أكدت صحيفة ذا هافنغتون بوست الأمريكية، الأحد، صحة ثمانية على الأقل من رسائل البريد الإلكتروني بين السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة وبين مسؤولين أمريكيين سابقين منهم وزير الدفاع السابق روبرت غيتس.وجاء في التقرير الذي ترجمته «عربي٢١» اتصل مصدر مجهول هذا الأسبوع بالعديد من وسائل الإعلام عارضًا عليهم رسائل إيميل متبادلة بين سفير دولة الإمارات العربية المتحدة المتنفذ وشخصيات كبيرة داخل مجتمع السياسة الخارجية الأمريكية، بمن فيهم وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس.
يعتبر سفير الإمارات العربية المتحدة العتيبة شخصية قوية جدًا في واشنطن العاصمة، ويقال إنه على تواصل دائم عبر الهاتف وعبر الإيميل مع جاريدكوشنر، مستشار الرئيس ترامب وزوج ابنته. يراه الناس من وراء الكواليس منهمكًا في تحريض الولايات المتحدة على إغلاق قاعدتها العسكرية في قطر أو في إثارة قضايا من شأنها أن تدق إسفينًا بين الولايات المتحدة وهذه الدولة العربية. كما يقول إن حاكم بلاده الفعلي يدعم موجة من النقد الموجه لدولة قطر في داخل الولايات المتحدة الأمريكية فيما وصفته هذه الدولة الخليجية الشهر الماضي بحملة التشويه.
صرح مسربو الإيميلات لصحيفة ذا هافنغتون بوست بأنهم يسعون إلى كشف جهود الإمارات للتلاعب بحكومة الولايات المتحدة، كما نفوا أن يكونوا موالين لقطر أو لأي حكومة أخرى.
بغض النظر عن نوايا المسربين، من شأن الكشف عن هذه الرسائل أن يصعد من التوتر بين حليفي الولايات المتحدة. فلو نجحت الإمارات العربية المتحدة في تقويض الشراكة بين أمريكا وقطر والمستمرة منذ عقود فيمكن نتيجة لذلك أن تتضرر بشكل كبير أهداف الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. كما أن تصاعد الخصومة بين حليفي أمريكا من شأنه أن يعمق الصراع في مناطق الحروب حيث يدعم كل منهما قوى متعارضة، وبشكل خاص في ليبيا التي أصبحت ملجأ للمهربين ولوردات الحرب والإرهابيين، وفي نفس الوقت سينجم عن ذلك صرف النظر عن الأولويات الدولية الأكبر مثل استعادة الاستقرار في سوريا والعراق بعد الهزيمة المتوقعة للدولة الإسلامية في أرض المعركة.
خلال الأيام الأخيرة خرجت الإمارات العربية المتحدة ودولة قطر بخلافاتهما إلى العلن بعد نشر تقرير مثير للجدل في وسائل الإعلام القطرية. ما لبث القطريون مباشرة أن قالوا بأن تقرير الثالث والعشرين من مايو (أيار) والذي يتعلق بخطاب يقال إن أمير البلاد الشيخ تميم بن حمد آل ثاني ألقاه وتحدث فيه عن احترامه لإيران ودعمه لحركة حماس الفلسطينية وعن ارتباطاته بإسرائيل، كان مزيفًا ومن صنع هاكرز. إلا أن المصادر الإخبارية في دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ما تزال مصرة على أن ما ورد في التقرير كشف عن نواياه الحقيقية.
رغم أن قطر والإمارات يفترض أنهما حليفان، إلا أن الشقة بينهما أخذت في الاتساع منذ 2011 بسبب مواقفهما المتباينة من احتجاجات الربيع العربي التي انطلقت في ذلك العام. بادرت قطر إلى دعم جماعة الإخوان المسلمين، التي تتسم بشكل عام بالنأي بنفسها عن العنف. بينما كانت الجماعة في طريقها إلى استلام السلطة في أكثر من مكان في المنطقة، رأت قطر في الإخوان وسيلة لتحقيق تطلعات شعوب الشرق الأوسط نحو الديمقراطية. إلا أن دولة الإمارات العربية المتحدة تصف الجماعة بأنها إرهابية. وبوصول إدارة أمريكية جديدة إلى السلطة في واشنطن، رأى كل واحد من الطرفين المتنافسين فرصة للدفع باتجاه إجراء أمريكي يخدم مصالحه وتوجهاته.
يعرف العتيبة، الذي يحتل منصب سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة منذ عام 2008، بأنه واحد من أكثر الدبلوماسيين اتصالًا بدوائر صنع القرار ومراكز التأثير في واشنطن العاصمة، فهو لا يكف عن الظهور في مختلف المواقع المهمة والمؤثرة حيث يدعى للحديث فيها وفي غيرها، وقد حصل على ضمانة بأن إدارة ترامب أعربت عن توددها للإمارات التي افتتح فيها مؤخرًا ملعب غولف تابع لترامب.
زود المسربون ذا هافنغتون بوست بثلاث مجموعات من إيميلات العتيبة، بعضها حديث حصل في شهر مايو (أيار) وبعضها يعود إلى عام 2014، حيث كانت تلك آخر مرة دعمت فيها دولة الإمارات العربية المتحدة نشاطًا كبيرًا يهدف إلى التشكيك بقطر لدى المسؤولين في الولايات المتحدة. تواصلت ذا هافنغتون بوست مع ثمانية من الأفراد الذي تبادلوا الرسائل مع السفير واشتركوا في ما بينهم في محتويات تلك الرسائل، ولم ينكر أي منهم أن تبادل الرسائل قد تم فعلًا. ورغم أن العتيبة لم يرد على طلبات متكررة من ذا هافنغتون بوست للتعليق على الأمر، إلا أن ناطقة باسم سفارة الإمارات العربية المتحدة أكدت في تصريح لموقع ديلي بيست بأن عنوان البريد الإلكتروني المستخدم في الرسائل يعود إليه فعلًا.
تكشف إيميلات العتيبة عن جهود تبذل لبناء تحالفات وعن أن التركيز ينصب على قطر.
فعلى سبيل المثال، في الليلة التي سبقت اليوم الذي كان من المفروض أن يتحدث فيه وزير الدفاع السابق روبرت غيتس أمام مؤتمر مرموق في واشنطن حول قطر، أرسل إليه العتيبة ملاحظة صيغت كلماتها بحذاقة، قائلًا: «ما زال موضوع هذا المؤتمر من القضايا المهملة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة على الرغم من كل المشاكل التي تسببها. فأن يأتي الكلام منك، هذا يعني أن الناس سينصتون بعناية».
رد عليه غيتس برسالة قال فيها إنه يعتقد بأن لديه «الفرصة لتوجيه إنذار إلى بعض الناس».
عرض العتيبة على الوزير السابق أن يدعوه إلى الغداء، وأوصل إليه رسالة من رئيسه في العمل قائلًا: «محمد بن زايد يبعث إليك بأجمل الأماني من أبو ظبي، ويقول لك افتح عليهم أبواب جهنم غدًا».
في اليوم التالي شن غيتس هجومًا كاسحًا على قطر، مشيرًا إلى دعمها للإسلاميين. كان المؤتمر الذي تحدث فيه من تنظيم مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات المعروفة بموقفها الصقوري. مما قاله غيتس في معرض مداخلته: «لا يوجد لدى الجيش الأمريكي أي قواعد غير قابلة للاستبدال. قولوا لقطر أن تختار إلى أي جانب تنحاز، أو أننا سنقوم بتغيير طبيعة العلاقة، بما في ذلك تقليص حجم القاعدة».
يرد ذكر هذه المؤسسة المتنفذة التي تتخذ من واشنطن مقرًا لها مرارًا وتكرارًا في إيميلات العتيبة. بينما تُظهر كثير من هذه الرسائل السفير وهو يساعد موظفيها في التخطيط لرحلات إلى الإمارات العربية المتحدة، إلا أنها تحتوي أيضًا على اثنتين من أبرز ما تكشف من معلومات عن نشاطات العتيبة: منها أنه كان يدفع صراحة باتجاه نقل القاعدة الأمريكية إلى خارج قطر – وهو ما لم يعرف عنه قوله في العلن – وأنه ناقش فكرة الضغط على الشركات التي توجد في بلدان صديقة للولايات المتحدة حتى تمتنع عن الاستثمار في إيران أو اقتناص الفرص التجارية فيها.
يرد ذكر هذه المؤسسة المتنفذة التي تتخذ من واشنطن مقرًا لها مرارًا وتكرارًا في إيميلات العتيبة. بينما تُظهر كثير من هذه الرسائل السفير وهو يساعد موظفيها في التخطيط لرحلات إلى الإمارات العربية المتحدة، إلا أنها تحتوي أيضًا على اثنتين من أبرز ما تكشف من معلومات عن نشاطات العتيبة: منها أنه كان يدفع صراحة باتجاه نقل القاعدة الأمريكية إلى خارج قطر – وهو ما لم يعرف عنه قوله في العلن – وأنه ناقش فكرة الضغط على الشركات التي توجد في بلدان صديقة للولايات المتحدة حتى تمتنع عن الاستثمار في إيران أو اقتناص الفرص التجارية فيها.
تُمضي مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات جل وقتها في السعي إلى تعزيز العلاقات بين واشنطن والقوى السياسية المحافظة داخل إسرائيل. وعلى الرغم من رفض دولة الإمارات العربية المتحدة إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلا أن مركز البحث والتفكير هذا وغيره من قوى اللوبي الموالية لإسرائيل وجدت أرضية مشتركة تقف عليها مع الإمارات في قضيتين رئيسيتين: كلا الطرفين يريدان احتواء إيران والإسلام السياسي. وكلاهما تكبدا هزيمة قاسية حينما توصلت الولايات المتحدة ومعها عدد من البلدان الغربية إلى صفقة النووي مع إيران في عام 2015. وطوال العام الماضي تقريبًا والطرفان يدفعان باتجاه وضع علاقات الولايات المتحدة مع قطر على طاولة النقاش في واشنطن العاصمة.
يثير منتقدو قطر من الإماراتيين نفس النقاط التي يتطرق لها باحثو مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات وخبراؤها خلال مداخلاتهم المتكررة أمام الكونغرس وفي وسائل الإعلام، ومن ذلك ما نص عليه بالحرف تصريح لوزارة الخزانة الأمريكية من أن الحكومة القطرية توفر «حيزًا متساهلًا» لجامعي الأموال وللمتبرعين الراغبين في مساعدة المتطرفين المسلمين الذين يمارسون العنف. كما تتهم قطر بسبب دعمها لنشطاء حقوق الإنسان والمدافعين عن الديمقراطية (على الأقل مقارنة بجيرانها) بالترويج للإسلاميين الذين يزعمون بأنهم سلميون، ولكنهم في الحقيقة يسعون إلى فرض قوانين الشريعة الإسلامية التي تتسم بالقسوة. كما أنها توفر منصات لخطباء الكراهية الذين يستهدفون إسرائيل واليهود والأقلية الشيعية في الإسلام وأصحاب التوجهات الجنسية الشاذة وغيرهم، بشكل عام عبر مظلتها الإعلامية المملوكة لها، أي قناة الجزيرة العربية.
إلا أن الخبراء في المنطقة يلاحظون بأن مشاكل قطر باعتبارها حليفًا للولايات المتحدة ليست مقتصرة عليها، فالكويت أيضًا اتهمت بأنها توفر «حيزًا متساهلًا»، كما اتهمت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة كلاهما بأنهما تستضيفان ممولين للإرهاب ورجال دين ينشرون خطاب الكراهية. وعليه يبدو أن الحملة على قطر مدفوعة بمخاوف ذات طابع دفاعي، وبشكل خاص فيما يتعلق بتركيز الجانب الموالي لإسرائيل على حماس وعلى كل من يؤيد هذه الحركة، وكذلك بمخاوف دولة الإمارات العربية المتحدة من أن جماعة الإخوان المسلمين يمكن أن تشكل تهديدًا لنظام حكمها.
وكان العتيبة قد عبر عن وجهة نظره تجاه القاعدة الأمريكية في قطر في رسالة وجهها في الثامن والعشرين من إبريل (نيسان) من هذا العام إلى جون هانا، كبير المحامين في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات والمساعد السابق لديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي السابق.
وذلك أن هانا أرسل إلى السفير الإماراتي عبر الإيميل مقالة نشرت في فوربس تشير إلى أن فندقًا مملوكًا للإمارات سيستضيف مؤتمرًا لحماس في قطر «المغرمة بجماعة الإخوان المسلمين». يبدو أن العتيبة أخذ على حين غرة بهذه الملاحظة، فمن النادر أن تتعرض الإمارات إلى النقد داخل أوساط صناعة القرار في واشنطن.
رد السفير على هانا قائلًا: «ألا يجدر بنا أن نحاول نقل القاعدة؟ لا أرى من الإنصاف أن توجه إصبع الاتهام إلى شركة إماراتية بهذا الشأن».
فرد هانا على السفير قائلًا إنه يتفق معه حول نقل القاعدة. ولكنه أضاف إن انتقاد قرار استضافة حماس كان محقًا بغض النظر عمن كان يملك الفندق. فرد العتيبة قائلًا إن الإمارات العربية المتحدة ستنقل الفندق إذا نقلت الولايات المتحدة قاعدتها، أي إلى خارج قطر.
فرد هانا مخطابًا السفير العتيبة بكنيته: لا، يا أبا عمر، لا تنقل الفندق، ولكن أجبر حماس على الانتقال إلى فندق آخر غير مملوك للإمارات».
في تصريح لصحيفة ذا هافنغتون بوست قال هانا إن الاتصالات بين الاثنين كانت على وتيرتها المعتادة.
وقال في رسالة عبر الإيميل: «باعتبارها مركزًا رائدًا من مراكز البحث والتفكير في واشنطن، تشارك المؤسسة في نقاشات لها علاقة بالسياسية مع مختلف الفاعلين في أنحاء الشرق الأوسط وفي غيره من المناطق. علاقتي مع السفير العتيبة علاقة قديمة تمتد لسنوات، سواء حينما كنت أعمل في الحكومة أوحين كنت خارجها».
أما مارك دوبوفتس، المدير التنفيذي للمؤسسة، فسعى للحصول على مساعدة العتيبة في قضية أخرى عبر إيميل مؤرخ في العاشر من مارس (آذار)، زوده فيه بقائمة تحتوي أسماء شركات غربية بشكل رئيسي تعمل داخل الإمارات وداخل المملكة العربية السعودية وتطمح في العمل داخل إيران، وذلك بعد رفع العقوبات نتيجة لصفقة النووي.
كتب دوبوفتس إلى السفير قائلًا: «هذه قائمة استهداف لحمل هذه الشركات على الاختيار، كما ناقشنا من قبل». تشتمل القائمة على شركات مقراتها الرئيسية موجودة في النمسا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وكوريا الجنوبية وبريطانيا.
ردًا على استفسارات من هافنغتون بوست أشار دوبوفتس إلى أنه طالب علانية أمريكا في الخليج باستهداف هذه الشركات.
وكتب دوبوفتس في إيميل أرسله الجمعة قائلًا: «لقد ناقشت هذه الفكرة مرات عديدة في العلن بما في ذلك في تقارير ومقالات منشورة. وقد أرسلت هذه التقارير والمقالات وقائمة بأسماء الشركات على سبيل المثال إلى عدد من الناس في واشنطن وفي الخارج لأعرف رأيهم فيها».