إعداد: نسيب شمس
صدر في العام 1974 كتاب "جلوس صهيون والعرب" بالعبرية في تل أبيب، لمؤلفه "الياهو ايلات"، وفيه عرض وتحليل لعلاقات الوكالة اليهودية ومع الزعماء العرب في محاولة اتفاق عربي – يهودي، وذلك في الثلاثينيات والاربعينيات من القرن المنصرم، لعل هذا الكتاب وثيقة مفيدة عن الجذور التاريخية للمشروع الصهيوني في لبنان.
الجدير بالذكر، أن المؤلف الياهو ايلات كان شغل منصب أول سفير للكيان المؤقت في والولايات المتحدة، كما كان سفيراً في بريطانيا ورئيساً سابقاً للجامعة العبرية في القدس، والجدير بالذكر أن ايلات كان خلال السنوات 1934 – 1954 مسؤولاً عن علاقات الدائرة السياسية التابعة للوكالة اليهودية في القدس مع الأقطار العربية المجاورة لفلسطين. ولقد قام بجولات في هذه الأقطار وأقام علاقات وثيقة مع بعض الزعماء العرب. وكان ايلات خبيراً في شؤون الشرق الأوسط، كما تلقى دروسه في الجامعة العربية في القدس ثم في الجامعة الأميركية في بيروت خلال سنوات 1931-1934، وقد ساعدته معيشته في على إقامة سلسلة من العلاقات مع الزعماء السياسيين اللبنانيين وبعض رؤساء الطوائف.
يحتوي كتاب "جلوس صهيون والعرب" على مادة غنية عن اتصالات الياهو ايلات العربية، وعلى تقارير تنشر للمرة الأولى ومعلومات وأبحاثاً مختلفة تجمعت لدى الدائرة السياسية في الوكالة اليهودية.
ولعل القيمة السياسية التي يبرزها الكتاب هي للاتصالات مع الطائفة المارونية في لبنان. وخاصة بعد اقتراح لجنة بيل الملكية كحل مشكلة فلسطين التقسيم وإقامة دولة يهودية في قسم من فلسطين. وقد شارك حاييم وايزمان بشكل فعال في الاتصالات والتقى برفقة الياهو ايلات بطريرك الطائفة الماروني أنطوان عريضة والرئيس اللبناني إميل اده.
يذكر ايلات": " لقد تفهم رؤساء كنيسة الطائفة المارونية ورئيس لبنان في تلك الأيام اميل إده، الأهداف الصهيونية في فلسطين وأيدوها لأنهم رأوا في إقامة دولة يهودية في فلسطين تقوية لأمن لبنان السياسي ومحافظة على مكانته المستقلة حيث تحيط به الدول الإسلامية المعادية لوجوده".
ويضيف "ايلات": " كانت لنا علاقات وثيقة مع رأس الكنيسة المارونية البطريرك أنطون عريضة وأعوانه. وكذلك مع الرئيس اللبناني إميل إده، فأقمنا مع الاثنين اتصالات مستمرة. وكانت أهمية هذه الاتصالات تزداد كلما نمت الآمال بقيام لجنة بيل الملكية بالتوصية بتقسيم البلاد. وكان علينا أن نستوضح من البطريرك عريضة والرئيس إده إلى أي حد نستطيع أن نتعاون مع أصدقائنا في لبنان عندما تصل خطة التقسيم الى طور التنفيذ وتعيين حدود الدولة اليهودية المنشودة، لذلك علينا أهمية كبيرة لوجود حدود مشتركة بين الدولة اليهودية ولبنان، وكنا نعتقد أن وجود تشابه بين موقف الرئيس اللبناني والبطريرك الماروني من جهة وبين موقفنا من جهة أخرى سيساعدنا في الحصول على تأييد فرنسا والفاتيكان.
يتحدث "ايلات" عن زيارته لمقر البطريركية المارونية في بكركي، ولقاءه مع البطريرك عريضة في مطلع آذار/مارس1937، وأبلغه البطريرك يومذاك عن عزمه السفر الى روما للقاء البابا، ومن ثم سيزور فرنسا، وذكر أن علاقات طائفته بسلطات الانتداب متأزمة، بسبب تدخلات الموظفين الفرنسيين، أضف الى أزمة امتياز الدخان. وقال له البطريرك أنه يأمل لقاء رئيس الوزراء الفرنسي ليون بلوم (هو أحد زعماء الاشتراكيين اليهود)، وأنه خلال اللقاء به سوف يعلن أمامه عن تأييد الصهيونية وللمشروع اليهودي في فلسطين.
ويذكر "ايلات"، أنه اثناء زيارته بيروت ايضاً التقى الرئيس اللبناني إميل إده. ويقول ايلات أنه اقترح على إده الذي تتزامن زيارته لفرنسا مع زيارة البطريرك عريضة أن يلتقوا هناك حاييم وايزمان، وقد وافق الاثنان على الاقتراح "بحماسة".
الملفت أنه قبل سفر البطريرك الماروني عريضة أقامت الجالية اليهودية في لبنان حفل استقبال ملكي له في الكنيس الرئيسي في حي اليهود في بيروت، وهناك ألقى خطاباً لم يبارك ويمدح فيه الجالية اليهودية في لبنان فحسب، فإنما أيضاً الاستيطان الصهيوني في فلسطين. ومما قال عن اليهود في خطابه: "أخوة المصير والأهداف للمسيحيين في لبنان"، كما يذكر ايلات، ويضيف أن الخطاب نشر على نطاق واسع في الصحف اللبنانية، وتعرض لحملة شديدة من الصحف الإسلامية المعادية للطائفية المارونية ورئيسها.
وكتب الياهو "ايلات" عن لقاء دوف هوز أحد قادة الحركة الصهيونية مع البطريرك عريضة، حيث طلب دوف من قادة الطائفة المارونية أن يكونوا على أتم الاستعداد عند تحديد خارطة تقسيم فلسطين، بحيث تجري المحافظة على الإبقاء على حدود متواصلة مشتركة بين الدولة اليهودية ولبنان، شرط ألا تكون هناك مناطق إسلامية تفصل بين البلدين، واقترح دوف على البطريرك أن يطرح هذا الموضوع في جميع لقاءاته التي سيجريها في أوروبا.
أما عن لقاء البطريرك عريضة وحاييم وايزمان، فقد شكر الأخير البطريرك، على خطابه في الكنيس اليهودي في بيروت، ورد البطريرك قائلاً إن خطابه "ليس سوى تكرار لأقوال سبق وأن قالها علانية وأكثر من مر"ة، وأنه "يؤمن إيماناً تاماً بأن على اليهود والموارنة العيش بسلام معاً وتقديم المساعدة لبعضهم بعضاً" حسب ايلات.
وتابع "ايلات" أن "البطريرك عريضة أكد بانفعال بارز أن السوريين يثيرون مسلمي لبنان ضد جيرانهم المسيحيين في الدولة، وأضاف أن أخطاراً كبيرة ستقف أمام المصالح الفرنسية نفسها في المنطقة، إذا أعطيت حرية تامة لسورية المسلمة. فلبنان هو عكاز فرنسا في الشرق العربي، وعلى ليون بلوم أن يقوي هذه الدعامة بكل ما في استطاعته".
ويذكر "ايلات" أن "البطريرك قد طلب من وايزمان أن يؤمن كيان لبنان المستقل، وأن يدافع عنه ضد نوايا المسلمين".
لا شك، أن العلاقات بين البطريركية المارونية والوكالة اليهودية، قبل استقلال لبنان كانت وثيقة وقوية، أفضت في النهاية عن معاهدة تفند العلاقات والتعاون والتنسيق يومذاك.
أما اليوم، لبنان يعيش على وقع واقع مختلف، ولكن يبدو أن عقلية الغيتو عبر الفيدرالية ما زالت تراهن على ما خلف الحدود لتغيير واقع الحدود داخل الوطن الذي رسم حدوده بدماء شهداء المقاومة ويحميها بسواعد الاحياء من المقاومين.