مقدمة:
في إطار الجدل الحاصل هذه الأيام في الكواليس الأوروبية وداخل أروقة حلف الناتو، حول تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وارتداداتها غير المحسوبة على القارة العجوز ومصالح الغرب عامة. وتحت زخم القنابل والمعارك، والبروباغندا الإعلامية التي يقودها الغرب بهدف احباط الطرف الروسي ومحاصرته، يزداد الأوروبيون يقينا كل يوم بأنّ المخاطر والارتدادات الغير محسوبة، ستؤدي الى حالة من الخراب العام الذي قد يفشلون في مواجهته في وقت بدت شعوب هذه الدول تشعر بخطورة الأوضاع، خاصة امام ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الأساسية وظهور ازمة اللاجئين والنازحين هربا من المعارك وغيرها من الازمات والمشاكل. في هذا الإطار، يبدو انّ إعادة اثارة موضوع عدم التزام الناتو باتفاقه مع روسيا حول عدم التوسع شرقا، من خلال رفع السرية عن وثيقة من عام 1991، بشأن عدم توسيع الناتو نحو أوروبا الشرقية، تأكيد جديد على رغبة أوروبية جامحة في وقف نزيف المواجهة مع روسيا والاتجاه نحو اخماد الازمة تحساب لاي تداعيات سلبية قد يكون غرب أوروبا اهم ضحاياها ان لم نقل العالم كله.
من هنا ظهر الجدل في كواليس السياسة الأوروبية وداخل أروقة حلف الناتو. من هذا المنطلق تبرز النقاط التالية:
1-رفع السرية عن محاضر الجلسات الموجودة في الأرشيف الوطني البريطاني ، بحسب ما نشرته الصحيفة الألمانية دير شبيغل، الى جانب ما نشر سابقا من وثائق لدى أرشيف الامن القومي الامريكي، والمتعلقة بموضوع الاتفاق بين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي بتوحيد المانيا وعدم التوسع شرقا، يثير التساؤل حول الموقف البريطاني مما يحصل في الحرب الروسية الأوكرانية، -خاصة وان رفع السرية مرتبط بمحاضر الجلسات التي سجلت اللقاء الأمريكي الروسي للاتفاق حول مصير شرق أوروبا بعد سقوط الاتحاد السوفياتي-ويكشف عن التخوفات من تمدد هذه الحرب الى غرب أوروبا وضربها لألمانيا وفرنسا وبالتالي وصولها الى حدود بريطانيا. يذهب الاعتقاد الى ان الكشف عن هذا الأرشيف الان هو تأكيد على خطورة ما يحصل وارتداداته على دول القارة الاوربية. فبريطانيا لا ترغب في المواجهة مع روسيا (على الرغم من انها في الحضن الأمريكي)، وهي أيضا قلقة من التأثيرات السلبية لهذه الحرب على المانيا والتي ستكون الضحية الأولى لهذه الارتدادات السلبية، وكذلك فرنسا. من المؤكد ان لبريطانيا رغبة في توسيع النفوذ والهيمنة على أوروبا، ومن المؤكد أكثر ان خروجها من بريكس كان أحد أسبابه، هو رغبتها بالفردانية والتسلط الأحادي، لكن سياسييها يدركون تمام الإدراك ان ذلك الامر لن يتحقق في ظل أوروبا ساقطة ومنهارة في يد روسيا. تأكد رفع السرية عن هذه المحاضر
2-يكشف الجدل الحاصل في الكواليس الأوروبية التي يبدو ان زخم المعركة العسكرية الروسية بدأ يشعرها بالقلق من تمدد نيران الحرب الى دولها التي تعاني من ركود اقتصادي كبير وازمات متراكمة، ليس اقلها ازمة انتشار وباء كورونا الذي لا تزال تداعياته السياسية والاقتصادية عالية.
3-يكشف رفع السرية عن هذه الوثيقة أن الغرب وعلى راسه الولايات المتحدة الامريكية لا يحترم وعوده ولا التزاماته في الخيارات والسياسات التي يضعها ويتبناها وفقا لمصالحه.
3-تؤكد هذه الوثيقة ما عرضه الرئيس الروسي من حجج وبيانات عند إعلانه على العملية العسكرية والتي جاءت بالأساس ردا على التحرك الأمريكي والغربي باتجاه ضم أوكرانيا الى حلف الناتو.
4-تؤكد هذه الوثيقة ان الغرب منقسم حول روسيا، فالموقف الألماني يبدو الأكثر وضوحا باعتبار الدخول في مواجهة مع روسيا امرا خطيرا لا يخدم المصالح الأوروبية وسيكلف هذه الدول غاليا، خاصة إذا ما تمدد النزاع ليشمل دولا أخرى في القارة الأوروبية. إضافة الى ذلك يكشف عدم تحمس الفرنسيين لهذه الحرب التي يعتبرونها ازمة خطيرة قابلة للانتشار والتوسع.
5-تكشف الوثيقة الجدل الحاصل داخل الأوساط الأوروبية حول مسألة توسيع حلف الناتو وما يترتب عنه من تداعيات مثقلة على اقتصادات الدول الأعضاء ونفوذها.
6-تحاول هذه الوثيقة اسقاط حجج الرئيس الروسي فيما يخص مسالة انضمام أوكرانيا الى حلف الناتو بالتأكيد على عدم صحة هذا القرار بسبب ما يسمى بعدم الوفاء بالمعايير المطلوبة لاكتساب خطة عمل عضوية ما قبل الانضمام النهائي. لكن لا ينفي الغرب او دول الحلف رغبتهم في ضم دول أخرى مثل البوسنة والهرسك والتي يشكل انضمامها تهديدا للأمن القومي الروسي كما يراه بوتين. فالمسالة لا تتعلق فقط بأوكرانيا انما بكل دول الشرق الأوروبي.
7-تكشف الوثيقة الجدل حول مدى قانونية هذه الوثيقة من عدمه وان كانت بالفعل وثيقة ملزمة للأطراف التي اتفقت على تفاصيلها كما يدعي الروسي، او انها مجرد اتفاق شفهي بين طرفين يحاولان لملمة اثار نهاية حقبة من الصراع البارد بين القطبين. يبدو ان أهمية الوثيقة تكمن في انها أولا اتفاق مكتوب، وهذا ما اثبتته الوثائق التي كشف عنها، وثانية فيها إشارة واضحة لوجود التزام مشترك بين روسيا والولايات المتحدة بوقف الحرب الباردة، وتقاسم النفوذ والمصالح في أوروبا، مع احترام احقية روسيا في السيطرة على شرق أوروبا دون تدخل حلف الناتو.
7-يدخل الكشف عن هذه الوثائق في إطار الحرب الإعلامية الدائرة حاليا بين روسيا من جهة وحلف الناتو والولايات المتحدة الامريكية من جهة أخرى.
الموقف الأوروبي في صحيفة دير شبيغل:
لسنوات طويلة، نفى المسؤولون في منظمة حلف شمال الأطلسي وجود وثيقة مكتوبة من شأنها أن تحد من توسعها باتجاه الشرق بعد سقوط الاتحاد السوفيتي. ومع ذلك، وفقًا لصحيفة Der Spiegel الألمانية، فإن مثل هذه الوثيقة موجودة بالفعل. تم توقيع الاتفاق في عام 1991، من قبل ممثلي أمريكا، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، في إطار الاتفاق المتعلق بإعادة توحيد ألمانيا. وتؤكد المجلة الألمانية بالفعل اتهامات روسيا بانتهاك الناتو للاتفاق. يأتي اكتشاف هذه الوثيقة المكتوبة في الوقت الذي أكد فيه الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ ولا يزال يؤكد أن لا أحد قدم مثل هذه الوعود للاتحاد السوفيتي. الوثيقة المكتوبة، هي بمثابة محضر جلسات، وفقًا لـ Der Spiegel، تم اكتشافها في الأرشيف الوطني البريطاني بواسطة جوشوا شيفرينسون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بوسطن. في السابق، تم تصنيف المستند على أنه "سري"، ولكن تم رفع السرية عنه لاحقًا.
نشر جوشوا شيفرينسون، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية في كلية فريدريك إس باردي للدراسات العالمية بجامعة بوسطن، مقال لـ PolitiFact حول الادعاءات القائلة بأن منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) هي المسؤولة عن تعدي روسيا على أوكرانيا. المقال، الذي يحمل عنوان "مزاعم التحقق من صحة أن الناتو والولايات المتحدة خرقوا اتفاقًا ضد توسع الحلف شرقاً"، يستكشف ادعاء المعلق المحافظ كانديس أوينز بإصراره على أن الناتو، وبتوجيه من الولايات المتحدة، انتهك الاتفاقات السابقة مع روسيا من خلال التوسع شرقا. بيان، ردده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ومع ذلك، أشار الناتو رسميًا إلى أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق من هذا القبيل وأن أبوابه مفتوحة دائمًا للأعضاء الجدد.
عرضت صحيفة دير شبيغل هذا الجدال في مقال نشر على موقعها بتاريخ 15 فبراير 2022، تحت عنوان"توسع الناتو شرقاً هل فلاديمير بوتين على حق؟". يشير الكاتب الألماني كلاوس ويجريف، الى أن فلاديمير بوتين يصرّ على ان الغرب خدع روسيا بموضوع توسع نفوذ الناتو شرقا بعد نهاية الحرب الباردة. لكنّ يبدو ان الامر معقّد جدا. في سبتمبر 1993، كتب الرئيس الروسي بوريس يلتسين رسالة طويلة إلى الرئيس الأمريكي بيل كلينتون. وبدأت الرسالة الموجهة إلى "عزيزي بيل" بالإشارة إلى "تبادل صريح للآراء" بين الزعيمين. ثم رحل يلتسين. كانت بولندا والمجر وجمهورية التشيك مهتمة بالانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ، الأمر الذي أثار قلق الرئيس الروسي. وأشار يلتسين، بالطبع، إلى أنه يمكن لكل دولة أن تقرر بنفسها التحالف الذي ترغب في الانضمام إليه. اعتبر الشعب الروسي تمدد حلف الناتو نحو الشرق بمثابة " الحصار الجديد لروسيا"، انها عزلة، ويجب اخذ ذلك في الاعتبار. أشار يلتسين أيضًا إلى المعاهدات 2+4 المتعلقة بإعادة توحيد ألمانيا في عام 1990. وكتب أن "روح المعاهدة" "تستبعد خيار توسيع منطقة الناتو إلى الشرق". في هذه الرسالة كانت المرة الاولى التي تتهم فيها روسيا الغرب بعدم احترام التزامه. وعلى الرغم من حقيقة أن الأمريكيين نفوا الاتهام، لم يتم العثور على حل للصراع - وهو وضع كان له عواقب وخيمة امتدت حتى يومنا هذا. نادرًا ما تسببت أي قضية تاريخية أخرى في تعقيد العلاقات بين موسكو والغرب على مدى العقود الثلاثة الماضية، مثل الخلاف حول ما تم الاتفاق عليه تحديدًا في عام 1990. في السنوات التي أعقبت إرسال يلتسين رسالته، قبل الناتو 14 دولة من شرق وجنوب شرق أوروبا في الحلف. واشتكى الكرملين من تعرضه للخداع في كل خطوة. في الآونة الأخيرة، اشتكى الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين قائلاً: "لقد خدعتنا بلا خجل. لم يعد غضب الكرملين يركز حصريًا على اتفاقية اثنين زائد أربعة، ولكن بشكل أساسي على جميع الاتفاقيات التي تم التفاوض عليها منذ سقوط جدار برلين. قال بوتين في أواخر كانون الثاني (يناير): "لقد وعدتنا في التسعينيات بأن (الناتو) لن يتحرك شبرًا واحدًا نحو الشرق". وهو يستخدم هذا التاريخ لتبرير مطالبه الحالية بضمانات مكتوبة بعدم قبول أوكرانيا أبدًا في التحالف الغربي. لكن هذا ليس كل شيء. في أواخر كانون الثاني (يناير)، كتب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف رسالة مفتوحة إلى نظرائه الغربيين أشار فيها إلى اتفاقيات إضافية. على وجه الخصوص، ركز على ميثاق الأمن الأوروبي، الراسخ في الاتفاقات التي تم التوصل إليها في عام 1990. اتفق الشرق والغرب في ذلك الوقت على أن لكل دولة الحق في الاختيار الحر للتحالف الذي ترغب في أن تكون جزءًا منه، مع التأكيد أيضًا على " عدم قابلية الأمن للتجزئة ". أصبح هذا لاحقًا" التزام كل دولة بعدم تعزيز أمنها على حساب أمن الدول الأخرى "، كما ذكر لافروف صراحة في رسالته. إذن، هل بوتين محق في أن روسيا خُدعت بتوسع الناتو باتجاه الشرق؟
لا يوجد نقص في الشهادات المختلفة حول المناقشات المختلفة بين الغرب وموسكو بعد سقوط جدار برلين. في عام 1990، اجتمع جيش حقيقي من السياسيين وكبار المسؤولين من موسكو وواشنطن وباريس ولندن وبون وبرلين الشرقية لمناقشة إعادة توحيد ألمانيا، ونزع سلاح الناتو، وميثاق وارسو، إضافة الى ميثاق جديد لمؤتمر الأمن والتعاون في أوروبا (CSCE) والتي أصبحت في عام 1995 منظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE).
اٍنّ ذكريات المتورطين ليست دائمًا متسقة. رولان دوماس، الذي شغل منصب وزير الخارجية الفرنسي في عام 1990، قال لاحقًا إنه تم التعهد بعدم اقتراب قوات الناتو من أراضي الاتحاد السوفيتي السابق. لكن وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جيمس بيكر نفى أن يكون مثل هذا الوعد قد قُطع على الإطلاق - وهو ادعاء عارضه بعض دبلوماسييه. وقال جاك ماتلوك، سفير الولايات المتحدة في موسكو في ذلك الوقت، إن "تأكيدات قاطعة" أعطيت للاتحاد السوفيتي بأن الناتو لن يتوسع شرقًا. نسخ الخطاب الذي ألقاه ميخائيل جورباتشوف، آخر زعيم للاتحاد السوفيتي، محيرة بشكل خاص. وفي إحدى المرات قال إن المستشار الألماني هيلموت كول والأمريكيين قد وعدوه بأن الناتو "لن يتحرك شبرًا إلى الشرق". ولكن في مرحلة اخرى، قال "لم تتم مناقشة موضوع توسيع الناتو أبدًا" - لكنه مع ذلك أصر على أن الغرب قد انتهك روح الاتفاقات التي تم التوصل إليها في ذلك الوقت.
لحسن الحظ، تتوفر العديد من الوثائق من مختلف البلدان التي شاركت في المحادثات، بما في ذلك مذكرات المحادثات ونصوص المفاوضات والتقارير. وفقًا لهذه الوثائق، أشارت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا إلى الكرملين أن عضوية الناتو لدول مثل بولندا والمجر وجمهورية التشيك غير واردة. في مارس 1991 وعد رئيس الوزراء البريطاني جون ميجور خلال زيارة لموسكو بأنه "لن يحدث شيء مثل هذا". أعرب يلتسين عن استيائه الشديد عندما تم اتخاذ الإجراء أخيرًا. أعطى موافقته على توسع الناتو شرقا في عام 1997، لكنه اشتكى من أنه يفعل ذلك فقط لأن الغرب أجبره على ذلك. بالطبع لا يوجد اتفاق ملزم قانونًا بين الطرفين للفترة التي أعقبت سقوط جدار برلين. يعتمد الحكم على ما إذا كان الغرب قد كسر كلمته كليًا على الكيفية التي يعتقد بها المرء أن التأكيدات التي قدمها ميجور والآخرون كانت ملزمة بالفعل.
بدأ القتال من أجل توسع الناتو شرقاً في يناير 1990 بمبادرة من وزير الخارجية الألماني هانز ديتريش غينشر. عبر أوروبا الشرقية، وفي خطاب ألقاه في 31 يناير 1990، اقترح غينشر، أن يصدر الناتو بيانًا يقول فيه: "مهما حدث لوارسو، لن يكون هناك توسع في أراضي الناتو شرقاً وأقرب على حدود الاتحاد السوفياتي ". لقي خطاب غينشر استحسان حكومات الحلفاء في بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا. وفي نقاش مع نظيره في لندن، قال غينشر إنه يحتاج إلى تطمينات بأن "المجر لن تكون جزءًا من التحالف الغربي في حالة تغيير الحكومة". بالمقابل وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر "لم يكن سعيدًا تمامًا" بالفكرة، لكنه اعتبرها "أفضل ما لدينا حتى الآن". كان الشاغل الرئيسي للحلفاء الغربيين هو ما إذا كانت ألمانيا الموحدة ستبقى في الناتو، ولم يكن مستقبل دول أوروبا الشرقية التي كانت جميعها لا تزال في حلف وارسو.
قدم غينشر وبيكر الفكرة إلى موسكو بشكل مستقل عن بعضهما البعض. وأكد وزير الخارجية الألماني للكرملين أن: "بالنسبة لنا من المؤكد أن الناتو لن يتوسع إلى الشرق. وهذا ينطبق بشكل عام خارج ألمانيا الشرقية". من جانبه، قدم الأمريكي "ضمانات صارمة بأن سلطة الناتو أو قواته لن تتحرك شرقًا". عندما قال جورباتشوف إن توسيع الناتو "غير مقبول"، أجاب بيكر، "نحن نتفق مع ذلك".
لاحقًا، سيقول بيكر إنه ركز اهتمامه حصريًا على ألمانيا. يبدو أنه كان غير مرتاح للتفاوض مع السوفييت على حساب بودابست ووارسو. كما قلل غينشر من أهمية زيارته لموسكو، قائلاً لاحقًا إنه أراد "رصد" الرد السوفيتي، لا أكثر. بعد ذلك بوقت قصير، بدأت مفاوضات 2 + 4، واستمرت حتى سبتمبر 1990. وقال غينشر إن السوفييت لم يعودوا أبدًا إلى قضية توسع الناتو في أوروبا الشرقية، وهي حقيقة فسرها على أنها تعني أن المسألة قد تمت تسويتها.
هناك سبب للشك في هذا السرد للأحداث. في وقت مبكر من فبراير 1990، لم يكن سراً أن بعض دول أوروبا الشرقية بدأت تحلم بعضوية محتملة في الناتو. كانت الصحف تتحدث عن ذلك، وقد أخبر المسؤولون السوفييت السياسيين الغربيين مرارًا بذلك. بدون جدوى. قدم الغرب فقط بيانات عامة للتهدئة. الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، على سبيل المثال، قال: "ليس لدينا أي نية، حتى في أفكارنا، لإيذاء الاتحاد السوفيتي بأي شكل من الأشكال". وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران لجورباتشوف إنه "يؤيد شخصيا التفكيك التدريجي للكتل العسكرية". وفي وقت لاحق، أعرب الأمين العام لحلف الناتو مانفريد فورنر عن معارضته الواضحة لتوسيع الحلف الغربي.
كانت الرسالة واضحة. إذا أعطى جورباتشوف موافقته على إعادة توحيد ألمانيا داخل الناتو، فسيعمل الغرب على إنشاء هيكل أمني غربي يأخذ مصالح موسكو في الاعتبار.
لم تكن التأكيدات غير الرسمية غريبة خلال الحرب الباردة. يقارن عالم السياسة الأمريكي جوشوا شيفرينسون محادثات عام 1990 بالاتفاقيات الشفهية التي تم التوصل إليها بين الأمريكيين والسوفييت والتي أدت إلى تخفيف أزمة الصواريخ الكوبية في عام 1962.
هذه النظرة للوضع تدعمها حقيقة أنه كان من الصعب للغاية على جورباتشوف الموافقة على عضوية الناتو من أجل إعادة توحيد ألمانيا. من الصعب أن نتخيل أن رئيس الكرملين كان سيقبل مثل هذه الخطوة إذا كان يعتقد أن الوعود من بون أو لندن أو باريس أو واشنطن ليست حقيقية. في الواقع، كان على الحكومة الألمانية في النهاية الموافقة على وضع خاص للدول التي كانت تنتمي سابقًا إلى ألمانيا الشرقية، مما يضمن أن المنطقة لن تستضيف من حيث المبدأ قوات من أعضاء حلف الناتو أو أي دولة أخرى.
ضمت الإدارة الأمريكية في ذلك الوقت أيضًا متطرفين مؤثرين مثل وزير الدفاع ديك تشيني ونائبه من المحافظين الجدد بول وولفويتز. كان هؤلاء الرجال يحلمون بجعل الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم ورأوا الناتو في المقام الأول كأداة لتأكيد الهيمنة الأمريكية في أوروبا. إن الاهتمام الذي أبدته دول أوروبا الشرقية بالانضمام إلى الحلف مفيد في هذا الصدد. وحثت وزارة الدفاع الناتو على ترك "الباب مفتوحا".
يبدو أن مثل هذه التصريحات تدعم مزاعم بوتين بأن الغرب "خدع" روسيا عمدًا. لكن هذا الرأي في بساطته معيب.
كانت التسعينيات عقد النوايا الحسنة والأوهام الواسعة على كلا الجانبين. ووعد جورباتشوف بأن الكرملين سيقدم الديمقراطية ويحترم حقوق الإنسان ويعترف بحق الدول في تقرير المصير. بل إنه أثار إمكانية أن يصبح الاتحاد السوفيتي نفسه عضوًا في الناتو. وعبر خليفته يلتسين عن ثقة مماثلة قائلا "لقد أصبحنا دولة مختلفة".
تشير صحيفة دير شبيغل الى أنّ كول وجينشر وبوش وخليفته كلينتون ارادوا حقًا تغيير الناتو وأخذ مصالح الكرملين على محمل الجد. ومع ذلك، كان هناك تناقض كبير محتمل: فمن ناحية، من المفترض أن جميع البلدان متحدة من خلال "عدم تجزئة الأمن"، بينما من ناحية أخرى، سيكون لكل دولة الحق في تحديد التحالف الذي تريد الانضمام إليه. ومع ذلك، بدا أن هذا في ذلك الوقت ليس أكثر من مشكلة نظرية. علاوة على ذلك، أمضى كلينتون وكول والآخرون سنوات في رفض عضوية الناتو لبولندا والمجر وجمهورية التشيك. كان هذا التوسع مكلفًا للغاية، وبدت الديمقراطيات الناشئة في هذه البلدان هشة للغاية، وكانت جيوشها رجعية للغاية. لكن بعد ذلك تباطأت عملية الإصلاح في روسيا وبدأ انعدام الثقة يتنامى. وأدرك الجمهوريون من جانبهم أن قضية توسيع عضوية الناتو مفيدة في تسجيل نقاط سياسية ضد كلينتون. عاش العديد من الأمريكيين من أصل أوروبا الشرقية في الولايات المتأرجحة المحورية في الغرب الأوسط. دفع كلينتون إلى اتخاذ قرار أخيرًا بتوسيع التحالف.
وبذلك، لم يخرق الغرب أي معاهدات، لكن بعض المشاركين كانوا مع ذلك قلقين. بعد سنوات، قال غينشر إن التوسع كان جيدًا من وجهة نظر قانونية رسمية. لكنه قال إنه كان من المستحيل إنكار أن ذلك يتعارض مع روح الاتفاقات التي تم التوصل إليها في عام 1990.
موقف السياسيين والخبراء الأوروبيين والجدل حول انتهاك الناتو للاتفاق مع روسيا:
في مقال نشرته جولييت منصور على موقع وكالة فرنس برس في 4 اذار الماضي، عرضت فيه الجدل الأوروبي الحاصل ومختلف المواقف المرصودة لسياسيين وخبراء وأكاديميين حول مسالة الالتزام الغربي مع روسيا من عدمه. وأشارت الكاتبة لمجموعة من التعليقات حول خطورة عدم التزام الناتو بالتزامه، ودخوله الى معركة مواجهة مع روسيا على الأرض الأوكرانية والتداعيات السلبية لذلك التدخل. اشارت جولييت منصور في مقالها الى انه في خضم الغزو الروسي لأوكرانيا، يزعم العديد من المراقبين أن "وثيقة رسمية رفعت عنها السرية مؤخرًا من عام 1991" تثبت خرق الناتو "لاتفاقية مكتوبة" مع السوفييت تتعهد بعدم توسيع التحالف السياسي العسكري إلى ما وراء حدود ألمانيا الموحدة. لكن لا أثر لمثل هذا الوعد الملزم المكتوب بخط اليد، كما يدحض الباحثون الذين قابلتهم وكالة فرانس برس. على الرغم من أن المحفوظات قدمت ضمانات شفوية لهذا الغرض خلال المناقشات الثنائية بين السوفييت والعديد من المحاورين الغربيين، فإن هذه لم تلزم الحلف رسميًا، الذي تم تبني سياساته باتفاق مشترك من قبل جميع أعضائه.
هل انتهك حلف شمال الأطلسي اتفاقًا تم التوصل إليه في نهاية الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي ينص على أنه لا يوسع حدوده أبدًا إلى الشرق؟
هذا ما يزعمه العديد من مستخدمي الإنترنت، مما يبرر غزو روسيا لأوكرانيا، التي أعربت عن رغبتها في الانضمام إلى المنظمة السياسية العسكرية.
"وثيقة رسمية سرية من عام 1991، تم رفع السرية عنها الان. إنها تكشف عن اتفاق مكتوب بشأن عدم توسع الناتو نحو الشرق. تعهدت الولايات المتحدة بعدم توسيع الناتو. في المقابل، أعطى الروس موافقتهم على إعادة توحيد ألمانيا"، يؤكد أحد مستخدمي الإنترنت ذلك في تغريدة نُشرت في 1 مارس الماضي. وخلص في تغريدة ثانية إلى أن "الروس حافظوا على كلمتهم وليس الأمريكيين"، مستشهداً بمقال نُشر مؤخراً في صحيفة دير شبيغل الألمانية اليومية بعنوان "اكتشاف ملف جديد يعود تاريخه إلى عام 1991 يدعم الاتهامات الروسية".
قال مرشح La France Insoumise جان لوك ميلينشون يوم 7 ديسمبر في قناة فرانس 24: "علينا أن ندرك أننا فشلنا في التحدث إلى الروس. قلنا لهم:" إذا أسقطتم الجدار، فلن نضع حلف الناتو على عتبة أبوابهم. لقد أنزلوا الجدار، وماذا فعلنا: لقد وضعنا الناتو على أعتابهم ".
هذا أيضًا هو الخطاب الذي ألقته مرشحة التجمّع الوطني مارين لوبان، في 2 مارس على هضبة الإليزيه 2022. "كما كشفت دير شبيغل، عند نشر الوثيقة التي رفع عنها البريطانيون السرية، انه كان هناك اتفاق، أنا ليست الوحيدة التي قالت هذا، فبين الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، مع ظهور روسيا الوليدة من رحم الاتحاد السوفياتي، كان هناك التزام بعدم توسع الناتو وبالتالي بعدم إعادة تسليح الدول القريبة من روسيا".
نفس الإحجام عن المرشح اليميني المتطرف إريك زمور، الذي ذهب من جانبه إلى حد التأكيد في 24 يناير 2022 على أن هذا الوعد قد تم كتابته. "عندما سقط جدار برلين، حصل اتفاق بين جورباتشوف وبوش الاب، كان اتفاقا ضمنيا ، وتعهد الأمريكيون بعدم المضي قدمًا على هذا النحو وعدم ضمّ دول المنطقة السوفيتية السابقة في حلف شمال الأطلسي. من الواضح أن الأمريكيين لم يحترموا كلمتهم ومضوا قدمًا (...) لذلك يحاول فلاديمير بوتين الحصول على طبقة زجاجية واقية".
رواية كررها فلاديمير بوتين
هذا البيان هو قبل كل شيء تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لسنوات، كان يدين بلا كلل "خيانة" الغربيين الذين زُعم أنهم لم يلتزموا بوعدهم بعدم التوسع إلى الشرق، وعدهم الذي قطعوه في وقت إعادة توحيد ألمانيا، بعد وقت قصير من سقوط جدار برلين.
صرح الرئيس الروسي: "لقد كذبوا علينا بشكل متكرر، واتخذوا قرارات من وراء ظهورنا، وضعونا امام مواجهة محققة. حدث هذا مع توسع الناتو نحو الشرق، وكذلك مع نشر البنية التحتية العسكرية على حدودنا"، أكّد الرئيس الروسي ذلك في خطابه الذي أعلن فيه ضم القرم في مارس 2014.
"قالوا لنا في التسعينيات: "ليس شبرًا واحدًا نحو الشرق، ماذا إذن؟ لقد خدعونا، لقد خدعونا بوقاحة! خمس موجات من توسع الناتو بالفعل حتى الآن". كرر بوتين ذلك في 23 ديسمبر 2021 أثناء اعمال المؤتمر الصحفي السنوي.
زعمت روسيا أنها تشعر "بالتهديد" من قبل انضمام جارتها إلى حلف الناتو، فدخلت في تصعيد للتوترات مع أوكرانيا، وانتهى بها الأمر بغزوها عسكريًا في 24 فبراير 2022.
توسع الناتو
منذ انشاء حلف شمال الأطلسي من قبل اثني عشر عضوا مؤسسا في عام 1949، نما الناتو بشكل كبير. هذه المنظمة، التي ولدت في بداية الحرب الباردة لوضع أوروبا تحت المظلة النووية للأمريكيين ضد الاتحاد السوفيتي، تضم الآن 30 عضوًا. يتيح الناتو إمكانية دمج أعضاء جدد من خلال المادة 10 من المعاهدة التأسيسية للحلف، والتي تشير إلى أنه يجوز طلب العضوية من قبل "أي دولة أوروبية من المحتمل أن تعزز تطوير مبادئ هذه المعاهدة وتساهم في أمن منطقة شمال الأطلسي". لكن فلاديمير بوتين جادل لسنوات بأن ضم أعضاء سابقين في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية إلى حلف الناتو من شأنه أن ينتهك تعهد حلف شمال الأطلسي في التسعينيات بعدم توسيع حدوده الشرقية.
في ذلك الوقت، كان جدار برلين قد سقط للتو وكانت المناقشات جارية بين السوفييت والغرب حتى تصرح موسكو بإعادة توحيد ألمانيا وتسمح لها، ككل، بالانضمام إلى الناتو، في حين أن الحكومة الاتحادية الألمانية قد فعلت ذلك بالفعل. كانت جزءًا من التحالف منذ عام 1955.
الجدار الحديدي: حدود الحرب الباردة
في الواقع، في عام 1990، كان لا يزال لدى موسكو العديد من الجنود في شرق ألمانيا المقسمة. من أجل إعادة توحيد ألمانيا، وجب حينها على موسكو السماح لقواتها بالرحيل والتنازل عن أي حق في الإقليم. وفي 3 أكتوبر 1990، تم دمج جمهورية ألمانيا الديمقراطية في جمهورية ألمانيا الاتحادية. وفقًا لفلاديمير بوتين، كان من الممكن أن يأذن السوفييت بإعادة التوحيد مقابل وعد بسيط: أن الغربيين لن يمتدوا، في المستقبل، إلى الشرق.
لا توجد معاهدة رسمية تحظر توسيع الناتو
يعرض الناتو في موقعه الرسمي إجابة واضحة على هذا التأكيد الموصوف بـ "الأسطورة". "لا توجد معاهدة موقعة من قبل الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا تحتوي على بنود لعضوية الناتو ... لم تكن فكرة توسيع الناتو خارج ألمانيا الموحدة على جدول الأعمال في عام 1989، خاصة وأن معاهدة وارسو كانت لا تزال قائمة حينها. لم يتم حل حلف وارسو، وهو تحالف عسكري سابق تم إنشاؤه في عام 1955 ضم بلدان أوروبا الشرقية مع الاتحاد السوفيتي، الا في 1 يوليو 1991.
وأكد الخبراء أنه لم يتم على الإطلاق توقيع "اتفاق مكتوب ملزم" لمنع الناتو من التوسع شرقا.
تشير أميلي زيما، مؤلفة أطروحة حول توسيع حلف الناتو ليشمل بلدان أوروبا الوسطى، إلى أنه إذا كان الأمر كذلك، "كان ينبغي تعديل المادة 10 من المعاهدة القائمة منذ عام 1949 وفقًا لذلك".
يتعلق الجدل الحقيقي في الواقع بإمكانية أن يكون قادة الدول الأعضاء في الناتو قد قدموا التزامات شفهية بهذا المعنى، لطمأنة السوفييت والسماح بإعادة توحيد ألمانيا وكذلك عضويتها في الحلف شمال الأطلسي.
تم رفض هذا التأكيد من قبل ميخائيل جورباتشوف، الزعيم السابق لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، في مقابلة أجريت في عام 2014 أكد فيها أن "موضوع" توسع الناتو "لم تتم مناقشته على الإطلاق، ولم يتم ذكره في تلك السنوات". وقال "أقول هذا بمسؤولية كاملة. لم تثر أي دولة من دول أوروبا الشرقية هذه القضية، ولا حتى بعد انتهاء معاهدة وارسو في عام 1991. ولم يتحدث الزعماء الغربيون عن كذلك."
ومع ذلك، تم رفع السرية عن المناقشات، او ما سمي ب “مذكرات"، بين السوفييت والعديد من المحاورين الغربيين البارزين مثل الرئيس الأمريكي جورج إتش دبليو بوش، ومستشار ألمانيا الغربية هيلموت كول، والرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، ورئيس الوزراء البريطاني مارغريت تاتشر، أو امين عام منظمة حلف شمال الأطلسي فورنر، الذي يناقض هذا التأكيد.
قال وزير الخارجية الألماني هانز ديتريش: "أريد أن يعلن الناتو بشكل لا لبس فيه أنه بغض النظر عما يحدث داخل حلف وارسو، فلن يكون هناك توسع في أراضي الناتو إلى الشرق، أي بالقرب من حدود الاتحاد السوفيتي" وذلك خلال خطاب ألقاه في يناير 1990، وفقًا لهذه النصوص.
تتناقض تصريحات غورباتشوف في عام 2014 مع ملاحظاته الخاصة من ذلك الوقت. وبحسب ماري إليز ساروت، المؤرخة بجامعة جون هوبكنز بواشنطن، فإن الزعيم السوفيتي أراد "تجنب التمثيل الذي يجعله يبدو ساذجًا".
أشار الزعيم السابق لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في 9 فبراير 1990، إلى أن وزير الخارجية الأمريكية، جيمس بيكر، المدعو إلى الكرملين، كان سيسأله: "بافتراض أن إعادة التوحيد تحدث، ما هو الأفضل بالنسبة لك: ألمانيا موحدة خارج الناتو، ومستقل تمامًا بدون قوات أمريكية، أو ألمانيا الموحدة، التي تحافظ على علاقاتها مع الناتو، لكن مع ضمان ألا تمتد هذه الولاية ولا قوات الناتو إلى الشرق من الخط الحالي؟
وبحسب ما ورد قال غورباتشوف: "من الواضح، أن توسيع منطقة الناتو غير مقبول". وهو ما كان سيجيب عليه بيكر: "نحن متفقون على ذلك". وتجدر الإشارة إلى أنه في وقت هذا التبادل، كانت المسألة تتعلق فقط بألمانيا وليس دول الشرق، كما تشير إيميلي زيما: "لا يمكن الحديث في فبراير 1990 عن امتداد الناتو إلى الإقليم حيث البلدان التي لا تزال جزءًا من حلف وارسو والاتحاد السوفيتي. وهذا أمر عفا عليه الزمن تمامًا ".
يبدو أن الوثائق التي تم اكتشافها لاحقًا في الأرشيفات البريطانية من قبل عالم السياسة جوشوا شيفرينسون الأستاذ في جامعة بوسطن، منذ عدة سنوات، تدعم الفرضية القائلة بإصدار ضمانات شفوية.
خصصت الصحافة الألمانية Der Spiegel مقالًا لهذه الوثائق في 18 فبراير 2022، تم نقله على نطاق واسع على الشبكات الاجتماعية في الأسابيع الأخيرة. "تُظهر هذه الوثائق الجديدة أن هناك اتفاقًا مفهوماً بعدم توسيع الناتو بشكل عام (...) لذلك فإن الروس محقون في قولهم إن هناك تأكيدات (أعطيت لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية في ذلك الوقت) ضد التوسع التي لم يقع احترامه "، (2آذار / مارس لفرانس برس)
"تشير هذه الوثائق إلى أن كبار السياسيين كانوا يناقشون في عام 1991 ما إذا كان عليهم السماح لدول مثل بولندا بالانضمام إلى الحلف، وأدركوا بوضوح أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تنتهك الضمانات الممنوحة للاتحاد السوفيتي"كما أشار جوشوا شيفرينسون. لكنه أكد في مقابلة مع بوليتيفاكت أن "الأمر يختلف عن قوله إن الناتو قد اقترح اتفاقية".
تشدد أميلي زيما على أن المناقشات الثنائية بين قادة الدول الأعضاء في الناتو والسوفييت ألزمت مؤلفيها فقط، وليس الحلف نفسه: "يتم اتخاذ القرار داخل الناتو داخل مجلس شمال الأطلسي، الذي يجمع رؤساء الدول والحكومات، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يغير النقاش الثنائي بين الأمريكيين والسوفييت أو بين الألمان والسوفييت سياسة توسيع الناتو ". وذكرت تفاصيل المنظمة على موقعها على الإنترنت أن "جميع قرارات الناتو تتخذ بالإجماع"، مؤكدة أن "الإعلان عن" قرار الناتو "يعبر بالتالي عن الإرادة الجماعية لجميع الدول الأعضاء ذات السيادة في الحلف".
تكشف "تقارير الاجتماعات بين رؤساء الدول ووزراء الخارجية، التي بدأ نشرها، عن التزامات شفوية لا نفهم سبب رضا روسيا بها "، من جانبه، وحسب تقديره لوكالة فرانس برس في 2 مارس، أشار جان دي جلينيستي ، مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس ومتخصص في القضايا الروسية، أنّ "الروس لديهم خبرة جيدة في العلاقات الدولية. علاوة على ذلك، يطلبون تقليديًا تعهدات مكتوبة لكل شيء. لقد تم خداعهم بلا شك لكنهم أخطأوا بسبب الضعف".
إذا كان الملف الذي وجده جوشوا شيفرينسون قد أعيد إلى الواجهة منذ بداية الصراع الروسي الأوكراني، فإن "هذه الوثيقة ليست جديدة"، كما تشير المؤرخة ماري إليز ساروت، معتقدة أنه "لا يبرر ما يفعله بوتين حاليا".
"لا توجد معارضة كبيرة لتوسيع الناتو قبل عام 2008"
ينتهي الأمر بميخائيل جورباتشوف بقبول إعادة توحيد ألمانيا وعضويتها في الناتو، في حين أنه يمكن أن يعارض حق النقض هناك، بينما يدعي في المقابل أنه لا توجد قوات من الناتو في ألمانيا الشرقية في الوقت الذي تغادر فيه القوات السوفيتية الإقليم. تم تسجيل هذا القرار في 12 سبتمبر 1990، في "معاهدة ملزمة قانونًا تسمح لحلف الناتو بالتحرك شرق خط ترسيم الحرب الباردة"، حسب تحليل ماري إليز ساروت. وبالتالي، فإن أول توسيع لحلف الناتو باتجاه الشرق يتم عندما يتم قبول جمهورية ألمانيا الديمقراطية السابقة في الحلف، بالاتفاق مع موسكو. ثم في عام 1999، تم قبول بولندا وجمهورية التشيك والمجر أيضًا في حلف شمال الأطلسي. "لو كان لدى الروس معاهدة رسمية تحظر توسع الناتو في ذلك الوقت، لكنا واجهنا معارضة قوية للغاية، لكن لم تكن هناك أي معارضة. على العكس من ذلك، فإن روسيا تتفاوض بشأن التقارب مع الناتو، حيث وقعنا على اتفاقية القانون التأسيسي لحلف الناتو وروسيا في عام 1997 ثم في عام 2002 مجلس الناتو وروسيا، وهو هيكل شراكة غير مسبوق بين الاثنين "، كما تشير إيميلي زيما.
في عام 2004، انضمت موجة جديدة من الدول إلى صفوف الناتو: بلغاريا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا. تتابع أميلي زيما، التي تعتقد أن العلاقات بين الناتو وروسيا بدأت في التدهور في عام 2008، في ذلك الوقت: "لا توجد معارضة كبيرة لتوسيع الناتو، في عام 2004 على الرغم من أن التوسيع الأول لحلف شمال الأطلسي ليشمل دول الاتحاد السوفيتي السابق كان مع الحرب في جورجيا. هذه هي أيضًا وجهة النظر التي عبر عنها نائب الأمين العام لحلف الناتو كميل غراند في فرنسا إنتر في 2 مارس: "لقد مرت عشر سنوات فقط منذ أن وضع فلاديمير بوتين هذا الخطاب موضع التنفيذ بالإشارة إلى المناقشات الأولية للغاية التي جرت في عام 1990 ، (...) نحكي لأنفسنا قصة توسع حلف شمال الأطلسي الذي لم تكن تريده أو تشجعه بالتأكيد روسيا ولكن تم القيام به بالفعل بتنسيق استخباراتي جيد مع روسيا التي كانت هي نفسها شريكًا لحلف الناتو طوال هذه الفترة ، حيث كانت لدينا علاقات وثيقة للغاية ".
في عام 2007 بدأ الرئيس الروسي في استحضار وعد كان من الممكن أن ينقض: "لدينا الحق في طرح السؤال: ضد من يوجه هذا التوسع؟ وماذا حدث للتأكيدات التي قدمها شركاؤنا الغربيون بعد حلّ حلف وارسو؟ "
خرق المعاهدة من قبل روسيا
إذا استمرت روسيا في إدانة خيانة حلف شمال الأطلسي، فإنها، من جانبها، قد خرقت وعدًا مكتوبًا قدمته مع حلف شمال الأطلسي في مذكرة بودابست الموقعة في عام 1994.
ألزمت هذه الوثيقة الموقعين عليها، بما في ذلك روسيا، بـ "احترام استقلال أوكرانيا وسيادتها وحدودها الحالية، والامتناع عن استخدام التهديدات أو القوة ضد وحدة أراضي أوكرانيا أو استقلالها السياسي".
أخيرًا، أكد الخبراء أنه يجب أن نكون حذرين في مواجهة حجج فلاديمير بوتين التي تشير إلى أن تصعيد التوترات بين أوكرانيا وروسيا كان سيحدث لأن أوكرانيا كانت على وشك الانضمام إلى الناتو. لم يقبل التحالف أبدًا أوكرانيا في برنامج ما قبل العضوية، المسمى خطة عمل العضوية.
"أوكرانيا لا تفي بالمعايير، لذلك لم تكن عضويتها وشيكة على الإطلاق كما سمعنا. البلد الوحيد الذي يخضع حاليًا لاستراتيجية ما قبل العضوية لحلف شمال الأطلسي هو البوسنة والهرسك الذ منح خطة عمل للعضوية في عام 2010، كما تشير أميلي زيما.
اٍنّ اشارة فلاديمير بوتين لجميع الالتزامات الأمنية التي تم تنفيذها في التسعينيات" تُستخدم اليوم "لإضفاء الشرعية على الانقلاب الروسي في أوكرانيا"، بينما يخوض المعسكران "حرب إعلامية حقيقية".