الدكتور عبد المنعم سيد علي ـ كريم القاضي
موجز الشرق الأوسط
Crown Center for Middle East Stascii117dies
آذار، 2013
هذا موجز يتناول التطورات السياسية الرئيسية في مصر في الفترة ما بين محاكمة حسني مبارك في 3 آب/ أغسطس2011 والعصيان المدني الذي اندلع في مدينة بورسعيد في شتاء 2012. وهو يتناول مسألة رئيسة واحدة: إلى أي مدى نقلت هذه الفترة الانتقالية مصر وجعلتها أقرب إلى نظام حكم ديمقراطي؟ كما تناقش هذه الورقة مسار الانتقال السياسي في مصرالذي لا يزال أمراً غامضاً. وفي حين شهدت مصر تطورات إيجابية فيما يتعلق بيئتها السياسية، فإن للعملية الانتقالية زارها مظاهر سلبية أيضاً قد تعرقل مسار مصر إلى الديمقراطية. فضلاً عن ذلك، هناك حقائق غير سارة جداً، كان نظام مبارك قد طمسها، وعادت إلى الظهور مجدداً على الساحة السياسية المصرية، والتي تعوق عملية الانتقال السياسي. وفقا لذلك، سوف يقوم هذا الموجز بدراسة الجوانب الجيدة والسيئة، والقبيحة من جوانب الانتقال السياسي في مصر.
الجوانب الجيدة
توافقت جميع الفئات السياسية المصرية تقريباً على أنه ينبغي لنظام ديمقراطي أن يكون طريقة الحكم للجمهورية الثانية للبلاد . مع ذلك، فإن ترجمة هذا الحلم إلى واقع لا يزال مصدراً للكثير من الخلافات، إلا أن هذه النزاعات لم تمنع ظهور عدد من التطورات الإيجابية التي قد ترسو بمصر على طريق الديمقراطية. وتشمل هذه التطورات استخدام الانتخابات كآلية لتسوية النزاعات السياسية والتقدم نحو الدولة المدنية، والدور المتزايد للسلطة القضائية، وإنشاء 'بديل ثالث'.
الانتخابات في الجمهورية الثانية
على الرغم من النتائج غير المتوازنة لاستفتائين ولعمليتين انتخابيتين برلمانتين في مصر، فقد شهدت البلاد موسماً ناجحاً لانتخابات حرة ونزيهة نسبياً بين تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 وأيار/ مايو 2012 . وبذلك، أصبحت الانتخابات آلية لتسوية النزاعات السياسية، كتلك التي جرت حول التعديلات الدستورية في آذار/ مارس 2011، حول من سيكون الرئيس الجديد لمصر، وحول مضمون الدستور الجديد. وتنافس 29 حزباً وعدد من المرشحين المستقلين على 498 مقعد في مجلس الشعب في الانتخابات التي جرت بين 28 تشرين الثاني/ نوفمبر 2011، و11 كانون الثاني/ يناير 2012 . وبلغت نسبة المشاركة 50 بالمئة من الناخبين.
مع ذلك، ولسوء الحظ، كانت القوى الليبرالية والمدنية والمجموعات الثورية أقل نجاحا في هذه الانتخابات من القوى الإسلامية الأكثر تنظيما والأفضل تمويلاً. إذ فازت جماعة الاخوان المسلمين إلى جانب حزب النور السلفي بـ 68 في المئة من المقاعد في مجلس الشعب. إضافة إلى هذه الحصيلة تشكل الأحزاب الإسلامية الأصغر حجماً، والكتلة الإسلامية ما نسبته 77 في المئة من المقاعد. وفي انتخابات مجلس الشورى (الغرفة العليا من البرلمان)، التي وقعت ما بين 29 كانون الثاني/ يناير و 22 شباط/ فبراير 2012، فازت ثمانية أحزاب سياسية كانت تتنافس على 180 مقعداً و فاز الإسلاميون بـ 83 في المئة من المقاعد.
أما في الانتخابات الرئاسية في أيار/ مايو 2012، فقد فاز محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين، بـ 51.7 في المئة من الاصوات. ومن المفارقات، أن الجماعات الثورية والقوى المدنية قد دعمت مرسي، من أجل منع النظام القديم، ويمثله أحمد شفيق، من الفوز بالرئاسة.
وأخيرا، وفي الاستفتاء على الدستور في كانون أول/ ديسمبر 2012، فازت الأحزاب الإسلامية التي دافعت عن الدستور الجديد بالمصادقة عليه بنسبة 64 في المئة من الناخبين، رغم أن الاقبال انخفض إلى 32 في المئة.
الدولة المدنية
في حزيران/ يونيو 2012، وخلال مرحلة الانتخابات الرئاسية النهائية، حاول المجلس الأعلى للقوات المسلحة (SCAF) تعزيز قوته في النظام السياسي المصري. فأصدر إعلاناً دستورياً تكميلياً يمنحه سلطة الاعتراض على الدستور الجديد وعلى قرارات الحرب. وبالإضافة إلى ذلك، أنشأ مجلس الدفاع الأعلى، على أن يرأسه رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ويشمل القادة العسكريين، ورئيس الاستخبارات، وزير الداخلية، ووزير الشؤون الخارجية.
لكن في أعقاب 5 آب/ أغسطس 2012، أدى الهجوم الإرهابي على مركز الحدود العسكرية بالقرب من رفح على الحدود المصرية الإسرائيلية والتي خلفت 16 قتيلا الجنود المصريين، إلى إخراج الرئيس محمود مرسي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ( SCAF ) من المشهد السياسي. وفي 8 آب/ أغسطس، قام الرئيس مرسي بفصل رئيس الاستخبارات إلى جانب قادة من الحرس الجمهوري والشرطة العسكرية إضافة إلى محافظ شمال سيناء من مناصبهم. وبعد بضعة أيام، قام أيضاً بفصل (واستبدال) وزير الدفاع حسين طنطاوي مع رئيس هيئة الأركان، سامي عنان، إضافة إلى غيرهما من كبار قادة القوات المسلحة المصرية. كما قرر شطب الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة في حزيران/ يونيو من ذلك العام، والذي انهى رسمياً إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة للفترة الانتقالية.
مع هذه التحركات، منع رئيس مصر المدني الجديد، الجيش من التدخل، ومن الأساس، في الشؤون السياسة المصرية وحال بينه وبين ذلك في المنظور القريب. وللمرة الأولى منذ عام 1952، كانت السلطة المدنية هي المسيطرة على الرئاسة في مصرـ أحد التطورات الإيجابية الثانية الهامة في عملية التحول السياسي.
نهوض السلطة القضائية
في ظل نظام حسني مبارك، تمكن القضاء من الحفاظ على استقلاليته النسبية وحفظ نفسه من الوقوع تحت سيطرة الرئاسة. وهكذا،فقد قضت المحكمة العليا المصرية (يشار إليها أيضاً باسم المحكمة الدستورية) ثلاث مرات مختلفة ضد قوانين الانتخابات، مما اضطر مبارك إلى حل البرلمان في كل مناسبة من هذه المناسبات الثلاث. ومنذ ثورة كانون الثاني/ يناير، واصل القضاء سعيه لزيادة استقلاله. ورفض القضاة أن يكونوا أداة للانتقام الصارم ضد أعضاء نظام مبارك. وفي 12 حزيران/ يونيو 2012، قضت المحكمة الدستورية بكون قانون الانتخابات الجديد غير دستوري، عندها حل المجلس الأعلى للقوات المسلحة مجلس الشعب، وفي نفس الشهر، ألغت المحكمة القانون الذي يمنع كبار أعضاء الحزب المنحل الوطني الديمقراطي (الحاكم) من الترشح للمناصب العامة. بالإضافة إلى ذلك، وفي محاكمات أفراد قوات الشرطة المتهمين بقتل المتظاهرين المصريين، برأت المحاكم الجنائية المتهمين لعدم كفاية الأدلة. وفي كانون الثاني/ يناير من عام 2013، ألغت محكمة النقض الحكم السابق بالسجن مدى الحياة الموجه ضد مبارك ووزير الداخلية وأمرت بإعادة المحاكمة.
يلعب القضاء دوراً هاماً في العملية السياسية المصرية ، من حيث أنه يكبح محاولات طرف سياسي أو آخر في السلطة من السيطرة على النظام السياسي. إن الطريقة التي استجاب 'نادي القضاة' لتصريحات الرئيس مرسي الدستورية في 20 تشرين الثاني/ نوفمبر2012، تشهد على التأثير الإيجابي الذي مارسه القضاة على عملية الانتقال السياسي في مصر. ففي هذه الإعلانات، حصَّن مرسي قراراته، ومجلس الشورى، والجمعية الدستورية من رقابة القضاء. إضافة إلى ذلك، لقد عين مدعي عام جديد، طلعت إبراهيم، ليحل محل عبد المجيد محمود، على الرغم من أن مدة محمود في منصبه لم تكن قد انتهت. وشكلت قرارات مرسي انتهاكاً واضحاً للقانون القضائي – لذا فقد مضى القضاة في مختلف المحاكم في إضراب وداوموا على الاحتجاج إلى أن ألغى مرسي قراراته بعد أسبوعين.
صعود البديل الثالث
خرج إلى الحياة ما يسمى بالبديل الثالث خلال الانتخابات الرئاسية، عندما ألغى أكثر من 800000 ناخب أصواتهم عمداً، ورفضوا اختيار رئيس من بين شفيق أحمد من عهد مبارك ومرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، . وحاولت الأحزاب العلمانية المدنية تقديم بديل ثالث للمصريين ، بديل يكون مختلفاً بشكل كبير سواء عن إعادة إنشاء النظام القديم أو بقبول هيمنة الإخوان المسلمين.
وضعت ثلاث كتل مدنية هذا البديل الثالث. وكان على رأس الكتلة المؤتمر الوطني، ذي التوجه الليبرالي، حزب الوفد برئاسة وزير الخارجية السابق عمرو موسى . وترأس الجبهة الشعبية، وهي حركة ناصرية، حامدين صباحي. وكان على رأس التحالف الديمقراطي الثوري، الكتلة اليسارية، حزب التجمع بدعم من الأحزاب الاشتراكية الصغيرة. وكانت الكتل الثلاث تعمل معاً لبناء تحالف للمنافسة ضد الإخوان المسلمين. وبعد الإعلانات الدستورية لمرسي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، اتحدت الكتلتان الأولى والثانية معاً لتشكيل 'جبهة الخلاص الوطني'. (وفي وقت لاحق، انضم حزب الدستور لمحمد البرادعي أيضاً إلى حزب 'جبهة الإنقاذ').
أما إلى أي مدى سينجح هذا التحالف في تحقيق توازن القوى مع الإسلاميين فأمر لا يزال غامضاً؛ فالتحالف لا يزال مشرذماً، وهو أقل خبرة في مجال العمل السياسي. فضلاً عن ذلك، فإنه يشمل أطرافاً فشلت حتى الآن بالوصول إلى الأغلبية الصامتة المصرية. فرسالتهم إلى الجمهور العام تعتبر معقدة مقارنة مع بساطة رسالة الإسلاميين بأن 'الإسلام هو الحل'. ومع ذلك، فإن تشكيلها، وتقديم بديل سياسي آخر للشعب المصري يشكل تطوراً إيجابياً ثالثاً هاماً.
الجانب السييء
بناء على الانتصارات الانتخابية في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، أطلقت جماعة الإخوان المسلمين استراتيجية الدمج التي تنطوي على مخاطر استبدال نظام الحزب الواحد بآخر، وبالتالي عرقلة الديمقراطية في مصر. ففي حالة عدم وجود نظام حزبي تنافسي حقاً، استفاد الإخوان، من خلال حزبه حزب الحرية والعدالة، من سلطاته التشريعية والرئاسية للهيمنة على المشهد السياسي - في حين أن الأحزاب المصرية العلمانية، كما ألمحنا إليه أعلاه، تعاني من الانقسام و تفتقر إلى رأس المال البشري والموارد التنظيمية.
تضم استراتيجية التوطيد عدة عناصر. أحد العناصر استبعاد قيادة النظام السابق، أعضاء سابقين في البرلمان، قيادة القوات المسلحة، وضباط أمن الدولة من المشاركة في العملية السياسية ومن استلام مناصب رفيعة. العنصر الآخر هو استمالة المقاومة المحتملة من جانب جماعات سياسية ومؤسسات من خلال الفوز بولائهم. وأخيراً، بدأت جماعة الإخوان المسلمين بسياسة تدريجية تتعلق بتعيين أعضائها في مناصب سياسية ووزارية رفيعة ومؤثرة ـ وفي مراكز عليا في الصحف المملوكة للقطاع العام أيضاً. وسيقوم هذا القسم بفك هذه العناصر الثلاثة.
الإقصاء
في المرحلة الأولى من سياسة الإقصاء، استخدمت جماعة الإخوان المسلمين وضع الأغلبية لها في مجلسيْ البرلمان لتشريع قانون العزل السياسي الذي منع مسؤولين سابقين في الدولة من خوض الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية. صاغ الإخوان هذا القانون من أجل منع الحزب الوطني السابق (الحاكم) من القيام بمحاولات لاختراق العملية الانتخابية لاستعادة السلطة السياسية. مع ذلك لقد فشلت هذه المبادرة لأن المحكمة العليا المصرية قضت بعدم دستوريتها.
من خلال أغلبيتهم في مجلس الشورى، اختار الإخوان إذن رؤساء تحرير جدد إضافة إلى رئيس مجلس الصحف المملوكة للقطاع العام. وقال الإخوان أن هذه التغييرات كانت ضرورية لأن الصحافة في مصر الديمقراطية تتطلب أن لا تكون القيادة الجديدة قد شاركت في الفساد أو خضعت لنظام مبارك. في الحقيقة، لقد عكست هذه التغييرات أيضاً صورة 'الفائز يأخذ كل شيء' – ويُعرف عن المعينين الجدد أنهم إما من المتعاطفين مع جماعة الإخوان المسلمين أو من الموالين لمن يكون في السلطة.
بدأت المرحلة الثانية من سياسة الإقصاء في حزيران/ يونيو 2012، عندما أحال النائب العام عبد المجيد محمود 41 ضابط من ضباط أمن الدولة إلى المحكمة الجنائية لمحاكمتهم. واتهم الضباط بتدمير وثائق سرية تعود لجهاز التحقيق في أمن الدولة. وقد شكل هؤلاء الضباط التابعين لأمن الدولة القبضة الحديدية لمبارك ضد الإخوان المسلمين، إضافة إلى امتلاكهم معلومات استخبارية موثوقة بشأن قدرات الإخوان التنظيمية. واعتبرت الخطوة أيضاً بمثابة انتقام من قبل الشرطة العسكرية من ضباط أمن الدولة على الفظائع التي ارتكبوها ضد أعضاء جماعة الإخوان في عهد مبارك.
بعد صرف المجلس الأعلى للقوات المسلحة من العملية السياسية، عين الرئيس مرسي وزير دفاع شاب جديد، هو اللواء عبد الفتاح الأصيصي، ورئيس هيئة أركان شاب هو الجنرال صدقي صبحى. وبدأت القيادة العسكرية الجديدة بدورها بفصل حوالي 70 من كبار القادة العسكريين الذين كانوا يعتبرون موالين للمشير طنطاوي، وأبرزهم مساعدي طنطاوي ومستشاريه المقربين. وبناء على توجيه من رئيس الجمهورية، فصل مجلس الوزراء أيضاً الطبقة القيادية الأولى من وزارات رئيسة: على وجه التحديد، وزارة النفط ،الكهرباء، الطيران المدني، والأوقاف الدينية.
الغاية الانتقائية
في حين تعتبر التغييرات التي قام بها مرسي في أجهزة الدولة الحكومية عدوانية، فإنها لم تواجه مقاومة داخلية من المؤسسات المستهدفة التي احترمت قرارات الرئيس لأنها سمحت للأجيال الجديدة داخل هذه المؤسسات بتولي مناصب قيادية. واعتبرت التغييرات مطلوبة خاصة وأن أيا من القادة المعينين حديثاً لم يأت من خارج هذه المؤسسات.
من ناحية أخرى، لقد استقبلت القوى السياسية الثورية والأحزاب هذه التغييرات بمزيج من التصفيق والشك. فمن جهة، كانت محاربة الفساد داخل مؤسسات الدولة إحدى أهداف الثورة، ومن ناحية أخرى، مهدت هذه التغيرات الطريق لهيمنة الإخوان المسلمين في النظام السياسي المصري.
سعى مرسي لاستمالة القوى السياسية التي قاومت التغيرات التي قام بها بتعيين محمود مكي نائباً له. ومكي قاضي معروف جيدا ومحترم داخل المجتمع القضائي في مصر بسبب معارضته لنظام مبارك. وخلال الفترة الانتقالية، أوكل له مرسي مسؤولية إحداث الإصلاح القضائي وضمان الفصل بين السلطات.
وكجزء آخر من استراتيجية الغاية الانتقائية التي يتبعها، عين مرسي فريق رئاسي من المساعدين والمستشارين الذين يمثلون مجموعة واسعة من القوى السياسية. وضم هؤلاء 21 مساعداً ومستشاراً ـ بمن فيهم نساء، مثقفين، أقباط، صحفيين، أنصار، ورجال الأعمال من مختلف الفئات السياسية الذين شاركوا في الثورة وفي موسم الانتخابات. وكان تعيين هذا الفريق الرئاسي جزءاً من محاولة أوسع لإشراك هؤلاء الأفراد في العملية السياسية وكسب قبولها. ولكن هذه الاستراتيجية أثبتت عدم فاعليتها وبأنها مصطنعة: إذ لم يتشاور مرسي مع فريقه الرئاسي في المسائل الهامة وأبقاهم في الظلام بشأن قراراته. ونتيجة لذلك، وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 استقال أكثر العاملين في الفريق الرئاسي اعتراضاً على إعلانات مرسي الدستورية، وبعد ذلك بوقت قصير، استقال نائب الرئيس مكي أيضاً.
الإدراج
أما العنصر الأخير لاستراتيجية التوطيد لجماعة الإخوان المسلمين فتكمن في إدخال أعضائها إلى مناصب سياسية أساسية ـ أهمها في المؤتمر الدستوري. وأصر الإخوان على ترجمة انتصارهم الانتخابي إلى مقاعد في المؤتمر؛ نتيجة لذلك، أخذ الإخوان الكتلة الأكبر من المقاعد في هذه الهيئة ذات الأهمية الحاسمة. إذ شكلت كتلة الإخوان 22 مقعدا من أصل 100. كما عين مرسي أعضاء من الإخوان في مناصب وزارية هي وزير الشباب، الإعلام، الثقافة، التعليم العالي، الصناعة، الإسكان، الاتصالات السلكية واللاسلكية، العمل، والتجارة الداخلية؛ وعين أربعة من أعضاء جماعة الإخوان ليكونوا بمنصب محافظ لكفر الشيخ، أسيوط، المنيا، والمنوفية. على الرغم من أنه أمر مشروع لحزب سياسي فائز أن يكون منخرطاً بشكل كبير في عمليات صنع السياسات وتنفيذها، من دون ضوابط مؤسساتية ضد الرئيس وفي غياب نظام حزبي قوي، فإن يمكن لاستراتيجية التوطيد للإخوان المسلمين أن تؤدي إلى هيمنة هذه الجماعة على النظام السياسي.
الجانب البشع
في حين أن العملية السياسية لا تزال تتكشف وبينما تتأرجح مصر بين التطورات 'الجيدة' و'السيئة'، فرض الوجه 'القبيح' لمصر نفسه أيضاً على عملية الانتقال السياسي، ما أحدث نقاط ضغط ذات صلة بالدولة المصرية. إن نقاط الضغط هذه تشكل تحدياً لحدود الدولة وقد تدفعها إلى التفكك ببطء وتدريجياً.
اندلعت أربعة مظاهر قبيحة مع سقوط نظام مبارك: صعود الإرهاب، تصاعد العنف الطائفي، ارتفاع الجريمة المنظمة، وبروز العنف الأهلي. هذا لا يعني أن مصر لم تشهد الإرهاب والعنف الطائفي والجريمة المنظمة في ظل نظام مبارك. لقد كانت هذه المشاكل موجودة منذ زمن طويل، ولكن عملية الانتقال السياسي وتفكك وزارة الداخلية مهدا الطريق لهذه المشاكل المزمنة كي تظهر نفسها من دون رادع ومن دون حد أدنى من ضبط النفس حتى.
الإرهاب
مع انهيار قوات الشرطة بعد 28 كانون الثاني/ يناير 2011، هرب حوالي 23710 سجين من 11 سجناً من السجون المصرية الكبرى. من بين هؤلاء المعتقلين كان هناك جهاديون ينتمون إلى عناصر جهادية إرهابية مختلفة ـ اتخذ عدد منهم من جبل الحلال في شمال سيناء ملاذاً لهم. (ويقدر عدد النشطاء الجهاديين الذين اتخذوا سيناء ملاذً لهم ما بين 1600 إلى 6000). بدأ الجهاديون مرة أخرى التنظيم والتجنيد للعمليات الإرهابية. واستمروا في استهداف مراكز الشرطة ،القوات الدولية في سيناء، المباني الحكومية، الجيش المصري، وخط أنابيب الغاز إلى إسرائيل. وشنت القوات المسلحة المصرية وأجهزة الأمن عملية عسكرية في شمال سيناء للقضاء على هذه الشبكات الإرهابية التي نجحت بالفعل بالحط من القدرات التنظيمية الإرهابية، لكن من غير المحتمل أن يتمكنوا من القضاء على وجودهم في سيناء.
على صعيد آخر، أنشأت مجموعتان إرهابيتان جهاديتان كبيرتان حزبين سياسيْين في مصر للمشاركة في العملية السياسية. الأول هو حزب البناء والتنمية، وهو الذراع السياسي للجماعة الإسلامية. وقد حصل هذا الحزب على ثلاثة عشر مقعداً في مجلس الشعب. والثاني هو حزب السلامة والتنمية، ويمثل منظمة الجهاد الإسلامي المصرية، والذي كان ذات مرة بقيادة أيمن الظواهري،الزعيم الحالي لتنظيم القاعدة.
في حين كانت القيادات الحالية لهذه الأحزاب تندد بالعنف قبل بضع سنوات من الثورة، فقد أصبح تنصلهم من العنف في أعقاب الثورة موضع تساؤل. أولاً، لقد تراجع بعض قادتهم عن فتاوى سابقة تحرم استخدام العنف ضد قادة إسلاميين؛ على سبيل المثال، هدد الحزبان، خلال الانتخابات الرئاسية، باستخدام العنف مرة أخرى إذا فاز عمر سليمان، رئيس المخابرات السابق لمبارك، بالرئاسة. ثانياً، لقد طلبوا الحصول على إذن من الدولة للسماح لهم بالانضمام الى الكفاح المسلح ضد نظاميْ القذافي والأسد. كل هذا يشير إلى أن مصر قد تنزلق في موجة أخرى من الإرهاب.
العنف الطائفي
تصاعدت أعمال العنف بين المجتمعين الإسلامي والقبطي مع سقوط نظام مبارك. على سبيل المثال، وفي 4 آذار/ مارس، 2011، هاجمت مجموعة من المصريين المسلمين كنيسة في حلوان بسبب مزاعم حول وجود علاقة بين شاب مسلم وفتاة قبطية، وتسبب الهجوم على الكنيسة في وفاة شخصين. وأدى الحادث إلى اندلاع العنف في مناطق أخرى من القاهرة، بما في ذلك المقطم.
ظلت وتيرة العنف الطائفي تتزايد حتى 9 تشرين أول/ أكتوبر 2011، عندما قامت مجموعة من الأقباط بمظاهرة احتجاج أمام مقر التلفزيون والإذاعة المصرية فى ماسبيرو، مطالبين بحماية الأقباط في مصر. وانفجرت الاحتجاجات التي نشأت رداً على حرق كنيسة قبطية في أسوان في صعيد مصر، إلى أعمال عنف، مما تسبب في وفاة أربعة وعشرين متظاهراً وإصابة أكثر من مائتين من المدنيين.
أصبح تشريد وتهجير الأسر القبطية شكلاً آخر من أشكال العنف الطائفي الذي نشأ في ضواحي المدن في الجيزة والإسكندرية وشمال سيناء في كانون الثاني/ يناير 2013، وداهم مسلمون كنيسة المرشدة في قرية المرشدة في محافظة قنا، كما داهموا المحلات التجارية التي يملكها المصريون الأقباط. واندلعت أعمال العنف بعد اتهامات بأن صاحب محل قبطي قد تحرش بطفلة في السادسة من عمرها في القرية.
الجريمة المنظمة
تمثل زيادة معدلات الجريمة البشعة بعداً آخر للتحول السياسي المصري. فالهاربون من السجون المصرية لم يكونوا من الإرهابيين الجهاديين فقط، بل بينهم مجرمين وبلطجية، ـ وإن عدد المجرمين الذين هربوا من مراكز الشرطة خلال نفس الفترة غير المعروف، حتى للحكومة. وخلال الثورة، تم اشعال النيران في 90 مركز للشرطة واقتحامها من قبل غوغائيين. وللأسف، لقد تم احراق سجلات جنائية في تلك المراكز إلى جانب المباني.
وقد سمح انهيار الأمن الداخلي للمجرمين في مصر أن يعيدوا تنظيم أنفسهم والاستفادة من الفراغ الناتج. وقدمت الجريمة المنظمة أنماطاً جديدة من الجريمة، مثل بيع الأسلحة غير المشروعة. وبدؤوا باستهداف البنية التحتية للدولة مثل الكابلات الكهربائية، والتي كانت إحدى الأسباب الرئيسية لانقطاع التيار الكهربائي التي شهدتها مصر في صيف عام 2012. كل هذه التطورات من المرجح أن تستمر لتمس بذلك بقدرة الدولة على الحفاظ على القانون والنظام، الأمر الذي سوف يؤثر على نوعية التحول السياسي في مصر.
العنف المدني
منذ ثورة يناير كانون الثاني الماضي، شهد المصريون أحداث عنف في حياتهم اليومية بتواتر لم يسبق له مثيل من قبل. وقد دفع الشعور بعدم الثقة في قوة الشرطة المواطنين إلى اللجوء إلى العنف لتسوية النزاعات اليومية. وتذكر الصحف المصرية تقارير منتظمة عن معاقبة الحراس للبلطجية الذين يقومون بأعمال ترهيب لسكان الأحياء أو عن معاقبة الأفراد لسوء السلوك الأخلاقي في الأماكن العامة.
وتتحول الاضطرابات العمالية في كثير من الأحيان أيضاً إلى أعمال عنف. فخلال أسبوعين فقط في أيلول/ سبتمبر 2012، كان هناك عشرون إغلاقاً للطرق السريعة والسكك الحديدية خلال مظاهرات تطالب بالوقود والكهرباء والعمل، أو الزيادات في الأجور.
ويمثل المشجعون المصريون 'المتطرفون' لكرة القدم بعداً آخر لمشكلة العنف الأهلي المتزايد. وقد أصبح المتطرفون قوة قوية في المظاهرات السياسية. لقد طوروا المهارات التنظيمية، وأصبحوا صاخبين للغاية فيما يتعلق بالقضايا السياسية خاصة بعد مجزرة استاد بورسعيد في 1 شباط/ فبراير 2012، التي قضت على 74 شخصاًن مشجعي فريق الأهلي لكرة القدم.
وفي حادث متصل يدل على تزايد اللجوء إلى العنف في مصر، إندلعت الاحتجاجات في وقت واحد في مدن قناة السويس الثلاث للاعتراض على احكام الاعدام التي اصدرتها المحكمة الجنائية ضد 21 متهماً في قضية المحاكمة الناتجة عن مجزرة أستاد بورسعيد. ونتج عن أعمال الشغب التي تلت في مدينة بور سعيد في 26-27 كانون الثاني/ يناير 2013، مقتل 53 شخصاً. ونظم المتطرفون من نادي المصري لكرة القدك في بور سعيد في 20 شباط/ فبراير عصياناً مدنياً في المدينة للتعبير عن معارضتهم لقرار المحكمة وكذلك لفرض الرئيس حظر التجول على المدينة.
التحدي الأمني
إن كل الجوانب القبيحة المذكورة أعلاه تتطلب استجابة سريعة من الدولة ـ لكن لا يزال هناك ثلاث عقبات في الطريق لتحقيق استجابة فعالة. العقبة الأولى هو الخلاف العالق بين مختلف القوى السياسية حول طبيعة قوة الشرطة في الجمهورية الثانية. فالمجموعات الثورية تقول بأن الثورة كانت في جزء منها رداً على الفساد ووحشية الشرطة؛ وتطالب هذه الجماعات بقوة شرطة جديدة تحترم حقوق الإنسان. مع ذلك، وبعد انتخاب مرسي، سقط موضوع إصلاح الشرطة من جدول أعماله لأنه أعطى الأولوية لوعد آخر: استعادة الأمن في المائة يوم الأولى في منصبه.
العائق الثاني هو أنه سيكون على الرئيس مرسي القضاء على الجماعات الجهادية الاسلامية لمنعها من تدبير هجمات إرهابية، وخاصة في سيناء ـ وهذه التدابير قد تلهم الجماعات الجهادية للقيام بهجمات مضادة ضد الدولة.
وتكمن العقبة الثالثة في قوة الشرطة المصرية نفسها، التي كانت تعمل بموجب قانون الطوارئ لأكثر من ثلاثين عاما. ومع إلغائه، قد لا تكون قوة الشرطة جاهزة للانتقال. فقد فقدت قوة الشرطة روحها المعنوية بعد انهيار نظام مبارك. وألقت القوى السياسية المصرية باللوم على وزارة الداخلية على كل اخفاقات نظام مبارك، وبالتالي فقدت قوة الشرطة مصداقيتها واحترامها من قبل المصريين. نتيجة لذلك، أصبحت الشرطة المصرية مترددة في إعادة الأمن وأقل استعداداً للتعاون مع النظام السياسي الجديد.
ملاحظة أخيرة
إن توقع مستقبل مصر صعب جداً، لأن التطورات السياسية المختلفة المذكورة هنا يمكن أن تؤدي إلى نتائج مختلفة جداً. فالتطورات الإيجابية التي قمنا بوصفها قد تضع مصر بالفعل على طريق الديمقراطية؛ أما التطورات السلبية فقد تترك مصر بظل هيمنة حزب واحد لفترة طويلة من الزمن. وأخيرا، إن الحقائق البشعة والتي تم تفصيلها هنا قد تجعل الفوضى في مصر تمتد لفترة أطول من الزمن، الأمر الذي قد يتسبب في تفكك وظائف الدولة في أجزاء مختلفة من الجمهورية.
كيف يمكن للجوانب ' الجيدة'، 'السيئة'، و 'البشعة' للتحول السياسي في مصر أن تستمر في التطور، وماهو الذي قد يثبت وزنها ذي الصلة بينما يتكشف مستقبل مصر؟ هل ستنجو التطورات الإيجابية في العملية الانتقالية لمصر من الضغوط التي تفرضها التطورات السلبية، إلى جانب مختلف أشكال الإرهاب والعنف التي تشكل حتى الآن بعداً هاماً من هذا التحول؟ أم أن التقدم نحو الديمقراطية في مصر سيعاني من نكسة بسبب رد فعل صادر عن توجه لشكل جديد من أشكال الاستبداد والغرق في مزيد من التصعيد لحالة العنف؟ الزمن فقط هو من سيخبرنا بذلك.