مواد أخرى » لماذا تصر إيران على تسييس فريضة الحج مع السعودية؟

يُضيف منع السلطات الإيرانية حجيجها من أداء فريضة الحج هذا العام بعد اتهامها المملكةَ العربية السعودية بوضع شروط 'تعجيزية' أمامهم، برغم نفي المملكة ذلك، وفشل المفاوضات الأخيرة بين الطرفين في الوصول إلى صيغة توافقية تُرضي جميع الأطراف - بُعدًا جديدًا للتوتر الإقليمي الحاد القائم بينهما. ولم تتوقف إيران عند هذا القرار، بل إنها أعلنت في 9 يونيو الجاري نيتها مقاضاة السعودية أمام المحاكم الدولية، وفق ما نقلت وكالة 'تسنيم للأنباء' التابعة للحرس الثوري الإيراني، بسبب حادثة التدافع في منى، ومقتل عدد من الحجيج الإيرانيين في موسم الحج 2015.4768_632_01

محاور الخلاف:

برغم الاجتماعات التي تمت دعوة الوفد الإيراني لها من قِبَل الجانب السعودي مؤخرًا، بدا ملحوظًا وجود إصرار من جانب الطرف الإيراني على تعميق الأزمة وتصعيدها في ظل استمرار الاتهامات بين الطرفين بالمسئولية عن عدم حج الإيرانيين هذا العام. وقد تركَّزت أهم الاختلافات في عددٍ من النقاط، لعلَّ أبرزها:

أولا- إصرار الجانب الإيراني على منح التأشيرات لحجاجها من داخل إيران، في ظل انقطاع العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران عقب قيام عدد من المتظاهرين الإيرانيين باقتحام السفارة السعودية داخل إيران ردًّا على إعدام السعودية للشيخ الشيعي نمر النمر بعد إدانته بالإرهاب، والذي كان معروفًا بهجومه الدائم على العائلة المالكة السعودية. ومن ثمَّ لم يعد هناك تمثيل دبلوماسي سعودي داخل إيران؛ لذا اقترحت السعودية أن يتم منح الحجاج الإيرانيين تأشيرات الحج من خلال بلد ثالث، الأمر الذي رفضته إيران بشدة، لما اعتبرته يُمثل تقليلا من مكانتها الإقليمية وهيبتها الدولية. وبرغم ذلك فقد تم الاتفاق بين وزارة الحج والعمرة ووزارة الخارجية، في المفاوضات الأخيرة، على استخدام المسار الإلكتروني فيما يخص هذا الأمر؛ بحيث يستطيع الحاج الإيراني طباعة التأشيرة وهو في بلاده، وإحضارها مع جواز سفره للسعودية، كما ورد في بيان وزارة الخارجية السعودية بشأن الأزمة.

ثانيًا- مسألة تنظيم نقل الحجاج الإيرانيين للسعودية بعد توقف الرحلات الجوية المباشرة بين البلدين؛ والتي كانت تصل إلى ما يقرب من 150 رحلة جوية مباشرة شهريًّا؛ حيث طالب الوفد الإيراني بإعادة صياغة الفقرة الخاصة بالطيران المدني فيما يتعلق بمناصفة نقل الحجاج بين الناقل الجوي الإيراني والناقل الجوي السعودي، مما يعد مخالفة للمعمول به دوليًّا. وفي هذا الصدد اقترح جاهان ديستينيشنز وكيل المبيعات العام للخطوط الجوية الإيرانية ماهان اير بإمكان المعتمرين والمسافرين الآخرين حجز رحلات ربط على متن خطوط جوية مثل الإماراتية والقطرية.

ثالثًا- سعي الجانب الإيراني لتضمين فقرات في المحضر تسمح للحجاج الإيرانيين بإقامة دعاء 'كميل' ومراسم 'البراءة' و'نشرة زائر'، وهي التجمعات التي طالما أكدت السلطات السعودية أنها تُعيق حركة بقية الحجيج من دول العالم الإسلامي، فضلا عن كونها تهدف لإبعاد الحج عن مقصده الأساسي كفريضة دينية، والعمل على تسييسه من خلال تلك الشعائر. وقد اعتادت المملكة أن تُصدر سنويًّا تحذيرًا لحجاج إيران من إقامة تلك المراسم.

وتجدر الإشارة إلى أن إعلان 'البراءة من المشركين' هو شعار ألزم به المرشدُ الإيراني الراحل 'روح الله الخميني' الحجاجَ الإيرانيين برفعه وترديده في مواسم الحج، من خلال مسيرات أو مظاهرات تتبرأ من المشركين، وترديد هتافات بهذا المعنى، من قبيل 'الموت لأمريكا' و'الموت لإسرائيل'؛ باعتبار أن الحج، من وجهة النظر الإيرانية، يجب أن يتحول من مجرد فريضة دينية عبادية تقليدية، إلى فريضة عبادية وسياسية.

وتقوم السعودية كل عام بتوقيع مذكرات تفاهم مع 70 دولة بهدف ضمان أمن وسلامة الحجاج؛ إلا أنه نتيجةً لتلك الاختلافات رفض وفد شئون الحج الإيراني التوقيع على محضر الاتفاق لإنهاء ترتيبات حج هذا العام، معللا ذلك برغبته في عرضه على مرجعيتهم في إيران.

ليست الأزمة الأولى:

ليست الخلافات بين السعودية وإيران حول مسألة الحج وليدة اللحظة، بل هي نتاج تراكم العديد من الأحداث السابقة لها، وكان أبرزها وأكثرها خطورة أحداث مكة عام 1987. وقد سبقت تلك الأحداث حوادث أخرى، ولحقتها أيضًا أزمات تالية. ولعلَّ أهم تلك الأحداث ما يلي:

- أحداث موسم الحج عام (1986): عندما أحبط موظفو الأمن والجمارك السعوديون محاولة الحجاج الإيرانيين تهريب 51 كيلوجرامًا من مادة C4 شديدة الانفجار التي خبأها الحجاج الإيرانيون في حقائبهم لاستخدامها في تفجير الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، كما أُثير في وقتها وأثبتت التحقيقات هذا الأمر.

- أحداث موسم حج عام (1987): وهي اشتباكات عنيفة وقعت في 31 يوليو 1987 في مدينة مكة المكرمة بين مجموعة من الحجاج الشيعة غالبيتهم إيرانيون وقوات الأمن السعودية؛ نتيجة ممارسة الحجاج الإيرانيين مراسم البراءة، ورفع شعارات سياسية معادية لأمريكا وإسرائيل؛ حيث قامت قوات الشرطة والحرس الوطني بتطويق جزء من المسار المخطط للمسيرة ومنع المتظاهرين من العبور مما أدى إلى تشابك الحجاج المتظاهرين مع قوات الأمن. وقد اشتدت حدة الاشتباك التي وصلت إلى مرحلة العنف بعد تدافع الحجاج بقوة، مما نتج عنه مقتل 402 شخص، منهم 275 حاجًّا إيرانيًّا، و42 حاجًّا من جنسيات أخرى، و85 رجل أمن سعوديًّا، فضلا عن إصابة 649 شخصًا، 303 من الإيرانيين، و145 من السعوديين، و201 حاج من بلدان أخرى.

ونتيجة لتلك الأحداث الدامية، قطعت الرياض علاقتها الدبلوماسية مع إيران، وتم تقليل العدد المسموح من الحجاج الإيرانيين من (150 ألف حاج) إلى (45 ألفًا). أما طهران فقامت بمقاطعة الحج في المواسم الثلاثة التالية، إلى أن تجددت العلاقات بين الطرفين في عام 1991 بعد اتفاق يسمح للإيرانيين بممارسة فريضة الحج مرة أخرى، ووضع حدٍّ أقصى للحجاج الإيرانيين يبلغ (115 ألف حاج)، مع السماح لهم بالتظاهر، لكن في مكان واحد تُخصصه لهم السلطات السعودية. وبرغم التزام الطرفين بهذا الاتفاق على مدار العقدين التاليين، فقد وقعت بعض الأحداث اللاحقة التي عكَّرت صفو ذلك الاتفاق.

- موسم حج عام 1989: حيث وقع انفجاران بجوار الحرم المكي نتج عنه وفاة شخص وإصابة 16 آخرين، وألقت السلطات الأمنية القبض على 20 حاجًّا كويتيًّا اتضح خلال سير التحقيقات معهم تلقيهم تعليمات من محمد باقر المهري (عالم دين ووكيل المرجعيات الشيعية في دولة الكويت)، وتسلمهم المواد المتفجرة عن طريق دبلوماسيين إيرانيين في سفارة طهران في الكويت، وتمت محاكمتهم والقصاص منهم.

- موسم حج عام 1990: وقعت حادثة نفق معيصم الشهيرة في يوم عيد الأضحى، نتيجة تدافع الحجاج والزحام بينهم، وبرغم اتهام بعض الأطراف الإيرانيين بإطلاق غازات سامة أدت إلى وفاة 1426 حاجًّا من مختلف الجنسيات؛ فإن السلطات السعودية حينها لم تتهم أحدًا، وقالت إنه مجرد 'حادث عرضي'.

- آخر تلك الأحداث حادثة تدافع منى في موسم حج العام الماضي، والتي نتج عنها مقتل نحو 2300 حاج أجنبي، من بينهم 464 إيرانيًّا، وهي أسوأ أزمة وقعت في مواسم الحج بعد أحداث 1987؛ والتي تستغلها إيران لاتهام السعودية دومًا بعدم القدرة على تنظيم مواسم الحج، فضلا عن سعيها لتدويل القضية، ومقاضاة السعودية أمام المحاكم الدولية في مقتل حجاجها الإيرانيين.

تداعيات أزمة الحجاج الإيرانيين:

في ضوء ما سبق، يبدو أن أزمة الحجاج ستظل مثارًا للخلاف بين السعودية وإيران، خاصة في ظل التوتر القائم بين البلدين، والخلافات في عدد من الملفات الإقليمية، مثل الأحداث في سوريا واليمن. ومن ثم يمكن القول إن الحج بهذه الطريقة قد تحوّل إلى أداة يتم توظيفها سياسيًّا لتحقيق مكاسب لكل طرف على خلفية الاتهامات المتبادلة دومًا بين الطرفين حول مسئولية منع الحجاج من أداء الفريضة الإسلامية؛ حيث تسعى إيران إلى إظهار السعودية أمام الرأي العام في العالم الإسلامي بأنها تمنع حجاجها الإيرانيين من أداء الفريضة بما يهز صورة السعودية إقليميًّا ويحقق لإيران مكسبًا سياسيًّا في عدد من الملفات الأخرى، خاصة أن الحج لا تمتلكه السعودية، بل تُنظمه فقط، وربما تسعى إيران مستقبلا، من خلال تلك الاتهامات، إلى أن تحاول جعل تنظيم الحج مسئولية مشتركة بين الدول الإسلامية.

على الجانب الآخر، تنفي السعودية كافة الاتهامات التي توجهها لها إيران في هذا الصدد، وتتهم إيران بأنها تحاول إثارة مزيد من التوتر، وأنها تسعى إلى تسييس الحج، واستخدامه في الخلافات بينهما، بل إنها حاولت في الأزمة الأخيرة أن تُظهر تساهلا من جانبها فيما يتعلق ببعض شروط ومطالب الجانب الإيراني لوقف نزيف الاتهامات الإيرانية المتكررة للسعودية في هذا الصدد. 

ومن ثم فقد أُضيف ملف الحج إلى قائمة الملفات الخلافية بين القوتين الإقليميتين الكبيرتين (المملكة العربية السعودية وإيران)، بما يزيد من مشاعر التوتر بين السُنَّة والشيعة في العالم الإسلامي وليس فقط بين الدول والأنظمة الحاكمة، وهو ما يعني أن الأيام القادمة ستشهد مزيدًا من التوترات الحادة التي ستزيد الأمور سوءًا، ليس فقط في العلاقات بين الطرفين بل في المنطقة كلها بعد إضفاء الطابع الديني على الخلافات السياسية.

باسم راشد

المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية.

 

 

موقع الخدمات البحثية