مواد أخرى » كيف يمكن إعادة بناء الدولة السورية بعد التسوية؟

محمد عبد الله يونس

لا تكاد تخلو أي من مبادرات تسوية الصراع الأهلي في سوريا من تصوُّرات حول عملية إعادة بناء الدولة ومأسسة هيكل السلطة في الدولة السورية الجديدة في مرحلة ما بعد التسوية كنتاجٍ لحوار وطني ممتدٍّ يُفترض أن تتم إدارته بين الفرقاء السياسيين والمجتمعيين في سوريا.

وتستند أغلبُ هذه الأطروحات للتجارب المرجعية لدور المنظَّمات الدولية مثل الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD ، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا OSCE، وغيرها من المنظمات الدولية التي قامت بأدوار مركزية في عمليات إعادة بناء الدولة عقب الصراعات الأهلية في كوسوفو والصومال وبورندي ودول البلقان وأفغانستان وجنوب السودان، وهو ما يرتبط بمحاولة استشراف طبيعة هيكل السلطة في الدولة السورية الجديدة، التي يمكن أن تكون مطروحة خلال مفاوضات التسوية مستقبلًا.

العوامل المحدَّدة لإعادة بناء الدولة

تستند أغلبُ أطروحات إعادة بناء الدولة في سوريا للأدبيات الإرشادية الصادرة عن المنظمات الدولية فيما يتعلق بكيفية إعادة هيكلة ترتيبات السلطة في مراحل ما بعد الصراعات الدولية، وفي هذا الإطار يُقصَد بمفهوم إعادة بناء الدولة State Rebascii117ilding: إدخال تحولات جذرية على بنية مؤسسات الدولة كي تتمكن من أداء وظائفها الأمنية والاجتماعية والسياسية بكفاءة تستند إلى الشرعية والرضاء المجتمعي.

وتركِّز عملية إعادة بناء الدولة على عدة أبعاد؛ أولها: يتمثل في بناء المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة، وضمان امتلاكها للحد الأدنى لتأدية وظائفها في إطار مفهوم الدولة القابلة للبقاء. وثانيها: يتمثل في إقرار قواعد وترتيبات جديدة لتداول السلطة وطبيعة نظام الحكم. وثالثها: يتمثل في إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية لاستيعاب الميليشيات المسلَّحة ومنع تجدُّد الصراع بين الفصائل المختلفة. ومن المرجَّح أن تتأثر عمليات إعادة بناء الدولة في سوريا بعدة عوامل، يتمثل أهمها في الآتي: 

1- تاريخ بناء الدولة: إذ إن الخبرة التاريخية لنشأة الدولة عادةً ما ترسِّخ في الذاكرة الجماعية لأطراف الصراع، وتؤثر من ثَمَّ على سياقات إعادة بناء الدولة، فعلى الرغم من ارتباط عمليات تأسيس الدولة في سوريا بالتحرُّر من الاستعمار الفرنسي، فإن هيمنة حزب البعث على مقاليد السلطة في سوريا منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، مهَّدت لسيطرة حافظ الأسد وأسرته على مقاليد السلطة منذ سبعينيات القرن الماضي، وهو ما أسس للهيمنة السياسية للنظام السوري؛ ولاسيما عقب التصدي المسلح لاحتجاجات المعارضة السورية في مدينة حماة، مما أدَّى لغياب أية معارضة لنظام الأسد حتى بداية الثورات العربية، وهو ما يعني افتقاد خبرات إدارة التعددية السياسية لدى النظام والمعارضة السورية على السواء. 

2- ذاكرة الخبرات المؤسسية: يؤدي امتلاك الدولة لذاكرة مؤسسية قبيل مرحلة احتدام الصراع الداخلي لتوجيه عملية إعادة بناء الدولة من خلال الإفادة من الخبرات المؤسسية والإدارية المتراكمة في تدعيم الدولة الناشئة، والاستفادة من الكوادر الإدارية والتنفيذية في إدارة المؤسسات الناشئة، وهو ما يعزِّزُ من قدرة هذه المؤسسات على التكيُّف مع أوضاع ما بعد التسوية التي تتطلب قدرًا كبيرًا من المهنية والحياد في أداء المؤسسات لأدوارها. 

3- هياكل التكوينات الاجتماعية: تتسم سوريا بتعددية دينية وقومية وإثنية متداخلة ومركَّبة، فعلى الرغم من تمثيل المسلمين السنة أغلبية سكان سوريا وَفْقَ مختلف التقديرات، فإن أسرة الأسد التي تنتمي للأقلية العلوية تمكنت من ترسيخ سيطرتها على الدولة السورية على مدار سنوات، وهو ما يمكن اعتباره أحدَ أسباب تأجيج الصراع الداخلي في سوريا، وإلى جانب المسلمين السُّنَّة والعلويين، تضم سوريا تكوينات من الطوائف الإسماعيلية، والإثناعشرية، والمسيحيين الأرثوذوكس، والمارونيين، والكاثوليك. كما تضم سوريا جماعاتٍ متعددة من الأكراد، والدروز، والأرمن، واليزيديين، وهو ما يعني أن إعادة بناء الدولة السورية ينبغي أن يأخذ في الاعتبار التوازنَ بين مصالح التكوينات الاجتماعية المختلفة.

4- اتجاهات العداء والعنف: ترتبط عمليات إعادة بناء الدولة برسم خريطة العداء والتحالفات الداخلية والإقليمية التي تحدد مسارات الصراع في سوريا، ويسهم بناء هذا التصنيف في معرفة مصالح الأطراف وتحفظاتهم على عمليات الانتقال السياسي، ومن ثَمَّ التقريب بين التوجُّهات المتعارضة.

5- خريطة توزيع الموارد: يؤثِّر التوزيع الجغرافي للموارد، خاصة النفط، والموارد المائية، والأراضي الزراعية الخصبة، على عمليات إعادة بناء الدولة، خاصةً ما يتعلق بتركيز بعض الأطراف الداخلية على حقوق تقرير المصير، ومنح بعض الأقاليم حكمًا ذاتيًّا، أو على الأقل تبنِّي النموذج الفيدرالي بهدف حفاظ بعض الجماعات على قدرتها على الإفادة من الموارد في الأقاليم التي تتركز بها على غِرار نموذج كردستان العراق.

6- دور الفواعل الخارجية: تتوقف فاعلية عملية إعادة بناء الدولة على التوافق في مصالح الفاعلين الخارجيين، وهو ما يفرِّق بين عملية ناجحة لبناء الدولة، على غرار ما حدث في كوسوفو ودول البلقان، وعمليات أخرى لم تحقق ذات القدر من النجاح، مثل الصومال، وجنوب السودان، والعراق؛ حيث إن القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في الصراعات الداخلية، والتي تقوم بالإشراف على عملية التسوية، قد تسهم في استقرار ورسوخ مؤسسات الدولة عقب انتهاء الصراعات، إذا كان ذلك يحقق مصالحها، وقد تسعى لتقويض دورها وتضعف من قدراتها، مما يؤدِّي لنشأة دولة ضعيفة غير قادرة على أداء وظائفها الأساسية.    

مراحل إعادة بناء الدولة: 

تركِّز أدبيات إعادة بناء الدولة على وجود عدة مراحل متتابعة لعملية بناء الدولة تستهدف التوازنَ بين التوافقات السياسية والمجتمعية لتثبيت معادلات تقاسُم السلطة التي يتم التوافق عليها بين مختلف الأطراف، وهو ما يعبر عنه اقتراب الدولة في المجتمع
1- التسوية السياسية: يمثِّل التوافق بين النخب السياسية وأطراف الصراع نقطةَ البداية في عملية إعادة بناء الدولة؛ إذ إن عملية بناء الدولة عادةً ما يحكمها ما يتم التوافق عليه بين أطراف الصراع حول شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم، باعتبار هذه الأبعاد ضمنَ معادلات تقاسُم السلطة بين الفرقاء المتصارعين، ومن الضروري تضمين كافة أطراف الصراع، وعدم استبعاد أيٍّ منهم كي تعبِّر التسوية السياسية عن مصالح الكافة، وتصبح قابلةً للبقاء والاستمرار. فعلى سبيل المثال يرجع انهيار التسوية السياسية في ليبيا نتيجةً لعدم مشاركة بعض الأطراف السياسية في صياغة اتفاق الصخيرات الذي نص على تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية تضم ممثِّلين عن كافة الفرقاء السياسيين والمجتمعيين، فضلًا عن تشكيل مجلس أعلى للدولة، ومجلس أعلى للإدارة المحلية، وهيئة لإعادة الإعمار، وأخرى لصياغة الدستور ومجلس الدفاع والأمن.

وعلى الرغم من مراجعة الاتفاق وإعادة صياغته أكثر من مرة لمراعاة مصالح مختلف الأطراف، إلا أنه لم ينجح نتيجة لمحاولة مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا برناردينو ليون طرح أسماء محدَّدة لقيادة حكومة الوحدة الوطنية، وهو ما لم يلق قبولًا من جانب الفرقاء السياسيين في ليبيا، الذين وصفوا دور ليون بالوصاية الدولية، مما أدَّى لانهيار التسوية الهشة قبل البدء في تطبيق ما توافق عليه أطراف الصراع.

2- صياغة الدستور: عادة ما تمثِّل عملية صياغة الدستور المرحلة التأسيسية لإعادة بناء الدولة بالنظر إلى ارتباطه بالتوفيق بين المصالح المتعارضة، وضمان الحقوق والحريات، والتوافق على آليات تداول السلطة وطبيعة نظام الحكم، وفي هذه الحالة يُعد الدستور بمثابة إعادة صياغة العقد الاجتماعي المنشئ للدولة. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة لثلاث مسارات يمكن من خلالها إدارة الاستحقاق الدستوري:

أ- الجمعية التأسيسية: ويقصد بذلك انتخاب كيان مستقل يصبح مسئولًا عن وضع الدستور، بحيث يتم اللجوء لجمهور الناخبين لتسوية الخلافات بين النخب السياسية حول عضوية لجنة صياغة الدستور، وهي الصيغة التي اتُّبِعت في صياغة دستور نيبال عام 2008، وبوليفيا عام 2006. 

ب- المؤسَّسة التشريعية: قد تلجأ بعض الدول لانتخاب المؤسسة التشريعية التي تتولى عملية صياغة الدستور في أولى مهام انعقادها على غرار جنوب أفريقيا التي شهدت إجراء الانتخابات التشريعية في أبريل 1994، ثم اجتمعت المؤسسة التشريعية في مايو 1994 كجمعية تأسيسية لوضع الدستور، وتلقَّت اللجان التشريعية مليون اقتراح من المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني، تمت صياغتها في مسوَّدة أولية في نوفمبر 1995، ثم تم إصدار النص النهائي في مايو 1996، وقامت المحكمة الدستورية بمراجعته وطرح بعض التعديلات إلى أن تمت المصادقة عليه نهائيًّا في ديسمبر 1996. 

ج- اللجنة الدستورية: قد تتوافق النخب السياسية خلال مراحل التسوية على تسمية عدد من الخبراء القانونيين المحايدين بهدف صياغة مشروع الدستور، ثم عرضه على المواطنين في استفتاء عام بهدف الموافقة عليه. 

3- التوافق على نظام الحكم: عادةً ما يثور الخلاف بين أطراف الصراع حول الصيغة الأمثل لبنية نظام الحكم، وفي هذا الإطار تتم المفاضلة بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي:

أ- النظام البرلماني عادة ما يتم تبنِّيه في حالة الافتقاد لتوافق عام على قيادات تحظى بالشرعية السياسية في مرحلة ما بعد الصراع، ويرتبط ذلك بتسبب إرث السلطوية السياسية في تفجُّر الصراع الداخلي، كما أن النظام البرلماني يمنح فرصة لتحكم السلطة التشريعية في تشكيل الحكومة من خلال الأغلبية البرلمانية المنتخبة، في المقابل فإنه يمكن السلطة التنفيذية من الهيمنة على السلطة طالما تمتع بالأغلبية التشريعية، ومن ثم الثقة البرلمانية.

ب- النظام الرئاسي: قد تفضل بعض النخب السياسية تبني النظام الرئاسي باعتباره يحقق التوازن والرقابة المتبادلة بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، مما يحقق التوازن السياسي، ويسمح في ذات الوقت بوجود قيادة في السلطة التنفيذية، وهو النموذج الذي تبنَّته كلٌّ من جنوب أفريقيا، وكوسوفو، وميانمار، وهو ما يرتبط بالخبرة التاريخية لنظم الحكم في هذه الدول.

4- التوافق على النظام الانتخابي: يُعد النظام الانتخابي من أهم أركان عمليات الانتقال السياسي باعتباره آلية تداول السلطة بين القوى السياسية المختلفة. وقد تفضل القوى السياسية نظام التمثيل النسبي Proportional Representation حيث يحصل كل حزب على عدد من المقاعد يتناسب مع عدد الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات بالدائرة التي تُجرى بها الانتخابات، وهو ما يؤدي لتمثيل أكبر عدد من الأحزاب في المؤسسة التشريعية بالمقارنة بنظام الأغلبية Majority system الذي يستحوذ في إطاره الحزبُ الحائزُ على الأغلبية على كل المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية إعمالًا لمبدأ 'الفائز يحصد كل شيء' Winner Takes All.

ويستهدف هذا النظام استيعاب التعددية السياسية والمجتمعية وتوسيع نطاق المشاركة في السلطة، إلا أنه يؤدي لتصاعد فرص تشكُّل الحكومات الائتلافية في ظل ضعف قدرة مختلف القوى السياسية والحزبية في بعض دول الإقليم على تحقيق الأغلبية المطلقة في الانتخابات التشريعية التي تؤهِّلها لتشكيل الحكومة دون الائتلاف مع غيرها من الأحزاب والقوى السياسية.

5- مأسسة العلاقات المدنية العسكرية: تتوقف استدامة التسوية السياسية على إعادة هيكلة العلاقات المدنية العسكرية بالتوازي مع مسارات الانتقال السياسي من خلال نزع سلاح المواطنين والفصائل السياسية الراغبة في الانخراط في العملية السياسية ودمج الميليشيات المسلَّحة في المؤسسة العسكرية كأفراد وليس كمجموعات فرعية داخل الجيش، فضلاً عن وضع مجموعة ضمانات لمنع انجراف المؤسسة العسكرية عن دورها في الدفاع عن مصالح الدولة دون التدخل في التدافع عن السلطة، وهو ما ركَّزت عليه جملة دراسات وتقارير تبناها حلف الناتو في التعامل مع دول البلقان ودول شرق أوروبا، حيث تتمثل أهم الضوابط القانونية والمؤسسية لضمان الحياد السياسي للمنتمين للمؤسسة العسكرية عقب نهاية الصراع في الآتي:

أ- وضع إطار قانوني ومؤسسي لتنظيم سيطرة المؤسسات السياسية المدنية على المؤسسة العسكرية. 

ب- مراجعة مستوى الإنفاق العسكري وحجم الجيش ومستوى تسليحه وإعادة صياغة العقيدة العسكرية.

ج- إعادة صياغة سلسلة الأوامر والقيادة لضمان إدارة المؤسسات المنتخبة للمؤسسة العسكرية التي يتركز دورها في أداء وظيفتي الأمن والدفاع.

معوِّقات بناء الدولة في سوريا

من المرجَّح أنه تواجَه عمليات إعادة بناء الدولة في سوريا عقب نجاح مبادرات التسوية بعدة عوائق في ظل اتساع نطاق التفاعلات الصراعية بين الأطراف المنخرطة في الصراع في سوريا، واستعصائها على الضبط نتيجةً للتعارض الجوهري في المصالح الإقليمية والدولية. وتتمثل أهم معوقات بناء الدولة في سوريا في الآتي:

1- التشبُّث بالمكاسب المطلقة: إذ لا تزال معادلات تقاسم السلطة غائبة عن المشهد في سوريا في ظل نزعات الإقصاء والاستبعاد المتبادل بين نظام الأسد والمعارضة السورية، فبينما تسعى فصائل المعارضة السورية لاستبعاد الأسد والنخبة الداعمة له في أي ترتيبات مستقبلية لتداول السلطة يتم التوافق عليها، فإن نظام الأسد يتمسك بإنهاء العمليات العسكرية من جانب فصائل المعارضة ونزع سلاحها والتعامل مع المقاتلين الأجانب، وهو ما يعرقل التوصل لتسوية مبدئية تسهم في الانطلاق لإعادة بناء الدولة.

2-تعددية المعارضة السورية: لا توجد هيئة تنسيقية سياسية أو عسكرية تعبِّر عن كل فصائل المعارضة السورية، فضلًا عن الصراعات البينية بين هذه الفصائل، وهو ما يجعل عملية صياغة خريطة المشاركين في عملية التسوية غاية في التعقيد، وهو ما يفسِّر اتجاه عددٍ كبير من الأطراف الدولية والإقليمية لصياغة قوائم لممثِّلي الأطراف المختلفة في الحوارات السياسية بين النظام والمعارضة مستقبلًا.

3- استمرار المواجهات العسكرية: لم تتوقف العمليات العسكرية من أي من أطراف الصراع في سوريا على الرغم من تقاسم مناطق النفوذ بين مختلف الأطراف العسكرية، إلا أن المواجهات لا تزال محتدمة في مناطق التماس الحدودية بين نطاقات النفوذ لمحاولة التوسع على حساب الأطراف الأخرى، وهو ما يجعل أطروحات التسوية وإعادة بناء الدولة سابقة لأوانها.

4- الثبات الميداني لداعش: على الرغم من العمليات العسكرية الدولية وتكثيف الضربات الجوية لمعاقل تنظيم داعش في سوريا، فإن تنظيم داعش لا يزال يهيمن ميدانيًّا على مساحة واسعة من الأراضي السورية مما يعرقل مسارات التسوية نتيجة للتمدد الميداني لداعش على حساب النظام والمعارضة السورية التي تفتقد أغلب فصائلها للوجود الميداني مقارنةً بداعش وجبهة النصرة.

5- تنازع مصادر الشرعية: تنطوي الحالة السورية على عدة تناقضات فيما يتعلق بمصادر الشرعية؛ حيث إن الانتخابات الرئاسية السورية التي أجريت في مطلع يونيو 2014، والتي حصد فيها بشار الأسد نسبة 88.7% من الأصوات قد منحت نظام الأسد مبررًا للادعاء بأنه يستند لشرعية الانتخاب، بينما تستند فصائل المعارضة لتصدِّيها لجرائم النظام ضد المدنيين منذ بداية الصراع الأهلي في سوريا. في المقابل أقوى الفصائل السورية المسلحة ذات الثقل الميداني تتمثل في تنظيم داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام، وجميعها تنظيمات مصنَّفة عالميًّا كمنظمات إرهابية في مقابل ضعف وهامشية المعارضة السورية التي تُوصَف بالمعتدلة. 

6- تعارض المصالح الدولية: لا يمكن اعتبار الصراع الأهلي في سوريا مجردَ صراعٍ داخلي في ظل تدخلات الأطراف الإقليمية والدولية وتفجر صدامات فيما بينها، خاصةً بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا، والصدامات العسكرية المحدودة بين روسيا وتركيا عقب إسقاط الأخيرة لقاذفة روسية من طراز )سو- 24) ورفض بعض القوى الإقليمية لاستمرار بشار الأسد والنخبة المحيطة به في السلطة كمتطلب مبدئي قبل البدء في عملية التسوية السياسية. 

وفي المجمل، فإن عملية إعادة بناء الدولة في سوريا تتطلب تحقق: أولًا: التوافق بين كافة الفرقاء على وقف إطلاق النار، ووقف العمليات العسكرية، والتهدئة، وتبادل الأسرى والمصابين، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية للمحاصرين، ثم إدارة حوار وطني شامل حول إدارة المرحلة الانتقالية وضمانات بناء الثقة بين أطراف الصراع الأهلي في سوريا، والتوافق على وثيقة مبادئ أوَّلية تضمن الحفاظ على وحدة الدولة وإجراءات صياغة الدستور وانتقال السلطة، وهو ما لم تكتمل المعايير الموضوعية لتحقُّقِه حتى الآن.

المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية.

 


موقع الخدمات البحثية