كريستين ديوان
ابتكر الناشطون الشبان، الذين شكّلتهم بيئة إعلامية جديدة، وجرّأهم النجاح المبكر للصحوة العربية؛ أشكالا جديدة من المشاركة المدنية والتحدي السياسي لدول مجلس التعاون الخليجي. وتتميز حركات شباب الخليج الناشئة بنقدها الشامل لأنظمة الحكم، ورفضها للقادة السياسيين الحاليين لعدم تقديمهم إصلاح سياسي جذري.
وفي هذا السياق، تناولت كريستين ديوان، زميلة أولى زائرة في مركز الأبحاث الأمريكي 'Atlantic Coascii117ncil'، في دارسة لها نشرها موقع المركز الذي يتخذ من واشنطن مقرًّا له، بعنوان: 'كسر المحرمات: النشاط السياسي لشباب دول الخليج Breaking Taboos: Yoascii117th Activism in the Gascii117lf States'، الأشكال الجديدة للانخراط في الحياة المدينة، وما تمثله من تحدٍّ سياسي للدول الخليجية.
وبتقييم حركات الشباب في المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين، تؤكد الباحثة كريستين ديوان أن الناشطين الشباب قد عانوا مؤخرًا من انتكاسات في ظل القيود الحكومية، وأن الآثار السياسية لارتفاع عدد الشباب داخل الدول الخليجية ستتضاعف، خاصة أن القيادات الخليجية الهرِمة تمر بمرحلة الانتقال من جيل إلى آخر.
مطالب الشباب إلى أين؟
في تحليلها تقول كريستين ديوان إن النشطاء الشباب يتحدون الثقافة السياسية المحافظة، والأعراف الاجتماعية التقليدية للدول الخليجية. مشيرةً إلى أن الاحتجاجات في المملكة العربية السعودية تضمنت توجيه لقيادات هذا البلد. وفي الكويت، نسقت حركة شبابية تدعو للتصعيد في الشارع حملة للضغط على البرلمان، والمطالبة باستقالة رئيس الوزراء الذي لاحقته تهم بالفساد. وشهدت البحرين على مدار عدة سنوات العديد من الاحتجاجات التي بدأها شباب على الرغم من أنها فشلت في إجبار نظام حكم مَلَكيّ منقسم على تقديم أي تنازلات سياسية، حسبما تُشير الباحثة.
وترى كريستين أنه ما تزال حركات الشباب بعيدة عن تحقيق مطالبها التي تتمثل في مزيد من التمثيل الديمقراطي، ومحاسبة الحكومة في منطقة تعاني من حظر الأحزاب السياسية، ويؤدي فيها توجيه النقد المباشر للحكام إلى الحبس. ولا يمكن تقييم تأثيرها من خلال التركيز الضيق على أي نتائج سياسية مباشرة.
وأوضحت الباحثة أن الفجوة بين الأجيال لا تضع الدولة في موضع اختبار فحسب، وإنما الوسطاء الرئيسيون لسلطة الدولة مثل القبائل والحركات الإسلامية. وتقول كريستين إن الشباب الخليجي يناضل ضد الانعدام الخانق لأي مساحة للمشاركة الاجتماعية والإبداع السياسي، مشيرة إلى أنهم يستفيدون من تنامي الشكوك حول قدرة الأسر الحاكمة على إدارة التحديات القادمة لنظام دولة الرفاه. وتخلص إلى فكرتها بالقول: 'لقد وضعوا الأساس للتغييرات القادمة'.
وأشارت كريستين إلى ظهور أشكال جديدة من النشاط الشبابي في منطقة الخليج قبل الاضطرابات السياسية عام 2011. فقد نمت شبكات اجتماعية من المنتديات البحرينية والعمانية على الإنترنت على مدار عِقْد من الزمان، ودافع الشباب الكويتي عن الإصلاح الانتخابي في عام 2006، وقاد الشباب السعودي حملات التطوع في أعقاب فيضانات جدة في عام 2009. وتشير هذه الأحداث المبكرة إلى حافزين للنشاط السياسي الطلابي، بحسب الباحثة، هما: تدهور دولة الرفاه، والبيئة المعلوماتية الجديدة.
وأوضحت ديوان أن النظام السياسي في الخليج بُني على عَقْد اجتماعي ضمني مع حكومة تتعهد لمواطنيها بتوفير فرص العمل، والخدمات الاجتماعية، والإسكان. وفي الدول الأقل ثراء، يضمحل هذا العقد؛ حيث ترهِق الزيادة السكانية قدرات النظام القديم. وتعتمد المنافسة الرسمية للخدمات العامة -على نحو متزايد- على الشبكات القبلية والطائفية والشبكات المجتمعية الأخرى داخل النظم البيروقراطية الخليجية، بما يعوق الكفاءة والمساواة. وكثيرًا ما ينظر الشباب إلى هذه السلسلة من المؤسسات الفاشلة والخدمات المتدنية وسياسات الهوية على أنها حاجز أمام طموحاتهم الفردية وتطلعات الوطنية.
ولا تتشكل سياسة الشباب في الخليج من خلال المطالب فحسب، وفقًا للباحثة، وإنما من خلال الفرص أيضًا. إن البنية التحتية المتقدمة للاتصالات في دول الخليج، والتي تُعد أكثر تطورًا بكثير من أي مكان آخر في الشرق الأوسط؛ تسمح بإمكانية وصول الجميع إلى الإنترنت، بما تتضمنه من مواقع التواصل الاجتماعي، مثل: فيسبوك، وتويتر، وإنستجرام، وخدمة واتس آب. وتشكّل دول مجلس التعاون الخليجي 85 في المئة من مستخدمي تويتر النشطين في العالم العربي. وتأتي المملكة العربية السعودية على رأس دول العالم في كلٍّ من المشاركة على تويتر، والتنزيلات من على يوتيوب من بين مستخدمي الإنترنت.
نوافذ إعلامية مفتوحة
تضيف كريستين ديوان أن شباب الخليج من خلال وسائل الإعلام الاجتماعي قد وجد نافذة مفتوحة لتبادل الأخبار والأفكار. وهم يتجادلون مع من يكبرونهم سنًّا، ومع المسؤولين الحكوميين، ويتحدون الأعراف التقليدية، ويدعون للحشد والتعبئة.
وأفادت ديوان لقد أدي التواصل مجهول الهوية عبر الفيسبوك وتويتر إلى تنظيم أكبر التجمعات السياسية في الخليج؛ بمعنى أكثر تحديدًا 'انتفاضة اللؤلؤة' في البحرين في فبراير ومارس 2011 التي اتخذت من الاحتجاجات المصرية مصدر إلهام لها، فضلا عن مسيرات 'كرامة وطن' في الكويت في أكتوبر ونوفمبر 2012.
تحدي الدولة والقبائل والإسلاميين
وبحسب كريستين ديوان، فإن بيئة المعلومات الجديدة التي أعادت تشكيل ثقافة الشباب تولّد انقسامًا ملموسًا بين الأجيال في الخليج. ويشكّل الشباب دون سن الخامسة والعشرين 54 في المئة من إجمالي عدد السكان في دول مجلس التعاون الخليجي. إن الثقافة الشبابية الجديدة تقدّر ضبط النفس على السيطرة، والشبكات على التسلسل الهرمي، والشفافية على السريّة. وهذا لا يضع الشباب في حالة متوترة مع الدولة فحسب، وإنما مع الوسطاء الرئيسيين لسلطة الدولة: القبائل والحركات الإسلامية.
في الكويت، رفض الشباب الناشط المشاركة في الانتخابات التمهيدية القبلية التي تزيد من القوة القبلية في البرلمان. في حين نظّم الشباب العماني معسكر احتجاج شبيه بما حدث في ميدان التحرير في دوار بمدينة صحار، وسخروا من شيوخ العشائر الذين أرسلتهم وزارة الداخلية العمانية للوساطة.
وتظاهر شباب 'الإخوان المسلمين' احتجاجًا ضد التسلسل الهرمي لكيانهم، وانتقدوا الإطار السري له، ونشروا انتقاداتهم على المدونات، وتقدموا للعب دور أكبر في صنع القرار الداخلي. وفي الكويت، طالبوا بمزيد من الاستقلالية للحركة الدستورية الإسلامية، التي تُعد الفرع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، وضموها إلى معسكر المعارضة بقوة. ويعتبر المنشقون عن جماعة الإخوان المسلمين ـ التي ما يزال يهيمن الجيل القديم عليها ـ المحرِّكين الرئيسيين للنشاط السياسي للشباب في المملكة العربية السعودية، وجميع أنحاء دول الخليج.
وفي البحرين والمنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية، تشكّلت الحركات السياسية الجديدة في الوقت الذي انفصل فيه الشباب الشيعة عن القيادة الإسلامية الشيعية المهيمنة، حيث رفضوا تسوياتها مع الحكومة.
وترى كريستين ديوان أن استياء الشباب من النخب السياسية الحالية يوفر فرصة جيدة للقادة الأكثر استقلالا الذين يمكنهم استخدام الإعلام الاجتماعي لجذب المؤيدين لهم. لقد قام دعاة من خارج المؤسسة الحكومية، مثل: سلمان العودة، والشيخ نمر النمر في المملكة العربية السعودية، والشعبوي القبلي غير التقليدي مسلم البراك في الكويت؛ ببناء قاعدة خارج مراكز السلطة التقليدية من خلال مغازلة الشباب سياسيًّا. كما اكتسبت منظمات حقوقية قدرًا من الشعبية، مثل: الجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية، ومركز البحرين لحقوق الإنسان.
عوائق هائلة
وأشارت الباحثة إلى أن النضال من أجل إنشاء متنفس اجتماعي وسياسي للنشطاء من الشباب الخليجي يواجه عوائق هائلة. فالأحزاب السياسية محظورة في جميع أنحاء الخليج. وتستخدم هذه الدول القوة الأمنية لقمع الاحتجاجات، وسجن الأصوات المنشقة. كما تمتلك الدول الخليجية نفوذًا اقتصاديًّا كبيرًا على مواطنيها. فالتهديد بالفصل من وظائف القطاع العام بل وفقدان المواطنة بمثابة عوامل ردع للعديد من النشطاء المحتملين، على حد قول كريستين.
بالإضافة إلى ذلك، لا تعترف الأعراف الاجتماعية بالعديد من أشكال الاحتجاج العام. وتقوم السلطات الدينية في المملكة العربية السعودية والعديد من الحركات السلفية بشجب المظاهرات، ووصفها بأنها غير إسلامية، على أساس أنها تشجع على الفتنة، أو الانقسام الاجتماعي. ويعتبر الالتماس هو الشكل التقليدي للمعارضة؛ حيث يحافظ على مظهر الوحدة الوطنية، ويُبقي على احترام الأسرة المالكة. كما يُعد التحدي المباشر للأسرة الحاكمة من المحرمات، وتُعتبر إهانة الذات المَلَكيّة أو كرامة الدولة جريمة جنائية في القانون الخليجي.
ونظرًا لهذه التحديات، يرى العديد من الناشطين الشباب أن تغيير الثقافة السياسية، بما في ذلك الحصول على الحق في الاحتجاج، بمثابة شرط أساسي لتحقيق التغيير السياسي الذي يحتجون من أجله. لقد كانوا يضغطون ضد الخطوط الحمراء، ويقدمون طرقًا مبتكرة للتعبير عن المعارضة وتنظيمها. وكانت الحكومات الخليجية ترد بالانتقام عبر فرض قيود جديدة على التجمعات والتعبير السياسي.
ويتفاوت مستوى المنافسة السياسية وحيوية النشاط السياسي الشبابي في جميع أنحاء الخليج؛ فقد شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر اللتين تتمتعان بأعلى مستوى دخل للمواطن الخليجي، تعبئة سياسية شبابية معارضة بسيطة. أما الكويت والبحرين، وهما الدولتان اللتان تتمتعان بسياسة برلمانية وتاريخ من نشاط المجتمع المدني؛ فقد أنتجتا حركات شبابية أكثر نشاطًا. وتواجه المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان تحديات اقتصادية أكبر من الدولتين السابقتين، وتمنح الشباب مساحة مدنية أقل، وتقع في مكان ما بين تلكم الدولتين من حيث مدى النشاط الشبابي.
الخلاصة
قضت الحكومات الخليجية الثمانية عشر شهرًا الماضية وهي تحاول إضفاء الطابع الرسمي على الضوابط الجديدة التي فرضتها على التجمعات وحرية التعبير السياسي لمواجهة التهديدات من النشاط السياسي للشباب. وما زالت تمضي في سعيها بهمّة، يساعدها في ذلك ضعف الائتلافات السياسية الوطنية، وقصورها عن تلبية مطالب الشباب، فضلا عن الاضطرابات الاقتصادية والصعوبات السياسية في دول الصحوة العربية، والتي كبحت بشدة الرغبة الشعبية من أجل التغيير في الخليج. ونتيجة لذلك، يعاني الناشطون الشباب من انحسار النفوذ.
وعلى الرغم من أن الحركات السياسية للشباب قد عانت من انتكاسة في ظل الهجمات المتوالية للضغوط الحكومية، فستستمر الآثار السياسية لتغيير الأجيال في النمو. وتقوم دول الخليج بالفعل بخفض الدعم لمواجهة الزيادة الوقائية في الإنفاق العام نتيجة الصحوة العربية. وفي الوقت الذي تواجه فيه القيادات الهرمة في الخليج تحديات مالية متنامية جنبًا إلى جنب مع مرحلة انتقال بين الأجيال محفوفة بالمخاطر، من الممكن أن يلعب الشباب دورًا قياديًّا في إحداث التغيير الذي تتجنبه الأنظمة المَلَكيّة الآن.
عرض: طارق راشد عليان، باحث في العلوم السياسية
المصدر: المرحكز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية