الاعلام الاجتماعي » حملة كاذبون في مصر: التصدي لرواية الدولة


Middle East Institascii117te ـ وائل اسكندر(*)  
12 تموز/ يوليو 2013

كان قد تم تعليق ملاءة بيضاء بين شجرتين في مكان مقابل تماماً لمسجد السيدة عائشة في منطقة الطبقة العاملة في القاهرة. كل شيء قد تم ترتيبه من قبل متطوعين بحماية أحمد، وهو شخصية معروفة في الحي. فقد ساعدهم على اختيار المكان لإعداد جهاز العرض، والشاشة، ومكبرات الصوت. وكل ما كان ينقص هو مصباح شارع يعمل لتشغيل المعدات، ولكن تلك القريبة كان التيار الكهربائي قد فُصل عنها. وبدلاً من ذلك تم استخدام المولدات التي كانت تستأجرعادة من الباعة المتجولين .
ويبدأ هذا الحدث. يبدأ الناس بالانجذاب نحو الأصوات الخارجة من مكبرات الصوت الكبيرة، في الوقت الذي تُعرض فيه صور محمد مرسي عبر الشارع. يقف الناس، يشاهدون ويستمعون. يسمعون وصف المسؤولون لشيء ما، لكن بعد ذلك نرى عكس ما وصفوه معروضاُ على الملاءة البيضاء. صبي صغير معروف في أحداث الثورة يبكي وهو يشاهد وفاة جيكا، وهو أحد الثوار في السابعة عشرة من عمره قتل في الاحتجاجات المناهضة لمرسي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012. يكفر بعض الناس، بعضهم يغضب، وبعضهم لا يبالي.
يقترب رجل من أحد المنظمين ويسأل لماذا يعرضون فيلماً في الحي الذي يقيم فيه. يقترب أحمد ويسأل  بلهجة تحمل مغزى، ' هل من مشكلة هنا؟' ويتعرف المواطن على أحمد ويبتعد عن المكان.
أما الناس الذين يشاهدون العرض فيفرزون أنفسهم إلى مجموعات. تبدأ المناقشات. ولم يهاجم عرض حملة ' كاذبون':  ما يعني نجاحاً.
تأسست حملة ' كاذبون' في كانون الاول/ ديسمبر 2011 بعدما هاجم أفراد عسكريون، وبعنف، المتظاهرين في اعتصام لهم خارج مقر مجلس الوزراء في القاهرة. وفي حين أصدر الجيش، الذي كان يقود مصر في ذلك الوقت، تصريحات قلل فيها من أهمية  دوره في الأعمال الوحشية، أظهر شريط فيديو مميز الجنود وهم يجرون ويضربون أحد الأشخاص وهو فاقداً للوعي، ويجردون امرأة من ملابسها في حين يركلون امرأة أخرى على رأسها. إن بيانات الجيش الكاذبة إلى جانب وجود شريط الفيديو هو ما دفع إلى إنشاء حملة  'كاذبون' . ومع فوز مرسي في الانتخابات الرئاسية وصعود الإخوان المسلمين، بدأت هذه الحملة بفضح أكاذيب الحكومة الجديدة أيضاً. أما الآن، ومع خلع مرسي من منصبه وحلول حكومة أخرى مكان حكومته، تواجه حملة كاذبون رواية أكبر تستدعي التصدي لها. فمع دور الجيش غير المؤكد والغامض، اعتماداً على من يخطو الخطوة ليتصدر الأهداف الحكومية لحملة كاذبون والتي قد تشمل وجوهاً جديدة، لكنها قد تعود فعلاً للجنرالات.

كيف تعمل الحملة
غالباً ما تدمج حملة ' كاذبون' لقطات من الجرائم التي ارتكبها النظام مع الصوت لتصريحات أدلت بها شخصية حكومية أو ناطق باسم الحكومة ينفي بها الحادثة أو يقدم رواية منحرفة عن الأحداث التي تظهر. وعادة ما يتم جمع الفيديو والصوت من كليبات كان قد تم تحميلها على اليوتيوب من قبل نشطاء.
وبالتالي يمكن أن يكون لهذه الأجزاء تصميماً يواجه المشاهدين بصور وأصوات متناقضة. وقد وضعت سالي توما، إحدى مؤسسي الحملة، هذا التصميم وطورته، مشيرة إلى أن 'التناقض يخلق الشك، الأمر الذي يؤدي إلى البحث عن الحقيقة'. وتضيف قائلة بأن الخلفية الموسيقية مستخدمة ، بدءاً من الموسيقى الكلاسيكية وصولاً إلى مؤلفات الكمان العربية الحزينة 'لجذب انتباه الجمهور وعواطفه والتغلب على ضجيج الشوارع '.
إن أفلام  ' كاذبون' متوفرة للتحميل من الإنترنت ومن ثم يتم عرضها في مدن مختلفة في جميع أنحاء مصر من خلال إبراز الصور على الملاءات البيضاء، كما هو موضح أعلاه، أو على الشاشة أو على جدار مبنى ما. ويقوم نشطاء مستقلون وحركات وأحزاب سياسية، أو لجان الأحياء الشعبية بتنظيم وتنفيذ العروض، والتي يمكن أن تكون مصحوبة أيضاً بمسيرات أو بمجموعات الرش على الجدران.

تأسيس الحملة
خرجت حملة كاذبون إلى الحياة ، جزئياً، كرد فعل بما أن المؤتمرات الصحفية التي عقدها نشطاء لمواجهة رواية الجيش لم تكن كافية لتغيير الرأي العام.
'لم يكن هناك نقص في اللقطات، لكنها لم تصل إلى الناس،' تقول توما. 'كان من الواجب علينا إعادة الثورة إلى الناس '.
عندما ثبت أن النشر على الانترنت أيضاً ليس فعالاً بما فيه الكفاية لتغيير الرأي العام، تم  التوصل لفكرة الوصول إلى الناس من خلال الاستفادة من المساحات العامة كوسيلة للتعبير السياسي ونشر المعلومات.
وقد عقد الحدث الأول للحملة في 20 كانون أول/ ديسمبر 2011 داخل 'عجلة الصاوي الثقافية'، وهو مركز ثقافي في الزمالك. لقد عرضت اللقطات لمواجهة الرواية التي قدمها المجلس الأعلى للقوات المسلحة  ومن ثم رئيس الوزراء كمال الجنزوري، الذي برأ الجيش من ارتكاب أي مخالفات خلال المظاهرة، وزعم بأن المتظاهرين أضرموا النار في الممتلكات العامة. وادعى كل من المجلس العسكري والجنزوري أيضاً بأن الجيش لم يستخدم الأسلحة النارية ضد المتظاهرين. وأظهرت أدلة الفيديو بوضوح أن الجيش قد استخدم الأسلحة النارية، بل والوحشية المتطرفة ضد المدنيين. وأظهرت أيضا المحتجين وهم يحاولون إطفاء الحرائق في محاولة لإنقاذ الكتب من المبنى المحترق الذي كان يحتوي على مخطوطات تاريخية.

التحديات
أثبت عرض الأفلام في الخارج عن وجود تحديات. فايجاد المكان الصحيح في الشوارع المزدحمة الضيقة لوضع المعدات والعثور على مصدر جيد للكهرباء ليس بالمهمة البسيطة. كما أن في بعض الأحيان يكون من الصعب تأمين التمويل اللازم، كامتلاك أو استئجار المعدات المكلفة والذي ينطوي على خطر التعرض للتلف.
في الواقع، بدأت شوارع مصر تتحول إلى عدائية تجاه الثوار بمجرد أن تولى الجيش المسؤولية. فالجيش محترم وموقر وواقع جرائمه غير مكشوف للناس. وفي حين كان من السهل نسبياً العودة مرة أخرى إلى الحيز العام حول ميدان التحرير ومناطق الاحتجاجات أخرى ، فقد  بقيت أجزاءً أخرى من شوارع القاهرة ومصر تنتظر من يغزوها. وبينما كان النظام يحاول استعادة السيطرة على مساحة المدينة، فإنه كان يرسل أحياناً البلطجية لتعطيل العرض وتدمير المعدات. وكان المتطوعون والمشاركون في هذه العروض في خطر حقيقي، إما من قبل هؤلاء البلطجية وقوات الأمن والمواطنين المتحمسين بشكل مفرط بشأن دعمهم للجيش، أو، في الآونة الأخيرة من جانب أنصار الإخوان المسلمين. وفي مناسبات قليلة تم الغاء العروض .
سيقوم المشوشون أولاً برفع أصواتهم والتحدث بصوت عال عن 'المخربين الذين لا يريدون الاستقرار في مصر'، بحسب ما يقول أحمد فؤاد، وهو عضو ناشط  في فريق ' كاذبون' الأصلي. ثم سيحاول هؤلاء التقاتل فعلياً مع المنظمين أو حتى الجمهور. في بعض الحالات قام هؤلاء برشق الحدث - العرض بالحجارة، مما تسبب بتلف المعدات في بعض الأحيان. وتعلم فريق الحملة  درساً من هذه الاشتباكات المبكرة لتعبئة عدد أكبر من الناس ليظلوا في أمان.
إلا أن التحدي الأكبر ظل إقناع الناس بأن الحكام كاذبون.

نجاح بظل المجلس الأعلى للقوات المسلحة
على الرغم من التحديات العديدة، لاقت الحملة نجاحاً، ويرجع ذلك ،جزئياً، إلى حقيقة كونه مشروعاً لامركزياً يوفر إطاراً ثورياً للناس للتوحد على الرغم من الاختلافات العقائدية ودون الحاجة إلى وجود كيان سياسي.
لقد عرض أكثر من 10000 متطوع أشرطة فيديو في جميع المحافظات المصرية تقريباً وفي ثمانية بلدان أخرى على الأقل، بما في ذلك الولايات المتحدة، فرنسا، السويد، وانكلترا. وكان هناك عروضاً أخرى أيضاً في اماكن جريئة، كالمكان أمام وزارة الدفاع، وزارة الثقافة، مبنى تلفزيون ماسبيرو، نقابة الصحفيين، والمحكمة العليا، وجدران السفارة المصرية في واشنطن، وحتى القصر الرئاسي. ومع ما لا يقل عن 600 عرض موثق عن مصر (تقديرات فؤاد تقول بأن 40 في المئة من العروض ليست مسجلة حتى ) وعرض 20 شريطاً في اليوم أحياناً، ساعدت حملة كاذبون على تعبئة الجماهير وشجعت على الهتاف بشعار 'فليسقط حكم العسكر'.
نتيجة لذلك، هزت حملة كاذبون الجنرالات الحاكمين. وألمح المشير محمد حسين طنطاوي، وزير الدفاع في ذلك الوقت، إلى الحملة عندما تحدث عن انتشار 'شائعات' حول الجيش في كلمة له أمام طلبة عسكريين في أواخر كانون الثاني/ يناير 2012. كما اتهم المجلس العسكري  طلاب الجامعة الأمريكية في القاهرة بكونهم أدوات لدى الحكومة الأميركية، مستشهداً بالعرض الذي أجرته حملة كاذبون في الحرم الجامعي باعتباره أحد أسباب هذا الاتهام.
بالإضافة إلى ذلك، أرسل المجلس العسكري رسالة إلى كافة وسائل الإعلام يطالب فيها بعدم إجراء أي مقابلة مع أي عضو كان من أعضاء الحملة على شاشة التلفزيون.
' هناك الكثير من القنوات التي لم تكن لتستضيفني عندما تكتشف ما سوف أقوله عن حملة كاذبون،' تقول  توما مؤكدة.
أما دينا عبد الرحمن، المذيعة في التلفزيون، فقد تحدت هذا الامر من خلال بث حلقة كاملة عن حملة  'كاذبون' على قناة التحرير في مطلع كانون الثاني 2012، والتي تضمنت لقطات مستخدمة من قبل الحملة. وتكهن كثيرون أن هذا الأمر كان السبب الرئيس الذي أدى إلى إنهاء عقدها مع القناة بعد ذلك بوقت قصير.
كما أطلق المجلس الأعلى للقوات المسلحة حملته الخاصة في رد فعل على حملة 'كاذبون' وأطلق عليها اسم  'صادقون' ، لكنها فشلت في حشد ما يكفي من الاهتمام وماتت بسرعة .

حملة كاذبون بظل حكم مرسي
في تموز 2012، أطلقت حملة كاذبون شعار'كاذبون ـ سارقون عيشنا ( أي خبزنا)'، الذي هدف إلى خلق خطاب حول غياب العدالة الاجتماعية على الرغم من مرور عام ونصف العام على الثورة. وكانت الفكرة  دفع القادة، بغض النظر عن انتمائهم، لمعالجة حقوق الناس مثل الرعاية الصحية والغذاء والإسكان. وعرضت الحملة أشرطة الفيديو في المحافظات، بما أن عدداً كبيراً من الشكاوي كان يأتي منها. لكن أحداثاً قاهرة، كاحتجاجات السفارة السورية في سبتمبر/ أيلول، التي اعتقل فيها اثني عشر شخصاً من المحتجين على الرغم من ادانات مرسي المتكررة لقوات الحكومة السورية، حولت التركيز إلى حكم الإخوان المسلمين.
وفي 19 كانون أول/ ديسمبر 2012  أعاد نشطاء ' كاذبون' إطلاق الحملة تحت شعار ' كاذبون باسم الدين'. وقد أعيد إطلاق الحملة بعد اشتباكات وقعت فرَّق فيها أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، وبالقوة، اعتصاماً سلمياً أمام القصر الرئاسي. وفي اشتباكات جرت في وقت لاحق، قام أنصار الإخوان بتعذيب المحتجين ، وفرض المدعي العام المعين من قبل مرسي ضغوطاً لحبس الأبرياء من دون أدلة.
عرضت الحملة الجديدة، التي بدأت بتقديم مزيج من كليبات وسائل الإعلام الرئيسة ومقاطع اليوتيوب، ما يقرب من 100 عرض في جميع أنحاء مصر قبل نهاية كانون الثاني/ يناير 2013. وكان الانخفاض في عدد العروض نتيجة لكون وسائل الإعلام أكثر انفتاحاً على انتقاد الإخوان من الجيش. وبظل حكم مرسي، لم تكشف حملة كاذبون الردود إزاء أحداث العنف فحسب، لكنها أشارت أيضاً إلى تغيير المواقف والوعود. وأحد الأمثلة الباعثة على الضحك باستمرار هي التي يصرح فيها مرسي بأنه كان يعمل لحساب وكالة ناسا، وفي الكليب التالي، ينفي فيه قوله لهذه المزاعم بالمطلق .
باشرت العمل حركة لامركزية أخرى، هي حركة ' تمرد''، وذلك في أيار/ مايو 2013. وقد جمعت أكثر من 22 مليون توقيع يدعو إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة لتوفير الفرصة للاطاحة مرسي. وكانت  حملة ' كاذبون' سباقة إلى تبني الحملة والاستفادة من شبكتها من المتطوعين وعرضها على الشاشة تحت شعار  'تمرد لأنهم كاذبون'. وعرض الحدثان المشتركان أكاذيب الرئيس في حين قامت حملة ' تمرد ' بجمع التواقيع.

حملة كاذبون اليوم
تعتبر حملة كاذبون الأحداث التي بدأت في 25 كانون الثاني/ يناير2011  بأنها ثورة وبأن أحداث 30 يونيو 2013 استمراراً لتلك الثورة. وستواصل حملة كاذبون تصديها لرواية النظام عندما يقوم بتشويه الحقائق، بغض النظر عمن في السلطة.
والآن وبعد أن أطاح الجيش بمرسي ، تقوم حملة كاذبون بفضح الأكاذيب والانتهاكات من مختلف الجوانب. انها تستعد لتحدي كل المتبقين من 'الكذابين باسم الدين،' أيا كان هؤلاء، مثل حزب النور، إلى جانب أجهزة الدولة المستمرة بممارسة أساليبها الوحشية واطلاق الروايات الخاطئة، والحصانة إزاء المساءلة.
(*) ضيف مساهم

موقع الخدمات البحثية