفي، وإنما يجب أن تمتد المواجهة على كافة الأصعدة على النحو التالي:
أولا: مواجهة ثقافية: من خلال العمل على مقاومة الفكر الجهادي بالفكر المعتدل الوسطي، وإجراء تحليل ثقافي متعمق لظاهرة الإرهاب، لاقتراح سياسات فعالة لمواجهتها. ومن المهم هنا الإشارة إلى سعي وزارات الأوقاف في مصر والكويت والأردن إلى تكوين جبهة عربية فكرية قوية صلبة عمادها وزارات الأوقاف والشئون الإسلامية العربية لمواجهة الإرهاب، وكل ألوان التطرف والتشدد والغلو. وأن يكون تبادلُ الخبرات والعلماء والدعاة عبر المؤسسات الدينية الرسمية. وفي هذا تأكيدٌ على فكرة المواجهة الثقافية وأهميتها في الوقت الحالي، خاصةً في ظل التمدد الفكري الكبير للجماعات الجهادية في مختلف الدول العربية.
ثانيًا: العمل على حل الأزمة السورية: إن التوصل إلى حلٍّ عادلٍ وسريع للأزمة السورية سوف يُسهم كثيرًا في كبح جماح تنظيم 'داعش'، وتضييق الخناق عليه. فقد تدفق العديدُ من الأردنيين للمشاركة في القتال في سوريا، وقد عادوا مرةً أخرى للأراضي الأردنية، مما شكل تهديدًا كبيرًا لعملية الاستقرار هناك، بالإضافة إلى تدفق العديد من اللاجئين السوريين للأردن، وهذا عبء إضافي بدوره على المملكة، خاصة مع تردي أوضاعها الاقتصادية.
ثالثًا: تنمية اقتصادية: تقوم المناطق المحرومة اقتصاديًّا في الأردن (مثل: الرصيفة، والزرقا، ومعان) بتوفير الحصة الأكبر من الجهاديين الذين يُقاتلون في سوريا، وبالتالي فالأردن في حاجةٍ إلى تنمية اقتصادية حقيقية لتمكينها من مواجهة التشدد والتطرف. وتعتمد المملكة في الفترة الحالية على مجموعةٍ من البرامج الإصلاحية والدعم الأمريكي لتحقيق التنمية المنشودة، فقد قدمت الولايات المتحدة 250 مليون دولار كمساعدات اقتصادية للشروع في دعم المؤسسات المحلية في الزرقا وعمان، وتحفيز النمو الاقتصادي في المناطق الأقل حظًّا، بتقديم المساعدة للشركات الصغيرة والمتناهية الصغر، ومساعدة وحدات التنمية المحلية على مستوى المحافظات والبلديات على تخطيط وتنفيذ الأنشطة التي تحقق النمو والاستثمار في المجتمعات الأردنية.
رابعًا: التعاون الإقليمي لمواجهة كافة التنظيمات الجهادية في المنطقة: ساهم الانفلات الأمني في المنطقة العربية بشكل كبير في انتشار الجماعات الجهادية على نطاق واسع، والخطورة هنا تتضح في ترابط تلك الجماعات الجهادية وتأثيرها على استقرار الدول من خلال عمليات تهريب السلاح وتدفق الجهاديين، ومن هنا وجب وضع استراتيجية جديدة تجعل من مواجهة التنظيمات الجهادية جميعها في المنطقة غايتها الأساسية، للقضاء على تهديداتها للدول العربية، وقد يكون الإطار الأبرز في هذا الصدد هو تشكيل لجنة عليا تجمع الدول العربية جميعها للاتفاق على صيغة مشتركة لمواجهة الإرهاب.
(*) مدرس مساعد بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة.
المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية