قراءات سياسية » العدوان الصهيوني على لبنان بين النصر والهزيمة

يحيى دايخ

لطالما كان جبل عامل صخرةً تتحطم عليها أمواج الغراة والمحتلين من العثمانيين إلى الفرنسيين وصولاً إلى الكيان السرطاني المزوع في قلب أمتنا العربية.

لقد شنت الغدة السرطانية إسرائيل عدة حروب على لبنان من العام ١٩٤٧ وصولاً إلى العام ١٩٨٢ حيث إحتلت جزءً من أرض الجنوب سمي “بالشريط المحتل”، وبسواعد رجال المقاومة الإسلامية والوطنية استطاعوا دحر الاحتلال وهزيمته حتى انسحب خاسئًأ سنة ٢٠٠٠ دون قيد او شرط حيث كانت أول هزيمة فعلية له منذ تأسيسه.

لم يستطع العدو الإسرائيلي نسيان الخزي والعار الذي أُلحق به على يد المقاومة الإسلامية من جهة، ولا الأطماع العقائدية التوراتية له في أرض جبل عامل (إسرائيل الكبرى) من جهة أخرى، فشن عدوانه الثاني في تموز ٢٠٠٦ (حرب ال ٣٣ يوم) والتي انتهت بالهزيمة النكراء بإعترافه هو (تقرير فينوغراد) فكان “النصر الالهي”.

السابع من تشرين الأول سنة ٢٠٢٣ هذا التاريخ كان مفصلاً في إظهار هشاشة ووهم كيان العدو أجهزته الأمنية والعسكرية.

في الثامن من تشرين الأول اتخذت المقاومة الإسلامية في لبنان قرارها بالقيام بعمليات عسكرية ضد العدو الصهيوني في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلتين إسناداً للمقاومة الفلسطينية بعد أن شن العدو هجوماً بربرياً على قطاع غزة ومدينة رفح وبعد أن دعى وزير حربه آن ذاك يوآف غالنت بالقيام بعملية عسكرية ضد لبنان، حيث رد العدو على عمليات المقاومة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة بهجمات ضد القرى والبلدات الآمنة، الذي جعل المقاومة ترد عليه في الشمال الفلسطيني المحتل.

وسع العدو من إعتداءاته على لبنان مما أجبر المقاومة على توسيع الهجمات وفق المعايير الحربية ومقابل المديات التي عمل عليها العدو، حتى تاريخ ما عرف بإعتداءات البيجرات والأجهزة اللاسلكية وأغتيال قادة المقاومة وصولاً إلى إغتيال سماحة الأمين العام شهيد الأمة الأقدس السيد حسن نصرالله وسماحة الشهيد السيد هاشم صفي الدين رضوان الله عليهم اجمعين.

حينها إتخذت الحرب شكلها الموسع على كافة الأراضي اللبنانية، حيث وضع العدو أهدافها الإستراتيجية على لسان رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو وزراء آخرين التي تمثلت بالتالي:

إقامة شرق أوسط جديد (جغرافياً وجيوسياسياً) والذي فشل عام ٢٠٠٦ .

القضاء على حزب الله وتدمير كل بناه العسكرية والاجتماعية والاقتصادية والاعلامية ومحاصرته وأخذ لبنان إلى مشروع سياسي جديد بعد القضاء على الحزب.

إقامة حزام أمني يمتد الى ما وراء الليطاني وأقله ١٠ كيلو مترات وإنهاء القدرة الصاروخية لحزب الله وتأمين المستوطنات الشمالية.
إعادة مستوطني الشمال بالقوة.

ضرب مشروع المقاومة في لبنان وإفقاد الثقة فيها وتأليب بيئتها عليها والمجتمع اللبناني كله بعد تدمير بيوتهم وأرزاقهم.

“هل نجح العدو في تحقيق هذه الأهداف الإستراتيجية ؟”

كل الأهداف الإسرائيلية الإستراتيجة التي أعلن عنها نتنياهو وجوقته، سقطت على أعتاب قرى وبلدات ومدن الجنوب مثل الخيام وكفركلا وعديسة وشمع والبياضة والناقورة وغيرها من القرى اللبنانية، بفعل رجال ذوي بأس صامدين فرضوا على العدو الإسرائيلي أن يزحف طالباً وقف إطلاق النار.

لم يتحقق من الأهداف الإسرائيلية إلا التدمير الأبنية والمنشآت وقتل المدنيين العزل من أطفال ونساء وشيوخ ومحاولات بث الفتنة والفوضى بين فئات المجتمع اللبناني وبين البيئة الحاضنة والبيئة الناصرة.

في المقابل ركزت المقاومة على المنشآت العسكرية للعدو من قواعد ومعسكرات وبنى تحتية للتصنيع العسكري وكل عملياتها تمت من منطقة جنوب الليطاني حصراً.

فقطعان جيش العدو وبكل التكنولوجيا التي يملكها، وكل التكنولوجيا والتقنيات والامكانات والوسائل التي سخرت له من أمريكا والدول الغربية فشل في وقف عمليات المقاومة جنوب الليطاني.

من الدلائل على فشل العدو في تحقيق أهدافه تصريحات نخبه السياسية والإعلامية وإعترافاتهم بالهزيمة يمكن إيجازها بالتالي:

وسائل اعلام العدو: “إسرائيل في طريقها إلى اتفاق استسلام في الشمال (جنوب لبنان)”
زعيم المعارضة الاسرائيلية لابيد:  “أي اتفاق مع حـ.ـزب اللـ.ـه لن يمحو العار الحكومة الإسرائـ.ـيلية انجرت إلى وقف إطلاق النار”

استطلاع القناة 13:

61% “من الإسرائيليين يعتقدون أن إسرائيل لم تنتصر على حزب الله”

وزير امن العدو بن غفير‏:  “اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان هو خطأ تاريخي ولن يعيد، سكان الشمال الى منازلهم”

القناة 12 العبرية :

 “نتنياهو لم يتحدث في خطابه عن القضاء على حزب الله”

نتنياهو لرؤساء السلطات المحلية في  الشمال:

“لن يعود أحد لمنزله حاليا حتى نرى التزام الطرف الآخر بالاتفاق”

ميراف ميخائيلي:

 “كلام  نتنياهو كثير، وفي النهاية لا زال 101 أسيرا في غزة إن الاتفاق الجيد هو الاتفاق الذي يعيد الأسرى”

لابيد: “الحكومة الإسرائيلية انجرت إلى وقف إطلاق النار وفشلت في تحويل انتصارات عسكرية إلى إنجازات سياسية”

بن غفير: “الاتفاق خطأ تاريخي وهو عودة إلى مفهوم الصمت مقابل الصمت”

الخبير الأمني والاستراتيجي الإسرائيلي، عوفر شيلح:

“قرار عدم مواصلة شن عملية عسكرية في جميع أنحاء لبنان فرضته محدودية قدرات الجيش الإسرائيلي وغياب الشرعية الدولية..”

أما نتنياهو عبر حرفيا بالتالي:

“اتفاق وقف إطلاق النار ليس مثاليا، لكن هناك خطرا حقيقيا من أن تفرض علينا الولايات المتحدة في مجلس الأمن قرارا أحاديا بوقف الحرب، في حين أنه من ناحية ستكون هناك عقوبات ضدنا إذا لم نتوقف.”

“ومن ناحية أخرى لن تكون لنا حرية التصرف في حالة حدوث مخالفة.”

“إذا حدث ذلك فسنحصل على وقف لإطلاق النار وعدم التوصل إلى اتفاق، فإذا كان من الممكن تأجيل النهاية لمدة شهرين ولدينا التزام أميركي لمهاجمة أي خرق، فهذا بالتأكيد أفضل من البديل.”

“الحدود الجغرافية للإتفاق”

إن الاتفاق محصور بمنطقة جنوب الليطاني، إذ لا يوجد أي ذِكر لمناطق شمال النهر، باستثناء الحديث عن انتشار الجيش اللبناني على المعابر (علماً بأن الجيش اللبناني موجود).

“القرار ١٥٥٩”

كل ما قيل سابقاً عن اتفاق على نزع سلاح الحزب أو تفكيك ترسانته خارج جنوب الليطاني، لا وجود له في الاتفاق، لا تصريحاً ولا تلميحا.

“الصلاحيات الأمنية”

لا يأتي الاتفاق على ذِكر أي دور للقوات الدولية (اليونيفيل) بما يخص الصلاحية الأمنية في جنوب لبنان، بل يحصر الأمر بالجيش اللبناني بالتنسيق مع اليونيفل.

“دور اللجنة الخماسية في الاتفاق”

أما اللجنة الخماسية التي تتلقى شكاوى خرق الاتفاق هي نسخة معدلة من لجنة مراقبة اتفاق نيسان ١٩٩٦، ونسخة مزيدة من اللجنة الثلاثية التي نشأت بعد العام ٢٠٠٦.

“إتجاه العدو نحو الاتفاق”

عندما أبلغ العدو الولايات المتحدة برغبته بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، كانت عمليته البرية قد وصلت إلى مداها الأقصى وفشلت، بعد شهرين من صمود المقاومة وعدم استطاعة جيش العدو من الاستقرار في مواضعه.

إن الأداء الأسطوري لرجال المقاومة هو ما دفع بالعدو إلى اختيار وقف الحرب، وهو ما جعل السقف الإسرائيلي في الاتفاق منخفضاً، مقارنة بما أُعلِن عنه في الأسابيع الماضية.

“النتيجة”

قد يستطيع العدو بث الخوف والرعب في قلوب المدنيين لكن إلتفافهم على المقاومة وإحتضانهم لها وصبرهم على الشدة، ساعد قيادة المقاومة في إتخاذ قرارها الواضح بالمواجهة والثبات الى أقصى حد وبالتالي تحقيق الانتصار

كما أن الجيش اللبناني موجود بين أهله في جنوب لبنان والجنوبيون حريصون على الجيش وتماسكه وذلك لأن دماء ضباط وجنود الجيش اللبناني الذين استشهدوا في كل حروب المقاومة مع العدو المجرم امتزجت بدماء رجال المقاومة على ارض الجنوب.

“الخلاصة”

١- إن الوحدة بين فئات المجتمع اللبناني والتي تجلت في مساعدة وإيواء وإحتضان إخوانهم من المعتدى عليهم، يجب المحافظة عليها والعمل على استدامتها.

٢- على الدولة بكافة أجهزتها وإدارتها الحذر من غدر العدو الذي لا يؤتمن.

٣- على جيشنا الوطني أن لا تكون مهمته حارسا لحدود العدو وإن يدافع عن مواطنيه ضد إي إعتداء، فهذا ما نعرفه عن بسالة وإقدام ضباط وجنود جيشنا.

٤- على السلطة التشريعية في لبنان إصدار قوانين وتشريعات واضحة وجلية ضد من يروج ويحث ويبث ويعمل على الفتنة داخل البلاد.

٥-على السلطة التنفيذية تنفيذ القوانين بالتعاون مع القضاء ضد من عمل بالبند الرابع أعلاه .

وأخيراً لقد وهب الله هذا النصر لفئة خاصة من اللبنانيين، فمبروك لشعب المقاومة من البيئة الحاضنة والناصرة والتي مدت يد العون والذي أيد وآوى.

مبروك لكل لبناني شريف وطني. 

مبروك لكل من ساند ووقف وتعب  في خدمة إخوانه المهجرين قسراً

الرحمة والرضوان والمجد والخلود والعز والشرف لشهدائنا، والشفاء لجرحانا.

“هنيئًا هذا النصر من الله.”

“قطعاً إنتصرنا”

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد البشري


موقع الخدمات البحثية