نسيب شمس
ازدادت شعبية اليمين المتطرف في أوروبا مؤخراً لأسباب عديدة؛ منه أبرزها تدفق آلاف اللاجئين إليها وازدياد حدة الأزمات الاقتصادية، خاصة بعد اشتعال نيران الحرب الأوكرانية، فما دول أوروبية كالسويد وفرنسا، يرتبط بهذا الصعود السريع لليمين المتطرف، الذي سنحاول الإضاءة عن ماهيته وسماته وأسبابه وأوضاعه في هذا الوريقة.
ما هو اليمين المتطرف؟
اليمين المتطرف مصطلح سياسي يطلق على الجماعات والأحزاب لوصف موقعها من المحيط السياسي، والفرق بين اليمين التقليدي واليمين المتطرف أن الأول يسعى للحفاظ على التقاليد وحماية الأعراف داخل المجتمع، والثاني كذلك ولكن الاختلاف يكمن في أن الثاني يدعو للتدخل القسري واستخدام العنف للحفاظ على تلك التقاليد والأعراف.
صفات اليمين المتطرف
ويمكن القول إن اليمين المتطرف في أوروبا يتصف بالتعصب القومي لجنسه، والتعصب الديني ومعاداة المسلمين خاصة والمهاجرين عامة وذلك لأنه يرى أن ما يحدث من جرائم وسرقات بسبب زيادة الهجرة وأن لدى المسلمين والأجانب عامة عادات وتقاليد جلبوها من بلادهم الفقيرة فلا يحبون أن تدخل مثل تلك العادات بلادهم.
ورغم أن تشكيلات ومشارب أحزاب اليمين المتطرف تختلف حسب السياقات الخاصة بكل بلد، فإنها تشترك كلها في خصائص عامة ومرتكزات إيديولوجية تميزه كتيار سياسي واحد ومتجانس، ومن هذه الخصائص النزعة الوطنية المفرطة والرافضة لكل أشكال الاندماج الإقليمي (كونفدرالية، اتحاد قاري… إلخ) بحجة حماية السيادة الوطنية.
كما أن لليمين المتطرف نزعة متأصلة نحو رفض الرأسمالية والليبرالية ليس لذاتهما وإنما خوفا من التحولات العميقة التي عادة ما تصاحبهما خاصة على مستوى القيم والأخلاق، بل إن اليمين المتطرف معروف بتحفظه على بعض مقتضيات مواثيق حقوق الإنسان في الغرب، ودافعه إلى ذلك ديني نابع في أساسه من التقاليد المسيحية.
ومن ناحية المشاركة السياسية يُمكن تقسيم اليمين المتطرف إلى أحزاب احتجاجية هدفها الأساس تسجيل مواقف وتعبئة مستمرة في صفوف أنصارها، من أجل تسويق خطاب تحريضي هدفه التشويش الإعلامي أكثرَ من التأثير في واقع الأمور، ويُطلق على هذا الصنف اسم “اليمين الشعبوي المتطرف”.
وهناك صنف آخر يتميز بقدر من الواقعية السياسية جعله يعدّل خطابه ليكون مقبولا لدى جزء من ناخبي اليمين في عمومهم، وملائما كذلك لمتطلبات الانخراط في الديمقراطية الليبرالية القائمة على التعددية وبالتالي الاختلاف.
سمات اليمين المتطرف
السمة الرئيسة الغالبة على الجماعات والأحزاب المنضوية لليمين المتطرف، سواء كانت راديكالية تعمل في إطار عملية ديمقراطية أو أخرى معارضة لها، هي الخطاب الذي يتحدث باستمرار عن وجود تهديد عرقي أو ثقافي ضد مجموعة "أصلية" من قبل مجموعات تعتبر دخيلة على المجتمع، وعن ضرورة الحفاظ على الهوية الوطنية، ومن ثم تأتي معارضة اليمين المتطرف للهجرة.
وتشترك جماعات اليمين المتطرف في بعض السمات الرئيسة، كالنزعة القومية، أو ما يمكن وصفه بالشعور بأن بلداً ما وشعب هذا البلد أرقى من غيره. ولدى تلك الجماعات شعور قوي بالهوية الوطنية والثقافية إلى درجة اعتبار أن اندماج ثقافات أخرى يشكل تهديداً على تلك الهوية، ومن ثم فإنها ترفض فكرة التنوع.
وعادة ما يستميل زعماء تلك الجماعات، الأفراد من خلال إعطائهم شعوراً بالانتماء والفخر.
وقد حققت هذه الأحزاب مكاسب سياسية هامة في العقد الأول والثاني من القرن الواحد والعشرين، وشاركت في حكومات وصارت ممثلة في برلمانات بلدانها وكذلك في البرلمان الأوروبي.
توسع زحف اليمين السياسي المتطرف في أوروبا وشكل بقعة تتسع مع الوقت في كل استحقاق انتخابي، وهو ما أثار تساؤلات بشأن أسباب جنوح صناديق الاقتراع إلى اليمين في عواصم أوروبية مهمة.
واقع أحزاب اليمين المتطرف
ففي السويد، حصل التكتل المحافظ المؤلف من 4 أحزاب من اليمين واليمين المتطرف، بقيادة أولف رئيس حزب المحافظين، على 176 مقعدا في البرلمان مقابل 173 مقعدا للتكتل اليساري من أصل 349 مقعدا. ويتبنى اليمين المتطرف بالسويد، مواقف مؤيدة للاندماج في المشروع الأوروبي وحلف الناتو.
الجدير بالذكر، أنه لم يقتصر تصاعد اليمين المتطرف على السويد وإيطاليا، بل شهدت دول أوروبية كبرى تنامياً غير مسبوق لأحزاب اليمين المتطرف.
ففي أيلول/ سبتمبر 2022، حصل حزب "البديل من أجل ألمانيا" على 10 في المئة من أصوات الناخبين في الانتخابات البرلمانية الألمانية وقتذاك.
في حين حصلت ماري لوبان، زعيمة حزب التجمع الوطني في فرنسا، المناهضة للمهاجرين، على 41.8 في المئة في الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة أمام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.
في حين فاز حزب "فيدس" اليميني البلغاري بنسبة 52.73 في المئة من الأصوات، ما يمثل أغلبية الثلثين في الانتخابات البرلمانية، وعاد للمرة الرابعة فيكتور أوربان زعيم الحزب اليميني رئيساً للوزراء، علما أن أوربان معروف بمواقفه الرافضة للهجرة.
أسباب صعود اليمين المتطرف
أما أسباب صعود اليمين المتطرف، فيشير الخبراء إليها:
1ــ أن أحزاب اليمين المتطرف تعيش دائماً على انتقاد برامج الحكومات والسياسات الاقتصادية الأوروبية التي تنفذها.
2ــ نظرية السياسة الجديدة: ويرى أصحابها أن الأحزاب التقليدية لم تعد مؤهلة للاستجابة للمشكلات التي تطرحها المجتمعات الحالية، وأن المناخ السياسي يميل بالتدريج إلى إضعاف الروابط الحزبية التقليدية.
3ــ سوء الأوضاع الاقتصادية في دول أوروبا، ما يجعل الفضاء مفتوحاً أمام شعارات اليمين المتطرف.
4ــ ظهور توجه في داخل البيئة الأوروبية رافض لسياسات اللجوء والهجرة المتبعة في عدة دول أوروبية. وهذا يتفق مع برامج أحزاب اليمين المتطرف المعادية للهجرة.
5ــ مفهوم "الإسلاموفوبيا" وموجة العمليات الإرهابية منذ أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، والتخوفات من سرعة انتشار الدين الإسلامي في أوروبا على الرغم من أن عدد المهاجرين لا يتجاوز 5% من السكان؛ ما رسخ هدف اليمين المتطرف لكسب قاعدة جماهيرية بالادعاء أن الإسلام ومتبعيه هم التهديد الأساسي لقيم أوروبا الثقافية والقومية.
وأخيراً، تعتبر الأزمات الاقتصادية والاجتماعية دافعاً أساسياً للناخب الأوروبي لاختيار أحزاب اليمين مؤخراً وخاصة في السويد، ويتوقع الخبراء اجتياح لليمين المتطرف في أوروبا على مستويات التيارات والأحزاب السياسية والبرلمانات، والملفت أن اليمين المتطرف وصل في زحفه الى الاتحاد والبرلمان الأوروبي.
إن صـعود تيـار اليمـين المتطـرف في أوروبـا لا يرجـع فقـط إلى قـوة التيـار الذاتيـة، أو الحاجـة الشـعبية لـه فحسب، وإنما يعبر عن أزمة مستحكمة لليمين المعتدل واليسار المعتدل في أوروبا على حد سواء.
وباتت سيادة أوروبا للعالم بديمقراطيتها مشكوك فيها، فبريطانيا باحتوائها على البرلمان الأقدم في العالم كان حزب استقلال بريطانيا السبب الرئيس في انفصالها عن الاتحاد الأوروبي، وهو حزب يميني ينتهج معاداة الأجانب والأقليات المهاجرة، مثله مثل جميع الأحزاب اليمينية المتطرفة في الدول الأوروبية التي باتت تلعب دورًا مُهمًّا فيها، حيث تؤثر سياساتها وأفكارها في جميع القضايا السياسية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، وانعكس ذلك على سياسات الحكومات الأوروبية خاصة التي يشارك فيها أعضاء متطرفين بتبنيها دعوات تلك الأحزاب المتطرفة بشكل رسمي وتقنينها عبر سلسلة من القوانين غير الديمقراطية والتي تضر بالمسلمين في أوروبا خاصة، الأمر الذي سيؤدي لإعادة القارة الأوروبية إلى عصور الظلام وافتقاد الديمقراطية التي طالما تغنت بها القارة الأوروبية.