عفيف رزق
'هل هو سباق تسلح مدمر'؟
هذا التعليق المغلف بالقلق والخوف, أطلقه وزير الدفاع الهندي على أثر 'موجة المشتريات' المحمومة التي اجتاحت حكومات منطقة جنوب ـ شرق آسيا إما لإعادة تجهيز أساطيلها البحرية، وإما لشراء سفن بحرية متعددة المهمات، وذلك بعدما شرعت الإدارة الأميركية بتنفيذ إستراتيجيتها الدفاعية الجديدة، التي كان قد اعلن الرئيس باراك أوباما خطوطها العامة، في مطلع العام 2012. وقد أُطلق على هذه الإستراتيجية تسمية 'المحور'، أي التوجه نحو منطقة الباسفيك، ما يعني كما شرح وزير الدفاع الاميركي في تلك الفترة ليون بانيتا، ان ادارته ستعزز مواقعها في المنطقة، إن على صعيد التحالفات أو على صعيد التجهيزات الضرورية لتنفيذ هذه الإستراتيجية. لقد وصف بعض المراقبين الوضع الذي كان سائداً في المنطقة بـ'حرب قوميات'. تغذيها وقائع ما زالت حية في الذاكرة الشعبية لسكان المنطقة، برغم مرور عقود على حصولها، في إشارة الى النزاع المحتدم بين الصين وكوريا الجنوبية واليابان.
كان لسقوط الاتحاد السوفياتي الأثر الكبير في إعادة الاعتبار لاثنين من عناصر الهوية الأكثر قوة وهما الدين والقومية، بعدما كان البعض قد نظّر لموتهما منذ القرن التاسع عشر. لقد عادت القومية بقوة الى جميع القارات، وأصبحت آسيا قلب الرأسمالية الدولية وقلب التوترات الجيوسياسية، حيث تراشق الاتهامات بين الصين واليابان حول جزر سينكاكو مع إقامة بكين منطقة حظر جوي فوق هذه الجزر، و&laqascii117o;المعارك" البحرية بين الصين وفيتنام حول المنصة النفطية في المنطقة الاقتصادية التي تطالب هانوي بملكيتها، وهي التي ارتدت موجات غضب واحتجاج أحرق خلالها الفيتناميون المحال التجارية والمعامل الصناعية العائدة للصينيين على الارض الفيتنامية.
من المظاهر اللافتة في أنظمة الحكم في منطقة جنوب ـ شرق آسيا ان الحكام في غالبيتهم ينتمون إلى التيارات القومية المتشددة. ففي كوريا الجنوبية، تولت الرئاسة القومية المتشددة 'باراك جاي ـ إن'، حفيدة أحد الديكتاتوريين في ستينيات القرن الماضي، وقد تم انتخابها لهذا المنصب بهدف مواجهة الابتزاز الذي يُمارسه الحكام في كوريا الشمالية. حتى في الصين، حيث يحكم الحزب الشيوعي الصيني، نجد ان سلوك المسؤولين يغلّب المشاعر القومية بوضوح. فعلى أثر انتهاء المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الحاكم، وتعيين الأمين العام الجديد 'تشي جينبينغ'، قام هذا الاخير بأول زيارة له خارج بكين، الى ثكنة عسكرية في إحدى المقاطعات الصينية الجنوبية مرتدياً الزي العسكري، وأمام كبار ضباط الجيش الشعبي الصيني شدد على ان واجب هؤلاء يتمثل تحقيق حلم الصين كأمة كبرى موحدة.
إن ابرز مظاهر التيار القومي في المنطقة هو ما نجده في اليابان، خصوصاَ في العهد الحالي الذي يقوده ويتزعمه القومي المتشدد 'شينزو آبي' بعد ست سنوات من العجز السياسي الذي عانت منه البلاد في مختلف الميادين العسكرية والاقتصادية والسياسية خصوصاً، حيث تم تغيير سبعة رؤساء وزارات ما بين 2005 و2012. وقد برزت احتجاجات بعض فئات الشعبين الصيني والكوري الجنوبي على الزيارات التي يقوم بها المسؤولون اليابانيون لضريح 'ياسكوني' حيث يُدفن، بحسب المعتقد الياباني، الجنود الأبطال المدافعون عن وحدة اليابان وسيادتها، في حين انه، وبحسب المعتقد الصيني والكوري الجنوبي، فإن المدفونين في هذا الضريح، هم من الذين نكلوا وعذبوا وقتلوا وهجروا الكثير من الصينيين والكورين الجنوبيين، عندما هاجم الجيش الامبراطوري الياباني اراضي هذين البلدين. ومن مظاهر نمو المشاعر القومية ذاك النزاع المحموم بين بكين وطوكيو على ترسيم الحدود البحرية، بما فيها الجزر الغنية بالثروة البترولية، وحاجة البلدين لهذه المادة، فضلاَ عن غنى مياه هذه البحار, موضع النزاع، بالثروة السمكية. ومن مظاهرها أيضاً، ما تضمنته الشعارات التي خاض 'آبي' على اساسها الانتخابات البرلمانية وحقق فيها نصراً واضحاً وأغلبية مطلقة، ومن نماذج هذه الشعارات: &laqascii117o;يجب أن تعود اليابان بلداً قوياً وفخوراً، و&laqascii117o;عهد ديبلوماسية الاعتذارات قد ولى".
أما آخر الحكام الذين ينتمون إلى التيار القومي في المنطقة فهو ناريندرا مودي الذي تولى رئاسة الحكومة الهندية في السادس والعشرين من آيار 2014. ومن المعروف عن 'مودي' انه
يرتبط بصداقة متينة برئيس الحكومة اليابانية 'آبي'، اذ زار طوكيو مرتين في العامين 2007 و2012. وعندما تولى حكم ولاية 'غوجارت' غرب الهند، لمدة 13 عاماَ شرع الابواب امام استثمارات يابانية جديدة، فعرفت الولاية ازدهاراَ اقتصادياَ لم تشهده ولاية هندية أخرى, من هذه الزاوية، يتوخى كثير من الهنود الذين صوتوا له ان ينقل التجربة التي اعتمدها في 'غوجارت' الى الوطن كله. ويأخذ كثير من المراقبين على 'مودي' تقاعسه العام 2002، لدى تعرض المسلمين الهنود لمذبحة على ايدي الهندوس المتشددين، ولم يُحرك ساكناَ برغم انه حاكم الولاية.
غير ان انتصار 'مودي' في الانتخابات سيعزز العلاقات اليابانية ـ الهندية، ويجعلها العلاقات الثنائية الاقوى في المنطقة. ويُتوقع ان يعيد أي وفاق هندي ـ ياباني رسم المشهد الإستراتيجي في آسيا، علماً أن هذا الوفاق قد ينال رضى ودعم الولايات المتحدة الاميركية.
المصدر: صحيفة السفير