مواد أخرى » الربيع العربي: انعكاساته على السياسة والمصالح الأميركية

Middle East Institute
الكاتب الرئيس والمنسق: آلن كيسويتر

مع مساهمات:
السفير آرثر هاغز، الدكتور مايكل ريان، السفير موللي ويليامسون
جماعة من الباحثين: غرايمي بانرمان،روبي باريت، تشارلز دان، هيرمان فرانسن، آرت هاغز، زبير إقبال، مرهف جويجاتي، آلن كيسويتر، توماس ليبمان، ديفيد ماك، ميليسا ماهلي،غريغ ماير، ديفيد نيوتن، إيلان بيليغ، مايكل رايان، بول شام، دانييل سيروير، آليكس فاتانكا، إدوارد والكر، واين وايت،فيليب ويلكوكس، مولي ويليامسون.
شكر خاص لـ: فيليب فراين
مقدمة
...الديمقراطيات تجعل الشركاء أقوى وأكثر استقراراً. فهي تقايض أكثر، تبدع أكثر، وتحارب أقل. إنها تساعد المجتمعات المنقسمة على عرض الخلافات على الملأ بأمل حلها. إنها تحاسب القادة غير الكفوئين والحمقى عند استطلاعات الرأيوتمرر طاقات الشعوب عبر قنوات بعيداً عن التطرف باتجاه الشراكة والحوار السياسي والمدني...
لذا، ولكل هذه الأسباب... إن افتتاح نظم سياسية، مجتمعات، واقتصادات ليست مسألة مثالية، ببساطة، إنها ضرورة استراتيجية.
وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، 7 تشرين الثاني، 2011
تصر إدارة أوباما، بحق، على أن لكل بلد منخرط في " الربيع العربي" ديناميته الخاصة وبأنه، وبما يتعلق بالسياسة الخارجة الأميركية، ليس هناك مقاربة " قاطعة الكعك" ( cookie cutter). مع ذلك، هناك حاجة لإلقاء نظرة شاملة على الكيفية التي يؤثر بها الربيع العربي على المصالح الأميركية الموجودة منذ زمن طويل في الشرق الأوسط. هذه الورقة تقيِّم الكيفية التي تؤثر بها الأحداث التي تكتسح الشرق الأوسط منذ العام 2011 على الأهداف الأميركية بما يتعلق بالإصلاح السياسي والاقتصادي، فرص مفاوضات سلام الشرق الأوسط، توازن الطاقة على الأمد الطويل، الضرورات الأمنيةفي الخليج، والتقدم في مكافحة الإرهاب.
عقد أكثر من 20 باحثاً في " معهد الشرق الأوسط" (MEI) مؤتمراً دام يومين في تموز لتناول هذه القضايا الشاملة المتداخلة وأتبعوها بجلسة أخرى في تشرين الثاني. تضمنت بعض الجلسات ضيوفاً تمت دعوتهم لحضور الجلسات. كما ساهم باحثون في كتابة مسودات والتعليق عليها أيضاً. مع ذلك، هذا التقرير هو تقرير تجميعي (مركب) وليس توافقاً بالآراء، لأنه لم يكن هناك مشاركة من كل الباحثين في كل أقسام المناقشات. لا حاجة للقول إنه لم يكن هناك توافق بين كل الباحثين على كل القضايا. يسعى هذا التقرير الى فهم نقاط الاتفاق الأساسية بالإضافة الى نقاط الاختلاف.
الأحكام الأساسية
أظهر الربيع العربي حدود القوة الأميركية في الشرق الأوسط.لم يعد لدى الولايات المتحدة الهيبة والموارد للهيمنة على شؤون الشرق الأوسط بالدرجة التي كانت لديها منذ الإنسحاب البريطاني من شرقي قناة السويس في العام 1971. فلا الولايات المتحدة ولا أوروبا لديهما الموارد المالية العظيمة الضرورية لتشكيل الفرص في بلدان الربيع العربي إلا بشكل هامشي. لا بد وأن يأتي الإستثمار الهام والبارز من مكان آخر أيضاً، تحديداً من دول الخليج والصين – بلدان لا تقاسم الغرب نفس مصالحه الممتدة في تعزيز القيم الديمقراطية. مع ذلك، الولايات المتحدة لها تجربتها، وحضورها السياسي والإقتصادي، والقيادة العالمية لتمارسها جميعاً.
بشأن الإصلاح السياسي والاقتصادي، يبقى أن نرى ماذا ستكون عليه طبيعة الأنظمة السياسية الديمقراطية التي ستبرز عقب الإنتخابات في تونس، مصر، ليبيا، واليمن. في كل الأحوال، هناك تطوران مؤكدان تقريباً ينبغي أخذهما في الاعتبار: الأول، أن الانتخابات ستفوض السلطة لأحزاب إسلامية، كما سبق وشاهدنا في تونس، مع إنتصار حزب " النهضة" الإسلامي المعتدل. ثانياً، من المرجح أن تؤدي الديمقراطية بالحكومات العربية الى النهوض لتكون أكثر استقلالية  عن النفوذ الأميركي، إنما بإمكانها، على المدى الطويل أيضاً، أن تؤدي الى مجالات جديدة من المصالح والقيم المشتركة.
بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط، تبدو الفرص الحالية أسوأ مما كانت عليه من قبل.أشعل الربيع العربي شرارة المخاوف الإسرائيلية من أن تكون المنطقة المستقرة نسبياً على مدى العقود الماضية العديدة قد تحولت ضدهم. وتجد الحكومة الإسرائيلية نفسها أكثر عزلة من أي وقت مضى. لقد وجد الفلسطينيون طاقة جديدة، لكن من غير الواضح كيف يمكن لذلك أن يعمل في التقدم بإتجاه تسوية تفاوضية مع إسرائيل.
بشأن الطاقة، كان السعوديون ومنتجون رئيسيون آخرون قادرين على التعويض عن الفوضى التي تسببت بها الأحداث الليبية. في كل الأحوال، وعلى المدى الطويل، يستلزم الطلب العالمي على الطاقة تطوير إحتياطات الطاقة العراقية والإيرانية, ثاني وثالث أكبر احتياطي على الأرض. بالنسبة للولايات المتحدة، وفي حين تقدم الطاقة المتجددة فرصة للتقليل من الاعتماد على الصادرات النفطية، لا يزال الحديث يدور حول الوسيلة الأفضل لتوفير النفط. إن التزاماً أميركياً قوياً بأمن الخليج سيبقى أمراً حيوياً لاستقرار سوق النفط في المستقبل المنظور.
في أمن الخليج، يظل الدور الأميركي ذا شأن رئيس. برغم الاختلافات التي سببت توتراً في العلاقات مع السعوديين ودول خليجية أخرى حول الثورة في البحرين ومصر، فإن العوامل الموحِّدة – كالرغبة بالحفاظ على سوق نفط منتظم ومصالح مشتركة تتعلق بإيران، اليمن، ليبيا، وسوريا – هي التي ستسود وتهيمن برغم ذلك.
بشأن الإرهاب، تؤكد ثورات الربيع العربي على إفلاس فلسفة التطرف الإسلامي التي تقر العنف على أنه الطريق الوحيد لتحقيق تغييرات مجتمعية. بالواقع، إن حركات الربيع العربي موجهة نحو قيم عالمية شاملة تتجذر في المطالبة بالحصول على فرص العمل، والعدالة، والكرامة وهي أمور بروحيتها غير بعيدة عن الحياة، الحرية، تحقيق السعادة. مع ذلك لا تزال الثورات تقدم الفرص للمتطرفين الإسلاميين لإحراز تقدم على الأرض، مثال على ذلك الوضع في اليمن.
بالإجمال، قد يستهل الربيع العربي حقبة إعادة تنظيم وتشكيل الخطوط العريضة التي تبرز الآن فحسب. فالفرص المباشرة الحالية تتعلق بـ : استمرار حالة عدم الاستقرار في الوقت الذي تعمل فيه دول إقليمية على فرز وتسوية أوضاع حكمها واقتصاداتها وعلى إعادة تقويم علاقاتها مع دول الجوار وبلدان أخرى؛ وزيادة نفوذ بلدان لديها موارد لدعم سياساتها؛ واستمرار دور راجح للولايات المتحدة إنما مخفف.
تتضمن الفرصة على الأمد الطويل أيضاً احتمالية شرق أوسط أكثر حرية. أكثر من 100 مليون عربي ( ثلث العالم العربي) هم أكثر حرية اليوم لأنهم نفذوا من أنظمة ديكتاتورية متحصنة  قديمة في الأشهر العشرة الماضية. المشكلة هي ما إذا كان بالإمكان تعزيز هذه الحرية الجديدة وإدامتها من خلال إنشاء مؤسسات ليبرالية وحل المشكلة الاقتصادية. إن شرق أوسط أكثر ديمقراطية، ةازدهاراً، ومسؤولية، على المدى الطويل، يعد بمنطقة ذات حكم أفضل وأقل انتهاكاً لحقوق الإنسان، وبالتالي نتيجة إيجابية صافية بالنسبة للمصالح الأميركية.
العوامل الدافعة
كان المسيرون لأحداث الربيع العربي، أولاً وقبل كل شيء، الجماهير المتحركة بتمكين من التكنولوجيا وعنصر الشباب فيها، الدور الذي لعبه الجيش وقوى الأمن التابعة للنظام، وتدخل القوى الخارجية. فلسنوات خلت، أحبطت دول الربيع العربي حصول تطور في قيادة بديلة خارج أنظمتها الحاكمة. وما حدث هو أن التكنولوجيا مكنت المواطنين من تحدي القوى الأمنية القمعية؛ لم يعد أمام القادة الراسخين الوقت لتنظيم الجماهير، فقط التقنيون المحنكون المتطورون الذين يملكون مهارات تنظيمية، الى جانب وجود تغطية إعلامية حية، كالجزيرة، يمكنهم ذلك. إضافة لذلك، إن عمر القيادات الطويل في كل دول الربيع العربي لم يترك شكاً عمن كان مسؤولاً عن مأزق كل بلد. وكانت النتيجة ثورات من الشارع مع قيادات بديلة تجاهد للبروز وسط التظاهرات والمعارك. هذه  الأسس النظرية راسخة جداً لدى جاك غولدستون، محمد حافظ، وتيد روبرت غير. ( أنظر مقالة غولدستون " فهم ثورات 2011،" في الـ " فورين آفيرز"- حزيران، 2011؛ كتاب حافظ بعنوان " لماذا يتمرد المسلمون؟ "  2003)؛ وكتاب غير " لماذا يتمرد الرجال؟ "( 1970).)
لقد بدأ الربيع العربي، من نواح عديدة، في طهران. فالتظاهرات التي أعقبت الانتخابات الفاسدة في حزيران 2009، مهدت الطريق للتظاهرات العربية، بالريادة في استخدام التكنولوجيا وشبكة التواصل الاجتماعي ووضع الأرضية لنشاطات وفق مبادئ اللاعنف. وإن الأوضاع التي لا تزال منتشرة في مصر، تونس، البحرين، اليمن، ليبيا، وسوريا، بالإضافة الى إيران، تقع تقريباً ضمن هذه التصنيفات الأربعة.
مصر وتونس، الدور المحايد، الى حد كبير، للجيش حرم الأنظمة من دور قمعي حيوي، كما لم يطلب متظاهرو المعارضة تدخلاً خارجياً أو أن يتلقوا مساعدة خارجية. في كلا الحالين، إن ضبط النفس المبدئي للجيش هو في جزء ما منه دليل يثبت ميزة " القوة الناعمة" وتأثير ناشئ من التدريب والمساعدات الأميركية والغربية الأخرى الهامة على مدى عقود.
ليبيا والبحرين، حيث أثبت التدخل الخارجي أنه حاسم حتى الآن. ففي ليبيا، اشتمل التزام الناتو والقوات العربية بحماية المدنيين على رؤية واسعة لهذه المهمة وقدموا القوة النارية، والمساعدة التكنولوجية والتدريب ما سمح للمقاومة الليبية بالنجاح. كما أن الكلام الشديد اللهجة لمجلس الأمن الدولي ودعم الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي قدما الشرعية السياسية. أما في البحرين، فقد تجلت قوة مجلس التعاون الخليجي بالدعم القوي لدوله، تحديداً من السعوديين، لنظام آل خليفة، رغم أن عدد الجنود لم يتجاوز بضعة آلاف وكانوا منتشرين في مناطق نائية لحماية البنى التحتية.
سوريا وإيران، حيث الجيش والمؤسسات الأمنية دخلت المعركة الى جانب النظام. لم يكن هناك من تدخل بارز دعماً للمعارضة، والنظامان من بين الأنظمة الأكثر تحصناً في الشرق الأوسط. إن عزل أي من النظاميْن مسألة في غاية الصعوبة ويعِد، بحق، بإحداث تغيير في قواعد اللعبة إذا ما حدث ذلك.
اليمن، حيث الجيش منقسم بعمق وحيث لم يكن هناك من تدخل أجنبي هام برغم المزاعم التي تدعي العكس. وقد وصف أحد باحثي " معهد الشرق الأوسط " اليمن بالدولة الفاشلة، لكن ليس بالمجتمع الفاشل، لأن نموذج السيطرة المركزية الضعيفة يعود لقرون. والآن تتعقد هذه النماذج السياسية التاريخية بحيث إن البطالة الشديدة، ونسب الولادات المرتفعة، وإمدادات المياه المنكمشة كلها أمور تدل على أن المجتمع الفاشل أمر ممكن. إن استبدال الرئيس صالح بقيادة جديدة يمثل علامة لحقبة جديدة إلا أن الحلول غير واضحة.
 إن الخيوط المشتركة التي تربط بين كل هذه البلدان معروفة جداً: الصعوبات والتفاوت الاقتصادي، والشكاوى والمظالم السياسية غير المعالجة، وعمر الحكام الطويل الذين قاوموا التغيير الثوري وسعوا لجعل دولهم " جمهوريات وراثية." هذه الدوافع أنتجت الظروف التي قادت الى أحداث العشرة أشهر الماضية: تطور النخب البديلة، جماهير متوفرة للتحرك، وفرص منطقية للنجاح.
الربيع العربي والمصالح الأميركية
تناول الرئيس أوباما في خطابه في وزارة الخارجية في 19 أيار، 2011، مسألة تأثير الربيع العربي على المصالح الأميركية. ومن غير المستغرب أن يكون وصف المصالح الأميركية بما يتناسب بشكل جيد وتعريفات أسلافه العديدين الآخرين.
واصلت الولايات المتحدة العمل، لعقود، على مجموعة من المصالح الجوهرية في المنطقة: مكافحة الإرهاب ووقف انتشار الأسلحة النووية؛ ضمان التدفق التجاري الحر وحراسة أمن المنطقة؛ والوقوف الى جانب أمن إسرائيل ومواصلة العمل على السلام العربي- الإسرائيلي.
وأضاف أوباما قائلاً، " مع ذلك علينا الاعتراف بأن الإستراتيجية المبنية على المواصلة الضيقة لهذه المصالح لن تملأ معدة فارغة أو تسمح للمرء بالكلام عما يجول في الخاطر... وإن فشلاً بتغيير مقاربتنا هذه يهدد بدوامة من الانقسام العميق بين الولايات المتحدة والعالم العربي." ولأن " الوضع القائم  غير مستدام،"  فهو أيد وجود علاقات لا تكون مبنية على " المصالح والاحترام المتبادلين" فحسب، وإنما على مجموعة مبادئ كوسيلة لاغتنام هذه " الفرصة التاريخية". هذه المبادئ تشتمل على معارضة استخدام العنف والقمع ضد شعوب المنطقة؛ دعم " مجموعة من الحقوق العالمية بما فيها حرية الكلام، حرية التجمع السلمي، حرية المعتقد الديني، المساواة للرجال والنساء تحت سقف القانون، والحق باختيار قادتكم؛" ودعم "الإصلاح السياسي والاقتصادي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما يلبي الطموح المشروع للناس العاديين على امتداد المنطقة."
وختم يقول:
إن دعمنا لهذه المبادئ ليس مصلحة ثانوية. أريد اليوم أن أوضح أن ذلك هو في قمة الأولويات التي ينبغي ترجمتها الى أفعال متينة، وبدعم من كل الوسائل الديبلوماسية، والاقتصادية، والإستراتيجية الموجودة في متناول أيدينا... ستكون سياسة الولايات المتحدة تعزيز الإصلاح عبر المنطقة ودعم عمليات الانتقال والتحول الى الديمقراطية.
وفي حين أنه لم يكن هناك من باحث في معهد الشرق الأوسط يتناول بشكل استثنائي كبير تصريحات الإدارة عن المصالح الأميركية، فإن وجهات النظر ألقت بظلالها على قسم كبير من النقاش حول المواضيع الإفرادية: الإصلاحات السياسية والاقتصادية، مفاوضات سلام الشرق الأوسط، الطاقة والعلاقات الاقتصادية، الأمن في الخليج، مكافحة الإرهاب وفرص الإسلام السياسي. إن الملخصات التالية تغطي وجهات نظر الباحثين حول تأثير الربيع العربي على كل مجال من هذه المجالات وتزودنا بالانعكاسات على السياسة والمصالح الأميركية.
الإصلاح السياسي والاقتصادي
اخترقت وجهات نظر الباحثين في معهد الشرق الأوسط حول هذا الموضوع كل النقاشات الأخرى. وكانت الأسئلة الأساسية هي التالية :
ـ ما هي الانعكاسات والتداعيات بخصوص السياسة المحلية للبلدان الموجودة في المنطقة؟
ـ هل أن ورود ضغط أكبر لأجل ديمقراطية ليبرالية – أو على الأقل حكومة أكثر عرضة للمساءلة وأقل قمعية – إشارة جيدة للاستقرار؟
ـ ما هي الشدة والسرعة اللتين ينبغي للولايات المتحدة أن تدفع بهما البلدان الإقليمية للتحرك بإتجاه الدمقرطة؟
ـ الى أي مدى ينبغي للولايات المتحدة أن تنظر ملياً في مسألة التدخل العسكري في أوضاع دموية ومتدهورة، كما هو حاصل في اليمن؟
وجهات النظر
الانعكاسات بخصوص السياسة المحلية. إن مفهوم إدارة أوباما بأنه ليس هناك من أجوبة على نسق وقياس واحد لكل الأسئلة يتناسب من دون شك مع الانعكاسات بخصوص الإصلاحات السياسية والاقتصادية. فبرغم التشابه القائم ما بين الأنظمة القمعية الراسخة والجماهير المعبئة، فإن الخطوط الأساسية الاقتصادية لكل بلد مختلفة بشكل واسع. علاوة على ذلك، تقسم البلدان الى ثلاث مجموعات: الأنظمة التي حدثت فيها الإطاحة بالنظام القديم – تونس، مصر، وليبيا؛ تلك التي لا يزال النضال والصراع غامضاً فيها– سوريا، اليمن، البحرين، وإيران؛ وتلك الممتدة عبر العالم العربي من المغرب حتى شبه الجزيرة العربية حيث جعل الربيع العربي الحكومات والحكام يقومون بتعديل مسارهم. أما النموذج الأساسي الذي أقرب ما يكون شاملاً للكل فهو " الدائرة الفاضلة"، المؤيد في تقارير التطوير البشري العربي الصادرة عن الأمم المتحدة ( 2002-2005 و 2009) عن تعزيز الممارسات السياسية الديمقراطية  والتبدلات الاقتصادية للسوق الحرة التي تقود الى الازدهار. ما هو صحيح بشكل واضح وجلي هو أن العملية ستأخذ سنوات وربما عقود، وسيكون ذلك التقدم متقلباً وربما مجهضاً.
من بين دول شمال أفريقيا الثلاث، قد يثبت أن الإطاحة بالأنظمة القديمة هو الجزء السهل. أما الجزء الصعب فهو مطلب وجود القيادة السياسية الماهرة لتوجيه الإصلاحات وشراء صبر الشعب في الوقت الذي تدخل فيه هذه الإصلاحات حيز التنفيذ. كان لدى تونس أفضل فرصة لإجراء إصلاحات ديمقراطية مؤثرة وتحرير الاقتصاد. فكبلد صغير يبلغ تعداد سكانه 10 ملايين نسمة، وشعب متعلم جداً ومتجانس الى حد كبير مع تعرضه الطويل لتأثير الغرب، تأتي تونس عبر أول اختبار انتخابي للربيع العربي بألوان متنوعة في انتخابات في 23 تشرين أول، 2011 لجمعية تأسيسية مهمتها تشكيل حكومة مؤقتة وكتابة دستور. كما تملك تونس ميزة المشاكل الاقتصادية القابلة للإصلاح بمقدار ضئيل نسبياً من المال مع أرباح محتملة ليست بالبعيدة جداً، كما أن المجتمع التونسي لم تصدمه أحداث الربيع العربي بشدة.
لدى ليبيا ميزة الثروة النفطية وعدد السكان الضئيل، لكنها مثقلة بأعباء الافتقار للهيكلية المؤسساتية التي ينبغي أن تبنى عليها، والتنافس والتناحر العشائري والإقليمي، بالإضافة الى تحدي كونها الآن دولة " ما بعد الصراع" كانت الثورة فيها دموية ومدمرة. وفي حين أن ليبيا ما بعد القذافي قد تحقق نوعاً من التوازن غبر المستقر، فإن من المرجح أن يبقى الوضع مائعاً لبعض الوقت.
أما مصر، أصعب حالة من بين الثلاثة، فلديها تعداد سكاني كبير ( 83 مليون)، وانقسامات عرقية وأقليات، وليس هناك من دخل كبير من العائدات النفطية يمكن الاعتماد عليه. فالموارد الخارجية المطلوبة لجعل الاقتصاد المصري يقف على قدميه مجدداً – مئات المليارات من الدولارات ـ ينبغي أن تأتي من بلدان كدول الخليج والصين، التي لا مصلحة خاصة لديها بتعزيز الديمقراطية. وبحسب كلمات لأحد باحثي " معهد الشرق الأوسط"، إن الوضع " قاتم". فالأسئلة التي لم تحل بعد هي الأسئلة التعريفية مثل بنية الحكومة، خاصة التي تتضمن دوراً للجيش، حقوق الأقليات، ودور الإسلاميين كالإخوان المسلمين. هذه التساؤلات تشكل تحدياً هائلاً وصعباً للسنة المقبلة أو حتى أكثر، لكن التحدي المباشر يتمحور حول ما إذا كان الجيش سيحتفظ لنفسه بدور سياسي خاص.
هناك ثلاث دول لا تزال في خضم صراع – البحرين، سوريا و إيران- لديها فرص لائقة ما إن تتم تسوية قضايا الحكم فيها لأن لدى هذه الدول شعوباً كوزموبوليتانية ( عالمية) متعلمة ومثقفة نسبياً بإمكانها جلب مهاراتها وكفاءاتها الى السوق التجارية العالمية. أما الحالة الأكثر وضوحاً فهي البحرين، حيث المهارات تنافسية أساساً والقضية قضية حكم الى حد كبير. من الصعب رؤية سلام دائم لا يشمل إصلاحاً حكومياً أساسياً وحقيقياً يعطي الشيعة حقوقاً سياسية واقتصادية أكبر. من جهة أخرى، تبدو هكذا إصلاحات الآن أمراً صعباً بسبب الخوف من التطفل الإيراني.
إن تغير الأنظمة في كل من سوريا وإيران سيكون بمثابة تبدل حقيقي باللعبة يعيد تشكيل الشرق الأوسط من البحر المتوسط الى الخليج. وتبدو التبدلات أكبر في سوريا منها في إيران، لكن في الحالين سوف يتوقف أي حكم قد يصدر على عدد من العوامل غير المعروفة وغير القابلة للمعرفة. إن التفكر في طبيعة حكومة ما بعد الحكم العلوي في دمشق أمر ليس سهلاً.  وكان لباحثو معهد الشرق الأوسط  وجهات نظر مختلطة إزاء ماهية أسلوب كوكبة السلطة التي قد تبرز هناك. وأشار أعضاء فريق الدراسة الى أن سوريا ما قبل الحكم العلوي كانت مشحونة بالانقلابات المتعددة لسنوات، وأن عودة اللا استقرار والغموض لن يكون أمراً مريحاً لعدد من الدول المجاورة لسوريا. وقد يكون الانخراط التركي المستمر أمراً بنّاءً في التخفيف من بعض هذه العوامل. ( تُناقش مسألة إيران في قسم " إيران وأمن الخليج" لاحقاً.)
اليمن حالة منفصلة لأنه يفتقر للحكم الفعال والموارد الهامة، وليس هناك من حل ظاهر لمشاكله المتعددة الأسباب والصفات. لقد وصف الرئيس علي عبد الله صالح حكمه بأنه "الرقص على رؤوس الأفاعي". وكما لاحظ أحد الباحثين: " حتى السعوديون لا يملكون المال لإصلاح اليمن". ومن المرجح أن يستمر اليمن بالتدهور بسبب التأثيرات الساحقة والماحقة للانتفاخ الديمغرافي الشبابي، والموارد الطبيعية المتضائلة، والاقتصاد المدمَّر، والحركة الانفصالية في الجنوب، والتمرد الحوثي الذي يهب وينطفئ كل مرة في الشمال، وتحدي القاعدة، ومشكلة اللاجئين المتنامية الآتية من الصومال، الدولة الفاشلة.
في اليمن، وقع الرئيس صالح اتفاقاً لحكم انتقالي برعاية مجلس التعاون الخليجي، أما في سوريا، فإن التخمين الأفضل هو أن القيادة سوف تذهب. إنها فقط مسألة وقت وظروف. وفي البحرين وإيران، يمكن اعتبارالعوامل الخارجية والدعم الشعبي مسألتين تنذران بحد زمني أطول لأي حل.
أما في دول مجلس التعاون الخليجي، الى جانب البحرين، فالنموذج هو السخاء والإصلاح. ففي السعودية، أصدر الملك عبد الله مرسوم قرار يتعلق ببرامج الإسكان، فرص العمل، وبرامج أخرى تصل قيمتها الى 136 مليار دولار، وأعلن أن بإمكان النساء المشاركة في الانتخابات البلدية وفي " مجلس الشورى". وقد فشل ما سُمّي بتظاهرة " يوم الغضب" التي تمت الدعوة إليها في آذار 2011 في الحصول على الكثير من الدعم، كما لاقت التظاهرات التي تحصل بين الفينة والأخرى في أوساط الشيعة في المحافظة الشرقية رداً حكومياً قوياً. وفي حين أنه قد يكون هناك تغيير سريع في القيادة السعودية في السنوات القليلة المقبلة، يتفق كل الباحثين على أن الاستقرر في المملكة لن يتأثر. كما أن نموذج السخاء السعودي يختص أيضاً بالكويت، والإمارات العربية المتحدة، وقطر. أما في عُمان، حيث وجد الربيع العربي صدىً غير متوقع في البلد المختار من قبل الأمم المتحدة كنموذج للتطور الاقتصادي الممتد على مدى الـ 40 عاماً الماضية، فقد أشرف السلطان قابوس على الانتخابات الأخيرة للمجلس الاستشاري العماني، وأعلن عن إصلاحات ممولة ومكفولة في جزء منها بمنحة من مجلس التعاون الخليجي بقيمة 10 مليارات دولار لكل من عُمان والبحرين. ويتقاسم الباحثون في معهد الشرق الأوسط رؤية مشتركة تقول إن من المرجح أن ينتج الربيع العربي إصلاحات، لكن ليس هناك من تغيير في اللعبة يمكن أن يعكر صفو مجلس التعاون الخليجي.
في المغرب والأردن، أسست الملكيتان لبعض الإصلاحات السياسية ردا ًعلى التظاهرات الداعية لأنظمة سياسية أكثر ديمقراطية  وعرضة للمحاسبة بدلاً من الدعوة الى تغيير النظام. ويعاني كلا البلدين من نسبة بطالة عالية، ونسبة مرتفعة من الشباب، وندرة بالموارد ( تحديداً في حالة الأردن). ومن المرجح أن تستمر حالة النقمة هذه بدفع المتظاهرين الى الشوارع. وكما في مصر أو تونس، ربما تستفيد الأحزاب الإسلامية من وضع سياسي أكثر انفتاحاُ من قبل الأنظمة، كما ظهر في الانتخابات المغربية الأخيرة.
في الجزائر، أخمد نظام خاص نخبوي، فاسد، سلطوي ومدعوم عسكرياً التظاهرات ووعد بالإصلاح. إن ذكريات الثورة الإسلامية الأصولية القوية ضد هذا الحكم الاستبدادي الفرانكوفوني في التسعينات قد أخمدت الحماسة لدى كثير من الجزائريين بتغيير النظام. في كل الأحوال، وبالنسبة لآخرين، يعتبر الظلم الواقع الآن أكبر حتى من ذلك الذي كان موجوداً في تلك الفترة. ويبقى الاستقرار هناك موضع تساؤل.
في العراق، إستفز الربيع العربي الناس للقيام بتظاهرات تدعو لأداء حكومي أفضل. وأعطى رئيس الوزراء المالكي وزراءه 100 يوم لتقديم خدمات أفضل أو مواجهة الطرد من الخدمة. وعندما انتهى الوقت، مدد الفترة 100 يوم إضافي ودخلت القضية الآن في الغموض المبهم. وفي الشمال الكردي، استطاع الربيع العربي تجميع قوة ساحبة مع تظاهرات كبرى انتهت بموت عدد من الناس وتعزيز جاذبية حزب " غوران" ( حزب التغيير) ومجموعات أخرى تتحدى الحزب الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني.
الأهم من التأثير المحلي للربيع العربي في العراق هو النتائج في الخارج. فتجاوباً مع المشاعر الشعبية، تحالفت حكومة المالكي مع الشيعة في البحرين، ما ولّد عداوة إضافية لدى دول مجلس التعاون الخليجي والسنّة في العراق. ودعم المالكي نظام الأسد في سوريا أيضاً على خلفية أن تهديد استقرار النظام يوفر فرصة يستغلها الإسرائيلييون. ومن المرجح أن يزيد انسحاب الجيش الأميركي من العراق نطاق النشاط العراقي المستقل.
هل الإصلاحات إشارة للاستقرار؟ في ظاهر الأمر، قد يبدو الجواب عن هذا السؤال " لا" في المدى القصير و" نعم متفائلة" في المدى الأطول. نظرياً، إن دول الدمقرطة هي من بين الدول الأكثر عنفاً، داخلياً وخارجياً، حيث إنها تفرز قضايا الحكم الداخلي وتعيد تقويم وضبط معايير العلاقات الخارجية. في كل الأحوال، إن الديمقراطيات الراسخة هي بلاد سلمية نسبياً ولا تذهب  للحرب ضد بعضها بعضاً بسهولة. ويتفق باحثو معهد الشرق الأوسط على أن الجواب يختلف، بشكل كبير، عبر طيف دول الربيع العربي.
هل ينبغي للولايات المتحدة الدفع بالدمقرطة أو التدخل عسكرياً؟ كان هناك إجماع تام تقريباً في الآراء حول قضية التدخل العسكري. وفيما عدا وجود المصالح الأميركية الحيوية على المحك، لا ينبغي للولايات المتحدة الشروع بمغامرات عسكرية وحدها؛ ففي معظم الحالات، ونظراً لجيشنا المثقل بالأعباء الزائدة وماليتنا الممتدة، يرجح أن يكون التدخل عبارة عن مشروع ائتلافي، كما كان الحال في ليبيا.
وكان الباحثون منقسمين حول نقاش تعزيز الديمقراطية. فقد قال بعضهم إنه ينبغي للعلاقات الأميركية أن تكون مبنية بشكل تام وصريح على " المصالح والاحترام المتبادل" مع عدم إيلاء اهتمام كبير للقيم، في حين قال آخرون يقفون في صف خطابات أوباما وكلينتون إن الإصلاحات الديمقراطية هي في صميم المصالح الأميركية. وطُلب من باحثي معهد الشرق الأوسط تصنيف أهمية تعزيز الديمقراطية على مقياس من 1 الى 5؛ وكان معدل الإجابات 2.5، أقل من 3، التصنيف الوسطي على مقياس النقاط. في كل الأحوال، أنتج النقاش اتفاقاً أكبر مما قد تعرضه هذه الحصيلة، بسبب الاختلافات النابعة من المعاني الموجودة في الأنماط اللغوية حول ما يحتمه تعزيز الديمقراطية بشكل خاص.
الانعكاسات بالنسبة للسياسة والمصالح الأميركية
استفادت الديبلوماسية الأميركية، لعقود، مما يسمى  بـ " فجوة الحكم الذاتي"؛ ما يعني أن بإمكان الحكام الإقليميين القيام بما يريدون، والى حد كبير، مع تعاطف واحترام عابر للمشاعر الشعبية  العامة أو القلق كثيراً حتى من الانكشاف العام. فالإصلاحات الديمقراطية تربط السياسة بشكل مباشر أكثر بكثير بالرأي العام الشعبي. وبالتالي، وبالنسبة للولايات المتحدة، يعتبر إقناع رأس الحكومة أمراً غير كاف وفي تناقص مستمر؛ وسيكون على الولايات المتحدة أن تأخذ في الحساب، مراراً وتكراراً، الرأي العام العربي عند درسها خياراتها السياسية. بالطبع، هذا من بين أكبر العواقب بخصوص السياسات المتصلة بإسرائيل.
بالنسبة للأجيال العربية الشابة، غالباً ما كان يُفسر الارتباط الأميركي بأنظمة مشوهة السمعة على أنه دعم للفساد وسوء استخدام للقوة. فبالنسبة للقادة الراسخين في الحكم منذ وقت طويل، كان ينظر للدعوة الأميركية بأن يكونوا في " الجانب الصحيح للتاريخ" كسبب للتخلي عن الصداقات والتحالفات المفهومة سابقاً بأنها في مصلحتنا وبأنها غير قابلة للاهتزاز. وفي مواصلة القيام بهذه المقاربات التي كانت تختلف من بلد لآخر، كان ينظر الى الإدارة الأميركية أحياناً على أنها، وببساطة، لا تعلم ما تريد، أو أنها لا تعرف كيفية الوصول الى حيث تعتقد أنها تريد الذهاب. برغم هذه السلبيات، تبقى الحقيقة أن على السياسة الأميركية الاستمرار بموازنة المصالح والقيم المتضاربة، كما حددت وزيرة الخارجية كلينتون في خطابها في 7 تشرين الثاني في " المعهد الديمقراطي الوطني".
وفي حين شكك باحثو معهد الشرق الأوسط بفاعلية عدد من محاولات تعزيز الديمقراطية، فإنهم أيدوا وسائل القوة الناعمة – تعليم اللغة الإنكليزية، الديبلوماسية الثقافية، التبادلات الشعبية، التعليم وفق الأسلوب الأميركي ( بما في ذلك العلوم والتكنولوجيا بالإضافة الى البرامج العسكرية الأميركية)، وما شاكل – بصفتها أفضل الأصول المكملة لعمل الديبلوماسيين وللمنظمات غير الحكومية الموالية للديمقراطية. وأشار بعض الباحثين تحديداً الى الحاجة الى خروج الديبلوماسيين من سفاراتهم، والى تجنيد " كامل موارد الحكومة" بما في ذلك الأصول العسكرية، وتعزيز احترام حقوق الإنسان، والقدرة الفاعلة لسيادة القانون، والنظام القضائي العادل والنزيه.
مفاوضات الشرق الأوسط
ضم فريق الباحثين في معهد الشرق الأوسط الذين شاركوا في هذا النقاش عدداً ممن شاركوا في عملية صنع القرار و / أو ممن درسوا القضية العربية – الإسرائيلية لعقود. وتناول المشاركون الأسئلة التالية:
ـ كيف أثرت التظاهرات والثورات على الوضع الإستراتيجي لإسرائيل وسياساتها؟ كيف أثرت على ظروف ومواقف الفلسطينيين؟
ـ هل أعاقت هذه الأحداث أم طورت قدرة الفلسطينيين، والإسرائيليين، ولاعبين أساسيين آخرين في المنطقة على صنع سلام؟
ـ أين ينبغي تصنيف عملية السلام في قائمة الأولويات الأميركية؟
وجهات النظر
الموقف الإستراتيجي لإسرائيل وسياساتها. يقدم الربيع العربي لإسرائيل بيئة إستراتيجية جديدة. فهو يضع في المقدمة ميول إسرائيل بجعل الهواجس الأمنية أولوية على حساب الاعتبارات السياسية على الأمد الطويل. ووفق آراء الباحثين في معهد الشرق الأوسط، فإن الاعتبارات السياسية الإستراتيجية بما ينبغي القيام به بشأن الأراضي الفلسطينية مفقودة للأسف، كما أن مشروع التسوية الكاملة مفقود والمساومات الضرورية لضمان مستقبل إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية أيضاً مفقودة.
استدعى الربيع العربي طرح السؤال المتعلق بوضع إسرائيل الإستراتيجي المستقر نسبياً في السنوات العديدة الماضية. ففي مصر، الفرصة الآن هي لحكومة شعبية أكثر انتقاداً لإسرائيل. لا جدال بأن الشعب المصري معادٍ لإسرائيل، لاعتقاده بأنها لم تلتزم بالجزء الخاص بها من المعاهدة، وبأن الدوائر السياسية  لمبارك استفادت بشكل غير قانوني من اتفاقية الغاز الطبيعي الموقعة في العام 2005 لبيع الغاز لإسرائيل لمدة 15 عاماً. علاوة على ذلك، إن احتمال تصاعد نفوذ الإخوان المسلمين في مصر قد يكون بمثابة النعمة والبركة بالنسبة لحماس التي تقلق إسرائيل بشكل كبير.
الوضع في الأردن أقل إقلاقاً، بما أن التظاهرات تهدف الى الإصلاح وليس إلى إنهاء الملكية الهاشمية أو معاهدة السلام مع إسرائيل. أما الوضع في سوريا فهو علامة استفهام ضخمة. قد يكون هناك من فائدة إذا ما جاءت حكومة مختلفة وأضعفت روابط سوريا مع إيران، لكن لا أحد بإمكانه التنبؤ بما سيحصل.
داخلياً، قد تكون إسرائيل تدخل في فترة من التقلب برغم الاقتصاد الناشط فيها. فبعض ظروف الربيع العربي تنطبق عليها: الفساد، قسم منه نتيجة الدعم اللا قانوني والقانوني الزائد للمشروع الاستيطاني؛ وانحدار فرص التعليم؛ وإضعاف المؤسسات الديمقراطية؛ والفجوة المتسعة بين الطبقتين الغنية/ الغنية جداً والمتوسطة. فقد قام إسرائيليون ناقمون بتثبيت مدن من الخيم وقاموا بتظاهرات للمطالبة بالعدالة الاجتماعية.
حتى مع نسب التأييد الشخصية في منتصف الثلاثينات، لا يبدو رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في خطر. والسبب يعود، في جزء كبير منه، الى ضعف المعارضة؛ والوسط واليسار المحبطيْن وغير المنظميْن ومن دون قائد في المستقبل المنظور. بالتالي، فإن السياسات الخارجية، الأمنية والاستيطانية, ليست معرضة لتحدٍ خطير، رغم أن استطلاعات الرأي العام في إسرائيل تظهر أكثرية واضحة تفضل حل الدولتين مع تقاسم مدينة القدس كعاصمة لكل من إسرائيل ودولة فلسطين الجديدة.
الظروف والموقف الفلسطيني. كان الاقتصاد في الضفة الغربية يتنامى ( أكثر من 8 %)، وبلغ بناء المؤسسات مرحلة بحيث إن السلطة الفلسطينية أعلنت أن بإمكانها إدارة دولة، والأمن العام جيد تماماً. كما أن دافع السلطة الفلسطيني للعضوية الفلسطينية كدولة في الأمم المتحدة، برغم المعارضة الإسرائيلية والأميركية، قد عزز الدعم الشعبي للرئيس محمود عباس، الذي كان غرقت شعبيته سابقاً في أدنى مستوى لها على الإطلاق بسبب الافتقار الى تقدمٍ ما في إنهاء الاحتلال.
كانت هناك مجموعات شعبية فلسطينية، متشجعة بالربيع العربي، تنظم مظاهرات ضد الاحتلال. حتى الآن، لم ينضم إليها سوى القليل بسبب تخوف السلطة الفلسطينية، وحماس والإسرائيليين من تظاهرات لا عنفية يمكن أن تخرج عن السيطرة، لينتهي الأمر بسقوط ضحايا، وبالإحباط المتنامي، والغضب، مع خطر محتمل لاندلاع انتفاضة ثالثة. ومن المرجح أن تأخذ إسرائيل بالاعتبار تحديات كهذه على أنها تحديات وجودية وتطبق استخدام القوة كأمر ضروري لقمعها، مخاطرة حتى بعزلة سياسية مكثفة. كما عمل الربيع العربي أيضاً كقوة دفع لإتفاق المصالحة المولود حديثاً بين فتح وحماس في نيسان، الذي أدى الى تدفق المحتفلين الى شوارع الضفة الغربية وغزة. حتى الآن، لا يزال الفلسطينيون منقسمين بعمق.
مساعدة أو إعاقة محادثات السلام؟ في أيار الماضي، في واشنطن، أدلى كل من أوباما ونتانياهو بتصريحيْن علنيين كبيرين حول السلام الإسرائيلي – الفلسطيني. إذ بيَّن الرئيس أوباما رؤيته حول " فلسطين قابلة للحياة وإسرائيل آمنة" معلناً أن حدود الدولتين ينبغي أن تكون على أساس حدود 1967 مع تبادل متفق عليه للأراضي. واقترح استئناف المفاوضات بناء على هذه المبادئ الرئيسة مع مبادئ إضافية وركز على الحدود والأمن، تاركاً مسألتَي القدس واللاجئين لوقت لاحق.
شدد نتانياهو على حاجات إسرائيل الأمنية، وقدم مطالباته باعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، وأصر على البناء المستمر للمستوطنات. وشدد على أنه ينبغي أن يكون لإسرائيل وجود عسكري على طول نهر الأردن؛ وأن إعادة توطين اللاجئين ينبغي أن تتم في فلسطين فقط، وليس في إسرائيل؛ وبأنه لا ينبغي تقسيم القدس أبداً. وحرَّف نتانياهو موقف الرئيس بالتأكيد على أن إسرائيل لن تعود أبداً الى حدود عام 1967 " التي لا يمكن الدفاع عنها"، اقتراح لم يطرحه الرئيس مطلقاً ( هناك جدل في إسرائيل حول معنى " الحدود غير القابلة للدفاع عنها" و " العمق الإستراتيجي" في عصر الصواريخ البالستية وصواريخ كروز المعقدة).
أبرزت الخلافات بين القائديْن سبب عدم وجود مفاوضات سلام جدية برغم المقترحات العديدة الموجودة على الطاولة. وأضافت أحداث الربيع العربي سبباً آخر للأسباب الموجودة ، وأن من غير المرجح حدوث تحرك هام قريباً. أما الجدل الدائر حول العضوية الفلسطينية في الأمم المتحدة فيعزل إسرائيل وواشنطن أكثر ويغضب الكونغرس.
يبدو من المرجح أن تنضم المقترحات الأخيرة للجنة الرباعية بداية تقديم الطلب الفلسطيني لعضوية الأمم المتحدة الى القائمة الطويلة من الجداول الزمنية السابقة التي لم تصدر عنها أية نتيجة. فهي تدعو الى سلسلة خطوات تقود الى حل الدولتين مع نهاية عام 2012. علاوة على ذلك، يمكن لموسم الانتخابات الرئاسية الأميركية أن يعيق التقدم  أكثر على هذا الصعيد، كما سبق وفعل في الماضي.
وبينما قبلت حكومة نتانياهو اقتراح اللجنة الرباعية، فإن الفرص ليست جيدة لأن الحكومة عارضت بحزم أنواع التسويات حول كل القضايا الأربع الجوهرية الضرورية للتوصل الى إتفاق ( الحدود/ المستوطنات، الترتيبات الأمنية، اللاجئين، والقدس). إن تسارع النشاطات الاستيطانية في شرق القدس والمناطق المحيطة تجعل الوصول الى السلام  مسألة أصعب وتعرض للخطر فرصة التوصل الى إتفاق في أي وقت.
وفي حين لم يقبل الفلسطينيون باقتراح اللجنة الرباعية، مطالبين بتعليق النشاط الاستيطاني الإسرائيلي قبل الدخول في أية مفاوضات مجدداً، يبدو أنهم لا زالوا منفتحين على التسويات حول القضايا الجوهرية. في كل الأحوال، لقد أغضبوا إدارة أوباما بسبب إخفاقهم بالاستفادة من التجميد الإسرائيلي المؤقت الذي صعب شراؤه في العام 2009 ومن الاستفادة من دفع الإدارة للتوصل الى إتفاق في العام الذي سبق أيلول 2011. وقد فاقم ضغطهم بمبادرة الانضمام الى الأمم المتحدة والرفض المستمر للمشاركة في إطار الرباعية المقترح من هذه التوترات.
إن المبادرة الفلسطينية في الأمم المتحدة هي ذروة ثلاث سنوات من الجهود، بما في ذلك تشجيع إدارة أوباما عندما ألقى خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2010. والآن وقد عارضت الولايات المتحدة وإسرائيل الخلفيات التي ينبغي التفاوض على أساسها بين الأفرقاء بشأن الدولة الفلسطينية، يمكن للطلب الفلسطيني أن يؤدي الى التهديد بفيتو أميركي في مجلس الأمن الدولي. وإذا ما حصل ذلك، فإن النتيجة ستكون إعاقة أكبر لمفاوضات السلام. ومع أرجحية الفشل في مجلس الأمن إما بسبب فيتو أو بسبب الافتقار الى الأصوات التسعة المؤيدة الضرورية، سيكون على الفلسطينيين اللجوء الى الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث يرجح أنه سيكون عليهم الاكتفاء بحل هو وضع " مراقب غير عضو" الى جانب الكرسي الرسولي في الجمعية العامة نفسها. إن إحدى تأثيرات المبادرة الفلسطينية في الأمم المتحدة هي أن السلطة الفلسطينية قد أظهرت أن بإمكانها هي أيضاً " خلق وقائع على الأرض" يمكنها تشكيل السياق التفاوضي.
تتمة النص

موقع الخدمات البحثية