عبير بسّام
قصص الدجال نسمعها منذ كنا صغاراً، سيظهر في آخر الزمان وهو أعور ذو عين واحدة، وسيخدع الجميع بأنه المسيح المنتظر، وسيتبعه الغاوون، وسيبطش في الأرض، وتنتشر الأمراض والأوبئة، وخلال ظهوره سيعم الفساد في الأرض حتى يخرج المسيح الحقيقي عليه السلام فيقتل الدجال ومن معه ومن سار خلفه، ويعود للأرض السلام.
هذه النبوءة، هي نبوءة مشتركة بشكل أو بآخر ما بين جميع الأديان والطوائف. وهي نبوءة يشترك بها البوذيون والهندوس في الشرق الأقصى من آسيا، ويتحضر لها العديد من التجمعات التي ظهرت في العالم، خاصة في امريكا، والتي تتعبد الشيطان وتقدسه وتحضر لظهور ممثلاً بالأعور الدجال. من خلال هذا الإطار علينا أن نفهم الخطى التي تدفع بها بعض الدول والحكومات الكبرى نحو إفساد المجتمعات، لأن الأعور الدجال لن يظهر إلا عندما تفسد المجتمعات بشكل نهائي، وحتى إن كان تحضير هذه القوى من اجل ظهور المسيح، الذي لن يظهر إلا بعد ظهور الدجال، فيمكننا أن نفهم على الأقل أسباب الدفع نحو ما يفسد المجتمعات من المخدرات وتقديس الجسد وتفكيك الأواصر العائلية وتشجيع الشذوذ الجنسي وحماية مرتكبيه والتحدث عن الأمر وكأنه حق مكتسب طبيعي، تتم اليوم حمايته وتشريعه في القوانين الأوروبية والأميركية.
قد يعتبر الكلام وكأنه ضرب من الوهم، ولكن إذا ما أردنا أن نفهم ماذا يحدث علينا أن نبحث في دور المسيحية الصهيونية جيداً، وقد كتبنا الكثير عن إعادة بناء هيكل سليمان المزعوم، والمرتبط بإحتلال القدس الشريف وإزالة المسجد الأقصى من مكانه ومؤخراً بتهجير أهل الصفة الغربية المنظم، والتي تشكل إمارتي يهودا والسامرة اللتان يتحدث عنهما الصهاينة، واللتان هما أساس مملكة إسرائيل الجديدة التي يعمل على إعادة بناءها. كما تحدثنا عن دور الصهيونية المسيحية في نقل مركز المال إلى فلسطين بعد بناء الهيكل. وبحسب ما جاء في موقع إيد روجرز، والذي كتب صاحبه أن الأعور الدجال سيتنفس في الهيكل سبع سنوات قبل أن يظهر المسيح الحقيقي ويقتله. لكن ظهور الأعور الدجال سيحتاج إلى اجتياح كامل للمفاسد على الأرض وبالذات في الأرض المقدسة ما بين الفرات والنيل.
وخلال البحث في دور المسيحية الصهيونية يمكننا أن نفهم إلى أين يحاول المجتمعون في مؤتمر بلدربيرغ أن يسيروا بالعالم وكيف توضع الخطط لقيادة العالم ومن هي أبرز الوجوه أو المواقع. تجتمع هذه المجموعات من أجل قضية محددة، والدليل أنها تقوم في كل عام بدعوة قيادات نفس المجموعات إلى إجتماعها أو مؤتمرها السنوي، الذي يقام في حزيران/ يونيو من كل عام. ويصف السيناتور الجمهوري السابق باري غولدووتر في كتابه "بدون اعتذار" نشاطات المنظمة بأنها محاولة لتوحيد المراكز الأربعة للسلطات السياسية والنقدية والفكرية والروحية وذلك بهدف خلق: "اقتصادية عالمية تتفوق على سلطة الحكومات السياسية". ولذلك يجب أن لا يكون مستغرباً توحد الغرب خلف فرض نمط جديد من الأخلاقيات العامة الفكرية والروحية خلال السنوات الأخيرة والتي ازداد زخم العمل عليها منذ في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين والتي باتت تتحدث عن الشذوذ الجنسي وتطلق عليه ألفاظاً مخففة مثل "المثلية" وتحميه من خلال القوانين وتشريع الزواج بين الشواذ.
ولكي نفهم كيف ينسق هؤلاء بين السلطات الأربع وخاصة السياسية والنقدية، ومن ثم يتم وضع السياسات المتعلقة بالجانب الفكري والروحي عبر تقييد الأخرتين بالعامل المادي تحديداً. فعلى سبيل المثال، وبحسب وكالة بلومبيرغ شارك في مؤتمر بلدربيرغ في العام 2016، كل من رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد ووزير الخارجية الأميركي السابق، الثعلب، هنري كيسنجر، ومدير المخابرات المركزية أنذاك ديفيد بترايوس، وفي نفس السنه قائد الناتو السابق في أوروبا فيليب بيردلاف ورئيس الاستخبارات البريطانية "MI6" جون سويرز.
إذن أهم القوى المالية والعسكرية هي جزء من هذا المؤتمر أو النادي، هذا إضافة إلى رؤوساء تلك الدول ووزراءها، فالمعلومات تمرر ما بين الجميع ويوضع الجميع في أجواء الخطط المستقبلية وما تم تنفيذه منذ العام 1954، سنة تأسيس المؤتمر وحتى اليوم، والذي يجمع ما بين قادة الحلف الأطلسي- وقد عبر جو بايدن، الذي يعتبر نفسه صهيونياً وإن كان مسيحياً، مؤخراً عن الجهود التي يبذلها من أجل تماسك هذا الحلف لما فيه مصلحة للديمقراطية الغربية وتماسكها. كان الهدف الأساسي وراء عقد مؤتمر دولي، وصادف ان عقد أول مرة في فندق بلدربيرغ، بهدف تحقيق تفاهم أفضل بين ثقافات الولايات المتحدة وأوروبا الغربية لتعزيز التعاون في القضايا السياسية والإقتصادية وبناء تقارب ثقافي مع الولايات المتحدة. يمارس الحلف شعائر غريبة خلال الإجتماعات وقد تحدثت عنها وسائل الإعلام الأوروبية كثيراً وشككت بطبيعة ممارساتهم، والتي اعتبروها شيطانية، ولم ينف أي من القادة والحاضرين صحة التقارير.
بحسب بلومبيرغ، أحد أهم دعائم المؤتمر هو "مجلس العلاقات الخارجية". والمجلس هو عبارة عن مؤسسة أمريكية خاصة وتعمل في مجال الدراسات في السياسة الخارجية، ومن أهم إصدارات هذا المركز أو المجلس مجلة الفورين أفيرز "Foreign Affairs". ويضم المجلس كبار المسؤولين السياسيين ورجال أعمال وعلماء وصحفيون وحقوقيون بارزون. لذلك عندما نتحدث عن تمرير مواضيع تخالف الدين والأخلاقيات وتتم المصادقة عليها مثل الشذوذ الجنسي تحت مسمى "المثلية الجنسية" وتشريعها أخلاقياً وقانونياً وإعلامياً، علينا أن لا نستغرب وأن لا نستبعد هذا عن التجييش الطويل المدى. هذا النوع من العمل يحتاج إلى وقت زمني طويل من أجل اللعب على أراء الناس وقناعاتهم ومن ثم التعامل معها كحتمية، تشبه الحتميات التاريخية التي درسناها حول صعود وهبوط أمم. وعلينا أن نعي أن أهم أسباب سقوط الدولة الرومانية كان انتشار الشذوذ الجنسي ما بين قادتها وسياسييها الكبار، وثقافة عشق الغلمان انتشرت بقوة وخاصة في اواخر الدولة العثمانية، وهي ظاهرة تتفشى في عصر انحطاط الأمم، حيث تمثل هذه الحالة اهم مظاهر الضعف في الدولة قبل انهيارها، والدولة اليونانية قدست الجسد الذكوري وانهارت، وابتدأ اليوم الترويج بأن أفلاطون كان شاذاً جنسياً. وهذه الثقافة ستتسبب بانهيار حتى أصحابها في امريكا وأوروبا وأي دولة تغزوها هذه الحالة المرضية في العالم، وهم رواد حملة هذه الثقافة إلى بلادنا، والتي يفرز لها مساحات واسعة في الأفلام والمسلسلات الأميركية بالذات.
وهنا يمكننا أن نسمي مسلسلين، الأول "الجنس والمدينة" والذي بث ما بين الأعوام 1998- 2004 في أمريكا، ومن ثم قدم كفيلم من جزئين. وهو قصة ثلاث صديقات في الأربعينات من العمر ينتقلن للعيش في نيويورك منذ تخرجهن من الجامعة، اليوم المسلسل يعرض على OSN، وفي حلة جديدة وبلغت الصديقات سن الخمسين. خلال المسلسل تنشأ علاقة شاذة ما بين إحدى الصديقات، وهي أم وزوجة، مع إحدى المشاهير، وهي سحاقية، وببساطة تترك زوجها لتلتحق بها. والأسوء، أن صديقتيها تشجعانها على ذلك إذا ما كانت ترى أن سعادتها تتحقق بذلك.
وهناك مسلسل آخر خطير جداً، بعنوان "لوسيفر" أو "الشيطان"، من انتاج نيتفلكس. وهو يروي قصة الشيطان وقد هرب من عمله كحارس لباب جهنم. وهو يظهر عدائية كبيرة لأباه الرب الذي يفضل أحد أبنائه الملائكة عليه. يروي المسلسل بين الفقرات صراع الأخوة الملائكة، ويركز على الخلاف الأسري بين الرب وزوجته. يهرب لوسيفر من عمله ليعيش على الأرض وترافقه في هروبه إحدى العفاريت التي تقوم على خدمته وتمارس العلاقات الجنسية بشكل مفرط مع الرجال والنساء على حد سواء. وتمرر الشخصيات بجاذبية منقطعة النظير. ويقع لوسيفر في عشق إحدى المحققات، فيستخدم قدراته ويغوي الناس ليساعدها على التحقيق في جرائم القتل. تتطور الأحداث وبعد أن اعتاد المشاهد على تجول الشيطان خلال الحفلات الماجنة التي يقيمها والغنية بالخمر والمخدرات، وتظهر فيها حالة من النشوة والفرح الخياليتين، ليظهر أن المرأة التي وقع في حبها هي إحدى بنات الرب من إمرأة عادية، وكان الرب قد رسم خطة لإنجاب ابنة بشرية كي تعيد ابنه المفضل لوسيفر إلى رشده. وبالتأكيد مسلسل لوسيفر مليئ بالعلاقات الجنسية الشاذة التي تسمح للجنس الواحد النظر بشهوة إلى مثيله وإقامة العلاقات مع الجنسين، وتقدم بطريقة محترفة تجعل الأمر يبدو طبيعياً. والأكثر من ذلك أن المسلسل يقوم باستخدام قصص العهد القديم والقرآن من أجل تغيير المفاهيم حتى حول قصة الخلق وقصة آدم وحواء.
الخطير في هذين المسلسلين أنهما ليسا موجهان للشباب أو الصغار حتى ينتبه الأهل إلى ما يشاهده أبنائهم وبناتهم، إنه يستهدف الفئات العمرية في الثلاثينات والأربعينات وحتى الخمسينات. وإذا كنا نظن أن هناك استثناء لفئة عمرية ما فعلينا إعادة النظر، الجميع مستهدف، لأن المستهدف اليوم هو المجتمع بجميع فئاته القادرة على الإنتاج وحتى تلك تربي الأجيال الصاعدة، والهدف هو الفساد الجماعي للمجتمع.
والخطر الثاني، أنها ثقافة تحارب الأديان جميعها دون استثناء، وهي ثقافة تدعو باتجاه فناء المجتمعات الغنية منها والفقيرة، والمثقفين والجهلة والكبار والصغار على حد سواء. وأول من يقوم بحماية هذه الظاهرة وانتشارها، هم هؤلاء اللاعبون في دوائر القرار في الحكومة الأميركية والحكومات الغربية وحتى في الأمم المتحدة، ووقوف المنظمات الدولية وخاصة تلك التي ترعى حقوق النساء إلى جانب الشاذين جنسياً واعتبارهم قضية واحدة تتعلق بالمستضعفين بحسب الجنس، أو ما يصطلح عليه بالجندرية.
وأما الخطر الثالث، أن المحاكم في الولايات المتحدة تناصر الشاذين جنسياً ظالمين او "مظلومين". فقد نقل موقع البوابة أنه 22 من هذا الشهر قامت المحكمة الأميركية بتجريم أب كان يدافع عن ابنته المراهقة، والتي تبلغ الخامسة عشرمن العمرعندما حاول "متحول" جنسي شاذ يرتدي ثياب فتاة، اغتصاب المراهقة في داخل حمامات المدرسة، وعندما اعترض الأب على ما يحدث في المدرسة أمرت الإدارة باعتقاله وتم توجيه تهم الإرهاب إليه. تهمة، شن السيناتور الأميركي توم كوتون هجوماً قاسياً بسببها على القاضي الذي اتهمه، وقال أن الأب محمي بموجب الدستور الأميركي لأنه يدافع عن ابنته. أي أن اميركا اليوم تخالف الدستور من أجل حماية الشاذين جنسياً.
الأمر كما أشار السيد حسن نصرالله في الليلة الخامسة من عاشوراء هذا العام، أن القوة العظمى الأولى في العالم قررت نشر الشذوذ الجنسي وبإعتراف بايدن الذي أكد أن: "امريكا أمة مثلية". وأن هناك تعميم على السفارات في العالم من أجل خدمة هذا المشروع، وأننا سنشهد ضغوط على الحكومات القادمة. بالتأكيد لن يكون الضغط على أية حكومات، بل على الحكومات التي ستتلقى المساعدات من الأمم المتحدة أو الدول الأوروبية والأميركية، والأكثر تحديداً تلك التي تدار برعاية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. ولكن ما هو الهدف الكبر من هذه الضغوط؟ هنا يكمن السؤال الأهم.
هل هو الذهاب نحو انقطاع النسل؟ أو تحديد النسل وصولاً نحو المليار الذهبي الذي يتم الحديث عنه، والذي لم يتمكنون من الوصول إليه عبر نشر وباء كوفيد 19،هذا ممكن! ولكن الهدف اكبر من ذلك بكثير. إنه هدف له علاقة بالعقيدة التي يؤمن بها الصهاينة المسيحيون، وهي الإسراع ببناء الهيكل المزعوم الذي سيسكنه الأعور الدجال لمدة سبع سنوات قبل نزول المسيح، والمطلوب الفساد الكبير الذي سيسهل نزول الدجال. واذا ما دققنا خلال السنوات الأخيرة في الضغط الذي يمارسه الصهاينة على الفلسطينيين في القدس وفي الضفة الغربية، وعلى المصلين في المسجد الأقصى، والذي إزدادت وتيرته بأكثر من أي وقت مضى، والضغط الذي مارسه دونالد ترامب على الحكومات العربية من أجل توقيع اتفاقيات ابراهام، والتي يفترض أن تأتي بالسلام لدولة "اسرائيل" والدفع المتزايد نحو بناء الهيكل في مكان المسجد الأقصى قبل بلوغ دولة الكيان عامها الثمانين، عليه أن يضعنا في صورة الوضع الذي يدفع باتجاهه الصهاينة المسيحيون واليهوديون والمتأسلمون على حد سواء. وعلينا أن لا ننسى، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، إن الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون كان عضواً مكرساً في البستان البوهيمي، الذي هو أحد مكونات نادي بلدربيرغ الخمسة الأساسية، والذي تمارس فيه في كل عام طقوس عجائبية بوهيمية تتوسل الشيطان من أجل السلطة والمال، وغيره كثيرون.