نظمت وحدة دراسات الرأي العام والإعلام بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية الأربعاء (6 أغسطس 2014)، حلقة نقاشية بعنوان 'الاستخدام السياسي لمواقع التواصل الاجتماعي' بهدف مناقشة عددٍ من التساؤلات حول مدى إمكانية الاستخدام السياسي لشبكات التواصل الاجتماعي، ومدى قدرة هذه الشبكات على القيام بالدور الذي تلعبه المؤسسات المعنية بالشأن السياسي والإعلامي؟ وإلى أي مدى يستوعب القائمون والمساهمون والمشاركون والمستخدمون لهذه الشبكات إمكانيات شبكات التواصل الاجتماعي في التأثير على مجريات الحياة السياسية؟.
افتتح الحلقة النقاشية د.قدري سعيد كبير مستشاري المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية وأدارها د. عزمي خليفة، المستشار الأكاديمي بالمركز الإقليمي، وقدم الورقة الرئيسية الأستاذ جمال غيطاس، الكاتب الصحفي بصحيفة الأهرام ورئيس تحرير مجلة 'لغة العصر' سابقًا، وعقَّب عليها كلٌّ من الخبير الأمني العقيد خالد عكاشة، والأستاذ فؤاد السعيد خبير الإعلام السياسي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، والدكتور عادل عبد الصادق، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
التواصل الاجتماعي وثورة 25 يناير
قدم الأستاذ جمال غيطاس عرضًا لأهم المراحل التي مرت بها وسائل التواصل الاجتماعي على تنوعها، مع التركيز على الخبرة المصرية التي تبلورت خلال ثورة 25 يناير، مشيرا إلى السرعة في تزايد النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأشار غيطاس إلى أن التوظيف السياسي لمواقع التواصل الاجتماعي يعد جزءًا من ظاهرة أكبر يطلق عليها 'الديمقراطية الرقمية' والتي يُقصد بها توظيف أدوات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الرقمية في توليد وتداول كل البيانات والمعلومات والمعارف المتعلقة بممارسة قيم الديمقراطية، مثل المشاركة في بناء المؤسسات الحاكمة عبر انتخابات حرة، والمشاركة في اتخاذ القرار، وضمان الحرية الكاملة في التعبير عن الرأي، والتقييم الحقيقي للأداء والفعالية في المحاسبة وتصحيح الأخطاء.
كما لفت إلى أن شبكات التواصل تُعد تتويجًا لتطور تاريخي في ثلاثة مسارات أولها البنية التحتية المعلوماتية الإنترنت: والتي تتمثل في الانتشار ورخص التكلفة، وسهولة التشغيل، وفتح المجال أمام الاندماج بين الاتصال الأرضي باللا سلكي بالفضائي بالإعلامي.
أما المسار الثاني، فيتعلق الإتاحة الجماهيرية والخروج من حيز المجتمع العسكري المغلق، من ناحية، والحيز الأكاديمي من ناحية أخرى، إلى المجال العام التجاري، والإنساني، حيث اقتصر استخدام تكنولوجيا المعلومات في بداية الأمر على المجال العسكري في وزارة الدفاع، ثم أُتيح للمجال الأكاديمي، واقتصر الأمر عليهما لفترة من الزمن، حتى خرج للمجال العام خلال التسعينيات.
ويشير المسار الثالث إلى التواصل الإنساني شبه اللحظي: وذلك بالانتقال من مستوى اللا تواصل إلى التواصل البطيء، ثم إلى التواصل شبه اللحظي، وهي حقبة ظهر من خلالها ما يُمكن وصفه بنشاط 'الويكي' نسبة إلى ويكيبيديا، حيث تسود اعتقادات العمل والبناء المشتَرَكَيْن، والتعاون دون هيراركية.
خصائص 'بيئة الويكي'
وأشار في هذا الإطار إلى عددٍ من السمات الديمقراطية التي تتسم بها بيئة 'الويكي'، ومنها الإيمان بأهمية ألا تكون هناك أية قيود على حرية التعبير، وعدم وجود أي شروط للانضمام لأي نشاط أو مجموعة أو صفحة أو مغادرتها، وأنه لا قيود أو شروط على مستوى ونوعية حجم المشاركة، والاعتماد على آليات التواصل اللحظي في اتخاذ أي قرارات بأي وقت بسرعة وبمشاركة الجميع، والمساواة في الحقوق والواجبات وتوزيع الأدوار للجميع.
كما تعتمد 'بيئة الويكي' على التنظيم الشبكي الأفقي الذي يوفر شعورًا بالندية، والحرية الكاملة في كشف أو إخفاء الشخصية، وتقدير أي جهد يبذل مهما صغر أو كبر، متواصلا أو متقطعًا، وإعلاء الفكرة والقيمة والإبداع وروح الجماعة على الأشخاص، وغياب القائد أو الزعيم.
فضاء بلا قيود
أكد الأستاذ جمال علي أن أحد أهم ملامح الفضاء العام للديمقراطية أنه فضاء بلا قيود وبلا قائد، وأن عماده الأساسي يتمثل في أجيال شابة تمارس الديمقراطية بلا سقف حريات أو تطلعات، وفي هذا الإطار تعيش المجتمعات العربية منذ عام ٢٠٠٠ صراعًا بينما يمكن وصفه بـ'آلة التكنولوجيا' وقواها التي تعصف بهذه المجتمعات، و'آلة القمع' المتجذرة فيها، والمتمثلة في المؤسسات الأمنية، ولا تُطيق ما تحمله ثورةُ المعلومات من إمكانات جديدة في حرية التعبير وممارسة الديمقراطية.
موضحًا أن المجتمعات العربية تنقسم إلى ثلاث شرائح اجتماعية، هي:
- شريحة محرومة تعاني من وطأة الفجوة الرقمية، وتضم مئات الملايين من البشر.
- شريحة مستهلكة وربما لاهية لا يعنيها من ثورة المعلومات سوى استهلاك منجزاتها واللهو بها.
- شريحة ثالثة واعية مبادرة تتسم بالجرأة في ممارسة حقها الطبيعي في توظيف هذه الثورة ومنجزاتها سياسيًّا وديمقراطيًّا، من إبداء الرأي وانتهاءً بالثورة في الميادين. وتُعد هذه الشريحة هي بيت القصيد، كونها هي الطرف الذي يُحاول الإمساك بآلة التكنولوجيا ليُصارع بها آلة القمع.
وانتهى غيطاس إلى ملامح حلم السواد الأعظم من الشباب مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي يمكن تلخيصها في إقامة دولة تؤمن بأن مصدر القوة ھو امتلاك بناء مؤسسي يسمح بالتكيف مع التغييرات الشاملة والرئيسية، وأن تكون دولة منفتحة وقائمة على التعددية والتنوع، وتعتمد على رأس المال الفكري لدى المواطنين، وتحترم حقوق الإنسان، والحق في التعبير، وتنأى بنفسها عن الديكتاتورية والفساد والتغول الأمني، وأن تكون دولة 'منصتة' تُجيد الاستماع لمواطنيها، وتدير علاقتها معهم بعدل.
جدل المراقبة
وفي تعقيبه، أشار العقيد خالد عكاشة، إلى أن التطور السريع الذي تشهده ثورة تكنولوجيا المعلومات، ونشاط مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، يمثل بالفعل معضلة أمنية لأجهزة الأمن في دول العالم، وليس في العالم الثالث أو الدول الأقل ديمقراطية فقط، في ظل نمو وانتشار هذه التكنولوجيا في غفله من أجهزة الأمن.
ويُعد مثال الولايات المتحدة في هذا الإطار نموذجًا بارزًا؛ حيث تمارس الأجهزة الأمريكية المختصة التجسس والمراقبة الصريحة على مواقع التواصل الاجتماعي ومستخدميها. كما تم تسجيل عدد مليوني رسالة نصية وتحليل محتواها ومضمونها بشكل تجاوز الحرية الشخصية وحرية التعبير، وذلك بحجة إمكانية استخدام هذه الوسائل للمساس بالأمن القومي، والاستقرار الداخلي، وهو ما تطبقه معظم الأجهزة الأمنية في مختلف الدول.
وأشار عكاشة إلى أن تجسس الولايات المتحدة على مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي قد أزال الخجل عن باقي أنظمة دول العالم، لا سيما الأقل ديمقراطية، في الحديث عن التجسس، حيث أعلنت وزارة الداخلية عن عقد مناقصة لبرامج التجسس.
كما أكد أن الجماعات الإرهابية حريصة على امتلاك آخر تكنولوجيا المعلومات تطورًا، وذات القدرات العالية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتحقيق أهدافها، وهو أمر في مجمله يعطي الأجهزة الأمنية الحق في التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بعين الريبة.
هدوء مؤقت
بدوره، عبر الأستاذ فؤاد السعيد، عن تخوفه من مدى قدرة صناع القرار على إدراك أهمية وخطورة ظاهرة استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في أغراض سياسية، مشيرًا إلى أن ثورة 25 يناير قد أكدت أن السطحية في تناول هذه القضية والتهوين من شأنها كان أهم أخطاء النظام الأسبق.
وأشار في الوقت ذاته إلى أنه عقب 30 يونيو قد اعترى ظاهرة التوظيف السياسي لوسائل التواصل الاجتماعي بعض الهدوء، وبالتالي عاد اتجاه التقليل من قدرة وسائل التواصل على التأثير في العمل السياسي ومتخذي القرار للصعود مرة أخرى، وهو حكم متسرع على مجريات الأمور التي تعيشها مصر الآن، حيث إن هذه الوسائل في حاجه إلى بيئة معينة لكي يصادف عملها النجاح.
وفي هذا الإطار، أشار السعيد إلى أنه في ظل سيطرة المناخ الاقتصادي الصعب على مجمل الحياة اليومية في مصر؛ يُلاحظ أن ثمة اقتناعًا ساد بين مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي بأن الوقت غير مناسب لمواصلة النشاط السياسي بنفس الإيقاع السريع الذي سبق 25 يناير وما بعدها، وصولا إلى 30 يونيو - 3 يوليو. حيث برز في الفترة الأخيرة ما يمكن وصفه بحزب الدولة الذي عبرت عنه قطاعات اجتماعية واسعة ممن يقلقهم تهديد أمن واستقرار الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، مما دفعهم للنزول في الشارع لتأييد الرئيس عبد الفتاح السيسي، والمشاركة في الانتخابات الرئاسية بشكل فاعل. وكذلك ظهور هاشتاج 'تحيا مصر' في مواجهة أي هاشتاج مسيء للدولة أو الرئيس.
وقال إنه على الرغم من تراجع توظيف وسائل التواصل الاجتماعي في العمل السياسي، فإنه لا يمكن إنكار دورها في التأثير على الحياة العامة، مشيرًا إلى واقعة بقدر بُعدها عن السياسة بقدر تأثيرها على متخذي القرار في الدولة، وهي واقعة تداول فيديو تعذيب الأطفال في إحدى دور الأيتام بشكل كثيف خلال الأسبوع الماضي، الأمر الذي دفع الأجهزة المعنية إلى الاهتمام بالأمر، ومعاقبة المتورطين، وهو أمر يعني في مجمله أن الآلية التواصلية معطلة إلى حين قرار مستخدميها.
بيئة مواتية للتوظيف
من جانبه، أكد دكتور عادل عبد الصادق أن أداء شبكات التواصل الاجتماعي دورًا سياسيًّا ما يعتمد بشكل عام على البيئة التي ينشط فيها مستخدمو هذه الشبكات، وهو الأمر الذي يفسر نجاح هذه الشبكات في العالم العربي في تأجيج ثورات، وإشعال احتجاجات شعبية، في حين فشلت في دول غربية رغم أنها أكثر ديمقراطية وتقدمًا.
وعزا عبد الصادق ذلك الأمر إلى أن البيئة العربية كانت مواتية لإنجاح الاحتجاجات في ظل انتشار المظلوميات وعدم المساواة، الأمر الذي دعا أصحاب هذه المظلوميات والمتعاطفين معها إلى نشرها وتوظيفها من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.
كما لفت إلى أهمية التفريق بين الرأي العام والاتجاه السائد على شبكات التواصل الاجتماعي، مشيرًا إلى أن الأخير لا يعبر إلا عن رأي مستخدمي هذه الشبكات وليس المجتمع كله، وكذلك استطلاعات الرأي الإلكترونية التي لا تعبر أيضًا إلا عن زائري المواقع التي تُجريها.
كما تطرق أيضًا إلى التحول في دور الصفحات ذات الطابع السياسي على الفيسبوك، مشيرًا إلى أن دورها قد تحول من التجميع حول هدف واحد إلى التشتيت والتفريق بين الفاعلين السياسيين والقوى الشبابية، ومن ثمَّ أسهمت في تلاشي الحركات الشبابية من الساحة السياسية، كما أخفق هؤلاء الشباب في تحويل نشاطهم في العالم الافتراضي إلى نشاط على أرض الواقع.
(*) عرض: رانيا مكرم ـ باحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
المصدر: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية