على الرغم من أن المؤسسات الأمنية في إسرائيل ترى أن الاتفاق النووي الذي وقعته إيران ومجموعة '5+1' لا يُعد اتفاقًا سيئًا بالقدر الذي تُروِّج له حكومة بنيامين نتنياهو والدوائر السياسية، إلا أنها لا تراه في الوقت نفسه اتفاقًا جيدًا يمكن أن يساهم في زوال الخطر الإيراني، لكنها لا تتبني مواقف معلنة كأسلوب تكتيكي بانتظار خطوة أخيرة تراهن فيها حكومة نتنياهو، الرافضة للاتفاق، على العودة إلى المربع الأول من خلال تصويت الكونجرس الأمريكي ضد الاتفاق. غير أن هذا الرهان الحكومي يواجه عقبات عديدة، خاصة أن غالبية التقديرات الإسرائيلية باتت تبرز تداعياته السلبية المحتملة على العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية. ومع ذلك، فإن حكومة نتنياهو، وتتفق معها الأجهزة الأمنية، ما زالت ترى أن الاستمرار في اتباع سياسة رافضة للاتفاق وتداعياته الأمنية والسياسية هو الأسلوب الأمثل للحصول على مكاسب محتملة من خلاله.
تهديد مباشر
بشكل عام، تُجمع الأجهزة الأمنية في إسرائيل على أن البرنامج النووي الإيراني، بعد الاتفاق، لا يزال يُمثل تحديًا للأمن القومي الإسرائيلي، وإن كانت غالبيتها ترى أنه ليس بمستوى التهديد السابق على توقيع الاتفاق، لكنها، في الوقت نفسه، تتفق على أن إيران لن تلتزم بالتسوية النووية، ما يستدعي أن تبقى إسرائيل حذرةً، كون إيران ستبقى دولة على 'الحافة النووية'. كما أنها تتوقع أن إيران لو توقفت عن الاستثمار في المشروع النووي فإنها سوف تزيد من استثماراتها في التهديدات الأمنية الأخرى، سواء عبر تنشيط الأذرع العسكرية في مواجهة إسرائيل، وخاصة حزب الله اللبناني المنخرط في الصراع السوري حاليًّا، أو من خلال مواصلة تطوير قدراتها الصاروخية التي ترى أن الاتفاق لم يحدَّ منها تمامًا وإنما يقوضها على مستوى أقصاه ثماني سنوات، كما أن إيران قد تلجأ إلى تطوير المنظومة في الخارج، خاصة في مناطق تمدد نفوذها في ظل الفوضى الأمنية الإقليمية الراهنة.
محددات رئيسية
تتسم التقديرات الإسرائيلية تجاه البرنامج النووي الإيراني بضعف المعلومات، سواء بالنسبة للبرنامج نفسه، أو حتى على مستوى مراحل الاتفاق الذي يبدو أنه أُحيط بدرجة عالية من السرية. ويمكن القول إن العنوان البارز للتقديرات الإسرائيلية يتمثل في أنه يجب الإبقاء على الخطر النووي الإيراني، لكن عند مستوى أقل من السابق، حتى في ضوء اتساع المدى الزمني لقدرة إيران على إنتاج القنبلة من شهرين إلى سنة. ويمكن القول إن تلك التقديرات التي تعدها الأجهزة الأمنية تطرح دلالات عديدة تتمثل في:
1ـ الاتجاه تدريجيًّا نحو القبول بالاتفاق النووي شكلا، وفقًا لإطاره الفني، على اعتبار أن البرنامج النووي لم يعد يمثل نفس درجة التهديد قبيل إبرام الاتفاق، خاصة في ظل تقليص نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 3.67% فقط.
2ـ الحرص على عدم إعلان تلك الرؤية في المرحلة الراهنة إلى حين تبلور نتائج الخطوة الأخيرة من جانب الكونجرس الأمريكي، بما يعني أن تلك المؤسسات تتجه إلى الاصطفاف خلف نتنياهو في معركته السياسية المقبلة في الكونجرس.
3ـ التعامل مع الاتفاق بصورة أكثر واقعية من الحكومة، كونه أصبح حقيقة لا يُمكنها إنكارها، وإن كانت تلك الأجهزة تشارك الحكومة في شق من توجهاتها، لا سيما الاعتقاد السائد في الأوساط السياسية بأن الاتفاق لن يصمد، ولابد من توقع السيناريو الأسوأ.
تباينات داخلية
وفي ضوء ذلك، ربما يُمكن القول إن رؤية الأجهزة الأمنية في إسرائيل تتراوح بين الحذر والتشدد وإعادة ترتيب مستويات التهديد على الأمن القومي. إذ يرى الموساد أن الاتفاق لا يشكل تهديدًا وجوديًّا وليس أولوية، بما يعني أنه على خلاف في تقديراته مع نتنياهو، حيث لا يزال مُصرًّا على موقفه بتراجع التهديد الإيراني في قائمة المخاطر. ووفقًا لتصريحات غير رسمية نسبت لرئيس الموساد تمير باردو، فإن الصراع الفلسطيني هو التهديد الرئيسي على الأمن القومي الإسرائيلي، حيث لا يوجد تهديد وجودي على إسرائيل من البرنامج النووي الإيراني.
في حين تسعى وزارة الدفاع إلى الإبقاء على الخيار العسكري، واستهداف البنية التحتية والأساسية للبرنامج، لا سيما وأن موشى يعالون وزير الدفاع الإسرائيلي ما زال ملتزمًا بالخطاب العام للحكومة، والذي يصف الاتفاق بأنه 'خطأ تاريخي'، ويرى أنه إذا لم تحترم إيران تعهداتها الدولية، فإن إسرائيل لن تتوانى عن شن غارات جوية إذا اقتضى الأمر. ووجّه تهديدًا ضمنيًّا بتصفية العلماء النوويين الإيرانيين بإعلانه 'أنه غير مسئول عن الحفاظ على حياتهم'.
بينما قام رئيس هيئة الأركان جابي إيزنكوت بتعيين فريق خاص لدراسة الخيار العسكري ضد إيران لمرحلة ما بعد توقيع الاتفاق برئاسة نائبه يائير جولان.
اتجاهان رئيسيان
وبالتالي تنقسم الرؤية الاستراتيجية للمؤسسات الأمنية الإسرائيلية بشكل عام إلى اتجاهين: يدعو الأول، إلى ضرورة الإبقاء على الخيار العسكري الإسرائيلي متاحًا وجاهزًا، ووفقًا لهذه الرؤية، فإن إسرائيل سوف تعيد هندسة منظومتها الدفاعية من جديد لتتناسب مع بقاء التهديد الإيراني كما لو كانت هناك قنبلة نووية لدى إيران، خاصة أنها ترى أن إيران ستعيد إنتاج تجربة البرنامج الكوري الشمالي، وستحصل على القنبلة النووية.
ومن المقرر أن تشمل عملية إعادة الهندسة الدفاعية منظومات الصواريخ بشكل أساسي، حيث يرى هذا الاتجاه أن الاتفاق لن يقوض عملية تطوير إنتاج الصواريخ التي يمكن أن يصل مداها إلى إسرائيل وبالتحديد صواريخ 'سجيل' و'قدر'، وبالتالي ستُبقي إسرائيل على الخيار العسكري أيضًا، وستكون أول من يسدد ضربة عسكرية إلى إيران مع أول مؤشر اختراق للاتفاق حتى لو كان غير معلن. وقد اعتمد الجيش الإسرائيلي ميزانية تقدر بنحو 2.8 مليار دولار لهذا الغرض، وفقًا لمعهد الأمن القومي الإسرائيلي في دراسة نشرها في فبراير 2015.
في حين يُركز الثاني، على تعزيز قدرات الردع العسكرية الإسرائيلية، من خلال مواصلة تطوير الأنظمة الدفاعية الإسرائيلية استعدادًا لمواجهة محتملة مع التنظيمات الإقليمية شبه العسكرية التي تدعمها إيران، وخاصة حزب الله، وإعادة تقييم الجبهات الإسرائيلية على كافة المستويات. ووفقًا لذلك، فسوف يستعد الجيش للرد الإيراني عبر إطلاق مئات الصواريخ البعيدة المدى، وتفعيل نظام 'الدفاع الإيجابي' الذي يشمل 'القبة الحديدية' ومنظومتي 'باتريوت' و'حيتس' الاعتراضيتين، وتطوير منظومة 'العصا السحرية' المعدة لمواجهة الصواريخ متوسطة المدى، التي تمثل أحد أهم مصادر القوة التي تمتلكها إيران في الوقت الحالي.
المصدر: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية