بينيديتا بيرتي
كاميرون س. براون
INSS ) INSS Insight No. 352)
5 تموز، 2012
عقب إسقاط طائرة الاستطلاع التركية مؤخراً بواسطة مضادات الطائرات السورية، يناقش المجتمع الدولي مجدداً، هذه المرة من خلال الناتو، مسار العمل الواجب اتخاذه بما يتعلق بسوريا. ففي الأسابيع الماضية، أصبحت الأزمة السورية أكثر شدة وعنفاً وإقليمية، ما رفع بدوره مستوى الاهتمام الدولي في إيجاد طريقة لوقف حمام الدم وإنهاء الأزمة.
في كل الأحوال، لقد أخفقت جهود المجتمع الدولي بذلك حتى الآن. فالمبادرات التي أطلقتها تركيا، والجامعة العربية، وكوفي أنان فشلت كلها في وضع حد للحرب الأهلية. على العكس من ذلك، لقد تضاعف عدد الضحايا بعدما انضم النظام السوري، ظاهرياً، إلى خطة السلام التي اطلقتها الجامعة العربية في تشرين الثاني. وبشكل مماثل، لقد تم ارتكاب أشد الأعمال وحشية منذ بدء الثورة بعد دخول خطة عنان المؤلفة من 6 نقاط حيز التنفيذ.
إن هذه المحاولات الفاشلة في سعيها لوضع حد سلمي لسفك الدماء المروع يشير إلى عدم احتمال نجاح كل الجهود للحصول على حل متفاوض عليه للصراع في المستقبل القريب. وبصورة محددة أكثر، ونظرا ً لما سوف يخسره كل فريق لو اعترف بالهزيمة، فإن احتمال تحقيق حل ديبلوماسي بحت هو احتمال قاتم بشكل غير عادي. هذا ما يبدو عليه الحال حتى ولو اقتنع بشار الأسد بالذهاب إلى المنفى. بدلاً من ذلك، من المرجح أن تنتهي الثورة السورية بإحدى طريقتين: إما أن يقمع أحد الفريقين الآخر بشكل كامل، وإما أن تفرض جهات فاعلة خارجية نهاية للمذبحة وتشرف على عملية انتقال سياسية.
لماذا فشل صناع السلام في مهمتهم؟
لا يزال النظام متجانساً إلى حد كبير ومصمماً على سحق المعارضة، برغم الانشقاقات الجارية في الجيش. وإلى جانب دعم معظم العلويين، فقد رعى النظام دعم مجموعات الأقليات الأخرى، كالمسيحيين، الذين امتنعوا حتى الآن، عن المشاركة في التظاهرات. فضلاً عن ذلك، وبما يتخطى السياسات الإثنية، ضمن الأسد حكمه عن طريق ابتكار نظام معقد مبني على الولاء الشخصي، والامتيازات، والزبائنية. نتيجة لذلك، هناك عدد كبير من السنة حتى ممن يعيشون في المدن الحديثة كدمشق وحلب يدعمون النظام، أو يستفيدون بشكل كبير منه، وبذلك فإنهم سيتعرضون للخسارة لو انهار نظام الأسد.
في الجانب الآخر هناك الأكثرية السنية في البلد، خاصة الفقراء في الأرياف، الذين كانوا لعقود تواقين لرؤية نهاية لطغيان الأسد. والآن وقد أصبحت المعارضة قادرة أخيراً على تنسيق تظاهراتها والخروج بشكل جماعي، فإن الأمر سيتطلب مقداراً استثنائياً من القوة لإقناعهم بإنهاء الثورة. فهم، كنظرائهم الليبيين، يعلمون تماماً بأنهم إذا ما وضعوا حداً للتظاهرات، حتى ولو لوقت قصير، فإن النظام لن يألو جهداً باصطياد قياداتها ومنع أية محاولة لإحياء التظاهرات لاحقاً. إنهم يدركون أنه إذا ما فشلت المعارضة الآن، فستمر عقود قبل أن تسنح فرصة أخرى لذلك.
لذا فإن السبب في فشل الديبلوماسية لهذا الحد بتحقيق تسوية سلمية لا يعود فقط إلى أن كلا الفريقين قد وصلا إلى طريق مسدود ولأنهما يعتبران أن الصراع أمر يماثل تساوي المكسب والخسارة، وإنما لأن أياً من الفريقين لا يثق بأن خصمه سيرقى إلى مستوى غايته بأية مساومة موضوعية.
في نفس الوقت، بدأ الصراع السوري يصبح أكثر إقليمية، مع لعب قوى خارجية دوراً متزايداً أكثر من أي وقت مضى. فإيران تساند نظام الأسد وتدعمه بقوة، في حين أن دولاً سنية إقليمية في الخليج كالسعودية وقطر كانت تدعم وتسلح المعارضة. وهذا بدوره، لم يؤد إلا إلى صب المزيد من الزيت على نار المذهبية الداخلية. باختصار، لقد أصبحت سوريا ساحة معركة بديلة لهاتين القوتين الإقليميتين، حيث إنهما منخرطتان في نزاع لأجل النفوذ على الشرق الأوسط، تماماً كما كان الحال في لبنان خلال حربه الأهلية الطويلة ما بين عامي 1975 و1990.
نظراً للاستقطاب البالغ للمجتمع السوري، المنقسم بين أولئك الذين يمسكون بزمام البلد حتى اليوم وبين أولئك الذين يتحدون توزيع السلطة الحالي، فمن غير المرجح أن يقود مجرد استسلام الأسد الفريقين المتحاربين إلى إلقاء أسلحتهم والموافقة على صيغة مرضية لهما معاً بتقاسم السلطة.
الطريق إلى الأمام؟
ومع وجود عوائق متأصلة كبرى كهذه مزعزعة للثقة بين الجانبين، سيكون على الجهود الدولية المبذولة لإنهاء القتال أن تقدم للفريقين ما هو أكثر من الجزرة والعصا لحملهم على التفاوض والتوصل لاتفاق. ينبغي لهذه الجهود أن تشتمل على ضمانات أمنية لكل فريق من الفريقين.
إن الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح تكون في إقناع المجتمع الدولي الغربي المساند للأسد، كالصين وروسيا، بتحويل أشرعته للمساعدة على الإطاحة بالرئيس السوري. وهذا بدوره، سيزيل عائقاً أساسياً منع النظام البعثي والمعارضة من الجلوس والتفاوض معاً.
في كل الأحوال، إن إزاحة الأسد لن يكون سوى الخطوة الأولى في سلسلة خطوات ضرورية لإنهاء الحرب الأهلية. فحتى بعد استسلام الأسد، سيكون هناك حاجة، على الأرجح، لأن يعتمد الحل السياسي الناجح على انخراط فريق ثالث لتعزيز السلام إضافة إلى توفير ضمانات متينة لجهة ألا يتم انتهاك الهدنة مستقبلاً ولعدم السماح بعمليات الثأر والانتقام.
بمعنى آخر، وكي ينجح الحل السياسي للأزمة في منع حصول كارثة إنسانية، سيكون من الصعب تجنب انخراط فريق ثالث أساسي في العملية. قد يكون الناتو قادراً على استخدام سلاح الجو وحده لإزاحة الأسد من السلطة، لكن عمق الدعم للنظام الحالي هو أكبر بكثير من قاعدة الدعم التي أبقت القذافي. نتيجة لذلك، لا يمكن لسلاح الجو وحده إنهاء حمام الدم في المدى الطويل. وكما أثبت 'اتفاق دايتون' في البوسنة وحتى حيث يكون سلاح الجو حاسماً في إنهاء القتال نفسه، فإن التوصل إلى اتفاق ملزم أمر يتطلب وجود قوات عسكرية على الأرض تحت غطاء الناتو أو الأمم المتحدة لتوفير ضمانات أمنية متبادلة موثوقة.
وفي الوقت الذي يناقش فيه الناتو مجدداً الأزمة السورية، من المهم بالنسبة للمجتمع الدولي أن يتذكر هشاشة الوضع الحالي والتحديات التي سيواجهها أي تدخل مباشر. إذ ينبغي، تحديداً، ونظراً للاستقطاب الحالي للشعب السوري، أن يكون هناك فهم واضح لمسألة هي أن إزاحة الأسد خطوة ضرورية، لكنها غير كافية وحدها لإنهاء حمام الدم.