في أواخر شهر نيسان/ أبريل، عيّن العاهل السعودي، سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الأمير خالد بن سلمان سفيرًا جديدًا للمملكة في الولايات المتحدة. ويعتبر هذا التعيين جزءًا من عملية تعديل كبيرة جرت في أعلى هرم الحكومة السعودية. فضلا عن ذلك، كان صعود الأمير خالد علامة على قوة شقيقه الأكبر المتنامية، ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، وزير الدفاع السعودي.
علاوة على ذلك، يُعتبر تعيين خالد محاولة من الملك سلمان لتعزيز العلاقات بين العائلة المالكة السعودية والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي قام بنفسه بتفويض مسؤوليات كبيرة في السياسة الخارجية لصهره جاريد كوشنر. فبعد سنوات من توتر العلاقات مع الرئيس السابق، باراك أوباما، يبدو السعوديون متفائلين بشأن الرئيس الأمريكي الجديد. وتجدر الإشارة إلى أن ترامب يملك سجّلاً حافلاً من العداء تجاه المنافس الرئيسي للمملكة، إيران، وعلى وجه الخصوص نحو صفقة إدارة أوباما مع الحكومة الإيرانية، وخطة العمل الشاملة المشتركة، التي قبلت بها السعودية على مضض.
في الحقيقة، يتجلى التفاؤل بقدوم ترامب في تغطية وسائل الإعلام السعودية للخطوات التي سيتوخاها الرئيس الأمريكي، حيث أشادت بالاجتماع الذي عقده مع ولي ولي العهد السعودي خلال شهر آذار/ مارس، واصفة إياه "بنقطة تحول تاريخية" في مسار التحالف الأمريكي السعودي.
أما بعد أوّل مكالمة هاتفية دارت بين ترامب والعاهل السعودي، خلال شهر كانون الثاني/ يناير، أفادت وكالة الأنباء السعودية بأن القائدين يتفقان في الرأي في القضايا المدرجة في "جدول الأعمال". وخلال محادثةٍ ثانيةٍ بينهما جرت خلال شهر نيسان/ أبريل، أشاد الملك سلمان بقرار ترامب "الشجاع" المتعلق بإطلاق صواريخ ضد نظام بشار الأسد في سوريا.
وبناء على هذه المعطيات، من المحتمل أن هذا الخطاب الإيجابي المتزامن مع تعيين الأمير خالد، قد أتى أكله. ولعل هذا ما يؤكده اعلان ترامب، مؤخرا، عن تنظيمه لأول رحلاته للخارج في إطار زيارات رئاسية لمختلف حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية. وستكون أولى زياراته إلى السعودية، ثم منها إلى إسرائيل ثم إلى الفاتيكان. ومن هذا المنطلق، يبدو أن ترامب يريد أن يبذل جهدًا رمزيًا لتعزيز العلاقات بين الديانات التوحيدية الثلاث في العالم.
وعلى الرغم من التفاؤل السعودي، لا تزال السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط غير واضحة، حيث لم يتم وضع خطة أمنية وطنية متماسكة، فضلا عن أن أهداف واشنطن الرئيسية في المنطقة مبهمة وضبابية. وفي الوقت الذي يرغب فيه ترامب أن يميز سياسته عن سلفه من خلال الوقوف في صف السعودية، إلا أنه من غير المرجح أن يُميل دفة سياسة الولايات المتحدة في اتجاهٍ مؤيدٍ للرياض. وبالتالي، لن يكون بمقدور الإدارة الأمريكية الحثّ على تنحّي الأسد أو مواجهة إيران، لأن دعمها للرياض لن يتعدى حدود التصعيد في حدة الخطاب الموجه ضد إيران لضمان التزام طهران بخطة العمل الشاملة المشتركة.
في الواقع، يُوجد العديد من القضايا الأخرى التي يمكن أن تكون مصدرًا للخلافات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية؛ أبرزها انفراج العلاقات الأمريكية الروسية، الذي وعد ترامب بمواصلة السير على خطاه خلال حملته الانتخابية، والذي بدوره يمكن أن يعزز من نفوذ الأسد وحليفته إيران. كما أن محاولة ترامب لاستئناف عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية قد تتطلب تسليط بعض الضغوطات على الرياض لجلب رام الله إلى طاولة المفاوضات. باختصار، إن جهود المملكة التي تبذلها لإعادة ضبط موازين القوى في المنطقة من المرجح أن تبوء بالفشل.
التخبط السعودي
خلال السنوات القليلة الماضية، مثّلت خطة العمل الشاملة المشتركة مصدرًا رئيسيًا للتوتر الأمريكي السعودي. خلال حملته الانتخابية، احتجّ ترامب مرارا ضد الصفقة النووية الأمريكية الإيرانية، فضلا عن أنه وعد زميله مايك بنس "بتمزيق صفقة إيران" بمجرد توليه المنصب الرئاسي.
وحتى اللحظة الراهنة، لا زالت الولايات المتحدة لا تعتزم إعادة التفاوض مع إيران بشأن هذه الصفقة، ناهيك عن أنها لم تعلن عن إلغائها خطة العمل الشاملة المشتركة. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن هزيمة تنظيم الدولة أصبحت تمثل أولويةً إقليميةً مطلقة لترامب، في الوقت الراهن.
فضلا عن ذلك، لا تزال جهود الولايات المتحدة لمكافحة هذا التنظيم الإرهابي تعتمد على دعم الميليشيات الشيعية المختلفة في العراق، التي يملك العديد منها علاقات وثيقة مع إيران. لذلك تقتصر واشنطن على دفع طهران بعيدا كي لا تعرّض حملتها ضد تنظيم الدولة للخطر.
وبدلا من التخلي عن الصفقة، يبدو أن ترامب سوف يسعى إلى تنفيذ خطته الأمنية بدقة مع الاستمرار في معارضة الأنشطة الإيرانية في المنطقة، بدلا من تمزيق الصفقة، حيث تعهّد ترامب، مؤخرا، بتنفيذها بكل صرامة. في الوقت نفسه، شدّد ترامب على فرض المزيد من العقوبات على إيران وزيادة المساعدات اللوجستية والمخابراتية لقوات التحالف بقيادة السعودية في اليمن.
تجدر الإشارة إلى أنه من غير المرجح أن تكون إيران نقطة خلاف بين واشنطن والرياض، نظرا لأن السعودية لم تُشجع الولايات المتحدة على إنهاء خطة العمل الشاملة المشتركة، على الرغم من احتجاجاتها السابقة، مما يوحي بأنهم حتى الآن يعتبرون الصفقة النووية الشاملة أمرا يتماشى مع مصالحهم.
بالإضافة إلى ذلك، ومن المرجح أن تكون الرياض متفائلةً حيال موقف إدارة ترامب بشأن حقوق الإنسان والإصلاح السياسي. وعلى خلاف الرئيس ترامب، انتقد أوباما مرارا سجل المملكة الحافل بالتجاوزات في مجال حقوق الإنسان، فضل عن أنه أضفى طابعا ديمقراطيا على الحركات الإسلامية المعادية لحلفاء الولايات المتحدة الاستبداديين أثناء ثورات الربيع العربي. في المقابل، يبدو أن ترامب لديه مجموعة مختلفة من الأولويات، التي تشمل التحالف مع المملكة العربية السعودية في الكفاح ضد تنظيم الدولة، وفي الوقت ذاته، احتواء طموحات إيران الإقليمية.
فضلا عن ذلك، من المرجح أن يُفضل ترامب ومستشاروه ضمان الاستقرار السياسي السعودي على المدى الطويل، على الضغط عليها للقيام بإصلاحات جذرية في صلب نظامها السياسي. لذلك، سيكون هذا النهج موضع ترحيب في الرياض. وعلى غرار سلفه، أكّد ترامب باستمرار على ضرورة تحمل السعودية لحصتها العادلة من العبء في مكافحة الإرهاب. وخلال شهر نيسان/ أبريل، عاتب الرئيس الأمريكي المملكة السعودية بسبب عدم دفع أتعاب عادلة للدفاع الأمريكي.
في المقابل، أعربت السعودية باستمرار عن رغبتها في تعزيز التعاون لمكافحة الإرهاب ضد المنظمات المتطرفة، لكنها فشلت في أن تتجاوز مرحلة الألفاظ الطنانة. ففي سنة 2016، على سبيل المثال، أعلنت الرياض عن استعدادها لإرسال قواتها إلى سوريا لمحاربة تنظيم الدولة على عكس دولة الإمارات العربية المتحدة، التي رفضت متابعة الكفاح ضد التنظيم إلى نهاية المطاف. وعلى الأرجح أن ذلك من شأنه أن يُقلل من قدراتها على التعامل مع أزمة اليمن، التي تمثل للسعوديين التهديد الأكبر.
من أجل تخفيف حدة التوترات مع ترامب ودعواته المتكررة لتقاسم أعباء الدفاع، تتفاوض الرياض، حاليا، مع واشنطن لشراء أسلحة منها بقيمة مليارات الدولارات، بما في ذلك منظومة الدفاع الجوي الصاروخي، "ثاد"، وأسلحة أخرى ذات تكنولوجيا عالية.
الاختبار الحقيقي
لكن بالنسبة للرياض، يتمثل الاختبار الحقيقي لنوايا ترامب في طبيعة السياسة التي سوف يعتمدها تجاه أزمة اليمن. ومنذ آذار/ مارس سنة 2015، شن التحالف الذي تقوده السعودية حربًا في اليمن ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من قبل إيران. وعلى الرغم من إنفاق السعودية قرابة 200 مليار دولار، إلا أنها فشلت في تحقيق أي نتائج إيجابية.
بدلا من ذلك، تسببت الحرب التي قادتها السعودية في اليمن في كارثة إنسانية، وجذبها لانتقادات الرأي العام الدولي. فضلا عن ذلك، دفعت هذه الحرب إيران إلى التقرب من الحوثيين، مما جعل الأراضي السعودية عرضة إلى تهديد الصواريخ أرض-أرض، التي يٌعتقد أن المتمردين حصلوا عليها من إيران.
وحتى اللحظة الراهنة، لم يُعرب ترامب عن نيته في إحداث تغييرات كبيرة في سياسة واشنطن المتبعة في اليمن. بالإضافة إلى ذلك، لا يزال البيت الأبيض يدعم رسميا محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة، ويستمر في اتباع سياسة "عهد أوباما" التي تتمحور حول شن ضربات باستخدام الطائرات دون طيار ضد المعاقل الإرهابية في البلاد.
في المقابل، أعطى ترامب للبنتاغون مزيدا من الحرية لتنفيذ هجمات الطائرات دون طيار ضد مقاتلي تنظيم القاعدة المتمركزين في اليمن. كما يبدو أن وزارة الدفاع الأمريكية قد زادت من حجم المساعدات الأمريكية المقدمة لقوات التحالف العربي. وفي الوقت الراهن، تدعم إدارة ترامب هدفا آخرا طويل الأمد يتمثل في ضمان حرية التنقل في مضيق باب المندب من خلال فرضها لتواجد عسكري بحري قوي في الخليج الفارسي، وخارج سواحل شرق أفريقيا.
إلى جانب في ذلك، تريد الولايات المتحدة أن تحظى بدعم الرياض في المعركة التي سوف تخوضها ضد تنظيم القاعدة في اليمن، مقابل استعدادها لإزالة بعض القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية.
ومع ذلك، من المرجح أن تفضل إدارة ترامب، التي حرصت على عدم الوقوع في مواجهة مباشرة مع الحوثيين، انسحاب الرياض من مستنقع الحرب اليمنية. وحتى تتمكّن الرياض من حفظ ماء وجهها، من الأفضل أن تتم هذه الخطوة من خلال مفاوضات دبلوماسية.
وأخيرا، تعتبر عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية حافزًا آخر على توتر العلاقات الأمريكية السعودية. فقد أعرب ترامب في عدة مناسبات عن رغبته في استئناف المفاوضات العالقة، لعل آخرها خلال المؤتمر الصحفي المشترك الأخير، الذي عقده مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في البيت الأبيض.
في المقابل، إن ضغط الولايات المتحدة على الفلسطينيين دون مطالبة الإسرائيليين بتقديم بعض التنازلات من شأنه أن يُضر بالعلاقات الأمريكية السعودية. فضلا عن ذلك، ساهمت معارضة إيران المشتركة في تقارب مصالح إسرائيل والسعودية، على الرغم من اعترافهما أن ما يربطها هو المصالح السياسية وليس القيم المشتركة. وفي هذه النقطة، تجدر الإشارة إلى التعاون السري الذي يدور بين كلا البلدين منذ فترة طويلة، في مجال الأمن والاستخبارات.
المزيد من الشيء نفسه؟
وفي شأن ذي صلة، يكشف خطاب ترامب المعادي لإيران خلال حملته الانتخابية، فضلا عن عملياته العسكرية الأولية التي شنّها في اليمن وسوريا، عن ملامح سياسة الولايات المتحدة تجاه المملكة، التي أدّت بدورها إلى تحسين المناخ السياسي بين الحليفين. والجدير بالذكر أن السعودية تُشجع، بشكل خاص، رغبة واشنطن في الموافقة على صفقات الأسلحة التي حَظرتها إدارة أوباما في السابق، وعلى فرض المزيد من القوات العسكرية في المنطقة، أكثر من أي وقت مضى.
في الوقت الراهن، تميل الموازين بشكل طفيف لصالح تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، ولكن بعض القضايا التي نُوقشت أعلاه قد تؤدي إلى نشوب الخلافات. وقد يؤدي هذا إلى عودة العلاقة بين البلدين إلى سابق عهدها، أي لما كانت عليه في عهد أوباما، لتتكرر بذلك خيبة أمل السعودية وتتبدد آمالها في إدارة ترامب. في نهاية المطاف، ليس واضحا ما إذا كانت سياسة البيت الأبيض ستتغير بطريقة تتفق تماما مع أهداف السياسة السعودية. ولكن من المرجح أن تكون توقعات الجانب السعودي بشأن هذه المسألة مبالغا فيها.