إيمان رجب(*)كان خيار تمديد المفاوضات بين إيران ومجموعة 5+1 حتى 24 نوفمبر 2014 هو الخيار الأكثر واقعية، ذلك بالنظر إلى القضايا الخلافية بين الجانبين، والتي سيطرت على جولات المفاوضات التي عُقدت طوال الفترة الماضية، فإعلان فشل المفاوضات كانت تكلفته عالية بالنسبة لإيران والولايات المتحدة والدول الأوروبية المشاركة في المفاوضات، كما أن التسرع في التوصل لاتفاق شامل خاص بالقدرات النووية الإيرانية كان سيجعله اتفاقًا سيئًا، ووفق تعبير وزير الخارجية الأمريكي جون كيري فإن 'عدم التوصل إلى اتفاق أفضل من التوصل لاتفاقٍ معيب'.
ويُعد التمديد انعكاسًا لرغبة كل من إيران ومجموعة 5+1 لتجنب التوصل إلى نقطة جمود، لا سيما أن القضايا الخلافية بين الجانبين، تمس من ناحية متطلبات الحد الأدنى بالنسبة لإيران، ومن ناحية أخرى، الموافقة عليها من الجانب الأمريكي ومن ثم باقي الدول المشاركة في المفاوضات تتطلب ضمان عدم امتلاك إيران القدرة على الانطلاق breakoascii117t capability، وهي تتعلق تحديدًا بالحاجات العملية لإيران فيما يتعلق بعدد المفاعلات النووية وأجهزة الطرد المركزي، فوفق تصريح آية الله علي خامنئي، تحتاج إيران إلى 190 ألف جهاز طرد مركزي لتلبية احتياجاتها من الطاقة خلال الفترة المقبلة، وذلك إلى جانب إجراءات الرقابة والشفافية، ومدى استقلال دورة الوقود في مفاعلات إيران النووية.
رغبة متبادلة في الاتفاقمنذ أن أُعلن عن توقيع الاتفاق النووي المرحلي بين إيران ومجموعة 5+1 في نوفمبر 2013، عُقدت عدة جولات من المحادثات التقنية بهدف الاتفاق على تفاصيل التنفيذ الخاصة بالاتفاق، وتم التوصل إلى خطة تحرك مشتركة Joint Plan of Action تنص على مجموعة من التزامات يتعين على الطرفين الوفاء بها طوال فترة تنفيذ الاتفاق والممتدة من 20 يناير 2014 وحتى 20 يوليو 2014، وكذلك الممارسات التي يتعين على الجانبين تجنب القيام بها.
وتكشف تفاصيلُ خطة العمل، باعتبارها المرحلة الأولى في إطار عملية تسوية أزمة الملف النووي الإيراني، والتي امتدت إلى ما يزيد عن عقد من الزمان، عن أن الهدف من هذا الاتفاق المرحلي، وكذلك الاتفاق الشامل في حال الوصول إليه؛ هو وقف halt بعض الأنشطة التي يمكن أن تُمكِّن إيران من امتلاك السلاح النووي، أي وضع سقف لقدرات إيران النووية، وليس نزع تلك القدرات، أو جعلها بدون قدرات نووية، أي منعها وفق تعبير الرئيس الأمريكي باراك أوباما من امتلاك القدرة على الانطلاق breakoascii117t capability.
ويُشير تقرير الحقائق الخاص بالبيت الأبيض، والخاص بالاتحاد الأوروبي، والتقارير الدولية الخاصة بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، المتعلقة بالتقدم في تنفيذ خطة العمل - إلى التزام إيران بما ورد في هذه الخطة، وكذلك الدول الغربية الطرف فيها، وهو ما يُعد مؤشرًا قويًّا على رغبة كلا الطرفين في تسوية هذه الأزمة على نحو يضمن لإيران الاحتفاظ بقدراتها النووية، استنادًا إلى حقوقها التي تنص عليها اتفاقية منع الانتشار النووي، ويرى جون كيري أن هذا الالتزام المتبادل يُعد 'تقدمًا من غير المنطقي التفكير في التراجع عنه'.
فمن ناحية، نصت خطةُ العمل على 31 التزامًا على إيران الوفاء بها طوال فترة تنفيذ الاتفاق المرحلي، وهي 20 يناير 2014 - 20 يوليو 2014، واستنادًا لتقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التزمت إيران بالوفاء بها جميعًا، وهي تشمل وقف التخصيب عند نسبة 20%، والالتزام بالتخصيب عند 5%، ووقف شبكة المفاعلات التي تستخدمها للتخصيب عند نسبة 20%، كما انتهت في 20 يناير 2014 من تخفيف نصف مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% بما لا يتجاوز 20%، وواصلت أنشطة البحث والتخصيب التي لا تهدف إلى تخزين مزيد من اليورانيوم المخصب. ووفق تقرير الوكالة، استمرت إيران في أنشطتها البحثية في مفاعل فوردو.
واستنادًا لتقارير الوكالة، التزمت إيران بحلول 20 أبريل 2014، بتوفير معلومات للوكالة الدولية حول 15 نشاطًا تقوم بها، منها ما يتعلق بمناجم اليورانيوم والمفاعلات التي يتم استخدامها في التخصيب. كما لا تزال إيران في مرحلة إكمال التزامها بتحويل نصف مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% إلى بودر، ويتبقى تقريبًا 4 كلجم بحاجة لتحويل، وذلك إلى جانب التزامها بتجنب القيام بـ11 نشاطًا، منها تجنب إنتاج مزيد من الوقود النووي، وتجنب تطوير مفاعل آراك.
وفي المقابل، التزمت مجموعة 5+1 برفع الحظر المفروض على تأمين ناقلات النفط، وبالسماح لإيران بالحصول على ما قيمته 4.2 مليارات دولار من أموالها المجمدة في الخارج، وفق جدول زمني يمتد من 1 فبراير 2014 حتى 20 يوليو 2014. كما التزمت الولايات المتحدة برفع العقوبات المفروضة على إيران في قطاع الذهب، والمعادن، وصناعة السيارات، وتصدير قطع غيار الطائرات إلى طهران، ورفع العقوبات الأوروبية عن قطاع البتروكيماويات.
كما تم إنشاءُ قناة تسمح بتحويل الأموال اللازمة لاستيراد احتياجاتها من الغذاء والدواء، ودفع رسوم الطلبة في الخارج، ورفع سقف التحويلات المالية المسموح بها وغير الخاضعة للعقوبات. والتزمت المجموعة أيضًا بتجنب فرض عقوبات جديدة على إيران من خلال الأمم المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي، أو الولايات المتحدة.
تداعيات سياسيةيُشير البيان الصادر عن الخارجية الأمريكية، وباقي الأطراف المشاركة في المفاوضات، إلى استمرار التزام الأطراف بخطوات تتسق وخطة التحرك المشتركة خلال الفترة المقبلة، والتي بموجبها سيستمر تنفيذ العقوبات الفاعلة حاليًّا على إيران، وتجنب فرض عقوبات جديدة عليها، مع السماح لإيران بالحصول على 2.8 مليار دولار من الأصول المجمدة، في مقابل التزام إيران بعدم التوسع في أنشطة تخصيب اليورانيوم على نحو يتعارض مع ما تحقق خلال الفترة السابقة، مع اتخاذها خطوة إضافية خاصة بتحويل كل ما لديها من يورانيوم مخصب بنسبة 20% إلى وقود يتم استخدامه في مفاعل طهران البحثي.
ورغم الطابع التقني لهذه الالتزامات، فإنه لا يُمكن تجاهل التداعيات السياسية المترتبة على المفاوضات، وعلى ما يتم إبرامه من اتفاقيات بين الجانبين رغم الطابع التقني لها، فمن ناحية، كانت هذه المفاوضات مناسبة للاتصال الرسمي المباشر والمعلن بين الرئيس الإيراني حسن روحاني، والرئيس الأمريكي باراك أوباما، وبين الخارجية الأمريكية والخارجية الإيرانية، وهو ما يعد سابقة من نوعها منذ حادث أسر الدبلوماسيين الأمريكيين في السفارة الأمريكية في طهران بعد الثورة. ومن ناحية ثانية، تعد هذه المفاوضات، وما صاحبها من سياسات، نجاحًا لخيار الدبلوماسية الذي يتبناه الرئيس الأمريكي باراك أوباما، باعتباره الخيار الأقل تكلفة والأكثر فاعلية في معالجة أزمة البرنامج النووي الإيراني، ولعل هذا يفسر رغبته في الحفاظ على ما يتم تحقيقه من نجاحات في هذا المسار.
ومن ناحية ثانية، تُعد هذه المفاوضات وما ينفذ في إطارها من خطوات، بمثابة إجراءات لإعادة بناء الثقة بين طرفين عادةً كان كل منهما يصور الطرف الآخر على المستوى الرسمي على أنه 'عدو' أو 'دولة مارقة' أو 'شيطان أكبر' أو 'دولة الشر'، وهي تمهد لتغير الصور السائدة عن إيران لدى دوائر صنع القرار في واشنطن، على نحو يعزز مكانة إيران في الإقليم، وأهليتها كشريك للولايات المتحدة في إدارة شئون المنطقة، لا سيما في القضايا التي يُعد دورها فيها حيويًّا ولا يمكن تجاوزه، على نحو يضمن إعادة تموضعها كقوة إقليمية رئيسية معترف بها في الشرق الأوسط، وهو تحول يثير قلق دول الخليج بصورة رئيسية.
ولعل التداعيات السياسية لهذا الاتفاق كانت سببًا في وجود تيار بين الدوائر الأكاديمية ودوائر صنع القرار في المنطقة، يؤكد أن المفاوضات بين إيران والغرب ليست مفاوضات تقنية فقط خاصة بالجانب النووي، وإنما يمكن أن يطرح فيها أيضًا 'قضايا غير نووية'، ستؤثر بصورة كبيرة على دور إيران الإقليمي، وكان تصريح الرئيس الإيراني حسن روحاني الخاص بإمكانية التعاون مع واشنطن في العراق بعد بدء المواجهات بين تنظيم داعش والقوات العراقية في 11 يونيو 2014، مؤشرًا على ذلك.
ومن المتوقع أن تُثار هذه القضايا غير النووية خلال الفترة المقبلة، حتى وإن لم يتضمن الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه أي التزامات خاصة بها، حيث ستكون هذه القضايا وإن نوقشت في الغرف المغلقة بمثابة المحفز incentive للاستمرار في المفاوضات والتوصل للاتفاق النهائي بحلول نوفمبر 2014، وهي تحديدًا القضايا التي تُعد إيران طرفًا رئيسيًّا فيها، ولا يمكن تجاهل دورها مثل العراق وسوريا، حيث لا يمكن عزل التقدم في المفاوضات النووية عن التطورات الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة، والتي من المتوقع أن تدعم التوصل إلى اتفاق شامل مع إيران، لا سيما أن تأثير إيران على هذه التطورات لا يمكن إغفاله.
(*) باحثة متخصصة في شئون الخليج بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجيةالمصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية