دانيال بايمان(*)عرض شيماء ميدان، مترجمة وباحثة في الشؤون السياسية والاقتصاديةمثَّلَ نجاحُ الشعوب العربية في الإطاحة بحكامها السلطويين بطرق سلمية بعيدًا عن النهج المسلح ضربةً قاصمةً لتنظيم القاعدة وكافة الجماعات المنضوية تحت لوائه، ليتلقى التنظيم ضربة أخرى بعد مقتل زعميه 'أسامة بن لادن'.
ومع تزايد العمليات المسلحة التي شهدتها عدد من دول المنطقة آخرها حادث استهداف مجندين مصريين على الحدود المصرية ـ الإسرائيلية واتهام جماعات إسلامية تابعة للتنظيم بوقوفها وراء هذا الحادث؛ بدأ العديدُ من مراكز الفكر والرأي الأمريكية الاهتمام بشبكة تنظيم القاعدة في المنطقة، وبحث مستقبله بعد موجة الربيع العربي، وفقدانه عددًا كبيرًا من مؤيديه.
ومن تلك الدراسات التي تأتي في هذا السياق الدراسة التي صدرت في شهر أغسطس (من العام 2012) عن مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط التابع لمؤسسة بروكينجز تحت عنوان 'كسر الروابط بين تنظيم القاعدة والمنظمات التابعة له' لدانيال بايمان، وهو أستاذ الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، وزميل في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في المؤسسة، ومؤلف كتاب'الثمن الباهظ: إنجازات وإخفاقات إسرائيل في مكافحة الإرهاب'.
يبدأ بايمان دراسته بالإشارة إلى أن وفاة زعيم تنظيم القاعدة 'أسامة بن لادن' وسقوط الديكتاتوريين العرب جعل قيادة التنظيم متخبطة وفي موقف دفاعي، غير أن التنظيم تلقى دعمًا من المنظمات التابعة له؛ حيث استخدم التنظيم جماعات محلية في العراق والمغرب والصومال واليمن وغيرها من البلدان لتوسيع نطاق أعماله، ولتعزيز قوته، وزيادة عدد أفراده.
ولم تنتهِ هذه السلسلةُ من عمليات الاندماج بعد؛ إذ إن المنظمات التابعة لتنظيم القاعدة تتواجد في أماكن مثل شبه جزيرة سيناء ونيجيريا. ومع ذلك؛ يرى بايمان أن العالم الجهادي هش للغاية عما قد يبدو عليه للوهلة الأولى؛ حيث إن العديد من الجماعات الجهادية السلفية لم تنضم إلى تنظيم القاعدة. وحتى لو انضمت الجماعات السلفية للتنظيم، ستحدث توترات وانقسامات، ما من شأنه أن يتيح الفرصة للولايات المتحدة وحلفائها لإضعاف روابط التنظيم.
وتبحث الدراسة التحليلية لبايمان قضيتين متداخلتين. القضية الأولى: لماذا لا تنضم بعض الجماعات الجهادية مع الأيديولوجيات المماثلة لتنظيم القاعدة إلى منظمة الظواهري؟ القضية الثانية: لماذا قد تتسرب بعض المنظمات القائمة من التشكيل الإرهابي؟
ويشير بايمان إلى أن الإجابة على السؤال الثاني تتطلب دراسة الانشقاقات المحتملة بين نواة تنظيم القاعدة والمنظمات التابعة له، وكذلك دراسة أوجه التباين بين جداول الأعمال المحلية والعالمية، ودراسة النقاط التي ستركّز عليها الولايات المتحدة أو القوى الخارجية الأخرى لجعل الانقسام أكثر احتمالا.
ويوضح الباحثُ أنه في الوقت الذي توجد فيه العديد من المغريات للانضمام إلى تنظيم القاعدة، فإن الانتماء لجماعات أخرى يعد اعترافا بالفشل على الصعيد المحلي، كما أن الانتماء للتنظيم يمكن أن يؤجج النزعة القومية المحلية، ويجلب أعداء جديدين، بل ويمكن أن يجعل الجماعة أكثر عزلة.
هذا ويلفت الباحث بايمان النظر إلى أن انضمام أي جماعة لتنظيم القاعدة قد يهدد شعار القاعدة نفسها من خلال أي تصرفات أو مواقف أيديولوجية في صفوف المقاتلين المحليين. ومن ثم يمكن أن تلعب الولايات المتحدة على هذا الوتر، مما سيؤجج الخلافات الإيديولوجية والإستراتيجية داخل التنظيم. وتعتبر مواصلة الولايات المتحدة ضغوطها على ملاذ تنظيم القاعدة واتصالاته وموارده المالية مسألة حيوية أيضا لتعطيل علاقات التنظيم الأساسية.
المنظمات الرئيسية التابعة لتنظيم القاعدةقبل أحداث 11 سبتمبر، دعم تنظيم القاعدة طائفة واسعة من الجماعات الجهادية السلفية، غير أنه اندمج مع جماعة واحدة فقط؛ وهي حركة الجهاد الإسلامي في مصر. وقد طور تنظيم القاعدة أيضا شراكات مع العديد من المنظمات الأخرى، موسّعا بذلك نطاق الجماعة في المغرب والعراق وشبه الجزيرة العربية. وفيما يلي لمحة موجزة عن الجماعات الرئيسية التابعة للتنظيم:
حركة الجهاد الإسلامي في مصرتعتبر هذه الحركة هي أولى وأهم المنظمات التي انضمت إلى تنظيم القاعدة. وظهرت هذه الحركة إبان النمو المطرد للتيار الإسلامي في مصر في عام 1970، واغتال أعضاءٌ من هذه الحركة ـ على حد قول الباحث ـ الرئيسَ المصري أنور السادات في عام 1981.
كما جاهدت هذه الحركةُ الإسلامية النظامَ المصري في السنوات التي تلت عملية الاغتيال هذه، بيد أن الاعتقالات الجماعية التي جرت في مصر زعزعت صفوف الحركة، وكانت الجماعة تعاني من نقص في الأموال، مما حدّ من قدرتها على مواصلة عملياتها ودعْم أُسر مقاتليها.
وبسبب هذه المشاكل؛ لجأت حركةُ الجهاد الإسلامي إلى تنظيم القاعدة للحصول على مساعدة، ومن ثم تولّت الحركةُ جدول أعمال عالمي أكبر. ففي عام 1997، بدأت نشرات حركة الجهاد الإسلامي تدعو إلى شن هجمات على الولايات المتحدة.
تنظيم القاعدة العراقي أو الدولة الإسلامية العراقيةتدفق المقاتلون الأجانب إلى العراق بعد الغزو الأمريكي للبلد في عام 2003، وكان لدعاية تنظيم القاعدة دور كبيرٌ في هذا التدفق. وتدرّب عدد من الأفراد الذين يقاتلون القوات الأمريكية في المخيمات التي يديرها التنظيم في أفغانستان.
وفي عام 2002، دخل أبو مصعب الزرقاوي العراق بوصفه قائدا للسلفية الجهادية وبات الشخصية الأجنبية المقاتلة هناك. وبعد عدة سنوات من المفاوضات، قدم الزرقاوي ولاءه لبن لادن في عام 2004، ومن ثم صارت للتنظيم أسماء عديدة، تشمل: تنظيم القاعدة العراقي، ومجلس شورى المجاهدين، والدولة الإسلامية العراقية.
تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربيةكان لتنظيم القاعدة والحركة الجهادية موطئ قدم في كل من المملكة العربية السعودية واليمن. ففي التسعينيات، وحتى اليوم، كانت المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى مصدرًا مهمًّا لجمع التبرعات لتنظيم القاعدة وغيرها من الحركات الجهادية. وكان اليمن مركزا لوجستيا لعمليات مثل تفجيرات السفارة الأمريكية في عام 1998.
وبالإضافة إلى ذلك؛ كان اليمن والمملكة العربية السعودية مصدرًا للمقاتلين المجنَّدين. وعقب سلسلة من الهجمات على أهداف غربية وسعودية؛ انهار التنظيم بعد قيامه بعمليات فعالة في عام 2006؛ حيث إن المملكة العربية السعودية شنت حملة مدمرة ضد التنظيم، واعتقلت أفرادا كثيرين منه أو قتلتهم، على حد قول الباحث. ومن ثم هاجر بعض أعضاء التنظيم إلى اليمن؛ حيث انضموا إلى الجهاديين المحليين الذين انتعشوا بعد تعرضهم لنكسات خلال السنوات الماضية.
وفي عام 2008؛ أطلقت الجماعة على نفسها اسم 'تنظيم القاعدة الجهادي في جنوب شبه الجزيرة العربية'، ثم غيّرته إلى 'تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية' في عام 2009.
تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلاميفي ظل احتدام الجهاد الجزائري في التسعينيات؛ ظهرت العديد من التنظيمات، في حين انقسمت أخرى عن جماعات قائمة، واختفى أيضا بعضها. ومن الجماعات التي ظهرت 'الجماعة السلفية للتبشير والقتال' الجزائرية، والتي تشكلت في التسعينيات بعد انقسامها عن الجماعة الإسلامية المسلحة الوحشية، وهي جماعة نفذت العديد من الأعمال الوحشية ضد جزائريين عاديين، وشنت حربا على الحكومة.
واعتبارًا من عام 2003؛ بدأت الجماعة عملية من شأنها أن تضعها في نهاية المطاف في صميم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وفي سبتمبر 2006، أعلن الظواهري الاتحاد مع 'الجماعة السلفية للتبشير والقتال' الجزائرية، مُحضّا الجماعة المتحدة على أن تكون بمثابة 'شوكة في حلق الصليبيين الأمريكيين والفرنسيين'. وفي يناير 2007، أعلنت الجماعة السلفية تغيير اسمها ليصبح 'تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي'.
حركة الشباب الصوماليةفي فبراير 2012؛ أعلنت حركة الشباب الصومالية رسميا ولاءها لتنظيم القاعدة. ويُذكر أن تنظيم القاعدة حاول في أوائل التسعينيات هدم الدولة الصومالية، غير أن الحرب الأهلية في الصومال كانت على أشدّها، مما جعل من الصعب على عناصر التنظيم تحقيق تقدم ملموس هناك.
ومع ذلك؛ استخدم التنظيم الصومال كجزء من قاعدة إقليمية لشن هجمات ضد الولايات المتحدة وإسرائيل وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. واعتبارا من عام 2005، بدأت نواة تنظيم القاعدة تحقق مكاسب كبيرة في الصومال.
وبحلول عام 2007، حاولت حركة الشباب الصومالية -التي انشقت عن جماعات إسلامية أخرى- إقامة صلات أوثق مع تنظيم القاعدة. وفي عام 2008، استخدم كل من تنظيم القاعدة وحركة الشباب مواقعهم الإلكترونية لمدح بعضهم بعضا. وفي سبتمبر 2009؛ أعلنت حركة الشباب ولاءها لأسامة بن لادن. واستمر مهرجان المحبة في السنوات التي تلت ذلك.
دوافع الانتماء إلى تنظيم القاعدةتتطلع بعض الجماعات إلى الانضمام إلى تنظيم القاعدة لأسباب عملية وأيديولوجية، ولأسبابٍ أخرى تتعلق بإقامة علاقات شخصية وتفاعلات مختلفة داخل المجتمع الجهادي. ويُشير الباحث في دراسته إلى سبعة أسباب رئيسية وراء انضمام جماعات جهادية إلى تنظيم القاعدة، وتتمثل تلك الأسباب في الآتي:
السبب الأول: الفشل. غالبا ما تكون النكسة محركًا أساسيًّا للانتماء إلى تنظيم القاعدة، حسبما يرى الباحث بايمان. فمن الجلي أن فشل الجماعة الجهادية السلفية في الانقضاض على النظام المحلي يتمخض عنه في كثير من الأحيان أزمة داخلية. وفي حين تتكيف جماعات مع هذه الأزمة بطرق مختلفة؛ تختار جماعات أخرى أو عناصر في داخل هذه الجماعات الوصول إلى العالمية والانضمام إلى تنظيم القاعدة.
وتعتبر حركة الجهاد الإسلامية المصرية خير مثال على ذلك؛ فبعدما تعرضت الخلية لهجمات عديدة واعتقالات وعمليات قتل وذبح، ضعفت صفوفها وتشتت شملها. ودفع فشلها الأحياء من عناصرها إلى محاولة البحث عن المجد في أماكن أخرى ومع جماعات أخرى بارزة مثل تنظيم القاعدة.
السبب الثاني: المال. من الأسباب التي تُفضي إلى الفشل والانتماء إلى جماعات أخرى بارزة ـ على حد اعتقاد الباحث بايمان- هي نقص الأموال. فالجماعات الإرهابية، لا سيما تلك التي تدير تمردات واسعة النطاق، تحتاج المال لشراء الأسلحة، ودعم المقاتلين، ومساعدة أُسرهم، وللحفاظ على كيانها أيضا.
ويُعرف تنظيمُ القاعدة بسيولته النقدية الوافرة، وقد استخدم بن لادن رأس المال هذا في دعم المقاتلين وتشكيل تحالفات مع مختلف الجماعات الإسلامية. وبالإضافة إلى احتياطياته، لدى تنظيم القاعدة شبكة من الممولين، ولا سيما من العرب من دول الخليج العربي. وساعدت القاعدة جماعات أخرى على اجتذاب التمويل من مجموعة من الجهات المانحة. فقد دعا بن لادن، على سبيل المثال، المسلمين إلى إرسال أموال إلى حركة الشباب.
السبب الثالث: الحاجة إلى ملاذ. من أهم عوامل نجاح أي جماعة إرهابية -على حد قول الباحث- هو وجود ملاذ تدير منه الجماعة عملياتها. وبالحديث عن تنظيم القاعدة؛ نجد أن لديه معسكرات تدريب، وبيوتا تشغيلية آمنة، وبنية تحتية إرهابية واسعة تُستخدم أيضا لاستضافة جماعات أخرى. وعادة ما تلجأ الجماعات التي تفتقر إلى ملاذ آمن تُطلِق منه عملياتها في بلدانها إلى تنظيم القاعدة، ولا يتطلب الحصول على ملاذ آمن الاندماج مع تنظيم القاعدة أكثر ما يتطلب اللجوء إلى التنظيم والاعتماد عليه في توفير ملاذ مناسب.
السبب الرابع: تلقي التدريب، واكتساب خبرة عسكرية، والتوظيف والدعاية. وفّر تنظيم القاعدة على مر التاريخ منشآت تدريبية لمختلف الجماعات الجهادية، وهي خدمة جذابة، لا سيما للجماعات التي تفتقر عناصرها إلى التدريب اللازم، وإلى ملاذ آمن في بلدانها. وتكفّل التنظيم بإرسال المدربين إلى البلدان التي يحتاج مقاتلوها إلى التدريبات اللازمة.
ويُذكر أن قدامى المحاربين من أفغانستان والعراق (وبعضهم من أعضاء تنظيم القاعدة) دربوا حركة الشباب على كيفية تنفيذ التفجيرات، وصنع العبوات الناسفة، وعلى استخدام التقنيات الأخرى.
ويُمكن أن يساعد تنظيمُ القاعدة المقاتلين المحليين على بلوغ الساحات التدريبية في أفغانستان والعراق لاكتساب الخبرة العسكرية، ومعرفة التكتيكات الجديدة.
وتجدرُ الإشارة في هذا السياق إلى أن تنظيم القاعدة لم يستخدم معسكراته التدريبية في أفغانستان وباكستان في التسعينيات من أجل إكساب المقاتلين المهارات القتالية فحسب، بل من أجل الدعاية إلى الجهاد أيضا. ويسعى تنظيم القاعدة إلى جذب ذكور جدد إلى الجهاد، وجعلهم جنود مشاة مسلحين لمختلف الجماعات الإرهابية.
هذا وتسعى القاعدةُ إلى مساعدة المقاتلين الأجانب على الهروب من وطنهم إلى باكستان أو اليمن لشحذ مهاراتهم. وبالإضافة إلى التدريبات والتوظيف، يمكن أن يوفر تنظيم القاعدة الدعاية اللازمة للجماعات الجهادية، لا سيما لدرايته بمختلف الثقافات.
السبب الخامس: الدفاع المشترك. يلجأ عدد من الأفراد أو الجماعات إلى تنظيم القاعدة بسبب تعرضهم لتهديدات مكافحة الإرهاب. وبعبارة أخرى، تقع بعض الجماعات الإرهابية تحت تهديدات ومراقبة مشددة من القوات الحكومية بسبب مشاركتها الملاذات ومرافق التدريب مع تنظيم القاعدة. ومن ثم تحتاج الجماعات الواقعة إلى الاحتماء بتنظيم القاعدة والاتحاد معه ضد الجهات الأمنية المضادة.
السبب السادس: الحصول على شعار خاص. توفر القاعدة، على حد قول الباحث بايمان، شعارا مميزا. وفي بعض الأحيان، تسعى بعض الجماعات الجهادية إلى استبدال شعارها بشعار تنظيم القاعدة لإدراكها مدى قوة وهيبة هذا الشعار. هذا ويُمكن أن تنقذ أي جماعة سمعتها وتعطي نفسها دفعة باقتراض شعار تنظيم القاعدة.
السبب السابع: الشبكات الشخصية ذات أهمية. ينعم أعضاء تنظيم القاعدة والحركة الجهادية الأوسع نطاقا بمجموعة واسعة من العلاقات من خلال الشبكات الشخصية. ويرى أعضاء الجماعات الإرهابية أنه كلما توطدت الشبكات الشخصية كلما ضعفت قدرة الأطراف الخارجية على النيل منهم.
العوامل توتِّر العلاقة بين التنظيم والمنظمات التابعة لهيرى الباحث بايمان أن ثمة بعض العوامل التي قد تساعد على كسر الروابط بين تنظيم القاعدة والمنظمات التابعة له؛ وهذه العوامل هي:
أولًا: تحويل جدول أعمال تنظيم القاعدة.فكما لوحظ أعلاه، بدأت المنظمات الجهادية قبل الانضمام إلى تنظيم القاعدة أنشطتها بالتركيز على أهداف محلية خاصة بها. ومن ثم يمكن أن يصعِّب الاندماج مع تنظيم القاعدة، وما يعقب ذلك من توسُّع الهجمات ضد أهداف عالمية، على أي جماعة جهادية تحقيق أهدافها الأصلية. هذا وتكبِّد الهجمات على أهداف عالمية الجماعات الجهادية الصغيرة تكاليف عالية، وتدرك هذه الجماعات تماما أن كلما جرى التركيز على الصراع العالمي كلما نقصت الموارد المتوفرة لتكريس الجهود على الصراع المحلي.
ثانيًا: التضليلُ الإستراتيجي.يُعرف تنظيم القاعدة بأن لديه أجندته وتحيزاته الخاصة التي غالبا ما تطغى على الاحتياجات المحلية. لذا لا تكون مصالح تنظيم القاعدة والمنظمات التابعة له واحدة دائما. ومن ثم يمكن أن يكون للتضليل الإستراتيجي دور فعَّال في إضفاء بعض التوتر على العلاقة القائمة بين تنظيم القاعدة والمنظمات التابعة له، مما قد يدفع تلك المنظمات في نهاية المطاف إلى أن تنأى بنفسها عن القاعدة لتحقيق أهدافها الخاصة.
ثالثًا: شح الأموال والموارد الأخرى.كان المال أحيانا سببا لتوتر العلاقة بين تنظيم القاعدة والمنظمات التابعة له، ولا شك أن التعاون بدافع الحصول على الأموال يمكن أن يتلاشى إذا جفت ينابيع هذه الأموال. ويرى بايمان أنه بدون موارد مالية مستدامة، يمكن أن تنفصل الجماعات عن القاعدة، وتلجأ بدلا من ذلك إلى النشاط الإجرامي.
رابعًا: القومية والكبرياء المحلي.استغلت الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة في بعض الأوقات المشاعر المعادية للأجانب، سواء كان ذلك فيما يخص وجود القوات الأمريكية في العراق أو وجود القوات الإثيوبية في الصومال. وتعتبر القومية -على حد اعتقاد الباحث- سلاحا ذا حدين لتنظيم القاعدة. فالصوماليون، على سبيل المثال، لا يرغبون في وجود الأجانب في السياسة، وفي نفس الوقت يُعتبر وجود الأجانب في المناصب العالية لحركة الشباب بمثابة مسئولية واقعة على عاتق الجماعة.
ويرى العديد من الصوماليين أن تنظيم القاعدة غير مبالٍ بمصالح الصومال، وفقًا لتحليل أعدته مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي. ولأنه غالبا ما يستخدم تبريراته الدينية الخاصة، يمكن أن يدخل تنظيم القاعدة في صراع مع المؤسسات الدينية المحلية.
خامسًا: السلوك الشخصي والغرباء.عندما يرسل تنظيم القاعدة عناصره الخاصة للانضمام إلى جماعة أخرى، قد ينفِّر هؤلاء المقاتلون الأجانب المقاتلين المحليين بسلوكهم الشخصي أو بمحاولاتهم لتغيير التقاليد المحلية. ومن ثم يحدث توتر بين تنظيم القاعدة والجماعة التابعة له.
سادسًا: أمن العمليات.يشير الباحث بايمان إلى أنه كلما ارتفع عدد الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة كان أمن القاعدة العام مهددا بالخطر؛ أي أن الغرباء يشكلون خطرا على أمن العمليات. وذلك لأن بعض المتطوعين الأجانب يكونون متسللين بغرض التجسس. ومن ثم يبقى ثمة بعض التوجس بين القاعدة والمستجدين.
سابعًا: الديمقراطية.يرى بايمان أن الانتخابات، والفرص السياسية بشكل عام، يمكن أن تحدث فجوة بين المقاتلين المحليين والأجانب. ففي العراق، ندد أبو مصعب الزرقاوي في ديسمبر 2005 بالانتخابات التي ترعاها الولايات المتحدة. ومع ذلك، حذر القادة المحليون من السنة الزرقاوي من 'تشويه صورة الجهاد' بتهديداته.
ثامنًا: ثمن النبذ.يعاني تنظيم القاعدة بشدة من حيث المكانة عندما تنتقده المنظمات الأخرى. ولعل المثال الأكثر أهمية لذلك -من وجهة نظر الباحث بايمان- هو قرار قادة المنظمات الجهادية في مصر نبذ العنف، ونشرهم نقدا مطوّلا في عام 2004 لأنشطتهم وأنشطة تنظيم القاعدة. ويُذكر أن سلسلة من الكتب معروفة باسم 'سلسلة تصحيح المفاهيم' قد تخلت عن الحديث عن التفسيرات المتطرفة للإسلام.
وفي المملكة العربية السعودية؛ فقد تنظيم القاعدة شرعيته عندما أدان رجالُ الدين التابعين لحركة 'الصحوة الإسلامية' التنظيم عقب هجمات عام 2003 التي وقعت في المملكة العربية السعودية.
ويرى بايمان في دراسته أن دعم السلطات الدينية سلاح ذو حدين؛ حيث إن الدعم يمنح تنظيم القاعدة شرعية ومصداقية من ناحية، وينتقد العلماء المستقلين، من ناحية أخرى، تجاوزات التنظيم ولا يشاركونه سوى في جزء صغير من جدول أعماله. وبمجرد احتضانه لهذه السلطات، يصبح تنظيم القاعدة أكثر هشاشة إذا انقلبت هذه السلطات عليه بشكل خاص أو على الحركة الجهادية بشكل عام، وفقا لما يراه بايمان.
(*) أستاذ الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، وزميل في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في المؤسسة، ومؤلف كتاب'الثمن الباهظ: إنجازات وإخفاقات إسرائيل في مكافحة الإرهاب'.المصدر: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية