أوراق إستراتيجية » الإسلاموفوبيا بين فرنسا والولايات المتحدة

عندما يراقب عالم انثروبولوجيا أميركي إسلام المجتمعات الغربية، ويفكِّك الأفكار المغلوطة التي تغذّي كراهية المسلمين ونبذهم، فهذا ينتج كتاباً عنوانه &laqascii117o;الإسلام، العدو المثالي". العالم الأميركي هو جون بوين، وهو تنقّل بين الجامعات البريطانية والفرنسية والأميركية، ما سمح له بالنظر الى موضوع الاسلاموفوبيا من زاوية المقارنة. صحيفة &laqascii117o;ليبراسيون" الفرنسية (17 تموز 2015)، حاورته، وهنا مقتطفات من الحوار:

عنوان كتابك &laqascii117o;الإسلام العدو المثالي". بماذا هو عدو &laqascii117o;مثالي"؟

طوال التاريخ الغربي، كان دائما هناك مجموعات تبعث على كراهية الآخرين: اليهود، الكاثوليك، الغجر، المثليين. اليوم، هدف هذه الكراهية هم المسلمون. فبما أن الناس لا تعرف تماماً ما هو الإسلام، يمكن لهم أن يرموه بأي صفة؛ إذ يرددون مثلا &laqascii117o;المسلمون يضربون زوجاتهم"، &laqascii117o;المسلمون يقتلون اليهود والمسيحيين". من السهل جدا تحويل المسلمين إلى كبش محرقة، واتهامهم بأي جريمة ممكنة. منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001، والشعور المعادي للمسلمين ينتشر في الولايات المتحدة بتأثير من البروتستانتية الإنجيلية. أما في أوروبا، فان الاغتيالات المختلفة والعمليات الإرهابية الحاصلة فوق أراضيها، أتت لتؤكد على فكرة الحرب بين الإسلام والغرب. من جهة أخرى فان الإسلام انتشر في الغرب بدءاً من الثمانينات، عبر الحجاب والمساجد وملاحم الحلال؛ ما غيَّر من المشهد العام بسكانه وأنماط حياتهم. والحال أن مقاومة هذه التغيرات تعبّر عن نفسها بالكراهية.

أليس هذا الخوف شرعياً، كونه يواجه إسلاماً متطرفاً؟

طبعاً أشكال العنف في الإسلام واضحة بائنة. ولكن فلننظر عن قرب: في أوروبا، خلال السنوات العشر الأخيرة، كان عدد القتلى على يد الإرهاب غير الإسلامي هو الأعلى. فلنتذكر بأن الأشخاص الذين يذهبون إلى سوريا للقتال إلى جانب الجهاديين، صاروا يعتَبرون اليوم إرهابيين، فيما كانوا يلقون قبولاً تاماً قبل عامين، لأنهم حلفاؤنا ضد بشار الأسد. إذن علينا ان نقرر! هل علينا معاملة هؤلاء الأفراد كإرهابيين؟ علينا طرح هذا السؤال، الذي يعتبر محرَّما الآن في الأوساط الغربية.

الأسبوع الماضي، أصدرت إحدى المجلات الفرنسية ملفاً عنوانه &laqascii117o;لا تقترب من كنيستي!". هذا الاستخدام السياسي للإسلام، هذا التخويف من الإسلام، هل هو سمة فرنسية صرفة؟

المثل الذي تعطيه هنا هو المثل الأسطع عن تحويل الإسلام إلى عدو مشترك. ينسى الفرنسيون انه، خلال الثمانينات من القرن الماضي، بعض الكنائس أعطيت للمسلمين لكي يصلوا فيها. لم يكن الأمر عبارة عن إزالة القداسة عن الكنيسة، أو انتهاك لحرمتها. إذ كان يسود وقتها تعاون تام بين أبناء مختلف الديانات. في الولايات المتحدة، بعض السياسيين يلعبون أيضا على الخوف من الاجتياح الإسلامي. ولكن بما انه لا وجود لمجال جمهوري مشترك بين المواطنين في اميركا، يصعب دعم فكرة وجود خطر إسلامي داهم يهدد كيانها.

في بريطانيا، إمكانية بيع كنيسة لجمعية إسلامية تُعتبر مسألة خاصة. لا تثير كل هذا القدر من المشاعر وردود الأفعال، كما في فرنسا. أما في المانيا، فبالعكس تماماً، يمكن ان يكون الموضوع مثيرا لردود أفعال سلبية، شبيهة بالفرنسية منها. من الزاوية الانتخابية البحتة، أصبح من المفيد جداً إدانة الإسلام بصفته مسؤولاً عن جملة من المشاكل الاجتماعية. وفي أوروبا وكذلك في الولايات المتحدة، هناك شعبوية من اليمين المتطرف متجذرة وسياسيين من اليمين المعتدل، مثل نيقولا ساركوزي، الذين ينكبون على استعادة قسم من ناخبيهم عبر إدانتهم للإسلام. فالشعوبية هي مثل الكنيسة، ترحّب بالجميع... وعموما، نحن لا نعيش اليوم اجمل لحظاتنا مع المهاجرين.

التعدد الثقافي للمجتمع الاميركي، والذي يخيف فرنسا، هل يسمح بتقليص التوترات الهوياتية؟

الفرق بين الولايات المتحدة وفرنسا هو ان الهوية الأميركية مؤلفة من عدة هويات: الأفرو أميركية، الإسبانو أميركية... منذ البدء إذن، التوتر الأميركي أقل حدّة. في مطار دالاس مثلا، هناك موظفات جمارك محجبات، فيما الموظفات في الدوائر الرسمية الأخرى يرتدين أيضا الحجاب. فالحرية الدينية هناك هي الأساس.

المعضلة الهوياتية الأميركية تكمن في المستوى العرقي، أي انها تطال أساساً الأميركيين السود. في فرنسا، الإسلاموفوبيا هي عنصرية ثقافية، مع فكرة ثابتة، من انه يمكن تبيّن كل المسلمين عن بعد. وهو، أي المسلم، ليس عدواً لأنه يؤمن بإله آخر، أو يستوحي سلوكه من القرآن، انما لأنه مختلف (...).
المصدر: صحيفة المستقبل

موقع الخدمات البحثية