'لقد تمّ تعبيد الطريق الإعلامي والسياسي والعسكري لخروج تنظيم 'داعش' إلى النور كقوةٍ مسلحةٍ عقائديةٍ إقليمية، في إصرار السلطة السورية وبعدها العراقية على الحل الأمني والعسكري في مواجهة ما يحدث مع سياسةٍ تركية وخليجية وغربية فاشلة ووكلاء سوريين صغار وعددٍ من السماسرة الإقليميين الذين أعماهم الحقد وغطّى على بصرهم وبصيرتهم الخوف من حراكٍ شعبي واعد أرادوا قتله في بلاد الشام ولو استتبع ذلك تمزيق الأوطان وتحطيم الإنسان'.
بهذه الصورة، لخّص رئيس المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان الدكتور هيثم مناع بروز ظاهرة تنظيم 'داعش' في العراق وسورية في دراسةٍ معمّقة لخلافة 'داعش'، دراسة من خمسة أجزاء تبدأ من هجرات الوهم إلى بحيرات الدم، صناعة التوحش، إضطرابات الرؤية، وغشاوة البصيرة، شبكات التمويل والدعم.
موقع مجموعة الخدمات البحثية سيعيد نشر الدراسة بصيغة PDF.ونقدم في هذه المقالة ملخص تقديم المناع للدراسة عبر قناة 'الميادين':
يقول الدكتور هيثم المناع ان 'المشكلة في تنظيم داعش حقيقة أنّ هناك لغطًا كبيرًا، وأنا أحبّ أن أقول كلمة، اليوم كل محطات التلفزة بما فيها الميادين وضعت خبرًا عاجلاً يقول بأنّ الذراع الأيمن للسيد البغدادي قد قتل، واسمه أبو هاجر السوري. أبو هاجر السوري شخصية من الدرجة الثالثة أو الرابعة في داعش وليس في مركز القوى وليس أيضًا في الحلقة الضيّقة لداعش. شيء من هذا النوع، وبنفس الوقت أبو أيمن العراقي.
شخصية أساسية في داعش جرحت بالأمس ونقلت إلى سورية من العراق، وتحفظت وصمتت داعش عن المسألة. بسبب وجود أطباء نقلوا الخبر استطعنا أن نعرف بذلك. هذا يعطي صورة عن مدى التشوّش والضبابية في العديد من المعطيات وفي التحقيقات التي جرت حول هذا التنظيم.
هذا التنظيم بدأت حقيقة بذوره بعد الإحتلال الأمريكي للعراق. بعد هذا الإحتلال دخل عدد كبير ممّا نسميه عادة بالأفغان العرب إلى العراق، بعضهم دخل قبل الإحتلال الأمريكي بعام أو عامين، ووصل الزرقاوي وبدأت ما يمكن تسميته فرع القاعدة في العراق بالعمل، وبنفس الوقت عدد كبير من ضباط الجيش العراقي السابق قاموا بعمليات أحيانًا منفردة في مجموعات صغيرة من الذين كانوا في وحداتهم أو في تنظيماتٍ تشكلت على عجالة وغالبها بطابع إسلامي.
المجموعة من هذه وذاك تمّ التنسيق بينها عندما اعتقِل الجميع في سجن بوكا. بوكا طبعًا سجن باسم إطفائي كان في 11 سبتمبر من ضحايا 11 سبتمبر. هذا السجن وخلال أربع سنوات كان عملية التنسيق وإعادة الرؤية والعمل المشترك وتعلم الدين.
و زواج السفاح ما بين عناصر أساسية من الجيش العراقي السابق ومجموعة من السلفيين الجهاديين التكفيريين، وهنا بدأ المطبخ يعمل بشكلٍ جيّد لأنّ الضابط العراقي الذي لديه خبرة في عدّة حروب، وبنفس الوقت لديه خبرة أيضًا في مواجهة مجموعات مسلحة كما كان يحدث في شمال العراق، هذا الضابط وضع خدماته في تصرّف التنظيم، وبنفس الوقت حاول من يسمّي نفسه بفقيه أو قارئ أو متعلم للدين أن يعلم هؤلاء قليلا من الدين حتى يغطي على الأقل على المظهر. وبعد ذلك بثلاثة أعوام تمّ القرار بأن تقوم هناك دولة، دولة العراق الإسلامية. كان المطبخ قد نضج، العناصر الاساسية قد حصلت، مصادر التمويل كانت قد وفرت الأرضية التحتية، والضباط قد وفروا السلاح بالعديد من المعسكرات التي يعرفونها أكثر من الأمريكي وأكثر من الهيكل الجديد الذي تكوّن للجيش العراقي.
لذا مثلا في عمليات كبيرة مثل في الـ2005 لفقدان الذخيرة، فقِد فيها كميات تكفي للقيام بعمليات عسكرية لعشر سنوات. من هنا، المسألة العسكرية كانت سهلة، هناك توفر للسلاح، المسألة المالية كانت أصعب ولكن أيضًا كان هناك دعم كبير وضخ كبير، بعضه من شخصيات من النظام القديم أخذت من البنك المركزي كما هو معروف حوالى ملياري دولار وقدّمت قسمًا منها للتنظيم وقسمًا لغيره من التنظيمات المسلحة وقسمًا أساسيًا لفرق حزب البعث العراقي عزت الدوري. فإذاً هناك أرضية مالية وأرضية عسكرية.
تقرير عن هيكلية داعش:
يعتمد تنظيم داعش هيكلية هرمية يتربّع أمير التنظيم أبو بكر البغدادي على رأسها. لداعش عددٌ من الهيئات والمجالس منها العسكري ومنها الشرعي. لم يعد أبو بكر البغدادي أميرًا لتنظيم داعش فقط، فقد أصبح أيضًا خليفة المسلمين في كلّ مكان وفقا لإعلان التنظيم قيامة الخلافة الإسلامية وتنصيب البغدادي خليفة.
إبراهيم عواد إبراهيم البدري السامرائي أو المعروف بأبي بكر البغدادي هو الحاكم المطلق لداعش. يعيّن البغدادي أمراء التنظيم وقادته، كما يستطيع إصدار الأوامر للمجلس العسكري ونقض أي قرار لا يوافق عليه.
يرأسه أبو أحمد العلواني مع ثلاثة أعضاء، مهمتهم التخطيط وإدارة القادة العسكريين ومتابعة الغزوات. البغدادي هو الذي يختار رئيس المجلس العسكري بعد استشارة مجلس الشورى.
مجلس الشورى يرأسه أبو ركان العامري ويتراوح عدد أعضائه بين تسعة أعضاء وأحد عشر هم من القادة الشرعيين التاريخيين في التنظيم. البغدادي هو أيضًا من يختار هؤلاء الأعضاء.
من واجبات مجلس الشورى تقديم التزكية بين يدي البغدادي لولاة الولايات وأعضاء المجلس، عزل أمير التنظيم نظريًا، غير أنّ تطبيق هذا الأمر فعليًا مستبعد.
أبو محمد العاني يرأس الهيئات الشرعية في داعش وتقسّم مهماته إلى قسمين: القضاء والفصل في الخصومات وإقامة الحدود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإرشاد والتجنيد والدعوة.
مجلس الأمن والاستخبارات يتولى مسؤولية توفير أماكن إقامة البغدادي وتحديد مواعيده وتنقلاته ويشرف على تنفيذ أحكام القضاء وإقامة الحدود وعلى صيانة التنظيم من الاختراق.
أبو علي الأنباري الضابط السابق في الاستخبارات العراقية يرأس هذا المجلس الذي يتكوّن من ثلاثة أعضاءٍ من ضباط استخبارات النظام العراقي السابق.
لداعش أيضًا مؤسسة أعلامية يرأسها أبو الأثير عمر العبسي ويتولى أعضاؤها مهمات الإعلام الإلكتروني والمواقع الجهادية، في ما يتولى أبو محمد العدناني منصب الناطق باسم التنظيم.
انتهى التقرير
المناع: أولا سياسة داعش قائمة على الإمساك بكلّ ما يتعلق بالإعلام بشكل صارم وحازم، نفس سياسة حزب البعث العراقي أثناء تسلمه السلطة يُعاد إنتاجها في إعلام صارم، معلومات تقدَّم للراي العام وتقدَّم كما يريد وليست هذه المعلومات بالضرورة دقيقة. لذلك لدينا مشكلتان في المعلومة، أولا مشكلة المخابرات العراقية الحالية التي لديها ضعف كبير كونها تشكلت بعد مسألة دخول الإحتلال الأمريكي، وبالتالي بقيت المخابرات العراقية تعتقد بأنّ أبو محمد العدناني عراقي ومن الأنبار حتى كشِفت شخصيته بمقالات لغير عراقيين بأنه من بنش من سورية وليس عراقيًا وإنما عاش ونشأ وعمل هناك في التجربة العراقية ضد الإحتلال.
نفس الشيء بالنسبة للعدد. لذلك، نحن وضعنا على غلاف الدراسة خمسة أشخاص، في المنتصف يوجد البغدادي، ولكن على يمينه حجي بكر، أبو عبد الرحمن البيلاوي، وعلى يساره أبو أحمد العلواني وأبو أيمن العراقي، وهم الخمس شخصيات بالفعل الذين لعبوا أدوارًا كبيرة سواء في إحتلال مناطق في اللاذقية، مناطق في دير الزور، ومناطق في الرقة، أو في داخل العراق، البيلاوي هو الذي نظم كل عملية دخول الموصل ولا يُلقى القبض عليهم لأنّ كلّ واحد منهم لديه حزام ناسف وعندما يصبح في وضع يائس فورًا يفجّر نفسه في قطعتين. لذلك لمّا دخلوا بعد حصار لبيته فجّر نفسه. فالمجموعات الأساسية خلال أربع سنوات تمّ ما يمكن تسميته عرقنة داعش أي تسليم القيادات الأساسية لعناصر عراقية، وفي هذا التوزيع أصبح دور العناصر غير العراقية إما تصريفها إذا لم تكن مهمة في عمليات انتحارية و90 بالمئة من العمليات الانتحارية غير عراقيين، أو إذا كان مفيدًا وكادرًا مهمًا يمكن أن يستلم منصبًا مهمًا مثل أبو عمر الشيشاني لكن الأساس هو التركيبة العراقية.
بالتأكيد هناك مسألة أساسية. الجميع مسؤول عن ظاهرة داعش، وتختلف المسؤولية بين طرفٍ وآخر. الإحتلال الأمريكي هو أحد المنتجين الأساسيين لداعش بشكلٍ غير مباشر، عندما حلّ الجيش وحلّ الدولة العراقية، جعل هناك فقدان بوصلة لأشخاص كانوا ضباطًا خلال أكثر من خمسة عشر عامًا أو عشرين عامًا وخاضوا حربًا ضد إيران، خاضوا حروبًا كبيرة، وهؤلاء بلحظة ما أصبحوا نكرة وعدم، لذا أصبح هناك مسألة الانتقام والثأر وتعزّزت هذه الفكرة بأطروحات للزرقاوي بضرب عوام الرافضة، بضرب كلّ من يتعامل مع العملية السياسية، بالقتل الجماعي إن كان مدنيًا أو عسكريًا، لا فرق بين هذا وذاك، فصار هناك توافق من ردة فعل على ثلاث إجراءات حطمت التكوين النفسي الطبيعي للأشخاص في العراق وخاصة من كان منهم في مواقع مسؤولية في النظام السابق. هؤلاء شعروا بلحظة أنهم خسروا كلّ شيء وربطوا خسارتهم الذاتية بالخسارة الوطنية العامة، لذلك وضعوا نفسهم كمخلصين للبلد ولم يجدوا أفضل من الأطروحات التكفيرية من أجل مواجهة الأطروحات التي جرى الترويج لها حينها مثل البيت الشيعي، ومن أطروحاتٍ أخرى تبعد بشكلٍ أو بآخر وتستأصل كلّ من كان له علاقة بالنظام السابق، هذا الحلّ الأمريكي هو الذي زرع بذور التطرّف في صفوف الضباط الذين انتسبوا للقاعدة وشكّلوا الهيكل الجديد. من جهةٍ ثانية، بالتأكيد هناك المحاصصة الطائفية، هناك مسألة بروز عناصر وهيمنة طائفية ومذهبية في الجيش الجديد وأجهزة الأمن. كلّ هذه المسألة خلقت نوعًا من العصبيات المضادة بإسم المظلومية السنية واستطاع التنظيم أن يستقطب أعدادًا كبيرة من الذين أبعِدوا وهُمّشوا سواء كانوا رجال أعمال أو كانوا سياسيين سابقين لكي يوفروا له نوعًا من الحماية الاعتبارية في المنطقة الاجتماعية التي يعمل بها.
المسألة الثالثة أحداث 2011. مع العام 2011، جاءت الأرض الصالحة للفوضى. نحن في بلداننا للأسف، أيّ تحرّكٍ مدني يوجد محاولات لاغتياله بالتسلح. رأينا ذلك في ليبيا، رأينا ذلك في اليمن، رأيناه في سورية بشكلٍ جلي. عندما يخرج العمل والنضال المدني من الإطار السلمي، يصبح المجال مفتوحًا للعناصر الأكثر تطرّفًا. من هنا وجدت داعش والتي كان اسمها 'داع'، وجدت الأرض خصبة وأرسلت كما يُقال موفدوها الأوليون بما فيهم أبو محمد الجولاني لتشكيل فرع في سورية وهو جبهة النصرة. إذاً هي استفادت من الأوضاع الجديدة.
نأتي إلى دول الإقليم. دول الإقليم كلها كان لها بشكلٍ أو بآخر مصلحة في هزّ النظام الجديد في العراق وبنفس الوقت في المواجهة مع النظام السوري. لذا فتحت حدودها وتركت خلال عامين تقريبًا المجال مفتوحًا، بالعكس هناك سجناء في سجن الحاير أخرِجوا من السجن ثم قرأنا أسماءهم في لوائح الشهداء عند هذه التنظيمات في سورية. فهناك مجموعات كبيرة بلغ عددها أكثر من ثلاثة آلاف شخص مثلا فقط بين العامين 2011 و2014 جاءت من المملكة العربية السعودية، نفس العدد تقريبًا من تونس، أعداد أقل من ليبيا ومصر والبلدان الأخرى. لكن القوقاز مثلا أعطانا حوالى ألفي مقاتل، مجموع عدد المقاتلين وصل في لحظةٍ ما، الأجانب، إلى 18000، فكلّ هذه المجموعات بالتأكيد لم تسقط من المريخ ولو لم يكن هناك إغماض عين وتواطؤ وتسهيلات أحيانًا من قبل السلطات التركية والأردنية في فترةٍ معيّنة وطويلة واللبنانية بسبب الفوضى في لبنان، لم يكن بالإمكان دخول هذا العدد الكبير من المقاتلين غير السوريين. كلّ هؤلاء كان لهم حساب يصفّونه مع أنظمة سياسية في العراق وسورية، وتمّت عملية تسهيل أمر هؤلاء باعتبار أنه أولا نسقِط النظام ثمّ في ما بعد نتخلص منهم، نفس الفكرة التي كانت موجودة عند العديد من القوى المسلحة السورية، أنّ الأساس هو إسقاط بشار الأسد ثمّ نأتي إلى هذه المجموعات ونتخلص منها لأنها لا تملك أرضية وحاضنة اجتماعية في بلد وسطي ومعتدل مثل سورية، فضمن هذه الأطروحات تمّ تسهيل قدوم هؤلاء. نحن نعرف أنّ معظم جوازات السفر التي أمسكها الإخوان في وحدات حماية الشعب عليها ختم مطار أتاتورك، وبالتالي كانوا يدخلون بشكلٍ رسمي وطبيعي من مطار أتاتورك ثمّ ينتقلون إلى عنتاب وإلى مدنٍ أخرى، إلى العثمانية، ثمّ ينتقلون إلى الأراضي السورية وكانت سورية غالبًا المعبر إلى العراق.
هناك تسهيلات بالتأكيد، هناك إغماض عين، هناك تواطؤ. هذا التواطؤ أيضًا يبرز في الناحية المالية، نحن لدينا قائمة بحوالى 127 مسهّل ومموّل لداعش قدّمناها للجهات المختصّة في الأمم المتحدة، هذه القائمة تُظهِر بأن الكويت متورطة أو صامتة، قطر، المملكة العربية السعودية، هناك تواطؤ طبيعي وهناك صمت عن خروج المال بطريقة الكاش، بالدفع باليد، بحمل مَحافظ، محفظات كاملة من المال تعبر إلى تركيا أو إلى لبنان، وفي لبنان أكثر من مرة تمّت اعتقالات ثمّ بالضغط والتهديد بإبعاد كل اللبنانيين مثلاً من قطر تم الإفراج عن السيد العطية قريب وزير الخارجية الحالي وغيره من القضايا التي نعرفها جيّدًا في مجمل بلدان الجوار.
في مطلع سبتمبر قدمت الاسماء الى الامم المتحدة نتمنى أن يكون التعامل معها جديًا مع البلدان المعنية خاصة للمواطنين المعنيين في تلك البلدان، مثلاً اليوم أمام أعين الناس كلها يتمّ بيع النفط العراقي والسوري من قبل داعش عبر أربع رجال أعمال يعيشون في كردستان العراق تمرَّر إلى رجال أعمال أتراك، أيضًا يوجد قائمة بأسمائهم، وهم ينتمون إلى اتحاد نقابي معروف. كلّ هذه المسائل أيضًا إلى الحكومة السورية يوجد وسطاء سوريون يشترون من داعش. كلّ هذه الأسماء وكل هذه الطرق التي يتم فيها التمويل غير المباشر لداعش يوجد أدلة عليها ويوجد ما يسمح لمجلس الأمن أو غيره بأن يتخذ القرار بمحاسبة كلّ من يشارك في تمويل إرهاب داعش اليوم.