نظمت وحدة التحولات الداخلية بالتعاون مع وحدة العلاقات الإقليمية بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية مائدة مستديرة بعنوان 'موازين متحركة: المسارات المحتملة للتفاعلات الداخلية والإقليمية في الشرق الأوسط'، في 25 يونيو الجاري، وانقسمت المائدة المستديرة إلى محورين رئيسيين، هما: إعادة بناء الدولة الوطنية في الإقليم، ومصفوفة التحول في التحالفات والعلاقات الإقليمية.
ـ المحور الأول: إعادة بناء الدولة الوطنية
افتتح هذا المحور د. محمد قدري سعيد، كبير المستشارين بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، وأداره أ. د. علي الدين هلال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وتحدث فيها كل من أ. محمد عز العرب الباحث في شئون الخليج بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، ود. محمد فايز فرحات الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، ود. خالد حنفي الخبير بمجلة السياسة الدولية، وأ. محمد عبد الله يونس المدرس المساعد للعلوم السياسية بجامعة القاهرة. وتناولت المداخلات الرئيسية في هذا المحور الأنماط المختلفة لإعادة بناء الدولة الوطنية في الإقليم، والأطراف الفاعلة في عملية بناء الدولة، وأبرز وتحديات وعوائق عملية بناء الدولة وسبل مواجهتها.
ـ انهيار للدولة أم انهيار للمؤسسات؟
استهل د. علي الدين هلال حديثه بالتأكيد على أن الفصل بين العوامل الداخلية والخارجية في التحليل لم يعد قائمًا، وبالتالي فقد تم إعادة تعريف حقلي السياسة المقارنة والعلاقات الدولية بما يسمح بحدوث تداخل بينها، ويؤدي إلى إفراز مفاهيم معرفية جديدة. وعلى صعيد آخر، انتقد هلال شيوع مفهوم بناء الدولة لأن البناء يعني بالضرورة أن هناك شيئًا قد تهدم أو سقط وانهارت أركانه، ولهذا فقد اقترح استخدام مفهوم إصلاح الدولة بدلا من إعادة البناء، وذلك لكون نماذج انهيار الدولة قليلة للغاية في الإقليم، وتتمثل في حالات بعينها، مثل الصومال والعراق فقط، مؤكدًا أن إعادة البناء تُشير إلى أن الدول قد تحطمت، وهو ما لم يحدث.
ثم انتقل هلال بعد ذلك إلى محاولة التفرقة بين انهيار الدولة وانهيار مؤسسات الدولة، وذلك لكون الدولة -وفقًا له- تتكون من ثلاثة أركان؛ الأول: الإقليم من الناحية القانونية، والجيش من الناحية السيسولوجية. والثاني: شعب يحمل الجنسية من الناحية القانونية، وثقافة سياسية مشتركة، وانتماء وطني من الناحية السياسية. أما الثالث فيتمثل في حكومة من الناحية القانونية، ومؤسسات وقدرات استراتيجية وتنظيمية ومركزية من الجانب السياسي.
وانطلاقًا من ذلك، أكد هلال ضرورة فهم ما يدور في دول المنطقة، على اعتبار أنه جزء من عملية استكمال بناء الدولة الوطنية الحديثة، وليس إعادة بنائها.
ـ الملامح الرئيسية للتحولات الداخلية:
وفي إطار الحديث عن ملامح التغير الرئيسية التي شهدتها الدولة الوطنية في الإقليم من عام 2011، أشار أ. محمد عز العرب إلى ما يلي:
الملمح الأول: والذي ساد عام 2011، ويتمثل في انهيار النظم السياسية التي كان يفترض أنها متماسكة بفعل الثورات العربية.
الملمح الثاني: والذي ظل مهيمنًا على المشهد العام في عام 2012، وهو صعود التيارات الإسلامية إلى السلطة، والتحول إلى مرحلة الصراع على الدولة، وليس الصراع على السلطة فحسب.
الملمح الثالث: الذي ساد المنطقة في عام 2013، وهو تعثر عمليات التحولات السياسية الداخلية في مختلف دول الإقليم.
الملمح الرابع: الذي يبدو أنه سيهمن على الدول في عام 2014، فيتمثل في إعادة بناء بعض الدول أو إصلاحها لدى البعض الآخر، وذلك في الوقت الذي أصبحت فيه المجتمعات أقوى من الدول في بعض الحالات، علاوةً على الانتشار الكثيف للفواعل الأخرى التي تُنازع الدولة في أدوارها ووظائفها.
ـ التدخل الدولي وإعادة بناء الدولة:
على صعيد جدوى التدخل الدولي في إعادة بناء الدولة؛ أشار د. محمد فايز فرحات، إلى وجود ثلاث موجاتٍ للتدخل الدولي لإعادة بناء الدولة. فالموجة الأولى، والتي حدثت في أعقاب الحرب العالمية الأولى في حالتي ألمانيا واليابان، ويمثلان حالتين ناجحتين في البناء من الخارج. والموجة الثانية، حدثت في حقبة التسعينيات من القرن الماضي في الصومال والبوسنة الهرسك. والموجة الثالثة، وقعت في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 لكل من أفغانستان والعراق، ويمثلان نموذجين فاشلين للتدخل الخارجي لإعادة بناء الدولة.
وفي تقييم فرص نجاح التدخل الخارجي عبر الأدوات العسكرية في إعادة بناء الدولة، أكد فرحات وجودَ عدة فرضيات حاكمة، وتتمثل فيما يلي:
1. كلما كانت الهزيمةُ معترفًا بها من قبل نخب المجتمع المهزوم كان لذلك أثرٌ إيجابي أكثر وضوحًا في إمكانية نجاح مشروع إعادة البناء، وذلك لكون الاعتراف بالهزيمة يُقلل من مقاومة النخب الداخلية لمشروع إعادة البناء.
2. كلما كانت دولة التدخل ديمقراطية تراجعت فرص نجاح مشروع إعادة البناء على اعتبار أنها في الأغلب تؤمن بأحقية أبناء الدولة المستهدفة -لا سيما نخبها- في عملية إعادة البناء.
3. كلما زادت التعددية الدينية والعرقية داخل مجتمع الدولة المستهدفة كانت عمليةُ إعادة البناء أكثر تعقيدًا، لأن ذلك يوقع أعباء جديدة على عاتق الدولة المتدخلة تتعلق بضرورة إحداث توافق بين القوى المختلفة داخل المجتمع. وفي الأغلب تفشل الدولة المتدخلة في ذلك، وينتهي بها الأمر للدخول في تحالف مع بعض القوى على حساب الأخرى، مثلما حدث في العراق بتحالف الولايات المتحدة مع الشيعة على حساب السنة، وفي أفغانستان مع الشمال على البشتون.
4. إن المجتمعات الإسلامية تكون أقل ميلا لقبول فكرة إعادة البناء الخارجي للدولة، وهو ما اتضح بشدة في التمايز بين حالتي ألمانيا واليابان من جانب، وبين العراق وأفغانستان من جانب آخر. ويرجع ذلك إلى استدعاء المجتمعات الإسلامية للتاريخ الصراعي مع الغرب، علاوةً على شيوع مفهوم الجهاد في الثقافة الإسلامية. وهو ما يتواجد في الثقافات الأخرى.
5. كلما كان لدى الدولة المستهدفة من إعادة البناء خبرة دستورية وديمقراطية زادت فرص نجاح المشروع.
6. إن نظام القطبية الثنائية أكثر ملاءمةً للتدخل الخارجي، وهو ما يفسر نجاح تجربتي ألمانيا واليابان، وفشل تجربتي العراق وأفغانستان اللتين حدثتا بعد انتهاء نظام الثنائية القطبية، وتفرد الولايات المتحدة بقيادة النظام العالمي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.
7. كلما كان هناك توافق إقليمي على مشروع إعادة بناء الدولة زادت فرص نجاح مشروع البناء الخارجي. ولعل أبرز أمثلة ذلك اليابان وألمانيا.
ـ الفواعل الجديدة وصعود الجيوش:
وفي مستهل مداخلته، أشار أ. محمد عبد الله يونس إلى وجود اتجاه صاعد في دول الإقليم لدور القيادات والمؤسسات العسكرية في مرحلة ما بعد الثورات، والتي يمكن أن تسهم بدور محوري في عملية الإصلاح أو إعادة البناء. وتكمن أبرز مؤشراته في فوز المشير عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية بمصر، وفوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، وانتشار الاتجاهات الداعمة داخل لبنان لترشيح العماد جان قهوجي للرئاسة، والدعم السياسي الذي يحظى به الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في حربه ضد تنظيم القاعدة والحوثيين في اليمن. ليس هذا فحسب، بل أيضًا يُمكن اعتبار مواقف الجيوش محدِّدًا رئيسيًّا للنتائج التي تمخضت عنها مسارات الثورات العربية.
وفي هذا السياق، أكد يونس وجودَ ثلاثة أنماط لمواقف الجيوش من النظم إبان الثورات. يتمثل الأول في الإحجام عن تأييد النظام، وهو ما تجلى في حالات كلٍّ من مصر وتونس، مما أدى إلى انهيار النظام وسقوطه. أما الثاني فهو نمط الانقسام بين تأييد النظام والمعارضة كما حدث في اليمن. وأخيرًا تماهي المؤسسة العسكرية داخل النظام مما أدى إلى صموده، وهو ما حدث في حالات سوريا والجزائر والبحرين.
وفي سياقٍ متصل، أكد يونس وجودَ عدة أنماط لصعود دور المؤسسات العسكرية، وتتلخص فيما يلي:
الصعود الانتخابي، وقد تجلى في حالتي فوز المشير عبد الفتاح السيسي في مصر، وعبد العزيز بوتفليقة في الجزائر بنسب تأييد مرتفعة.
الدعم الشعبي الكاسح لمواجهة الإرهاب، بخاصة في ليبيا للواء خليفة حفتر للتصدي للميليشيات المسلحة.
التحالف القبلي للقيادات العسكرية، لا سيما في اليمن للرئيس عبد ربه منصور هادي لمواجهة الحوثيين بعد محاولاتهم توسيع نفوذهم في المناطق السنية.
التأييد العسكري لإصلاح المؤسسات، ويتجلى أيضًا في الدعم الذي حصل عليه الرئيس منصور في اليمن في عزل القيادات العسكرية السابقة.
الدور التوفيقي للقيادات العسكرية للخروج من المأزق السياسي، وينتشر هذا النمط في لبنان في حالة تأييد ترشيح العماد جان قهوجي للرئاسة للخروج من الأزمة السياسية.
وعن أسباب الصعود، أشار يونس إلى أبرزها، والتي تدور حول الاستناد إلى تجارب تاريخية لقيادات عسكرية لعبت دورًا هامًّا في تاريخ تلك الدول، كالرئيس المصري جمال عبد الناصر، والجزائري هواري بومدين. ذلك فضلا عن ملء الفراغ السياسي الناجم عن توازن الضعف بين مختلف القوى السياسية عقب الثورات، ورغبة الشعوب في التصدي للتيارات الإسلامية، واستعادة الدولة التي تم اختطافها، وتصاعد التهديدات الأمنية والإرهابية في مختلف الدول العربية، مما زاد من الحاجة إلى الجيوش، وتزايد الدور التنموي والاجتماعي للمؤسسات العسكرية، وخاصةً في مصر والجزائر، وأخيرًا توافر الدعم الخارجي للقيادات العسكرية، فاللواء خليفة في ليبيا حظي بدعم فرنسي، والمشير عبد الفتاح السيسي في مصر حظي بدعم سعودي وإماراتي.
ـ تحديات إعادة بناء الدول العربية:
وعلى صعيد التحديات التي تواجه دول الإقليم في إطار عملية إعادة البناء؛ أشار د. خالد حنفي إلى وجود حزمة من التحديات، يأتي في مقدمتها؛ تحدي الهوية، الذي أصبح مركبًا إلى حدٍّ بعيد. فقد تضافرت أزمة الهوية مع أزمة الاندماج الوطني أو إدارة التعددية في إحداث أزمات مثلما حدث في حالة مالي. فقد تحالفت بعض الجماعات الإسلامية مع قبائل الطوارق. ليس هذا فحسب بل أيضًا انتقلت أزمة الهوية من المجتمع إلى الدولة ذاتها. أما التحدي الثاني، فيتمثل في التنمية، فقد فشلت أغلب الدول العربية في عملية التنمية. ويرجع ذلك لتحالف الدول مع رجال الأعمال والطبقات البرجوازية في الداخل والخارج، مما أدى إلى 'رسملة الدولة' وانكشافها للخارج، بحيث أصبحت قراراتها التنموية ترتبط بالخارج.
هذا، ويأتي الانكشاف الخارجي ليمثل التحدي الثالث، والذي يتخذ نمطين؛ الأول؛ أقلمة الدولة، ويقصد به وجود توافق إقليمي على إصلاح الدولة، ومن أوضح الأمثلة على ذلك الدعم السعودي لإصلاح الدولة المصرية. أما النمط الثاني فيتمثل في تدويل الدولة، ويقصد أن الدولة أصبحت تخضع لتدفقات خارجية كبيرة عابرة للقومية، ولم تعد تتحكم بشكل منفرد في الوظائف الأساسية لها. ومع تطور هذين النمطين تجدر الإشارة إلى أن دولة قد انكشفت خارجيًّا بشكل كبير، مما يجعل قدرتها على فرض سيادتها بشكل كامل محل نظر.أما التحدي الرابع، فيرتبط بغياب الديمقراطية، لا سيما مع التكلفة التي دفعتها الدول من جراء الثورات، وهو ما وضع ثنائية خطيرة وهي الأمن في مقابل الحرية. ومن ثم فإن المواطن بدا فاقد الثقة في النظام الديمقراطي.
أما التحدي الخامس، فهو التحدي المؤسسي، فالمنطقة العربية تعاني من تردٍّ واضحٍ في كفاءة الدولة وكافة أجهزتها، ومن ثم فإن التحدي المؤسسي يتطلب إصلاحًا مؤسسيًّا شاملا للبنية العامة للدولة، بخاصة المؤسسات السياسية والأمنية والاقتصادية والبنية البشرية أيضًا. وأخيرًا، يأتي تحدي الفواعل من دون الدولة، حيث تزايد نشاطهم بشكل مكثف في مصر والسودان، في الوقت الذي أظهرت فيه الدولة قصورًا واضحًا في أداء أدوارها ووظائفها.
ـ مشروطيات الإصلاح وإعادة البناء:
كشف الدكتور خالد حنفي عن شروط عدة لعمليات إصلاح أو إعادة بناء الدولة، حيث لخصها حنفي فيما يلي:
&bascii117ll; ضبط طبيعة العلاقة بين النظام السياسي والدولة، فكلما زاد التماهي بين النظام والدولة، أصبح من الصعب الحديث عن إصلاح، بل عن ضرورة إعادة بناء. وذلك لأن سقوط النظام في تلك البلدان قد أدى إلى سقوط الدولة ككل. وهو ما تجلى بشدة في الحالة الليبية. ففي عهد القذافي كان هناك تماهٍ شديد في ليبيا بين الدولة والنظام. وبالتالي ما أن سقط النظام حتى سقطت الدولة.
&bascii117ll; استغلال لحظة الإنهاك المتبادل بين الدولة والمجتمع لإعادة صياغة علاقة جديدة بين الطرفين، وذلك كأساس لعمليات الإصلاح وإعادة البناء.
&bascii117ll; الدعم الخارجي والإقليمي في إصلاح وبناء الدولة، يمكن أن يساعد الدولة في المرور من أزمتها.
&bascii117ll; قدرة البنية المجتمعية على القياد بدور إيجابي في عملية إصلاح مؤسسات وبناء الدولة على أسس جديدة.
المحور الثاني: التحول في مصفوفة العلاقات الإقليمية
افتتح المحور الثاني د. محمد قدري سعيد، كبير مستشاري المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، وأدارها أ.د. أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، بمشاركة كلٍّ من السفير هاني خلاف، مساعد وزير الخارجية الأسبق للشئون العربية، وكذلك د. محمد مجاهد الزيات، رئيس المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، وأ. حسن أحمديان، باحث أول في مركز الدراسات الاستراتيجية في إيران.
وقد قدمت أ. إيمان رجب، الباحثة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، موضوع الجلسة، والتي شددّت على أهمية تحديد المسار الذي يُمكن أن تأخذه الأدوار الإقليمية في الإقليم، سواء الدول الرئيسية مثل تركيا ومصر وإسرائيل، أو الدول الصغيرة 'المتصاعدة'، خاصة التالية على الثورات العربية، باعتبار أن إقليم الشرق الأوسط صعب التنبؤ بمسار تفاعلاته، ويمر باضطراب مستمر يولد إشكاليات أكثر تعقيدًا.
وطرحت رجب ثلاثة محددات، تحدد مسار النقاش، وتساعد على تحديد مستقبل مصفوفة الأدوار في الإقليم، منها: القيود المفروضة على الأدوار الإقليمية في الشرق الأوسط مثل مصر والسعودية، وهي تعقيدات مرتبطة بالداخل، وانتقال مركز الثقل في الإقليم إلى منطقة الخليج، وتحديدًا الإمارات وقطر، ووجود محور مرتبط بتزايد الفاعلين من غير الدول المسلحين المرتبط بالتفاعلات في الإقليم، خاصة نموذج حزب الله، وهو ليس جناحًا عسكريًّا بل سياسيًّا أيضًا.
ـ مستقبل 'غامض' للدول الكبرى في الإقليم:
استهل السفير هاني خلاف حديثه، قائلا: 'مع اندلاع الثورات والاحتجاجات الإثنية منذ عام 2011 في عددٍ من الدول العربية؛ أدى إلى سقوط بعض النظم السياسية، وانتشار الإرهاب، والنزوح السكاني، واختراق الحدود الدولية من قبل جماعات جهادية، مما أدى إلى إعادة توزيع مراكز القوى الأكثر استقرارًا، وأصبحت مقصورة على منظومة مجلس التعاون الخليجي وإيران وإسرائيل'.
واعتبر أن هذا التغيير يُثير ثلاثة تساؤلات حول طبيعة وحدود الأدوار الإقليمية للدول الأكثر استقرارًا، وعما يُمكن أن تواجهه من احتمالات الضعف، وإمكانيات استئناف الأدوار التي كانت في مراحل سابقة مؤثرة، وهل تختلف أشكال هذه الأدوار في المرحلة الحالية عما كانت عليه في سابق عهدها، وكذلك ملامح تأثير الثبات والتغير في الإقليم لأنماط الحركة والتحالف وفي علاقتها مع القوى الخارجية.
وشدّد على وجود تباينات حول معالجة التطورات في سوريا، والموقف من مصر بعد 30 يونيو، وتقييم المخاطر الناجمة عن إيران، وطبيعة التعامل معها، والتي لن تصل إلى حد المواجهة. ولكن قد يؤدي إلى إضعاف قدرة السعودية وبعض دول الخليج على ممارسة أدوارها التقليدية بنفس الزخم، وإلى إضعاف قدرتها على القيام بأدوار جديدة في مناطق أخرى. واعتبر أن الدور الإقليمي السعودي في المراحل المقبلة سيتجه إلى عدة محاور، وأهمها إنعاش الدور المصري والأردني في حدود محكومة، وتوظيفهما لخدمة المشروع السعودي للسيطرة على منطقة الخليج والبحر الأحمر، ومواجهة التهديد الشيعي الإيراني، وإعادة ترتيب منظومة التعاون الخليجي على نحو يسمح بإدخال مبدأ 'تباين الصراعات'.
واعتبر أن الدور السعودي تحكمه عدة محددات، أهمها: احتمال تعرض منظومة التعاون لبعض 'الصدع' بسبب مواقف قطر من جماعة الإخوان المسلمين، واستمرار تمسك سلطنة عمان بعدم ترقية الخطوات الاتحادية داخل المركز، وتصاعد الدعاوى الخاصة بالأقليات الشيعية في المنطقة الشرقية، واحتمال تطور الطابع الاحتجاجي على نحو لا يخلو من العنف، واحتمال تعرض الأراضي السعودية على الحدود العراقية لنزوح سكاني من السنة في حالة توسع الحرب الأهلية في العراق، واحتمال تعرض خطط التسوية في اليمن لبعض التوقف والانتكاسة بسبب 'تعثّر' الإدارة اليمنية الجديدة في التعامل معها.
أمّا بالنسبة لإيران، فليس صحيحًا إطلاق حكم بأن كل الدوافع شيعية مذهبية، وإنما لها دوافع استراتيجية واقتصادية تكاد تكون غالبة. فالرئيس الإيراني حسن روحاني يعطي نموذجًا 'انفتاحيًّا' وبراجماتيًّا لكسب صورة في الخارج، بعد تحقيق 'صمود' لحليفه في دمشق، وبدايات جادة لتسوية النووي الإيراني. ومع ذلك، تحيط إيران عدة محددات، منها: الإدراك العربي بغلبة البعد الشيعي في سياسة إيران، والتخوف من خلط البعد الشيعي بالسياسي والاستراتيجي، والمزايدة الإيرانية في إطار القضية الفلسطينية، ومعوق استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية، ولكن مع ذلك فإن علاقة إيران بالإمارات قوية.
وتطرق إلى أن الدور الإقليمي لمصر بعد ثورتين تحكمه عدة اعتبارات، منها: كيفية ترجمة الشعارات في الشارع في السياسة الخارجية، وكيفية تجاوز العوائق الدبلوماسية والضغوط السياسية بعد ثورة 30 يونيو. وما قد يحكم سياسة مصر الخارجية بالفترة المقبلة، هو البحث عن صياغات مناسبة لممارسة أدوار إقليمية مقبولة دوليًّا، بما يُضيف إلى شرعية النظام الجديد لمصر أرصدة إيجابية، وبما يتلاءم مع محدودية القدرات الاقتصادية والمشاكل الأمنية التي تمر بها مصر. وبالتالي ستتجه نحو تطوير العلاقات مع مجلس التعاون، خاصةً في الجوانب الأمنية، وفتح قناة جديدة للحوار المباشر مع إيران، باعتبارها طرفًا مؤثرًا في الإقليم، وأن التواصل المصري معها يُضيف رصيدًا مع تفاعلها مع السعودية والقوى الغربية.
ـ الجيوش المتنقلة عبر الحدود:
ركّز الدكتور محمد مجاهد الزيات على الفاعلين من غير الدول، والذي يمكن تحديدهم في مجموعة الجيوش المتنقلة عبر الحدود، مثل: داعش، والنصرة، وتنظيم القاعدة، وهي تتحرك عبر الحدود، والجزء الآخر هو حزب الله الفعّال في لبنان وسوريا والعراق، والحوثيون في اليمن، والأكراد وهم طرف مؤثر وليسوا دولة، ولكنهم على وشك أن يصبحوا دولة، لهم تأثير خطير في سوريا والعراق، وحماس أيضًا طرف مؤثر وليست دولة.
واستطاعت داعش إلغاء الحدود بين سوريا والعراق، وقد نشأت مع الحرب الأمريكية على العراق، ومارس التنظيم معارك تُحسب له في مواجهة الاحتلال الأمريكي، وبالتالي باتت البؤرة لمواجهة الاحتلال. ولكن بدأت الأجندة تختلف مع عام 2006، مع إعلان ولائه لأسامة بن لادن، وشن حرب طائفية، فاختلفت معه فصائل المعارضة التي رأت أن الحرب مع الاحتلال وليس مع الطوائف.
وبالتالي تفاوتت وجهات النظر حولهم، واستثمرت قوات الاحتلال ذلك التباين لتأديب تنظيم القاعدة، وتوسيع الهوة بن التنظيم وبين المعارضة. وبعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق، بدأ المالكي ينتقم من المعارضة، وتولى هو بنفسه لجنة اجتثاث البعث، وحدثت فجوة بين المعارضة والدولة، وزادها نهج المالكي بتوسيع البعد الطائفي، ومحاصرة القوى السنية ومواجهتها بشكل حاد، واتهام القيادات السنية بالإرهاب، وزاد الغضب من الطائفة السنية تجاه المالكي.
وشدد على أن حماس ليست منظمة إرهابية من وجهة نظر الحكومة المصرية، لذا تتوسط بين الأطراف الفلسطينية، وسيبقى الاتصال بحماس ضروريًّا.
ـ مستقبل مجلس التعاون الخليجي:
اعتبر 'حسن أحمديان' مجلسَ التعاون كيانًا أمنيًّا وليس سياسيًّا أو اقتصاديًّا، وجرت محاولات لتطوير مجلس التعاون ليشمل المجالات الأخرى، وأن السعودية هي من تدفع داخل المجلس باتجاه الوحدة التي لها أجندات خاصة، وتبحث عن مآرب خاصة بها، حيث قاومت بعض الدول فكرة الوحدة مثل قطر الآن، لذا فشلت محاولات الانتقال من كيان أمني إلى وحدوي. والنتيجة هي أن مجلس التعاون وصل إلى أقصى حد يمكن الوصول إليه في الظروف الموجودة بالأدوات التي أسس عليها، ولا يمكن التكامل إلى ما هو أكبر مما عليه الآن.
وشدّد على أن الصراع القطري السعودي سيستمر، لأن الصدام كبير بين أجندة وأهداف مختلفة، وبين دولتين تحاولان الهيمنة عبر بسط نفوذهما الإقليمي، كما أن قطر ستحاول المصالحة بين الإخوان والدول الخليجية التي تقمع الإخوان، وقد بدأت بمباركة الشيخ تميم للرئيس السيسي، كما أن السعودية ستحاول وأد الإخوان إلى غير رجعة، لأنهم يمثلون تهديدًا داخل السعودية.
واختتم الدكتور أحمد يوسف حديثه، قائلا: إن ما هو إقليمي يبرز ما هو عالمي في هذه المرحلة، فالسعودية بغض النظر عن علاقتها البنيوية مع الولايات المتحدة، تتبنى مواقف مختلفة معها، وكذلك الإمارات ومصر. وبالإضافة إلى ذلك، لم يهتم المسئولون في مصر بعد ثورة 30 يونيو بما إذا كانت خارطة الطريق ستُغضب الولايات المتحدة أم لا، وربما نكون في مرحلة وجود 'صحوة' لما هو إقليمي.
عرض: أحمد زكريا الباسوسي، وريهام مقبل باحثان بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية
المصدر: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية