يوسف ورداني(*)
تركز غالبية البحوث والدراسات التي تتناول تنظيم داعش على الاستراتيجيات التي يتبعها التنظيم لجذب الشباب إلى عضويته، وعلى الأسباب التي تدفع الشباب الغربي والمتحولين حديثًا إلى الإسلام، إلى أن الانضمام له دون تركيز مماثل على بحث أسباب انضمام شباب دول الإقليم له، ومعرفة الخصائص الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية التي تميزهم، والاختلافات بين الدول في عدد المنضمين ودوافعهم.
وتتفاوت تقديرات المسئولين في منطقة الشرق الأوسط حول عدد المنضمين إلى التنظيم؛ ففيما لم تنشر السلطات المصرية العدد التقريبي للمواطنين المنضمين إلى صفوف التنظيم، واعتبرت في أغسطس 2014 وجوده في مصر 'مجرد دعاية إعلامية تسوق لشيء بلا أساس وغير موجود'، فإن تقديرات المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي في لندن، تشير إلى أن عددهم يبلغ نحو 300 مجند. أفصح وزير الداخلية المغربي في كلمته أمام الغرفة الثانية للبرلمان المغربي في 15 يوليو 2014، عن أن عدد المغاربة الذين يقاتلون تحت راية داعش يفوق ألفين، 1122 جاؤوا مباشرةً من المغرب والباقي جهاديون يقيمون في الدول الأوروبية، وأشار وزير الداخلية التونسي في 14 سبتمبر 2014 إلى انتماء قرابة 2500 تونسي إلى تنظيمات إرهابية في وسوريا والعراق، وأن أجهزة الأمن تمكنت من منع أكثر من تسعة آلاف شاب وفتاة من الالتحاق بالجماعات المقاتلة في سوريا.
ورغم ذلك، يُلاحَظ بصفة عامة أن التنظيم يحظى بشعبية إلى حد ما في الدول العربية؛ حيث كشفت نتائج الاستطلاع الذي أجراه المركز العربي للأبحاث والدراسات بالدوحة، خلال شهر أكتوبر 2014، عينة من 5100 شخص موزعة على سبعة دول عربية؛ هي: تونس ومصر وفلسطين والأردن والسعودية ولبنان والعراق- عن أن 11% من المستطلعة آراؤهم ينظرون إلى التنظيم بإيجابية أو إيجابية إلى حد ما مقابل 85% ينظرون له بسلبية. ويلاحظ ارتفاع نسب هذا التأييد مقارنةً بنتائج استطلاعين للرأي أجرتهما إحدى الشركات التجارية لصالح معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى على عينة من 1000 مشارك في كل دولة في سبتمبر وأكتوبر 2014؛ حيث كشف هذان الاستطلاعان عن أن نسب مؤيدي التنظيم تبلغ 1% في لبنان، و3% في كل من مصر والإمارات، و4% في الكويت، و5% في السعودية. وتزيد هذه النسبة لتصل إلى 13.1% في فلسطين حسب استطلاع نفذه المركز الفلسطيني لاستطلاع الرأي في أغسطس 2014.
ومن تحليل نتائج هذه الاستبيانات، يلاحظ أن نسب تأييد التنظيم تقل في دول الإقليم عن مثيلتها في بعض الدول الأوروبية؛ وذلك باستثناء فلسطين التي يمكن تفسير ارتفاع النسبة فيها بسبب ظروف الاحتلال وسيطرة حماس على غزة. فوفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة 'آي سي إم' ونشرت نتائجه في 27 أغسطس 2014، فإن 25% من الشباب الفرنسيين في الشريحة العمرية 18-24 سنة المستطلعة آراؤهم؛ قد أبدوا تأييدهم لـ'داعش'. وتنخفض النسبة إلى 7% في بريطانيا، و4% في ألمانيا. كما يلاحظ غموض الأسئلة المطروحة في هذه الاستبيانات، فهي لم تفرق بين أسباب تأييد الفكرة من ناحية، ومدى تعاطف أفراد العينة مع مشاهد القتل اليومي التي يقوم بها التنظيم من ناحية ثانية، ومدى استعدادهم للانخراط في صفوفه إذا سنحت لهم الفرصة من ناحية ثالثة.
ومع ذلك، فإن نسب تأييد التنظيم التقديرية تخفي في طياتها تهديدات متطرفة وإرهابية كامنة، خاصةً أن مثل هذه الأعداد يمكنها تشكيل خلايا إرهابية من الشباب إذا نجح التنظيم –والجماعات التي تماثله- في الوصول إليهم وتجنيدهم، خاصة في ظل وجود خمسة أسباب جاذبة لهم للانضمام إلى داعش، وذلك على النحو التالي:
1. التنظيم يعمل بعقول 'شبابية':
يتجه الشباب إلى عضوية التنظيم بسبب جاذبية الأسلوب الذي يستخدمه في مخاطبتهم وحداثته؛ فالتنظيم الذي تغلب سمة الأصولية على فكرته وحركته، يعمل بعقول شبابية؛ فغالبية قياداته، وعلى خلاف تنظيم القاعدة، من الشباب، وهو يعمل على مخاطبة هذه الشريحة العمرية والوصول إليها في قلب أماكن تركزهم وإكسابهم الفكر 'المتطرف' من خلال وسائل تكنولوجيا الاتصال الحديثة، مثل يوتيوب وتويتر وفيس بوك وفليكر وإنستجرام.
ويستخدم التنظيم في ذلك 'جيوشًا إلكترونية' من شباب العشرينيات الذين لديهم خبرة في استخدام أدوات التواصل الاجتماعي وصياغة الرسائل الجاذبة للشباب عبر فيديوهات مصورة ومعدة باستخدام تقنيات هوليوودية متطورة تظهر تسجيلات لتدريبات التنظيم ومقاطع مزعومة لانتصاراته.
كما أصدر التنظيم مجلة ترويجية باسم 'دابق' بعدة لغات في 8 يوليو 2014 يتم توزيعها إلكترونيًّا، وتبني الأسلوب الأمريكي في الترويج لذاته، فأطلق خطًّا لإنتاج الملابس تضم قمصانًا وقبعات تحمل شعاره وتوقيعه، وطور رسومات لبعض الأسلحة التي يستخدمها مقاتلوه، ونشر لعبة إلكترونية جديدة أطلق عليها 'صليل الصوارم' في محاكاة لألعاب الحرب التي اخترعتها بعض القوى الكبرى للترويج لبطولاتها.
لا تنحصر هذه العقلية الشبابية في نوعية أداة التواصل فقط، بل في الرسائل الإعلامية التي يستخدمها التنظيم لجذب الشباب، ومن أهمها الإغواء المادي بالإعلان عن توافر فرص عمل في صفوف التنظيم لمؤهلات معينة، مثل القضاة وخبراء البترول برواتب مرتفعة تصل للفئة الأخيرة إلى 140 ألف يورو سنويًّا، حسب تقارير صحيفة 'ديلي ميل' البريطانية، بالإضافة إلى تقديم عروض مغرية للعمل والزواج لجذب الشباب الفقراء الراغبين في الانضمام إليه، خاصة في ظل ازدياد موارد التنظيم واتساع المناطق التي يسيطر عليها ورغبته في جذب عاملين لإدارتها. أضف إلى ذلك قيام التنظيم بنشر صور لقتلاه 'بعد تعديلها' كما يبدو، تظهر الابتسامات العريضة التي تعلو وجوههم فرحا بموته 'شهيدًا'.
ويتمثل الملمح الثالث للعقلية الشبابية للتنظيم في قيامه بالاعتماد على وسطاء ومتطوعين من الشباب المحليين - خاصةً في مصر وتونس واليمن والسعودية - لتجنيد أقرانهم بوصفهم الأكثر وعيًا بأساليب مخاطبتهم والتواصل معهم وفق ظروف كل دولة على حدة. ويعتمد نهج التنظيم في ذلك على استخدام أسلوب التجنيد الفردي أو ما يطلق عليه 'الذئاب المنفردة'، وتخطي الأشكال النمطية المعروفة للتنظيم الشبكي والمؤسسي على نحو يُمكّن هؤلاء الوسطاء من التأثير في الشباب المستهدفين وإقناعهم بالانضمام إليه. وتشير الخبرة العملية إلى أن عادة ما يصاحب عملية التجنيد هذه ضخ أموال وصلت في حالة تونس إلى ألفي دينار شهريًّا لكل طالب جامعة (نحو 1200 دولار أمريكي) حسبما كشفت التحقيقات الأمنية التي أعقبت عملية 'وادي الليل' الإرهابية في تونس، والتي نفذت في 23 أكتوبر 2014.
وتدل خبرة الشهور الأخيرة من عام 2014 على تزايد نشاط هؤلاء الوسطاء، ونجاح أجهزة الأمن في إلقاء القبض على عدد منهم واستجوابهم لمعرفة الأساليب التي يستخدمونها في تجنيد الشباب، ومن ذلك مثلاً إلقاء أجهزة الأمن السعودية القبض في 8 أغسطس 2014 على خلية وساطة تتكون من ثمانية أفراد، ونجاح السلطات المصرية في أكتوبر 2014 في القبض على أربعة أفراد يقومون بالمهمة نفسها.
وأخيرًا، يخاطب التنظيم سعي الشباب إلى القيادة؛ فهو لا يميز في عملية الارتقاء بداخله بين المقاتلين المحليين والأجانب ما ثبت ولاؤهم وامتلاكهم القدرات المطلوبة. وفي هذا السياق يمكن فهم تصريحات وزير الداخلية المغربي بأن 'أربعة من المغاربة على الأقل يتولون مواقع مهمة في التنظيم'.
2. استعادة الحلم 'الضائع':
يرى كثير من شباب تيار الإسلام السياسي أن المشروع الإسلامي قد تمت سرقته أو اختطافه بواسطة ما يطلقون عليه 'سلطة الانقلاب' في مصر أو بالصندوق الانتخابي وأصوات المواطنين التي أوصلت 'التيار العلماني' إلى الحكم في تونس. وتفصح تصريحات شباب الإخوان في مصر وممارساتهم عن هذا المعنى بجلاء، ففي 23أغسطس 2014 أعلن بعض شباب الإخوان عن تنظيم تشكيلات تحمل أسماء مشتقة من تنظيم داعش مثل 'داحم' الدولة الإسلامية في حلوان والمطرية، و'داهف' الدولة الإسلامية بالهرم وفيصل، ودعا بعض شباب الجماعة إلى تدشين تنظيم 'يحمل اسم 'دامل' في 2 نوفمبر وهو اختصار 'الدولة الإسلامية في مصر وليبيا'.
ويمكن تفسير هذا التطور بأربعة عوامل؛ أولها عدم اتخاذ التنظيمات الإسلامية التي ينتمي إليها هؤلاء الشباب موقفًا واضحًا من ممارسات العنف والإرهاب التي يقوم بها التنظيم، بل على العكس، فعقب النجاحات التي أحرزها التنظيم في يونيو 2014، أصدر عدد من قادة الإخوان بيانات متعاطفة مع هذا التطور، فعلى سبيل المثال أشار محمد البلتاجي القيادي الإخواني في 2 يوليو إلى أهمية تبني نموذج الخلافة الإسلامية على نحو يقترب من مفهوم داعش قائلاً إن: 'دماءنا الطاهرة تشتاق وتتشرف بأن تكون نواة للخلافة الإسلامية الكبرى. ونحن نثق بأنكم ستحملون راية الخلافة الكبرى'. وفي الاتجاه نفسه أيد محمد الجوادي الباحث المتعاطف مع الإخوان وأحد الهاربين إلى قطر إقامة الخلافة الإسلامية التي أعلنها التنظيم، ودعا شباب الجماعة إلى تأييده. واستمرت قيادات الجماعة في تقديم السند الشرعي والمناخ الفكري المحبذ لأعمال العنف، والإعلاء من شأن 'المظلومية التاريخية'، وأهمية نيل 'الشهادة' في الحرب مع 'الدولة الكافرة' و'المجتمع الجاهلي'.
وثانيها، جاذبية الأفكار ذات الطابع 'الثوري' التي يطرحها التنظيم، والتي تنادي بإقامة دولة يثرب الجديدة أو دولة الخلافة الراشدة في التصور الإسلامي ظن والتي بدأت أولى معالمها حسبما أعلن التنظيم في 28 يونيو 2014، وبتطبيق الشريعة والبعد عن القوانين الوضعية التي تتبناها نظم الإقليم، والوعد المزعوم بالجنة، وذلك في صياغات يغلب عليها طابع اليوتوبيا والوعد بالخلاص وأن أعضاء التنظيم هم في مهمة مقدسة من أجل نصرة قضية كبرى. ولا يتجاهل التنظيم طرح مسألة الدفاع عن السُنة، والقضاء على إسرائيل وتحرير بيت المقدس كأحد القضايا المحورية الحاكمة لعمله.
وثالثها، الرغبة في استلهام النموذج من خلال تجربة أبو بكر البغدادي الذي وصفه الشيخ يوسف القرضاوي – في معرض إدانته للتنظيم -في أكتوبر 2014 بأنه كان من شباب الإخوان ' الأكثر ميلاً إلى القيادة التي أغراها بها داعش'. ويزيد من ذلك إحساس شباب الإخوان في مصر بخذلان قياداتهم لهم بعد ثورة 30 يونيو2013 ووصفهم بالانهزامية والتخاذل في مواجهة الدولة، ومطالبة التنظيم لهم في رسالة بعنوان 'الصدام قدر محتوم' بـ 'العودة إلى كتاب الله برفع راية الجهاد ووقف التظاهرات والأعمال السلمية'.
ورابعها أن التنظيم يراعي ظروفهم فهو يطالبهم أولاً بالعمل بشكل لا مركزي، ومن داخل أراضيهم دون تعريضهم لأية مخاطر أمنية ناتجة عن عبور الحدود إلى سوريا والعراق، فوفق بيانات داعش فإن 'الخلافة التي يطالبون بها موجودة في المشرق وفي العراق والشام، وعليهم العمل داخل أراضيهم لتمددها وتوسعها وإلغاء الحدود'. وعليهم في مصر التوجه إلى سيناء باعتبارها 'دار حرب' لقتال الجيش والشرطة هناك.
3. توافر حاضنة للتطرف في المجتمعات العربية:
يعود انضمام الشباب إلى داعش إلى توافر الحاضنة الفكرية والثقافية للتطرف والإرهاب في المجتمعات العربية. وهذه الحاضنة التي تحيط بتنشئة النشء والشباب من جميع الاتجاهات، تعمل على بث أفكار وهابية تعيد إنتاج الأفكار الظلامية وفق نسق أحادي متشدد يرفض التعايش مع الأنساق المجتمعية الأخرى. ويشكل كل ذلك جزءا من عقلية الشباب التي تتشكل في فترة المراهقة، والتي يصعب تغييرها على المدى الطويل، والتي تجعلهم فريسة للفراغ والحيرة خاصة في ظل اختفاء المشروع الفكري والثقافي الوطني الجامع، وغيبة القضايا الكبرى أو التاريخية التي يؤمن بها الشباب ويلتفون حولها.
وتزدهر تلك الحاضنة في ظل ارتفاع معدلات الفقر بين شريحة الشباب وتدني فرصة حصولهم على عمل مناسب، على نحو يجعل من هجرة الشباب إلى داعش أمرًا مماثلاً لهجرتهم في قوارب الموت إلى سواحل شمال المتوسط. ولا يعني ذلك أن الأزمة الاقتصادية بمفردها هي سبب انضمام شباب دول الإقليم إلى داعش، بل إنها جزء أصيل من عوامل ازدهار التنظيمات المتطرفة التي تنشط حاليًّا في الإقليم مستفيدة من تراجع دور المؤسسات الدينية التقليدية في نشر الفكر المعتدل، ومن انتشار فوضى المرجعيات في العالم الإسلام السني، ومن ملل الشباب من 'طول فترة الانتظار' لبدء حياة كريمة، كما أن هذه التنظيمات تعمل على استغلال فشل سياسات الدولة في استيعاب الشباب وتوجيه طاقاتهم نحو أعمال مفيدة.
وعلى الرغم من اعتبار كثير من الشباب في تعليقاتهم على فيس بوك، أن غياب الديمقراطية والقمع الذي تمارسه الدولة العربية هو السبب الرئيسي لانجذاب الشباب إلى التنظيم، فإن هذه الإجابة ليست دقيقة أو كافية، فحالة تونس، وهي البلد الأكثر تصديرا للمجاهدين إلى سوريا والعراق لا تشير إلى ذلك، فهي تسير في عملية ديمقراطية منذ قيام ثورتها في ديسمبر 2010، وجربت انتخابات برلمانية شفافة يعقبها انتخابات رئاسية قريبًا، وهي 'تعيش لحظة ثورية تستغرق البلد وتعبئ طاقاته'، كما كتب ديفيد كيركباتريك في تحقيقه المنشور مؤخرا في نيويورك تايمز.
4.'الإثارة' بنكهة دينية:
لا يقتصر انجذاب الشباب للانضمام إلى التنظيم على شباب تيار الإسلام السياسي؛ حيث تشير التقارير المخابراتية والإعلامية إلى انجذاب عدد من شباب الطبقات العليا في دول الإقليم لصفوف التنظيم. والسبب الرئيسي لذلك هو التمرد والرغبة في التغلب على حالة الملل والروتين، وخلق جو بديل تسوده روح الإثارة والمغامرة، والظهور بمنظر البطل الأسطوري الموجود في شاشات العرض السينمائية. ويعزز من ذلك تأثر الشباب بالأفكار المثيرة التي تظهر بين الفينة والأخرى، وانضمامهم إلى أي تنظيمات جديدة تطرح أفكارًا جذابة، فالشباب مولع دائمًا بالجديد.
ويستغل التنظيم هذه الدوافع بطرحه نماذج لبعض مقاتليه يلعبون البلياردو، أو لأحد منهم خلال توقيعه بانتشاء على أحد علب الشوكولاته السويسرية الشهيرة، أو بإبرازه انضمام بعض الشخصيات الشهيرة له مثل مغني الراب الألماني السابق دينيس كوسبرت (أبو طلحة(، أو مطرب الراب البريطاني المصري الأصل عبد المجيد عبد الباري، أو بإبراز حالة المتعة والإثارة التي يعيشها المنضمون للتنظيم، ومثال ذلك الفيديو الذي خاطب فيه شاب أسمر من مقاتلي التنظيم أقرانه قائلاً: 'أشعر أني في حلم.. المتعة التي نحن فيها لا يمكنكم تخيلها.. إنها –والله- لنعمة عظيمة'.
في هذا الإطار، يمكن فهم بروز ظاهرة 'نكاح الجهاد' في تونس، وانضمام عدد من شباب الأسر الميسورة إلى التنظيم. مثل الشاب المصري العشريني إسلام يكن وكنيته 'أبو سلمة'، والتي انتشرت صوره على صفحات التواصل الاجتماعي ممتطيًا حصانه شاهرًا سيفه ظن برغم أن ظروف معيشته تكشف عن أنه من أسرة ميسورة الحال، نجحت في إلحاقه بإحدى المدارس الفرنسية واهتمت بتنمية مهاراته على أغاني الراب وممارسة الرياضة.
5.'التهديد' خيار ممكن:
على الرغم من عدم توافر أدلة مادية ملموسة يمكن تعميمها في دول الإقليم حول انضمام الشباب إلى التنظيم نتيجة لهذا السبب، فإن تحقيقات عملية 'وادي النيل' الإرهابية في تونس أشارت إلى تهديد داعش للعناصر المنضمة حديثا إلى التنظيم بفيديوهات إباحية، وفضحهم في حال عدم الاستجابة للأوامر التي تشمل شراء شرائح الهواتف المحمولة بأسمائهم، واستضافة الإرهابيين في منازلهم، وتأمين وسائل المعيشة لهم. وهذا العامل من المتوقع ازدياده خاصة مع انتشار عصابات الجريمة المنظمة في شمال أفريقيا، وإمكانية استخدامها من قبل التنظيم لتوسيع عضوية التنظيم وجذب فئات جديدة له من شباب السياسيين والشخصيات العامة.
بالإضافة إلى هذه الأسباب الخمسة، فهناك عدة عوامل أخرى يمكنها تفسير انجذاب التنظيم للشباب؛ فوفقًا لنتائج استطلاع رأي المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات السايق الإشارة إليه، فإن 55% من عينة الاستطلاع ترى أن هناك عوامل إضافية لذلك التأييد بخلاف التزام التنظيم بالمبادئ الإسلامية التي حظت بنسبة 13%، مثل: إنجازاته العسكرية، أو استعداده لمواجهة الغرب وإيران، أو معاداته للنظامين السوري والعراقي، وادعائه الدفاع عن السُنة المظلومين في المشرق العربي.
يلاحظ عند مقارنة عوامل انجذاب شباب إقليم الشرق الأوسط بعوامل انجذاب نظيره الأوروبي، أنه أولاً الاختلاف بوعي الشباب المنضم؛ ففي حين تقع الغالبية من شباب الإقليم في شريحة الفقراء من طلاب الجامعات، فإن غالبية المجاهدين الأوروبيين الذي قدرهم مارك تاونسيند وتوبي هيلم في مقالهما بصحيفة الأوبزرفر بعنوان 'الجهاد في عصر وسائل التواصل الاجتماعي.. كيف يربح الغرب حرب الإنترنت؟' بـ 2800 شخص من الشباب الذين يتمتعون بمستوى معيشي متوسط أو مرتفع، ويعيشون في مناخ من الحرية والديمقراطية التي يشتكي من غيابها معظم شباب الإقليم. كما يتضح ثانيًا أن كراهية الدولة والشعور بالاغتراب، هي زي القمر عامل مشترك في انجذاب هؤلاء الشباب إلى التنظيم. ففي حالة شباب الإقليم، هناك الظروف الاقتصادية والاجتماعية وفشل سياسات الدولة في احتوائه وتوفير الحد الأدنى من الظروف المعيشية المناسبة له. وفي حالة الشباب الأوروبي فهناك فشل أبناء الجيل الثاني من المسلمين الأوروبيين في الاندماج في مجتمعاتهم الأوروبية الجديدة، وعدم إمكانهم حل مشكلة الهوية المزدوجة والتعايش مع بيئة الحياة الغربية بكل ما تشمله من ملذات وصخب، وما يفرضه صعود اليمين المتطرف من تحديات بشأن كراهية الأجانب ومعاداة الهجرة والمهاجرين وإشاعة مناخ الإسلاموفوبيا.
وإذا كانت هذه الأسباب تغري الشباب بالانضمام لداعش، فإن التنظيم بدوره طور من خطة تجنيده للمقاتلين بحيث أصبح لا يستهدف الشباب فقط، بل اتجه إلى تجنيد الأطفال والمراهقين في سن يتراوح بين 12-13 سنة فيما يعرف بأشبال التوحيد. كما أنه أصبح لا يقتصر على نشر رسالته عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بل إنه يجري مقابلات مع الشباب المحتمل تجنيده عبر حساب 'اسكايب' وجمع المال والتبرعات من المتعاطفين معه حسبما أفاد بذلك 'رصدٌ 2' أجراه المعهد التنفيذي لمعهد الشرق الأوسط للأبحاث العلمية المتخصص بمراقبة المواقع على شبكة الإنترنت.
كيف نوقف هجرة الشباب إلى داعش؟
هذه الأسباب العامة لانضمام الشباب إلى داعش تحتاج إلى خطة متكاملة لمواجهتها. أولى عناصر هذه الخطة هي تشديد قيود السفر على تركيا بوصفها الدولة المعبر للانضمام إلى التنظيم والتي يسافر إليها الشباب عبر رحلات سياحية مخفضة التكلفة ثم يلتقون بعدها بجهات اتصال تيسر لهم عبور الحدود إلى سوريا. وبالتوازي مع ذلك، يمكن الاستفادة من نص القانون الفرنسي الذي يفرض حظر سفر لمدة ستة أشهر على الأشخاص الذين يشتبه أنهم يخططون للسفر إلى مناطق خطرة.
وثانيها- مراجعة الخطاب الديني وتجديده والتصدي لمحاولات توظيفه لخدمة الجماعات المتطرفة والإرهابية. ويتم ذلك بالمواجهة الحاسمة مع الأفكار الوهابية المسكوت عنها والمسئولة عن انتشار التطرف، وبحيث يدين الخطاب الجديد أفعال داعش وأخواتها بوصفها أفعالاً تخالف طبيعة الدين الإسلامي الوسطي وقيم الإنسانية لا بوصفها أفعالاً تسيء إلى صورة الإسلام فحسب. ويمتد ذلك أيضًا للتصدي لمحاولات بعض وسطاء التنظيم لاستخدام المساجد وسيلةً للتجنيد، خاصةً في مصر التي تستضيف مدينة البعوث الإسلامية التي بها العديد من الطلاب الأفارقة والآسيويين.
وثالثها- إجراء مزيد من الدراسات الميدانية التي تقيس التغير في منظومة القيم لدى الشباب، ومدى انتشار أفكار التطرف بين مختلف فئاتهم، ومدى استعدادهم للانخراط؛ ليس في صفوف التنظيم فقط، بل في التنظيمات الإرهابية المحلية التي تتبنى أفكاره واستراتيجياته، وأن يتم تحليل هذه الدراسات بواسطة فريق عمل من الخبراء المتخصصين بالأمن وعلم الاجتماع. ورابعها، تطوير استراتيجيات خلاقة لكسب حروب التطرف والإرهاب على الإنترنت وفي المساجد.
يمكن القول، إن عدم الاهتمام بهذه الأبعاد يعني عمليًّا اقتصار جهود دول الإقليم في مواجهة التنظيم على المواجهة الأمنية، وتقديم مبادرات عامة طويلة الأمد يغيب عنها التحديد الدقيق لبعض المشكلات الكامنة التي تحتاج إلى مواجهة فورية. وفي هذه الحالة يرجح أن تزداد خطورة 'العائدون من داعش' مع عملهم حلقات وصل بين التنظيمات المتطرفة والإرهابية وكأدة لتجنيد مزيد من الشباب، وقد تزداد كذلك التهديدات الإرهابية الكامنة في المستقبل القريب والمتوسط حتى مع نجاح التحالف الدولي في القضاء على داعش؛ فداعش فكرة والأفكار المتطرفة تأخذ وقتًا حتى تموت.
المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية
(*) خبير في دراسات وبحوث الشباب – طالب دكتوراه في العلوم السياسية