(جورج حداد - كاتب مستقل)
ان "الطابور الخامس اللبناني" هو فصيل محلي من الجيش العالمي التابع للمعسكر الامبريالي الغربي ــ اليهودي الذي تخضع له الانظمة والاحزاب والتيارات والجماعات العميلة، "المسيحية!" و"الاسلامية!" و"الليبيرالية!" و"العلمانية!" و"الاصلاحية!" و"التغييرية!" و"الوطنية ــ القطرية!"، و"العربية!"، "المنفتحة" و"الانعزالية"، في جميع البلدان العربية!
والابواق الاعلامية لهذا الطابور، من قادة حزبيين، ونشطاء اجتماعيين وسياسيين، ونواب ووزراء، ورجال دين، واعلاميين، وكتاب، ومثقفين واساتذة جامعيين الخ. ليسوا الا قطعا من آلة البروباغندا (للتضليل والتزوير والتشويه و"غسل الادمغة" و"صناعة الرأي العام")، التي هي جزء من آلة التجسس والمخابرات والحرب النفسية، التي هي بدورها جزء اساسي من آلة الحرب الامبريالية ــ اليهودية، العالمية، التي تقود الجيوش البرية والبحرية والجوية والفضائية، الكلاسيكية والنووية و"العلمية" واسلحة الدمار الشامل الاخرى.
وعليه، فإن اي تصريح لاي زعيم او "رجل دين!" او ناشط سياسي او اجتماعي او اعلامي الخ. ضمن جوقة الحملة المخططة ضد المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعربية والاسلامية، ليس هو "تعبير عن رأي" او "وجهة نظر"، بل هو "قذيفة حربية فكرية" مثلها مثل الصواريخ المجنحة وقنابل الالف رطل انكليزي، الاميركية، التي يمزق بها جيش "شعب الله المختار" اليهودي (الاسرائيلي)، وحلفاؤه من "العرب"، اجساد الاطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين والعراقيين وغيرهم.
وتجهد ابواق الطابور الخامس، لتضمين و"إخفاء" قذائفها تحت شعارات ومفاهيم سياسية تبدو في الظاهر "بريئة" مثل: "السيادية" و"الاستقلالية" و"الوحدة الوطنية" و"الوفاق الوطني" و"الامن والاستقرار" و"الازدهار" و"ثقافة الحياة"، و"عدم التبعبة لايران"، و"عدم الانفصال عن الدول العربية "الصديقة للبنان" (= الموالية للغرب)، و"عدم الانفصال عن الحضارة الغربية"، و"الشرعية الدولية"، و"الفيديرالية"، وحصر السلاح بـ"الدولة اللبنانية!" و"الجيش اللبناني!" الخ.الخ.
وفي هذا المناخ التضليلي والتشويشي الضبابي، الذي تصطنعه ابواق الطابور الخامس، التي تقودها داخليا بشكل خاص ما جرت تسميته في لبنان: المارونية السياسية، وتقودها من الخارج: الامبريالية واليهودية العالمية وقاعدتهما الاقليمية "دولة اسرائيل"، يتوجب على المثقفين الوطنيين والتقدميين والثوريين الشرفاء، الملتزمين بخط المقاومة والداعمين لها، فضح وتقويض اسس هذه "الثقافة السياسية" العميلة، التي تبنى عليها كل بروباغندا الطابور الخامس اللبناني، وعلى رأسه المارونية السياسية، انطلاقا من فضح وتعرية "تاريخ" هذا الطابور الخامس، الذي يتم حثو التراب فوقه وتناسيه، كأنه لم يكن. ولكن الوقائع التاريخية تقول ان الحملات الحالية لابواق الطابور االخامس والمارونية السياسية، ليست "بنت اليوم"، وان الطابور الخامس والمارونية السياسية يتابعان ويستكملان ماضيهما "الوطني اللبناني المجيد!". وفي هذا الصدد نكتفي بايراد الوقائع التالية:
في التعريف:
ومن اجل فهم طبيعة الصراع الفلسطيني ــ العربي مع اسرائيل والصهيونية واليهودية العالمية، وكذلك فهم طبيعة الصراع الداخلي اللبناني بين جبهة المقاومة ومختلف القوى الداعمة لها، وجبهة "الطابور الخامس اللبناني"، الموالي للغرب الامبريالي والصهيونية واليهودية واسرائيل، الذي تقوده "المارونية السياسية" اللبنانية، ــ لاجل ذلك كله يتوجب على جميع القوى الوطنية وعلى رأسها المقاومة الاسلامية بقيادة "حزب الله"، العمل لاجل التحديد العلمي للمفاهيم الحقيقية لتعريفات: اليهودية والصهيونية، والمارونية السياسية.
ولهذه الغاية نطرح للنقاش النقاط التالية:
اولا ــ عن اليهودية الصهيونية:
ـــ فيما يخص اليهودية، والصهيونية، ينبغي الادراك انه توجد في الظاهرة العامة لليهودية اربع "شخصيات" او حالات substance ، متداخلة ومتشابكة، الا انها تختلف تماما عن بعضها البعض: طبقيا، وسياسيا، واتنيا "قوميا!"، ودينيا "توراتيا". وهذه "الحالات" هي:
ــ1ــ الطغمة المالية ــ الدينية ــ السياسية اليهودية العليا، العالمية؛ وهي التي تعود نشأتها الاولى، وتزعمها العصابات المنضوية تحت لواء ما يسمى "الديانة اليهودية" و"الشعب اليهودي"، ــ تعود الى معركة تدمير الغزاة المتوحشين الرومان لقرطاجة في 146ق.م، التي انطوت فيها صفحة "النظام المشاعي البدائي" القديم، ذي المسحة "الانسانية"، والتي ابيد فيها ذبحا وحرقا بالنار نصف السكان (الذي تقدره مراجع تاريخية بـ700 الف نسمة)، اما النصف الاخر من الفرطاجيين الذين وقعوا في الاسر، فقد "اشتراهم" النخاسون (تجار العبيد) اليهود من الجيش الروماني بـ"سعر الجملة"، ثم حولوهم الى جوارٍ وعبيد وباعوهم بـ"اسعار المفرق او التجزئة" الى النبلاء الرومان وغيرهم؛ اما العجزة والضعفاء والمعاقون والمرضى فباعوهم الى الاغنياء كـ"لحوم" لإطعام الحيوانات المفترسة التي كانوا يقنونها متباهين.
وقد جنى التجار اليهود من هذه الصفقة ارباحا اسطورية وجبالا من الذهب، كانت هي "الرأسمال الاولي"، الذي بنت عليه الطغمة المالية ــ الدينية ــ السياسية اليهودية العليا دورها المركزي في قيادة جميع العصابات اليهودية، وفي شق الطريق للعلاقات الرأسمالية داخل النظام العبودي ــ العنصري القديم، ثم النظام الاقطاعي ــ الاقناني في العصور الوسطى، واخيرا في النظام الرأسمالي ــ الامبريالي المعاصر.
ــ2ــ دولة "اسرائيل"؛ وهي التي وجدت بفعل تضافر: المصالح وسياسة التوسع الاستعماري للامبريالية العالمية؛ والنزعة الصهيونية الشوفينية، بكل توجهاتها ومفاهيمها "اليسارية" واليمينية، "العلمانية" والدينية. وبموجب هذه المفاهيم يتألف "شعب" هذه الدولة اولاً من اليهود، الدينيين واللادينيين، ومن ثَمَّ من كل مقيم على "ارض اسرائيل"، من غير اليهود دينيا وعرقيا، اي بمن فيهم السكان الاصليين للاراضي المحتلة، الذين يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية وما دون، على غرار ما كانت تعامل جماهير البلدان المستعمَرة في زمن الاستعمار الكلاسيكي القديم.
ــ3ــ التيار الصهيوني "القومي" و"العلماني"؛ وهو الذي يقول بأن اليهود، مؤمنين دينيا او لادينيين، هم "قومية" لها لغتها وتاريخها وثقافتها الخاصة (التي تدخل فيها الديانة اليهودية الخاصة)، وان هذه "القومية اليهودية" أُبعدت في الماضي عن "ارضها القومية"، بالقوة، وانها في الزمن الراهن تقاتل لاستعادة "حقها التاريخي" في هذه الارض.
ــ4ــ التيار الصهيوني الديني "التوراتي"؛ وهو الذي يصنف البشر الى صنفين: اليهود، او ما يسمى دينيا "شعب اسرائيل"، ويطلق عليهم هذا التيار صفة "البشر الحقيقيين" او "شعب الله المختار"، الذي ينبغي ان يخضع له كل البشر الاخرين، الذين يسميهم هذا التيار "الغوييم"، ويقصد بهذا التعبير انهم "اشباه بشر" او "حيوانات ناطقة" خلقها الله (يهوه اليهودي) لخدمة "شعبه المختار" (اي اليهود). ويرى انصار هذا التيار ان "قيمة" كل امة او شعب او اتنية او ابناء اية ديانة اخرى، تقاس بمقدار نفعهم لليهود وخدمتهم لهم، ومن ثَمَّ ان كل من يعادي اليهود يعتبر عدوا لله، ويجب ابادته كما تباد الحيوانات والحشرات الضارة. كما يرى انصار هذا التيار ان الله وهب اليهود "ارض الميعاد" (من النهر الى البحر، او من النيل الى الفرات، حسب مختلف الاجتهادات: "الربانية" التوراتية، او السياسية "القومية" الصهيونية)؛ وبالتالي فان كل الفلسطينيين واللبنانيين والمصريين والسوريين والاردنيين والعراقيين هم "دخلاء" و"مغتصبون" للارض التي أوقفها الله لليهود، ويجب معاقبتهم اشد العقاب، لاغتصابهم "ارض الرب!"، وطردهم وابادتهم.
وكل الحالات substances سالفة الذكر تدخل ضمن مفهوم اليهودية الصهيونية، التي يقودها مركزان رئيسيان:
الاول والاهم ــ الكتلة المالية اليهودية العليا التي تتخذ من اميركا مقرا لها في المرحلة التاريخية الراهنة. ويعمل هذا المركز لفرض الهيمنة اليهودية على العالم اجمع، بالارتكاز على العامل المالي، المتمثل في الهيمنة على الدورة المالية ــ التجارية ــ الاقتصادية للنظام الرأسمالي ــ الامبريالي العالمي.
والمركز الثاني ــ هو السلطة الفعلية الحاكمة في دولة اسرائيل، والقائمة بالدرجة الاولى على الجيش والاجهزة الامنية والمخابراتية والمستوطنين المسلحين. ويعمل هذا المركز لفرض الهيمنة اليهودية على العالم، بالارتكاز على العامل الجغرافي، المتمثل في الحروب التوسعية والاحتلال والسيطرة على الاراضي العربية المغتصبة، الفلسطينية والعربية الاخرى. وهو يعمل على توسيع رقعة الاحتلال باستمرار، توصلا الى تأسيس ما يسمى "اسرائيل الكبرى" كهدف نهائي. وتتأتى اهمية هذا العامل الجغرافي والدور الذي تلعبه اسرائيل في المنظومة الامبريالية ــ اليهودية، العالمية، من ان هذه الرقعة الجغرافية التي يجري الصراع فيها وعليها، والتي تقع في شرق وجنوب حوض البحر الابيض المتوسط، وفي غرب اسيا وافريقيا الشمالية، انما تتوسط العالم منذ القدم الى اليوم، حيث انها تقع بين القارات الرئيسية الثلاث، آسيا واوروبا وافريقيا، كما بين المحيطين الاكبرين، الاطلسي والهندي، بكل ما لذلك من اهمية استثنائية: تجاريا واقتصاديا وحضاريا وسياسيا وعسكريا، لجميع دول العالم بدون استثناء، بما في ذلك دول اوقيانوسيا (اوستراليا ومحيطها) واميركا الشمالية والجنوبية.
ثانيا ــ عن المارونية السياسية:
اما فيما يخص المارونية السياسية، فينبغي اولا التمييز بين ثلاثة مفاهيم او تعريفات هي:
ــ آ ــ الطائفة المارونية الكريمة؛ وهي تشمل كل من وُلد "مارونيا" اي في عائلة مارونية الانتماء المذهبي، بصرف النظرعن الايمان الديني او عدمه على المستوى الفكري ــ اللاهوتي ــ الايماني الشخصي.
ــ ب ــ الطائفية المارونية؛ اي التعصب الفئوي السياسي ــ المصلحي ــ الاستئثاري الخ. للمنتمين للطائفة المارونية، والمتعصبين لها، والسعي لتأمين مصالحهم وتعزيز مكانتهم اكثر من المنتمين للطوائف الاخرى التي يتألف منها المجتمع، او على حسابها.
ــ ج ــ المارونية السياسية؛ التي لا علاقة لها بالدين من زاوية النظر الايمانية ــ اللاهوتية، ولا علاقة لها بالطائفة المارونية كجماعة انسانية؛ بل هي توجه سياسي لهيئات او تكتلات او احزاب او شخصيات، دينية او طبقية او حزبية، مارونية المنشأ، تدعي ان هذا التوجه يمثل الطائفة المارونية، ولكن في الواقع فإن هذا التوجه يمثل فقط رأي وموقف ومصلحة تلك الهيئات او الاحزاب او الشخصيات، والجهات الاجنبية التي ترتبط بها.
وفي هذه الحالة فإن آراء ومواقف المارونية السياسية لا تمثل الطائفة المارونية ولا تلزمها، كما انها ــ اي آراء ومواقف المارونية السياسية ــ يمكن ان تشمل اطرافا اخرى غير مارونية، تلتقي مع المارونية السياسية في التوجهات السياسية المختلفة، في المراحل المختلفة. وقد رأينا في السنوات الماضية ان ممثلي المارونية السياسية كانوا يلتقون ويتحالفون ويساعدون ويؤوون الارهابيين "الاسلاميين الدواعش" واضرابهم، الذين كانوا يفجرون الكنائس ويذبحون المسيحيين في العراق وسوريا وغيرهما.
والميزة الاساسية للمارونية السياسية ان مفاهيمها واطروحاتها وممارساتها، وتماما على غرار اليهودية الصهيونية، لا تنطلق من توجهات "الطائفة المارونية" ومصالحها، او التوجهات "القطرية اللبنانية" الانعزالية للدولة اللبنانية الغوروية (نسبة للجنرال غورو عرّاب "دولة لبنان الكبير")، بل تنطلق من الارتباط بالمصالح والمخططات الجيوسياسية للامبريالية الغربية، المتلاحمة في عصرنا مع اليهودية الصهيونية الاحتلالية والتوسعية.
وتدعي المارونية السياسية ان مفاهيمها واطروحاتها تمثل "الطائفة المارونية"، فيما ان العكس هو الصحيح، وهو ان المارونية السياسية تسعى لفرض مفاهيمها ومواقفها على الطائفة المارونية كما على جميع مكونات المجتمع اللبناني، بقوة السلاح، وبالاستعانة بالانظمة السايكس ـ بيكوية العربية وبالجيش الاسرائيلي ذاته وبالقوات الاميركية والاوروبية الغربية، تحت شعارات "الوحدة الوطنية" و"وحدة الصف العربي"، و"الشرعية الدولية".
واذا كانت المارونية السياسية لا تمثل اساسا الطائفة المارونية، بل هي تنتحل تمثيلها وتفرض نفسها عليها، فمن اين تأتي المارونية السياسية، كتوجه سياسي اضطلع ويضطلع الى الان بدور كبير في الحياة السياسية "اللبنانية" و"العربية" و"الاقليمية" وحتى "الدولية"؟
وكيف امكنها ان تنتحل الصفة "المارونية" والادعاء زورا وبهتانا بتمثيل "الطائفة المارونية" و"المسيحيين" و"اللبنانيين"؟
في رأينا المتواضع ان ذلك يعود الى المنطلقات والمرتكزات الطبقية ــ الدينية ــ السياسية، للمارونية السياسية، وهي ثلاثة:
الاول ــ الجناح "الماروني" في الطبقة البورجوازية الكومبرادورية "اللبنانية"، التي ترتبط مصالحها الطبقية بالنظام الرأسمالي ــ الامبريالي الغربي واليهودي العالمي. وهنا يدخل:
0ــ اصحاب الرساميل البنكية والمتلاعبون بالشؤون البنكية والمالية؛
0ــ التجار الكبار المهيمنون على التجارة الخارجية (استيرادا وتصديرا)، وعلى اسواق الجملة في التجارة الداخلية، وبكل ما يرتبط بقطاع التجارة الخارجية والداخلية من وسائط النقل والتوزيع والتخزين الخ.
0ــ مافيات التهريب والمخدرات وتزوير العملات واللصوصية والصفقات المشبوهة ورؤوس الفساد، الذين يرتكز كل وجودهم ونفوذهم ووجاهتهم على التبعية للسفارات والمخابرات الغربية و"العربية"العميلة، والالتحاق بقطار العمالة للامبريالية والصهيونية، ومعاداة اي توجه وطني، مقاوم واصلاحي حقيقي؛
الثاني ــ قسم من رجال الاكليروس الذين هم "مسيحيون" على طريقة يهوذا الاسخريوطي، و"لبنانيون" على طريقة انطوان لحد و"جيش لبنان الجنوبي". فمثل هؤلاء الاكليروسيين المزيفين ورجال الدين الدجالين، او بعض "الصادقين" ــ الاغبياء منهم، يكنون حقدا دفينا على العرب والمسلمين وعلى جميع المسيحيين الصادقين وخصوصا الوطنيين والتقدميين المسيحيين.
والثالث ـــ جوقة الاحزاب والتكتلات والشخصيات الطائفية المارونية، وعلى رأسها حزب "الكتائب اللبنانية" (المدرسة الاولى للخيانة الوطنية والتبعية للامبريالية الغربية والصهيونية في لبنان) وحزب "القوات اللبنانية"، المنبصقة عن حزب "الكتائب"، والذي هو اليوم اكبر واخطر حزب طائفي عميل في لبنان، وهو اشبه ما يكون بزريبة تضم قطيعا من الحاقدين طائفيا، القَتَلَة والمرتكبين، المرضى نفسيا والمعتوهين، ويشكل بيئة مفرّخة او "رحم زنى" لتوليد ما يمكن تسميته "الداعشية المسيحية" او "الصهيونية المسيحية".
وكل ما تريده وتسعى اليه هذه الاحزاب هو المكاسب المادية، والوصول الى السلطة، والاستئثار بها، ولو على حساب تخريب وتمزيق وتقسيم "لبنان الرسالة" الذي تتشدق زورا به.
وكما سبق ان اضطلعت هذه الاحزاب بالدور المحلي الرئيسي في افتعال الحرب الاهلية في 1975، فانها كانت ولا تزال مستعدة لافتعال دورة جديدة من الحرب الاهلية، واستدعاء التدخل "العربي" العميل، والدولي الامبريالي، والاسرائيلي، بحجة "حماية المسيحيين"، وبهدف اساسي هو ضرب المقاومة، وتحويل الـ10452 كيلومترا مربعا الى مقبرة للبيئة الشعبية للمقاومة، ولا سيما البيئة الشيعية، التي تقف حاجزا جغرافيا ــ ديموغرافيا بين "جبل لبنان (المسيحي!) وفلسطين المحتلة، ومن ثم تحويل الـ10452 كلم الى محمية اسرائيلية، او الى اسرائيل ثانية (مسيحية!) ذات "سيادة" كما كان يريد المرحوم بشير الجميل.
الا انه "فاتها الموسم"، ولم يعد بمستطاعها، ولم تعد تجرؤ، على مد يدها ضد المقاومة، لانها اصبحت تدرك ان اليد التي ستمتد ضد المقاومة سوف تقطع من الكتف.
ولهذا فان جوقة الطابور الخامس بقيادة المارونية السياسية تقصر فعاليتها على العويل، والتهويش والتهويل، لخلق الاجواء والمبررات والذرائع لاجل التدخل الخارجي، "العربي" والامبريالي والعدوان الاسرائيلي.
السلطنة الكردي ــ الايوبية وولادة التوأمين:
ان اليهودية الصهيونية لم تولد مع "وعد بلفور" في 1917 ثم قرار تقسيم فلسطين ثم قيام "دولة اسرائيل" في 1947 ــ 1948، بل هي ظَهَرَت او ظُهِّرَت فيهما.
وكذلك المارونية السياسية لم تولد مع انسحاب القوات والسلطنة العثمانية من بيروت في 1918 ودخول القوات الانكليزية ثم الفرنسية، التي انزلت العلم العربي ورفعت العلم الفرنسي فوق بلدية بيروت، ثم سحق الجيش العربي في ميسلون واعلان "دولة لبنان الكبير" في 1920، بل هي ظَهَرَت او ظُهِّرت فيهما (كان بعض الشيوخ المسيحيين من معايشي تلك الفترة يروون انه بعد دخول الفوات الانكليزية والفرنسية الى بيروت في نهاية الحرب العالمية الاولى، انطلقت مظاهرات "شعبية" من حي البسطة (جبل النار) باتجاه "ساحة البرج" من الجانب الغربي، وهي ترفع العلم العربي، فانطلقت ضدها (بسحر ساحر!) مظاهرات "شعبية" من الجميزة باتجاه "ساحة البرج" من الجانب الشرقي، وهي ترفع العلم الفرنسي وتهتف لفرنسا).
وبتقليب صفحات التاريخ يمكن لاي باحث علمي ورصين ان يكتشف ان جذور ظهور اليهودية الصهيونية والمارونية السياسية انما تعود الى مرحلة التسلط الكردي (الايوبي) على المنطقة العربية في اواسط المرحلة الصليبية.
فحينما وصل الصليبيون الى طرابلس في 1099 اتصل بهم قسم نافذ، وربما الاكثر نفوذا، من رجال الاكليروس والوجهاء الموارنة، ورحبوا بهم. وتقول المرويات التاريخية ان اولئك الاكليروسيين والوجهاء، الذين خرجوا عن "شرقيتهم"، التصقوا بالصليبيين ودعوا الى التطوع معهم. وقد تطوع 40 الف مقاتل ماروني مضلل في صفوف الصليبيين. ومن ثَمَّ توطدت العلاقة بين الموارنة من جهة، والصليبيين وبابوية روما الكاثوليكية من جهة ثانية.
وحينما سيطر الصليبيون على القدس في السنة ذاتها، احرقوا الكنيس اليهودي بمن التجأ اليه، وطردوا اليهود ومنعوا سكناهم في جميع مناطق السيطرة الصليبية في الشرق. لان روما، بعد ان تبنت ظاهريا المسيحية بالصيغة السلطوية "الكاثوليكية"، ارادت ان تبعد هم نفسها المسؤولية عن صلب السيد المسيح، فاتهمت اليهود بأنهم يتحملون وحدهم تلك المسؤولية، لانهم "ضللوا" السلطات الرومانية بالافتراء على السيد المسيح والادعاء انه كان يريد الانقلاب على القيصر الروماني والحلول محله. (وفي هذا السياق تقول بعض المرويات التاريخية المسيحية ان القديس جيوارجيوس (مار جريس) كانت والدته فلسطينية من مدينة اللد، وكان هو فارسا ومن الحرس الخاص للقيصر، وكان مسيحيا، وبناء على وشاية اعتقل بتهمة المشاركة في مؤامرة لاغتيال القيصر، وعذب حتى الموت).
ولكن بعد تحرير القدس في 1187، بقيادة السلطان الكردي صلاح الدين الايوبي، ثم توقيع صلاح الدين "اتفاقية الرملة" مع الملك الصليبي ريتشارد قلب الاسد في 1192، و"تطبيع" علاقات السلطنة الكردية مع الصليبيين، منح صلاح الدين الايوبي الحاخام اليهودي الشهير موسى بن ميمون مرسوم السماح لليهود بالاستيطان في القدس وفلسطين.
وحينما ازداد عدد المستوطنين اليهود في القدس وتحولوا الى جالية، او مستوطنة نافذة تمتلك الاموال، اتصل بهم الجناح الماروني الموالي للصليبيين، واقام معهم علاقات ثابتة. واستفادت القيادة المارونية المعنية من علاقاتها الايجابية مع الصليبيين والبابوية الكاثوليكية في روما، للتوسط وازالة "سوء التفاهم" وجسر العلاقات من جديد بين الصليبيين والبابوية "الكاثوليكية"" من جهة، وبين اليهود من جهة ثانية، بهدف اعادة المياه الى مجاريها بين الطرفين، كما كانت في عهد مشاركة الامبراطورية الرومانية القديمة والقيادة الدينية ــ التجارية اليهودية في عملية صلب السيد المسيح وملاحقة واضطهاد المسيحيين الشرقيين. وهكذا نشأ ما يشبه تحالف صليبي (كاثوليكي) ــ ماروني ــ يهودي، برضا ودعم السلطنة الكردية الايوبية. وكان الصليبيون هم الركيزة الرئيسية لهذا التحالف. اما الاساس الديني ــ الجيوسياسي ــ العسكري له فكان:
ـــ العداء للعرب والمسلمين العرب (وبالاخص الشيعة).
ـــ والتقارب مع السلطنة الكردية "الاسلامية!"، "المطبعة" مع الصليبيين، المعادية للعرب، و"الصديقة" لليهود.
وتلك هي الاسس التي بنيت عليها التوجهات الجيوسياسية ــ الدينية ــ الاتنية (او القومية) في اوساط اليهود والموارنة. وهي التوجهات التي تمخضت تاريخيا عن ولادة الظاهرتين التوأمين: اليهودية الصهيونية والمارونية السياسية، اللتين انطلقتا من العلاقة مع الصليبيين والكنيسة المسيحية الغربية، وترتبطان اليوم بكل وضوح بالامبريالية الغربية (الاميركية والاوروبية) والطغمة المالية ـ الدينية ــ السياسية العليا، اليهودية، المندمجة عضويا بالامبريالية العالمية.
ان الحملات الصليبية والتسلط الكردي على الدولة العربية ــ الاسلامية، هي التي دشنت بداية الكبوة الحضارية التاريخية للامة العربية.
وان الجرائم الوحشية منقطعة النظير التي ارتكبتها دولة "اسرائيل" في كل تاريخها، وتواصل ارتكابها ضد الشعب العربي الفلسطيني المظلوم، كما ضد المقاومة وجماهيرها في لبنان، وفحيح الافاعي والشماتة السوداء للطابور الخامس اللبناني، ضد المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعربية والاسلامية الباسلة، وجماهيرها الشعبية الصامدة، ــ كلها تؤكد ان اليهودية الصهيونية والمارونية السياسية ما هما الا غدة سرطانية زرعتها "الصليبية" الاستعمارية الغربية في جسد الامة العربية، منذ مئات السنين، ولا يمكن معالجة هذه الغدة الا بالكي والاقتلاع من الجذور.
وان نهضة الامة العربية ذات التراث الحضاري العريق، من كبوتها التاريخية، لا يمكن ان تكون الا بتحقيق الشرط الوجودي، المتمثل في التحرر من الامبريالية واليهودية الصهيونية واسرائيل والانظمة العربية "المطبعة" والعميلة بما فيها الطابور الخامس العميل في لبنان.