د. علي دربج باحث ومحاضر جامعي
يبدو ان حظوظ الرئيس الامريكي جو بايدن وامكانية تأييده من قبل الديمقراطيين للترشح لولاية ثانية لرئاسة الولايات المتحدة، قد بدأت بالانتعاش مؤخرا، وإن كانت مشروطة بالعامل الصحي، والعقل السليم (وهذا لا يمكن ان يضمنه احد)، خصوصا وان نجاحاته في تنفيذ اجندته ــ التي وعد بها خلال حملاته الانتخابية ــ شكلت له دافعا ورافعة لخوضه غمار السباق الرئاسي مجددا، في ظل عدم وجود بديل ديمقراطي منافس له حتى الان.
ما مدى قبول الديمقراطيين لترشح بايدن لولاية ثانية؟
غني عن التعريف، ان بايدن كان قد فاز في انتخابات العام 2020 بسبب قدرته على اجتذاب الناخبين آنذاك، وتوحيد صفوف "الحزب الديمقراطي" بمواجهة جبهة الجمهوريين. أما حاليا وبعد تراجع كبير خلال العام الماضي والشهور الفائتة، فقد ارتفعت نسبة الموافقة على بايدن في الأسابيع الأخيرة إلى حد كبير، بعد تحسن وضعه بين الديمقراطيين.
وفي هذا السياق ذكرت وكالة أسوشيتد برس، على سبيل المثال، في وقت سابق من هذا الشهر أن "78 % من الديمقراطيين، يوافقون على أداء بايدن الوظيفي، حيث شهدت هذه النسبة ارتفاعا قدّرت بحوالي 65 % عن شهر تموز/ يوليو الماضي". فيما وافق 66 %، من الديمقراطيين، على أداء بايدن الاقتصادي، بعدما كانت النسبة 54 %، في حزيران/ يونيو الفائت".
بموازاة ذلك، اكد أحدث استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "مورنينغ كونسلت"، وصحيفة بوليتيكو في 28 الشهر المنصرم، على هذا الاتجاه، إذ أظهر الاستطلاع أن "الحزب الديمقراطي" بات اكثر استعدادا لاحتمال إعادة انتخاب بايدن. وبحسب الاستطلاع: "قال
ما يقرب من 3 من كل 5 ناخبين ديمقراطيين ( اي %6) إن بايدن يجب أن يرشح نفسه لإعادة انتخابه في عام 2024. بعدما كانت هذه النسبة منخفضة في اوائل تموز/ يوليو، وكانت قد بلغت حوالي 51 %، قبل أن يمرر الكونغرس قانون خفض التضخم ، وهو الإنجاز التشريعي المميز للرئيس الأمريكي لهذا العام.
المفاجئ في الامر، ان وخلال الفترة الزمنية نفسها، وجدت استطلاعات منفصلة أجرتها مؤسسة "مورنينغ كونسلت"، أن نسبة الناخبين الديمقراطيين الذين قالوا إن بايدن يفي بوعوده ارتفعت ـ من 50 %، في استطلاع كان اجري بين 7 و 9 تموز/ يوليو الماضي، الى حوالي 69 % هذه الايام. أي أن هناك زيادة بنسبة 20 نقطة مئوية بين الديمقراطيين أولئك الذين سمعوا أخبارا إيجابية عن بايدن".
ما هي أسباب تحسن وضعية بايدن الانتخابية؟
في الحقيقة، تعود أسباب تحسن مكانة بايدن بين الديمقراطيين، الى جملة من العوامل والعناصر الداخيلة، حيث ينسب الديمقراطيون هذا الارتفاع بشكل متزايد إلى وفاء الرئيس بوعوده الانتخابية والتي يمكن تلخيصها بالاتي:
1 ــ تعيين امرأة أميركية من أصل أفريقي في المحكمة العليا (بالإضافة إلى أكثر من 80 قاضيا متنوعا في المحاكم الدنيا).
2 ــ نجاحه في اقرار خطته التاريخية الضخمة للبنية التحتية بقيمة 1.2تريليون دولار.
3 ــ تنفيذه وعد كان قطعه خلال حملته الانتخابية، وهو استثمار ما يقرب من 370 مليار دولار لمشاريع بمجال الطاقة الخضراء ولمبادرات بمجال المناخ.
4 ــ قيامه بإصلاحات تتعلق سلامة الأسلحة، بهدف خفض نسبة الجرائم غير المسبوقة في أمريكا ( المفارقة انها لم تشهد اي تراجع ملحوظ لغاية هذه اللحظة).
5 ــ استثماره حوالي 64 مليارا، للإنفاق على الصحة، فضلا عن اتخاذه تدابير للحد من تكاليف الرعاية الصحية (على سبيل المثال، وضع حد أقصى لأسعار الأنسولين، والسماح لبرنامج الرعاية الطبية بالتفاوض على تكاليف الأدوية، ومعالجة "الخلل الأسري" في قانون الرعاية بأسعار معقولة).
وبناء على ذلك، يرى سياسيون امريكيون، انه يجب على الديمقراطيين الذين قد يفضلون شخصية نارية أو متحدث أكثر إلهاما، أن يجدوا القليل ليشكوا منه عندما يتعلق الأمر ببايدن الذي يحقق أجندة الحزب.
ماذا حقق بايدن لحزبه مقارنة بالرؤساء الديمقراطيين السابقين؟
صحيح ان بايدن لم يفز في خطته الطموحة لإعادة البناء بشكل أفضل، أو يحقق إصلاحاته الكاملة (التي كان يأمل بها) المرتبطة بحقوق التصويت، لكنه يمكن القول إنه قدّم للديمقراطيين في غضون عامين، أكثر من أي رئيس منذ ليندون جونسون (الذي كان وقع في 1964 ـ مع الاستفادة من الأغلبية الضخمة للديمقراطيين في الكونغرس آنذاك ـ على قانون حقوق التصويت، وقانون الفرص الاقتصادية الأساسي في الحرب على الفقر، والمساعدات الفيدرالية للتعليم، وتوسيع نطاق الرعاية الطبية، وتشريع إنشاء المؤسسة الوطنية للعلوم والفنون الإنسانية).
علاوة على ذلك، وفي الوقت الذي يصر فيه الكثيرون في وسائل الإعلام الامريكية على أن الرئيس السابق دونالد ترامب (الذي أصبح اسمه موازيا للفضائح و الارتكابات) قد عزز قبضته على الحزب الجمهوري، لكن الحقيقة، واستنادا لخبراء الانتخابات الامريكيين، فان بايدن، هو في الواقع الذي أعاد تأكيد دعمه الواسع. وبالتالي إذا استمرت هذه الوتيرة التصاعدية في نسب التأييد لبايدن ، فمن الصعب تخيل بايدن يرفض فرصة الترشح لولاية ثانية ، بشرط أن تبقى صحته قوية وسليمة.
وفي هذه النقطة، قد يكون من المفيد التذكير، انه سبق وحصلت عدة حالات تخلي رؤساء امريكيين عن الترشيح لولاية ثانية (اما طواعية او قسرا)، وابرزهم الرئيس الأمريكي الأسبق ليندون بي. جونسون، الذي كان قرر عدم الترشح لإعادة انتخابه بعد أدائه الضعيف نسبيا في الانتخابات التمهيدية في نيو هامبشاير عام 1968 (بسبب حرب فيتنام التي فاقمت السخط الشعبي عليه، بشكل متزايد). إضافة الى ذلك، كان آخر رئيس تخلى طواعية عن فرصة ولاية ثانية هو الرئيس التاسع عشر لأمريكا رذرفورد ب. هايز، والذي كان انتخب في عام 1876.
في المحصلة، ينقل مقربون من بايدن، انه يجب القول دائما، "لا تقارني بالالهة العظيمة، قارني بالبديل". لذا بالنسبة للديمقراطيين، يبدو بايدن، حاليًا أفضل بكثير من البديل، لا سيما أنه لا يوجد بديل ديمقراطي لامع حتى الآن. وفقًا لذلك، ارتفعت فرصه في أن يكون مرشحًا في عام 2024 بشكل كبير.