بول وولفويتز, جيسيكا توكمان ماثيوز, و دينيس روس(*)
'في 29 أيلول/سبتمبر 2014، خاطب بول وولفويتز، جيسيكا توكمان ماثيوز، ودينيس روس ندوة خاصة أقامها معهد واشنطن لتكريم حياة وإرث السفير الراحل صموئيل دبليو. لويس. والسيد وولفويتز هو باحث في 'معهد أمريكان إنتربرايز' ونائب سابق لوزير الدفاع الأمريكي. والسيدة ماثيوز هي رئيسة 'مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي'. والسيد روس هو مستشار وزميل ويليام دافيدسون المميز في معهد واشنطن. وفيما يلي ملخص المقرر لملاحظاتهم. بإمكانك أيضاً مشاهدة فيديو وقراءة ملخصات عن بقية الندوة، تضم الملاحظات التي أدلى بها نائب وزيرة الخارجية الأمريكي وليام بيرنز و السفير دان شابيرو، والقاضي اليكيم روبنشتاين، والسفير ويليام أ. براون. '
بول وولفويتز
كان السفير الأمريكي صموئيل لويس رجلاً عظيماً أنجز عملاً عظيماً. إذ كان سفير الولايات المتحدة في إسرائيل ولم يقع في خطأ أن يكون سفيراً من إسرائيل. فكان بمثابة صوت الرزانة والتوازن.
عمل السفير لويس أيضاً في منطقة تذكرنا عادة بالتحديات الكبيرة الكامنة في عملية تخطيط السياسات. وعلى مر السنين، تجلت إحدى أهم الدروس المستفادة من هذه العملية وهي أنها تنجح فقط إذا قامت بها مجموعة صغيرة، سرية نسبياً، من المتخصصين تتمتع بإمكانية التواصل المباشر مع معظم كبار صانعي السياسات. وفي هذا الصدد، وصف وزير الخارجية الأمريكي السابق دين اتشيسون في مذكراته كيف استدعاه الرئيس ترومان إلى البيت الأبيض في إحدى الأيام، وأخبره أن الولايات المتحدة قد صمّمت قنبلة هيدروجينية، وطلب منه وضع استراتيجية للسياسة الخارجية الأمريكية في ضوء الإفصاح عن ذلك السر. وأدرك اتشيسون أن هناك حاجة إلى طاقم عمل محدد لمناقشة قضايا حساسة من ذلك النوع، يتكوّن من فريق صغير مقرّب من شاغري المناصب العليا في سلسلة صناع السياسة للتأكد من أن أوامره تلقى آذاناً صاغية وتحظى بثقة المعنيين.
وأثبت ذلك الدرس صحته بعد عقود من الزمن عندما كان البنتاغون يناقش موضوع تحرير الكويت. وفي ذلك الوقت، تساءل فريق تخطيط السياسات التابع لوزارة الدفاع الأمريكية الذي كان متماسكاً بصورة محكمة، عما إذا كان من الممكن التوجه نحو الكويت من الجانب الغربي بدلاً من الخطة العسكرية القائمة على التحرك من الوسط. وتمكن الفريق من مناقشة الفكرة بشكل سري وتقديمها مباشرة إلى الوزير ديك تشيني الذي أُعجب بها وطلب من الجيش النظر فيها. وكون الوزير هو الذي قدّم الفكرة، اتُخذ الطلب على محمل الجد وانتهى به الأمر بأنه شكّل خطة المعركة. بيد، لو قُدمت فكرة الموظفين المدنيين من قبل أي شخص أدنى رتبة من سلسلة صناع السياسة، حتى لو كان على مستوى وكيل وزارة، لكان الجيش سيرفضها دون شك.
أما في الوقت الراهن، ومع دخول الولايات المتحدة حرباً ثلاثية الأطراف مع تنظيم &laqascii117o;الدولة الإسلامية في العراق والشام"/(&laqascii117o;داعش") أو &laqascii117o;الدولة الإسلامية"، ونظام الأسد، يحتاج مخططو السياسة إلى عاملين أساسيين هما: أفضل المعلومات الاستخباراتية الممكنة، وآراء الأصدقاء والشركاء في المنطقة المستقاة عبر محادثات دبلوماسية صريحة. ووفقاً لذلك، ينبغي على وزير الخارجية الأمريكي أن يشكل فريقاً رفيع المستوى ومؤهلاً لتقديم الاستشارة في مجال السياسة، وربما يكون تحت إدارة رئيس تخطيط السياسات. ويمكن لهذا الفريق الصغير التعمق في القضايا بطريقة منفتحة وجوهرية، ويجدر به أن يكون قادراً على التواصل مع الوزير دون تسريب الأحاديث إلى الصحافة.
ويتطلب تخطيط السياسات في الشرق الأوسط تحديد المعتدلين في المنطقة، وهو الأمر الذي يمكن أن يشكّل مهمة صعبة. فلطالما أثبتت إسرائيل أنها حليف الولايات المتحدة الوحيد الموثوق به في المنطقة، إلا أن العلاقة الثنائية الوثيقة ما بين الطرفين دفعت بالبعض إلى تحميل الولايات المتحدة مسؤولية تصرفات إسرائيل. لذا لا بد من وجود وسيلة للتوصل إلى فهم أفضل والمزيد من ضبط النفس في هذا الشأن.
أما بالنسبة إلى الشركاء العرب، فيجب على المسؤولين الأمريكيين أن يدركوا أنه في الوقت الذي لا يزال الصراع الطائفي يطرح مشكلة رئيسية في المنطقة، إلا أنه لا يتخطى عادة المصالح الجوهرية للدول المعنية. على سبيل المثال، خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكي السابق جيمس بيكر إلى الشرق الأوسط عام 1991، التقى بالعاهل السعودي الملك فهد آل سعود لمناقشة مسألة العراق وقضايا أخرى. وفي ذلك اللقاء أعلن رئيس العائلة المالكة السنية في المملكة أنه سيكون من الخطأ ترك حكومة الرئيس العراقي صدام حسين السنيّة إلى حد كبير في السلطة، وأنه يجب دعم الشيعة العراقيين في تمردهم ضد بغداد. وعلى الرغم من أن السعوديين كانوا، ولا يزالوا، لاعباً رئيسياً في اللعبة الطائفية في المنطقة، فقد نظروا إلى صدام حسين كمَن يشكل أكبر تهديد للمنطقة وصاغوا سياستهم وفقاً لذلك. بيد، تم تجاهل نصائحهم في ذلك الحين؛ ولا يجب لذلك الأمر أن يمنع واشنطن من تشجيع السعوديين على تعزيز نفوذهم في بغداد في الوقت الحالي كقوة موازنة لنفوذ إيران.
وعموماً، تختلف آفاق النفوذ الأمريكي الفعّال في المنطقة. ففي ليبيا، كان من الممكن بذل المزيد من الجهود للمساعدة على تشكيل قوات أمنية فاعلة. أما في سوريا، فسيتطلب التعافي من الانقسامات الناجمة عن العنف المستمر أجيالاً وأجيال. كما لا ينبغي أن يكون بروز &laqascii117o;داعش" أمراً مستغرباً، وذلك بسبب قيام أدلة وافرة حول تزايد التطرف في أوساط المعارضة السورية والضعف في صفوف الجيش العراقي. ومع ذلك، يلاحظ ظهور بوادر تفاؤل في تونس، وأن البلاد بحاجة إلى دعم أمريكي وأوروبي بقدر الإمكان.
جيسيكا توكمان ماثيوز
كان السفير صموئيل لويس رجلاً حكيماً جداً. وتمتع بالفطرة السليمة وبروح مرحة ـ وهذا مزيج نادر مثير للإعجاب.
عند النظر في عملية صناعة السياسات، لا بد من الأخذ بعين الإعتبار مدى استعداد الشعب الأمريكي للانخراط في الشرق الأوسط. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة قد سئمت من التدخلات غير الناجحة، إلا أن عمليات قطع الرؤوس الأخيرة التي نفذها تنظيم &laqascii117o;الدولة الإسلامية" دفعت إلى حدوث تحول هائل في الرأي العام الأمريكي، الأمر الذي أدى إلى نشوء رغبة أكبر في الإبقاء على المشاركة الأمريكية إذا تمكنت واشنطن من ضمان الوضوح في عملها بشكل مقنع. وفي الوقت نفسه، أنفقت الولايات المتحدة فعلياً أموالاً كثيرة في إطار تدخلها في أفغانستان تزيد عن تلك التي أنفقتها على مشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية، ويشعر عامة الناس على الأقل بالفجوة بين هذه التكاليف وما يرونه من نتائج.
أما الصبر الاستراتيجي فيشكل مسألة رئيسية أخرى في صناعة السياسات، وهو أمر لم تتحلَ به واشنطن في الآونة الأخيرة في الشرق الأوسط. ويُلقى بعض اللوم في ذلك على الأقل على عبارة 'الربيع العربي' التي وضعت توقعات غير واقعية تشير إلى أن الأوضاع في المنطقة ستتغير بسرعة نحو الأفضل. وبالتالي فمن المهم التراجع عن هذا الانطباع لدى مخططي السياسات.
كما تحتاج الدبلوماسية الأمريكية إلى آذان أكثر إصغاءً في المنطقة. وعلى وجه الخصوص، تحتاج الولايات المتحدة إلى المزيد من الأشخاص الذين تتركز خبرتهم الرئيسية على العالم العربي بدلاً من الصراع العربي- الإسرائيلي الأكثر تحديداً.
أما الكيفية التي يجدر بواشنطن التعامل بموجبها مع نقاط ساخنة محددة في المرحلة القادمة، فتجدر الإشارة إلى أن نطاق التهديد الذي تشكله &laqascii117o;داعش" وطبيعته قد غيرا كثيراً من الواقع بما يكفي لجعل السيناريوهات البعيدة المنال سابقاً تبدو [الآن] ممكنة. ففي سوريا على سبيل المثال، يمكن للمرء الآن تخيّل [قبول] نظام الأسد والمعارضة السورية المعتدلة وقف إطلاق النار الذي من شأنه أن يسمح لهما بالتركيز على التهديد المشترك [الذي يشكله تنظيم &laqascii117o;الدولة الإسلامية"]، والذي سفك دماء من الطرفين في الأشهر الأخيرة. ويُشار إلى أن تغييراً مماثلاً في الأولويات يبدو أنه يجمع بالفعل بين المملكة العربية السعودية وإيران، بَلدان يخشى كل منهما الآخر ولا يثق به، ولكنهما يدركان أيضاً أنهما يواجهان الآن تهديداً مشتركاً لوجودهما.
وفيما يتعلق بالقضية النووية الإيرانية، يجب ألا تفقد الولايات المتحدة الفرصة للتوصل إلى اتفاق مقبول مع طهران، حتى ولو كان ينطوي على المهمة الصعبة المتمثلة في إعادة النظر في الفرضيات الأساسية. فمثل هذا الاتفاق لن يجعل من واشنطن وإيران صديقتين، ولكن من شأنه أن يمنح مصداقية محلية أكبر لحكومة الرئيس روحاني، التي تتعرض لضغوط من الشعب الإيراني للتوصل إلى اتفاق. كما أن قدرة روحاني على التفاعل مع السعوديين ستتعزز إذا تمكنت طهران من التوصل إلى اتفاق مماثل، بينما ستقل كثيراً إذا كانت النتيجة عكس ذلك.
دينيس روس
طرح السفير لويس العديد من الأسئلة الصعبة التي غالباً ما تدفع الناس إلى التشكيك في افتراضاتهم. فجوهر تخطيط السياسات يكمن في الحفاظ على التجانس بين القرارات اليومية والتوقعات طويلة الأمد، الأمر الذي يتطلب أهدافاً واضحة. ولتحقيق هذا الهدف، دفع صموئيل لويس بالناس إلى اختبار أفكارهم وحثَّهم على التركيز على مسارات العمل التي من شأنها إحداث التغيير بمرور الوقت. كما وجسد أهمية القيم الأخلاقية في الدبلوماسية.
وفي إطار تحديد الجهة التي يجب أن تعمل معها الولايات المتحدة في الوقت الحالي، لا بد من إلقاء نظرة على المشهد الإقليمي بشكل عام. فهناك متطرفون في كلا الجانبين من الطيف السني- الشيعي الذين لا يحترمون أفكار السلطة المدنية أو الدول المنفردة أو التعددية. وفي هذا السياق تظهر معضلة أخرى تكمن في التعامل مع الحكومات الاستبدادية، التي يهدد بعضها القيم والمصالح الأمريكية، فيما يتحدى البعض الآخر القيم الأمريكية ولكنه يشارك الولايات المتحدة مصالح مماثلة. من هنا، ينبغي تعزيز تلك البلدان التي تلتزم بإرساء النظام في المنطقة.
وبهدف تعزيز مجال أكبر من التعددية في الشرق الأوسط بمرور الزمن، تكمن الخطوة الأولى في التعامل مع أولئك الذين لن يقبلوا بهذه التعددية تحت أي ظرف من الظروف. ويشكل الأمن والنظام أساس التعددية.
وفي الشأن السوري، هناك قضايا أكثر تعقيداً من تلك التي في العراق، ذلك البلد الذي أصبحت الاستراتيجية المتبعة فيه واضحة. ويبدو أن بشار الأسد يستغل التركيز الدولي على &laqascii117o;داعش" كفرصة أكبر لزيادة تكثيف حملته ضد المعارضة الأوسع، وذلك تمشياً مع نمطه القائم طوال فترة الصراع على مهاجمة الثوار الذين لا ينتمي معظمهم إلى تنظيم &laqascii117o;الدولة الإسلامية". ورداً على ذلك، يجدر بالولايات المتحدة الامتناع عن الوقوع [في الفراغ السياسي] ما بين حل المشكلة وعدم فعل أي شيء، لأن عدم عمل أي شئ في المنطقة يؤدي إلى قيام فراغات يمكن أن تشغلها عناصر أسوأ حالاً.
وفيما يتعلق بالقضية العربية- الإسرائيلية، فقد تصوّرت كل إدارة أمريكية بشكل أو بآخر أن حلها سيغير الوضع في المنطقة. إلا أن هذه الفرضية لا تنطبق في يومنا هذا. فالحالة الراهنة في الشرق الأوسط تدعو إلى التشكيك في العديد من الفرضيات المتجذرة منذ وقت طويل في أوساط مؤسسات الأمن القومي التقليدية. وفي المرحلة القادمة، ينبغي أن ينصب التركيز على العلاقات الأحادية المنسقة، مع وساطة أمريكية بين إسرائيل والفلسطينيين حسب الحاجة.
وبالنسبة إلى إيران، بطبيعة الحال يصب مخططو السياسات اهتمامهم على الكيفية التي تسلك بموجبها المفاجآت الاستراتيجية المسار الخطأ، وعلى العواقب المترتبة على ذلك، ولكن يجب عليهم أيضاً أن يتوقعوا الكيفية التي تسير بموجبها الأمور في الاتجاه الصحيح. وعلى الرغم من تشاؤم إدارة أوباما علناً حول التوصل إلى اتفاقية نووية مع إيران، إلا أنه ينبغي عليها الإستمرار في التفكير في النتائج الإيجابية المحتملة وبدائلها.
(*) أعدت هذا الملخص مارينا شلبي
المصدر: معهد واشنطن