عبير بسّام
عند الحديث عن النظام العالمي الجديد، والذي يتحدث عنه عند كل مفرق طرق هام في تاريخنا الحديث رؤساء أمريكا، فمن المفيد أن نحقق في الأمر من أوجه عدة وأهمها الوجهان المالي والديني. لأنه إذا ما أردنا ان نعرف كيف استطاع الغرب دفع الناس للهجرة إلى العالم الجديد، فعلينا أن نبحث في الوعود التي أعطيت للناس حول ارض الميعاد الذي منحها الله لعباده المختارين في اوروبا البيضاء. تماماً وبنفس الزخم، الذي نتحدث عنه حول إغراء اليهود في أوروبا للتوجه نحو فلسطين من أجل إعادة بناء الهيكل ونزول المسيح المخلص لليهود والبشرية. وعلينا أن نبحث في هذا وذاك عن الإغراء الأكبر في الحياة لما له علاقة بالسلطة المطلقة.
بالطبع ليس من الصعب الإستنتاج، أي من أرض الميعادين علينا أن نلاحق قصتها! وملاحقة النسخة الصهيونية المسيحية، والتي جعلت من يهود العالم كبش محرقة في فلسطين بعد تعبئة الرؤوس بأن على يهود العالم التوجه من أجل بناء دولة اسرائيل الآمنة، وبناء المعبد تحضيراً لنزول المسيح عليه السلام. اذ تحدث الكثير من الكتاب الأميركيين حول هذه القناعة، وأن رؤوساء وقيادات اميركية كبيرة تعمل على تحقيق هذا الهدف، ومنهم جورج بوش الإبن ونائبه ديك تشيني ومايك بنس نائب دونالد ترامب وجون بولتون، سفير الولايات المتحدة في مجلس الأمن إبان حكم بوش الإبن وبرنارد لويس وصامويل هنتنتغتون وهنري كيسنجر وبول وولفيتز... وغيرهم وغيرهم، والذين قادوا المراحل ما قبل وما بعد غزو العراق في العام 2003، ووضعوا خطط الغزو منذ استلام جورج بوش الإبن السلطة في العام 2001.
منذ العام 2017 يتزايد تدفق المصلين اليهود إلى المسجد الأقصى، بالطبع التدفق "للصلاة" خلال أعياد اليهود ليس حدثاً جديداً منذ احتلال القدس الشرقية في حزيران/ مايو العام 1967، ولكن الجديد هو الصراع المستميت من أجل اتمام مراحل بناء الهيكل المزعوم منذ بدء حملات توقيع اتفاق ابراهام، وكأن هناك شيء يستعجلون حصوله.
يقول "إيد روجرز" على موقعه " edrodgers.net"، "من أفضل المؤشرات على أننا في الأيام الأخيرة هو نوع من التغيير الدراماتيكي الذي يحدث في جبل الهيكل، نوع من التغيير سيسمح ببناء الهيكل الثالث، المعبد الذي سيدخله المسيح الدجال ويتنفس في منتصفه، خلال فترة السبع سنوات، والتي تسمى زمن "أزمات يعقوب". لكن في الوقت الحالي، يبدو ذلك مستحيلًا نظرًا لأن قبة الصخرة تقع حيث سيتم وضع المعبد".
"روجرز" ناشر في المجلات المسيحية الوطنية. وهو أستاذ محاضر على مستوى الجامعات وضيف في البرامج الدينية المسيحية. تطوع في العام 2008 مع منظمة سفراء المسيح الدولية، وقد قام بتدريب رعاة الكنائس في دول العالم الثالث. ويعمل أيضاً كممثل منطقة لأصدقاء إسرائيل المسيحيين في القدس. وهو يستخدم موهبته في الوعظ من أجل نشر الوعي من اجل رؤية ما يجري من وجهة نظر الله، لأنه يؤمن بأن العالم يعيش الأيام الأخيرة قبل ظهور المسيح، لذا على العالم التركيز.
وفي الحقيقة هذه النقطة بالذات هي سبب عدم قناعة اليهود الحريديم بما يحدث من فرض للدولة في فلسطين، لأن الدولة يجب أن تأخذ مسارها التاريخي وألا تفرض فرضاً، وأنهم ليسوا إلا كبش فداء في هذه المؤامرة.
إن الوعد ببناء الهيكل جاء بناء على عقيدة مكرسة ما بين المسيحيين المتصهينين، وهو كلام موثق في كتاباتهم، والتي تتحدث عن أرض الميعاد والوعد المرتبط بالقيامة الثانية للمسيح، والتي تؤدي إلى إبادة اليهود وتجلب معها الخلاص. ومايك بينس، نائب ترامب كان احد المساهمين في الدفع نحو إعلان القدس عاصمة أبدية للكيان، وهو ليس الكاثوليكي الوحيد، إذ أن هناك حوالي 100 مليون كاثوليكي أميركي يعتنقون فكرة المسيحية الصهيونية، وهنا علينا أن لا ننسى تصريح جو بايدن، الكاثوليكي، في هذا العام في تموز 2022، من مطار اللد في فلسطين حين قال: "أنا صهيوني ولا يتعين على المرء أن يكون يهوديا لكي يكون صهيونياً".
في الأسبوع الأول من هذا الشهر نشرت هآرتس مقالاً بعنوان: "الهدف بناء الهيكل"، ويأتي في المقال إشادة من قائد لواء شرطة القدس، دورون تورجمان، في وسائل الإعلام حول تصرفات "إدارة جبل الهيكل"، التي بحسب تورجمان الذي اجتمع معهم قبل الأعياد: "[لأنهم] يقودون الهجرة معنا". وتوضح الصحيفة العبرية أن اسم "إدارة جبل الهيكل"، اسم اختارته حركات المعبد لمجموعة من "نشطاء المعبد". وهم ناشطون منذ فترة من داخل إدارة جبل الهيكل، وهم ليست جهة حكومية وتعتبر قيادة شرطة العدو أنهم يعملون بسرعة لإلغاء حالة الوضع الراهن في المسجد الأقصى. وهي محطة هامة نحو الهدف المنشود وهو بناء الهيكل في مكان مسجد قبة الصخرة، وليس في مكان هيكل الصخور القائم حالياً.
ويُعد كلٌّ من يائيد لبيد، رئيس وزراء الكيان، وعومر بارليف، رئيس الأمن الداخلي في الكيان، شركاء في سياسة الحركة، وهؤلاء شركاء يسعون نحو تقييد أوقاف المسجد، وحتى أن الأوامر صدرت بطردهم على الرغم من العلاقة مع الأردن، الذي يعتبر نفسه قيماً على هذه الأوقاف، ويتساءل المقال عن مدى تأثير هكذا إجراء على عملية السلام مع الأردن.
الإستعدادات لا تقف عند ذلك، فقد نشر موقع معهد الهيكل مقالاً يرحب به باستقبال العجول حمراء، التي وصلت إلى الكيان. ففي 15 أيلول/ سبتمبر 2022 ، وصلت 5 عجول حمراء كاملة "لا تشوبها شائبة إلى إسرائيل من الولايات المتحدة الأمريكية. وأقيمت لها مراسم متواضعة عند تفريغها من معبر الشحن بمطار بن غوريون، حيث تم الترحيب بالوافدين الجدد وألقيت الخطب من قبل الأشخاص الرائعين الذين وضعوا قلوبهم وأرواحهم ووسائلهم لجعل هذا اليوم التاريخي / النبوي يصبح واقعاً". وتم استقبال العجول من أجل التحضير لزيارة مكان المعبد منذ أيام، في عيد الغفران اليهوديي، والذي دفع بسببه نشطاء الهيكل المصلين الصهيانة للتدافع نحو التوجه إلى باحة مسجد الصخرة، والتي يعتبرها هؤلاء موقع الهيكل المزعوم الأساسي.
يشرح مدير معهد الهيكل في القدس الحاخام حاييم ريتشمان في تصريح له في العام 2014، أن يوم الحداد الذي يأتي في التاسع من آب/ أغسطس “لا يتعلق بالحزن على الهيكل. إنه يتعلق بإحباط العالم بدون الهيكل عالم فقد نوره ولونه واتجاهه". وفقًا لاستطلاع حديث أجرته صحيفة "هآرتس"، أن ثلث الإسرائيليين يعتقد أنه على إسرائيل تشييد الهيكل في الحرم القدسي.
تؤمن المسيحية الصهوينة تؤمن بأن الوقت حان للظهور الثاني للمسيح التي تبدأ مع نهاية العام 2017، وأتباع هذا المعتقد يرون أنهم الرومان الجدد في العالم الغربي، والذي يدعم نشأة دولة إسرائيل ويدعمها في كل المحافل الدولية. ولذا يقول روجرز: "يعتقد الكثيرون أن بناء الهيكل لن يبدأ حتى يأتي المسيح الدجال، متنكرا كعميل سلام يفاوض من أجل السلام في القدس بين إسرائيل وأعدائها، مما سيسمح بالبدء ببناء الهيكل. يعتقد الكثيرون أيضًا أنهم سيختطفون إلى الجنة قبل حدوث أي من هذا". ثم يتساءل الرجل حول ماذا لو بدأ زمان البناء ولم يتغير شيء؟ ويجيب، أن العديد من المشاركين في بناء معهد الهيكل يعتقدون أن الله سيتدخل بطريقة ما لتحقيق ذلك، ولكن المشكلة في إنعدام الخطط نحو إزالة مسجد قبة الصخرة. الكلام كتبه روجرز في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، وكان يعتقد أن البناء سيبدأ خلال أسابيع، ولكنه يؤكد إن لم يحدث ذلك، فعلينا انتظار تدبير الرب. وهو يستند بقوة إلى المعتقدات المسيحية الصهيونية في جميع كتاباتها، ويؤكد أن مجموعات "الرابتشرز"، تعتقد بهذا الكلام بقوة، وأنه عندما ينزل المسيح بعد بناء الهيكل، فإن القلة المختارة، التي ساهمت في بناء الهيكل سيصعدون إلى السماء لحكم الأرض.
هذه القلة المختارة ليست إلّا تلك، التي تجتمع كل عام في مؤتمر بيلديربيرغ، وقد قلنا، على موقع العهد، الكثير حول ذلك. هذه المجموعات ليست إلّا أعضاء في الماسونية العالمية، والتي تعمل على بناء الهيكل من أجل نزول المسيح الدجال ذو العين الواحدة، وفي هذا كلام كثير. ولكن الأهم في القضية، أن النظام العالمي الجديد وبناء الهيكل وظهور الدجال، مرتبط بعضه ببعض وببناء النظام المالي العالمي الجديد الذي سيكون مركزه بإعتقادهم في فلسطين، بعد انهيار الولايات المتحدة، التي قامت بدورها على أكمل وجه نحو قيامة الدولة اليهودية، وسيبتدأ عالم جديد بالنهوض. ولكننا نعتقد بغير ذلك بالتأكيد! فمع اندلاع انتفاضة الضفة الغربية في فلسطين، ومرابطة الفلسطينين في المسجد الأقصى وانضمام بيت لحم للثورة، بات حلم الهيكل أبعد بكثير.