صوفيا ــ إعداد: جورج حداد(*)
مع تصاعد حدة واتساع المعركة الحدودية ضدّ العدوّ الإسرائيلي، في جنوب لبنان، والأخطار "الوجودية" الناشئة عنها، على الكيان الاغتصابي الصهيوني، كما على الكيان المصطنع "اللبناني"، تشتد بشكل لا سابق له حملة الضغوط والتهديدات، الخارجية والداخلية، الموجهة ضدّ المقاومة الإسلامية الوطنية بقيادة حزب الله.
خارجياً: تتضاعف التهديدات "الإسرائيلية" بتدمير لبنان، وتحويله إلى "غزّة ثانية"، وصولاً إلى سحق المقاومة وحزب الله.
وفي هذا السياق، يتكثّف حشد الأساطيل والقوات الحربية، البحرية والجوية والبرية، الأميركية والناتوية و"الإسرائيلية"، في البحر الأبيض المتوسط وقبرص وجنوب أوروبا، والقواعد الأميركية في تركيا ودول الخليج الموالية للإمبريالية، وفي "كردستان العراق" و"كردستان سورية"، وفي الأردن وغيره من الدول العربية المطبّعة أو السائرة في طريق التطبيع مع "إسرائيل".
وداخليًا: ترتفع بشكل مضاعف الشدة عقيرة أبواق "الطابور الخامس اللبناني"، المتمثلة بالأخص بأبواق المارونية السياسية التي تفرض نفسها بوصفها "الممثل الشرعي والوحيد" للمسيحيين اللبنانيين. وبهذه الصفة المزورة تعتبر المارونية السياسية نفسها الوصية الأولى والوحيدة على كيان "دولة لبنان الكبير" الذي يكون بهذه الوصاية أو لا يكون.
وربما أنه لا حاجة للتذكير بأن منظومة الإمبريالية واليهودية العالمية تضع في تصرف هذه الأبواق عشرات القنوات التلفزيونية والإذاعية، وما لا يحصى من شبكات التواصل الاجتماعي، و"الأنجيأوزات" التي تُنفَق عليها مليارات الدولارات. وتبرز على هذا الصعيد أسماء ثلاث شخصيات بوقية مارونية، هم: الصحافي طوني أبي نجم، والناطق باسم إعلام "القوات اللبنانية" شارل جبور، وأستاذ العلوم السياسية في إحدى الجامعات الأميركية هشام بو ناصيف، الذي تشير الدلائل المحيطة بأطروحاته "التاريخية والعلمية" المزيّفة حول الفيدرالية والكونفيدرالية، و"الحرص اليوضاسي على مصير المسيحيين"، و"حل الدولتين" على الطريقة القبرصية، أن هذا البوق يمثل همزة وصل بين "المارونية السياسية" و"المخابرات الأميركية" و"الموساد الإسرائيلي".
ومن خلال ما تطرحه هذه الشخصيات ــ الأبواق يمكن الاتفاق معها على نقطة واحدة فقط هي: أنه ــ باستثناء التسمية "اللبنانية" أو الانتماء الاسمي إلى ما يسمّى "الجمهورية اللبنانية" أو "دولة لبنان الكبير" التي سبق أن أعلن عن إنشائها المفوض السامي الفرنسي الأول الجنرال هنري غورو في آخر آب 1920، ــ لا يوجد أي شيء يمكن الاتفاق عليه معها، ولا أي شيء يمكن أن يجمع الطابور الخامس "اللبناني" وعلى رأسه المارونية السياسية "اللبنانية"، مع المقاومة الإسلامية ــ الوطنية "اللبنانية" وحاضنتها الشعبية "اللبنانية" وبالأخص الطائفة الشيعية "اللبنانية"، وذلك لسوء حظ هشام بو ناصيف ومن لف لفه.
ونرى من الضروري الإضاءة على بعض نقاط الاختلاف المفصلي، الوجودي والمصيري، بين الجناحين "اللبنانيين": الطابور الخامس وعلى رأسه المارونية السياسية، والمقاومة الوطنية الإسلامية بقيادة حزب الله:
لا وطنية المارونية السياسية
تنطلق أبواق "الطابور الخامس اللبناني" من نظرية مجوّفة تقول إن "لبنان" هو "معطى أزلي ونهائي"، قائم بذاته، ومفصول عن بيئته ومحيطه التاريخيين، جغرافيًا وديمغرافيًا وحضاريًا وقوميًا؛ وإن المارونية السياسية هي صانعة "الهوية اللبنانية"؛ ومن ثمّ إن مسلكية المارونية السياسية ومفاهيمها هي بالتحديد المعيار الوحيد للانتماء إلى "لبنان" و"الكيان اللبناني". ومنذ وقت طويل حاولت المارونية السياسية اختراع "قومية لبنانية"، متميّزة عن فكرة "القومية السورية" التي سبق أن طرحها المفكر النهضوي الكبير والشهيد أنطون سعادة و"الحزب السوري القومي الاجتماعي"، إحدى ركائز المقاومة الوطنية، ومتميّزة بالأخص عن "القومية العربية" المتبلورة عبر التاريخ، وسبق أن نادى بها جميع النهضويين العرب، وبالأخص منهم المسيحيون و"اللبنانيون".
ولتأكيد أطروحة "القومية اللبنانية" المزعومة والوهمية والفارغة، حاولت المارونية السياسية المطابَقَة أو الأصح "حشر"" مفهوم الإثنية القديمة "الفينيقية ــ الآرامية ــ الكنعانية"، العملاقة وذات الانتشار الشرقي الواسع، في قزمية "القومية اللبنانية" الوهمية، كما حاولت الادّعاء بوجود "لغة لبنانية" منفصلة عن اللغة العربية الأم ومختلف اللهجات العربية الشقيقة الأخرى. ولكن الجدلية التاريخية والدينامية الحياتية ذاتها بددت كالفقاقيع هذه المحاولات السطحية، السخيفة والمشبوهة، والتي لم يكن لها أي أساس تاريخي أو علمي أو اجتماعي حتّى بأكثر الأشكال ابتذالًا. وحتّى على المستوى المذهبي الماروني ذاته، لم تستطع المارونية السياسية أن تطمس الأصول التاريخية "السورية" للطائفة المارونية الكريمة، وأن "تتبرأ!" من كون الطائفة المارونية ذاتها، بمن فيها الراهب القديس مار مارون شخصيًا، إنما وجدت تاريخيًّا كفرع مذهبي سرياني ــ أرثوذوكسي "سوري". وبالرغم من كلّ التقلبات الحربائية للمارونية السياسية، في جميع مراحل وجود "دولة لبنان الكبير"، فإنها لم تجد من الممكن أن تستبدل حتّى عنوان البطريرك الماروني بوصفه "بطريرك أنطاكية وسائر المشرق". ومدينة أنطاكية، ذات التاريخ المسيحيى المشرقي العظيم، لا توجد في كسروان أو وادي قنوبين، بل ــ وكما يعرف أي تلميذ صف ابتدائي ــ توجد في شمال سورية (اليوم في جنوب تركيا من ضمن الأراضي العربية الشاسعة التي اغتصبها الاتراك والأكراد، ووافقت الدول الأوروبية وأميركا على ضمها إلى تركيا الأتاتوركية كمكافأة على تبعيتها الذليلة للإمبريالية الغربية واليهودية العالمية).
والآن يتضح أكثر من أي وقت مضى، أن كلّ شعارات "الاستقلالية" و"السيادة" و"الحياد"، والتنصل من الارتباطات والالتزامات الوطنية العربية، القومية والإنسانية، لـ"لبنان"، واللا عدائية و"الحيادية" تجاه "إسرائيل"، وهي المفاهيم والشعارات التي تطرحها أبواق الطابور الخامس وعلى رأسه المارونية السياسية، ليست سوى أكاذيب بعيدة كلّ البعد عن المفاهيم الحقيقية لـ"الاستقلالية" و"السيادة" و"الحياد"، وهي تطرح فقط لذر الرماد في العيون وتبرير السير في ركاب الإمبريالية الغربية واليهودية العالمية و"إسرائيل" والأنظمة العربية الرجعية والخائنة، المطبّعة والسائرة نحو التطبيع مع "إسرائيل".
ولتغطية الإفلاس الفكري والحضاري، واللا وطنية، الملازمين عضوياً للمارونية السياسية، تعمد أبواقها إلى استبدال مفهوم "الوطن"، بمعناه التاريخي، الحضاري ــ الثقافي ــ الاجتماعي ــ الاقتصادي، الجغرافي ــ الدمغرافي، بمفهوم "الكيان السياسي"، أي "الدولة"، التي أقامها المستعمرون الفرنسيون عام 1920 على أساسين هما:
ــ1ــ المحاصصة الطائفية.
ــ2ــ والتبعية الذليلة للغرب الاستعماري والإمبريالي واليهودية العالمية.
وقد وُضعت المارونية السياسية في البدء على رأس ذلك "الكيان اللبناني" اللا وطني، لأنها كانت: الأكثر تبعية وانسجامًا وطواعية مع الغرب الاستعماري.
في حين عوقبت الطائفة الشيعية الكريمة على وطنيتها وعروبتها، لرفضها الانفصال عن الحكومة العربية في دمشق، وخاصة بعد محاولة اغتيال الجنرال غورو عام 1921، على يد الثائر الجنوبي البطل الشهيد أدهم خنجر الذي أعدم عام 1923 وليس له أي شارع أو زاروب باسمه، في حين أُطلق اسم الجنرال غورو على أحد أهم شوارع مدينة بيروت.
وعلى مدى أكثر من 70 سنة، بعد إعلان "دولة لبنان الكبير"، فإن المارونية السياسية الحاكمة لـ"لبنان"، بدلاً من أن تتقرب من جبل عامل وجماهير الطائفة الشيعية عمومًا، المظلومة تاريخيًّا، و"تستقوي" بها، فإنها ــ بعماها التاريخي عمومًا وغبائها الجيوسياسي المرحلي خصوصًا ــ، تمسكت و"عصرنت" النهج القديم، نهج الاستبداد الإسلامي غير العربي، الكردي الأيوبي ــ المماليكي ــ التركي العثماني في معاداة الشيعة واضطهادهم.
وبقيادة هذه المارونية السياسية الغبية إلى أقصى حدود الغباء السياسي التاريخي، وطوال وجود مسخ الوطن = الكيان اللبناني، عوملت الطائفة الشيعية الكريمة بأقصى ما يكون من التهميش والتمييز الطائفي والإفقار والاضطهاد. ولم تعامل الجماهير الشعبية الشيعية يومًا بوصفهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، بل عوملت على الدوام كـ"مقيمين غير مرغوب فيهم" إلا برتبة خدم من أدنى الدرجات. ولعله يكفي أن أذكر المثالين الآتيين:
ــ1ــ إذا أخذنا مدينة بيروت كنموذج، نجد أنه حتّى الأمس القريب في بداية الحرب اللبنانية في 1975، كانت غالبية مديري الأقسام والمصالح في "بلدية بيروت الممتازة" من أبناء الطائفة المارونية، في حين أن جميع ــ حرفياً جميع ــ عمال التنظيفات (الزبَّالة) كانوا من أبناء الطائفة الشيعية الفقراء الذين كانوا يتلقون أجورًا بالكاد تكفي لقوتهم البسيط ولا تكفي لشراء الصابون لأجل الاغتسال وغسل ثيابهم الرثة، في الوقت الضروري.
ــ2ــ منذ ما قبل عصر الأيوبيين والمماليك والعثمانيين كانت فلسطين الرئة المعيشية والحياتية التي يتنفس بها ومنها أهل جبل عامل، الفقراء والمنبوذون، ولكنْ الأباة والصابرون.
وبعد مسرحية حرب 1948 ــ 1949، وإنشاء دولة "إسرائيل"، سدت تلك الرئة الفلسطينية، وأعلن جبل عامل منطقةً عسكرية، تحكم بقانون الطوارئ.
وفي المعنى الشكلي البسيط لكلمة "منطقة عسكرية" و"قانون الطوارئ"، أن تكون المنطقة المعنية منطقة حماية لأهاليها من العدوّ (المجاور) وما يمكن أن يدسه من عملاء: جواسيس أو مخربين. ولكن الواقع أن جبل عامل عومل كمنطقة محتلة من قبل "إسرائيل"، وأن السلطة الكيانية "اللبنانية"، لم تكن سوى "وكيل" للاحتلال الإسرائيلي، على ما يشبه وكالة "السلطة الوطنية الفلسطينية" حاليًّا للاحتلال "الإسرائيلي" لفلسطين. وكما تقوم "السلطة الوطنية الفلسطينية" حاليًّا ــ عبر ما يسمّى "التنسيق الأمني" مع الأجهزة ""الإسرائيلية"" ــ بالتضييق على المقاومين الفلسطينيين، والوشاية بهم، وأحياناً اعتقالهم وتسليمهم "لإسرائيل"، كانت وظيفة السلطات اللبنانية بقيادة المارونية السياسية: أن تخنق في المهد أي مبادرة مقاومة "لإسرائيل" في الجنوب، وذلك بحجة حماية "الكيان اللبناني" من ردود الفعل العدوانية ""الإسرائيلية"". وهذا هو المدلول الحقيقي للشعار الذي أطلقه عميد مدرسة الخيانة الوطنية "للبنان"، الشيخ بيار الجميل (الجد)، ونعني به شعار: "لبنان قوته في...ضعفه!". وكمثال تطبيقي لهذا الشعار أذكر: أنني في عام 1969 تعرفت على المناضل الجنوبي أمين سعد الذي روى لي أنه سبق أن اعتقل عدة مرات، وفي إحداها، كان الوقت شتاءً والطقس باردًا جدًّا وماطرًا، تعرض أمين في إحدى الثكنات التي كان معتقلاً فيها، للضرب والإهانات عدة ساعات، وفي أول الليل جرد من ملابسه خلا الداخلية وألقي به في ممشى الثكنة، من دون أي مقعد يجلس عليه أو ملاءةٍ يحتمي بها من المطر والرطوبة والبرد الشديد، وهو كان نحيلًا جدًّا بسبب فقر التغذية. فلبث يتمشى لساعات طويلة، وحينما هدّه التعب والجوع افترش الأرض العارية متقوقعًا بمحاذاة أحد الجدران، وهو بين الحياة والموت. وفي الصباح الباكر تقدم منه أحد الضباط "الأشاوس" (حماة "الكيان" وقَلَبَ بقدمه جسم أمين الممدد أمامه شبه ميت، وحينما وجد أنه لا يزال يتنفس، غضب غضباً كلبيًا شديدًا، وركله بقدمه نابحًا فيه بكلّ عنترية جديرة بـ"ثقافة" حزب "القوات اللبنانية" و"الكتائب" وأضرابهما: "بعدك طيّب يا كلب!". (البطل الجنوبي أمين سعد، ابن الفقراء والمظلومين، استشهد في كانون الأول 1969، في مواجهة مسلحة مع قوة "إسرائيلية" متسللة، في محيط بلدة شبعا. وكان مقاومًا يحمل اسم "الأخضر العربي". والأستاذ عاصم قانصوه ــ أطال الله عمره ــ الذي كان يعرف معرفة وثيقة الشهيد البطل أمين سعد، يمكن أن يشهد على صحة روايتي. تحية إكبار لروح الشهيد أمين سعد وكلّ رهط الشهداء الأبرار).
ولكن التاريخ البشري يعلمنا أن كل الشعوب والجماهير المظلومة في العالم، تشق طريقها نحو التحرر بالرغم من جميع أشكال القمع والاضطهاد والتنكيل والإبادات الجماعية، وضد أعتى وأقوى أشكال الاستعمار والظلم الاجتماعي والطبقي في كلّ مكان.
وقد ولدت المقاومة في جبل عامل، من رحم عربدة الاحتلال "الإسرائيلي" الغاشم وعنجهية وكلائه "الكيانيين اللبنانيين"، "المؤصلين" في الخيانة الوطنية التي يجهدون اليوم لتحويلها ليس فقط إلى "وجهة نظر"، قبالة "وجهة نظر" المقاومة، بل ويجعلون منها ــ أي الخيانة الوطنية ــ معيار "الوطنية" (الكيانية) للدولة اللبنانية، ويعلنون بكلّ وقاحة وعهر، أن المقاومة التي ترفض أن تسلم لـ"دولتهم" سلاحها، أنها ــ أي المقاومة ــ هي خروج على "الوطنية" في نظرهم.
واليوم، وبفضل وجود المقاومة، فإن الطائفة الشيعية الكريمة تنفض عنها أوساخ وأدران "الكيانية اللبنانية" الطائفية، وتقف كالطود الشامخ ليس فقط بوجه "الكيانية اللبنانية" بقيادة المارونية السياسية وحلفائها المتساقطين من الطوائفيات السياسية الأخرى، وجمهرة أقزام الطابور الخامس، بل وتقف بوجه "إسرائيل" والإمبريالية الأميركية وحلف الناتو، وتسطر الملاحم البطولية، وتكتب بدماء ألوف وألوف الشهداء من خيرة أبنائها المعنى الحقيقي للوطنية، وتعطي لوجود الدولة اللبنانية مفهوماً وطنياً جديدًا، تشير كلّ المعطيات إلى أن المارونية السياسية ستسقط مرة وإلى الأبد في مزبلة التاريخ، جنبًا إلى جنب "إسرائيل" والإمبريالية العالمية، قبل أن تستطيع أن تستوعب المعنى الحقيقي للوطنية.
ونظراً لطبيعتها الطائفية الضيقة والغبية، وتيتّمها (افتقادها للسند الخارجي القوي: الإسرائيلي، الفرنسي، الأميركي إلخ)، وعدم امتلاكها لأي بعد وطني وقومي وحضاري حقيقي، ملصق ومُضاف إلى النزعة الطائفية البدائية الخام، فإن الأدوات الفكرية والمعرفية لصناعة الآراء والمفاهيم والأطروحات الخاصة بالمارونية السياسية لا تخرج عن نطاق: الديماغوجية، والألعبانية السياسية المعهّرة، وطمس الوقائع التاريخية، والتزوير، والكذب والدجل، والتضليل، واستهبال الذات والآخرين.
وإن قيادة المقاومة التي هي في الوقت ذاته القيادة الأساسية والرئيسية للطائفة الشيعية الكريمة، بتوجهها الوطني المتأصل تاريخيًّا، بما تتميّز به من حكمة الدهور، وعلم، وتجربة، وصدق وإخلاص، إنما تتعامل مع المتحاملين عليها، بكلّ صبر وطول أناة و"تسامح مسيحي!"، بالرغم من كلّ ما تتعرض له من حملة افتراء ودس وتجريح، على أيدي أبواق الطابور الخامس، بنِية أن تعطى الجماهير الشعبية المضللة، المسيحية أو غيرها، الوقت الكافي ليتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الاسود، والتوصل إلى إدراك الوعي الوطني الحقيقي.
ولكن كفى! طفح الكيل! إن أبواق الطابور الخامس اللبناني، بقيادة المارونية السياسية، يسيؤون تمامًا فهم سياسة قيادة المقاومة في الصبر وطول الأناة والتسامح تجاههم. وقد بلغ من "اطمئنانهم" أنّهم تجاوزوا كلّ حد في الوقاحة والانحطاط في الخيانة الوطنية. وهم يستخدمون وسائل الإعلام لبث سمومهم والتجريح بالمقاومة وطعنها في ظهرها والحط من مكانة الشهداء الأبرار، في ظروف الحرب بالذات. وبلغ بهم الأمر حد الطرح العلني والمكشوف لتقسيم لبنان، وذلك بكلّ "رواق"، وبشكل "طبيعي" تمامًا، وهو ما تتحفظ أو تخشى طرحه على المكشوف لا أميركا فقط بل وحتّى "إسرائيل" ذاتها. علماً أن كلّ هذه الدعوات لأبواق الطابور الخامس "اللبناني" تنطبق عليها، بكلّ المقاييس والأعراف الأخلاقية والسياسية والقانونية والدستورية، صفة الخيانة الوطنية العظمى.
لقد آن الاوان لوقف "تطبيع" الخيانة الوطنية المكشوفة في لبنان، وإخراس أبواق الطابور الخامس اللبناني، بكلّ الوسائل "السلمية": إعلاميًّا، سياسيًّا، برلمانيًّا، وزاريًّا، بوليسيًّا، قضائيًّا، قانونيًّا ودستوريًّا.
وإذا لم تنجح جميع المعالجات "السلمية"، فآخر الدواء "الكي"، لأبواق الطابور الخامس وأدواته الإعلامية!
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل