برنامج الشرق الأوسط / Viewpoints No.28 ـ Wilson Center
شاؤول باكهاش ( زميل سابق، مركز Woodrow Wilson Center )
كلارنس ج. روبنسون ( بروفسور في التاريخ، جامعة Goerge Mason)
حزيران 2013
يمثل انتصار حسن روحاني المفاجئ في جولة الانتخابات الرئاسية تحولاً كبيراً في المشهد السياسي الإيراني. ففي مجال المرشحين الذي يهيمن عليه المحافظون، ترشح روحاني باعتباره معتدلاً. وتساءل عن ضرورة توسيع أمن الدولة والإشراف المستمر على الطلاب وجمعيات المجتمع المدني من قبل الأجهزة الأمنية. وتحدث عن الحاجة إلى مزيد من حرية الصحافة والتعبير، وكرس اهتمامه لقضايا حقوق المرأة. أما عما اذا كان سينجح بذلك ، أو ما إذا كان شروعه في تغيير الاتجاه سيلقى رد فعل يميني عنيف آخر يعيق مساره، فإن علينا أن ننتظر ونرى.
يمثل انتصار حسن روحاني المفاجئ في جولة الانتخابات الرئاسية تحولاً كبيراً في المشهد السياسي الإيراني. ففي مجال المرشحين الذي يهيمن عليه المحافظون، ترشح روحاني باعتباره معتدلاً. وتساءل عن ضرورة توسيع أمن الدولة والإشراف المستمر على الطلاب وجمعيات المجتمع المدني من قبل الأجهزة الأمنية. وتحدث عن الحاجة إلى مزيد من حرية الصحافة والتعبير، وكرس اهتمامه لقضايا حقوق المرأة. ووعد بإنشاء وزارة لشؤون المرأة.
على الصعيد الاقتصادي ، وفي حين وعد جميع المرشحين بمعالجة مشاكل التضخم والبطالة، ركز روحاني أيضاً على المؤسسات التي تجعل من السياسة الاقتصادية الرشيدة أمراً ممكناً. وقال أن أولى أعماله ستكون إحياء ما كان يعتبر فيما مضى مؤسسات رئيسة مثل 'مؤسسة التخطيط' و'المجلس الاقتصادي الأعلى'، اللذان الغاهما الرئيس المنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد.
أما على صعيد السياسة الخارجية، وخلال الحملة الانتخابية واصل المرشد الأعلى، علي خامنئي، تأكيده على ضرورة المقاومة والصمود في وجه ' هيمنة' الغرب، وحذر من أولئك الذين يعتقدون بسذاجة أن المساومة مع الغرب ستكسب إيران نتائج إيجابية، وسخر من فكرة أن إيران معزولة دولياً. لكن روحاني، وفي حين يظهر أنه ثابت ، كما المرشحين الآخرين، على حقوق ايران النووية، فإنه شدد على ضرورة إيجاد وسيلة للخروج من المأزق مع الغرب بشأن القضية النووية وإنهاء العزلة الدبلوماسية الإيرانية. ولم يخجل، بل دافع عن خط أكثر ليونة بشأن القضية النووية كانت حكومة الرئيس محمد خاتمي قد تبنته، عندما عمل روحاني كرئيس لمجلس الأمن القومي ورئيس المفاوضين النوويين الإيرانيين.
قد لا يفلح روحاني في كل ما قدمه من وعود انتخابية، لكن فوزه- حقق ما يقرب من 51 في المئة من الاصوات- كان تأكيداً من قبل الغالبية العظمى من الإيرانيين بالرغبة بمسار أكثر عقلانية وأكثر اعتدالا في مجاليْ السياسة الداخلية والخارجية على حد سواء . كما أن مجيء رئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف في المرتبة الثانية مع حصوله على نسبة 16 في المئة من الأصوات يؤكد التوجهات الوسطية لدى أغلبية كبيرة من الإيرانيين. من الصحيح القول بأن قاليباف ترشح باعتباره محافظاً، وكان قائداً للحرس الثوري، وحتى أنه تباهى خلال الحملة الانتخابية (لجمهوره اليميني، شبه العسكري) بدوره في قمع الاحتجاجات الطلابية في وقت سابق. لكن معظم الإيرانيين ينظرون إلى قاليباف على أنه المدير القادر والمتمكن، خلال السنوات الثماني التي قضاها كرئيس للبلدية، لعاصمة بلد يقدر عدد سكانها بـ 10 مليون نسمة، عندما بنى الحدائق العامة ومراكز الترفيه، وقام بتوسيع الطرق وتحسين نظام الاتصالات. وقد شكل روحاني وقاليباف، معاً، ما نسبته 67 في المئة من الاصوات.
إن الاداء الضعيف للمحافظين والمتشددين في الانتخابات ملفت للنظر أيضاً. فقد حصل سعيد جليلي، الذي ترشح وفق برنامج يشدد على القيم الاجتماعية المحافظة (الدور الرئيس للمرأة، كما قال، هو دورهن كأمهات وربات بيوت)، ومردداً كلام خامنئي بالمقاومة والصمود ضد الغرب، حصل على أقل من 12 في المئة من الأصوات، كما حصل علي ولايتي مستشار السياسة الخارجية لخامنئي، على أقل من 7 في المائة. فضلاً عن ذلك، لقد نال ورحب روحاني ،أيضاً، بتأييد الرئيس السابق خاتمي ورئيس سابق آخر هو هاشمي رفسنجاني، وكلاهما أسيء إليهما من قبل المحافظين لارتباطهما بما يسمى بـ ' التيار التحريضي' في 'الحركة الخضراء'.
نحن لا نستطيع أن نجزم، بطبيعة الحال، ما إذا كان الإقبال على صناديق الاقتراع مرتفعاً كما زُعم رسمياً (أكثر من 70 في المئة) ،وعلينا أن نقبل الأرقام الرسمية في ظاهرها كما هي. مع ذلك، فإن التوقعات الواسعة بأن الرئيس المقبل سيكون مختاراً من قبل خامنئي مسألة تحتاج إلى إعادة تقييم. ففي حين انه لا يزال صاحب القرار النهائي بشأن القضايا الرئيسية، فقد أصبح من الواضح أن خامنئي لا يسيطر على ضباطه والطبقة السياسية كما كان يُعتقد ويُفترض على نطاق واسع. إنه لا يستطيع جعل المحافظين يتوحدون خلف مرشح واحد، بحيث انتهت اصوات المحافظين بالانقسام بين عدد من المتنافسين. واستمر القادة السياسيون الإيرانيون - حتى المقربين من خامنئي- بعدائهم لبعضهم البعض حتى بعد أن دعاهم الى وقف المشاحنات وأطلق على مثل هذه المشاحنات اسم الخطيئة. لقد اختارت البلاد رئيساً تبنى، على الأقل أثناء الحملة الانتخابية، وضعية لا تتماشى مع السياسات التي يفضلها المرشد الأعلى.
سيكون على خامنئي الآن التعايش مع رئيس آخر لديه عقل وجدول أعمال خاص به. فمنذ وفاة الخميني وخلافة خامنئي للمرشد الأعلى في عام 1989، كان لإيران ثلاثة رؤساء: رفسنجاني، خاتمي، وأحمدي نجاد. وقد ترك كل رجل منهم بصمته الخاصة على السياسة والإدارة، وبالتأكيد في فترة ولايته الأولى.
فقد قاد رفسنجاني البلاد في اتجاه أكثر براغماتية في المجال الاقتصادي، وقام بخصخصة الشركات المملوكة للدولة وسمح للقطاع الخاص بمجال اكبر. كما فتح المجال الاجتماعي للنساء والشباب. وسعى خاتمي إلى توسيع نطاق الحريات السياسية والصحفية بشكل كبير وتمتعت البلاد خلال سنواته الأولى في منصبه بربيع سياسي لم يدم طويلاً. أما أحمدي نجاد فقد قاد ، وباسلوب هوغو شافيز ، حكومة شعبوية إلى حد كبير. لكن في كل حالة من الحالات، كان خامنئي، وبدعم من المحافظين، قادراً على تحييد الرئيس، وكان قادراً حتى على عكس سياساته، في فترة ولايته الثانية. وباعتراف الجميع، ظل أحمدي نجاد مشاكساً يصعب السيطرة عليه تقريباً حتى النهاية.
سيأتي روحاني لاستلام منصبه بشيء من التفويض الشعبي والالتزام بمجموعة مختلفة من الأولويات عن تلك التي اتسمت بها سياسة الحكومة الإيرانية على مدى السنوات القليلة الماضية. إن التغيير الذي وعد به ليس من سنخ الذي بدأه خاتمي في فترة رئاسته الإصلاحية في عام 1997، لكنه مع ذلك وعد بالتغيير. أما عما اذا كان سينجح بذلك ، أو ما إذا كان شروعه في تغيير الاتجاه سيلقى رد فعل يميني عنيف آخر يعيق مساره، فإن علينا أن ننتظر ونرى.
(*) ترجمة: إيمان سويد ـ خاص موقع مجموعة الخدمات البحثية