ـ ميا بلوم: أستاذة الدراسات الأمنية في جامعة ماساتشوستس في لويل.
ـ جون هورغان: أستاذ الدراسات الأمنية بكلية علم الإجرام ودراسات العدالة في جامعة ماساتشوستس في لويل
في 15 يناير 2015، نُشر تسجيل فيديو على الإنترنت يُظهر طفلًا كازاخستانيًّا يبلغ من العمر 10 سنوات يستخدم مسدسًا لإعدام عضوين روسيين في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وُجهت إليهما تهمة التجسس. وقد ادعت الدولة الإسلامية في العراق والشام ملكيتها هذا التسجيل، على الرغم من أنه لم يتم التحقق بعد من صحته. وقبل ذلك ببضعة أيام فحسب، هز تفجيران انتحاريان متلازمان شمال نيجيريا نفذتها ثلاث فتيات بدا أن أعمارهن لم تتجاوز 10 سنوات، وكلهن ارتدين متفجرات ربما تم تفجيرها عن بعد على أيدي أعضاء جماعة بوكو حرام.
سبق ذلك بعام واحد، اعتقال فتاة تبلغ من العمر تسع سنوات وتدعى سبوزماي - وهي شقيقة أحد قادة حركة طالبان الأفغانية - عند إحدى نقاط التفتيش الحدودية في قندهار. وبدلًا من أن تنفذ الفتاة مهمتها، اعترفت للسلطات بأنها أُجبرت على ارتداء حزام ناسف.
تلك الوقائع تشير إلى أن استغلال الأطفال على أيدي الجماعات الإرهابية ليس بالشيء الجديد، كما يرى الباحثان ميا بلوم وجون هورغان في مقال بمجلة فورين أفيرز مؤخرا، وأشارا إلى أن الجماعات من أمثال الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وبوكو حرام وطالبان الباكستانية تستخدم الأطفال بشكل متزايد في تنفيذ أنشطتها.
مصدر تجنيد للإرهابيين
اعتبر الباحثان هذا التحرك استراتيجيًا بقدر ما هو صادم. فهو يتيح مستوى عاليًا من الاهتمام الإعلامي ويسمح للجماعات الإرهابية بإعداد المزيد من الأعضاء الموالين. وعزا ميا بلوم وجون هورغان استغلال الجماعات الإرهابية للأطفال لكونهم أسهل في تلقينهم، ويقل احتمال إبدائهم مقاومة؛ بما أنهم لا يدركون بعد تمام الإدراك تعرضهم هم أنفسهم للموت. علاوة على ذلك، فنظرًا لأن الأطفال يبدون أقل إثارة للشبهات، فإن استغلالهم غالبًا ما يؤدي إلى تنفيذ مهام أكثر نجاحًا.
من ناحية أخرى، فإن استغلال الأطفال قد يدل أيضًا على أن الجماعة تواجه صعوبة في تجنيد الكبار؛ إذ أن حقيقة إقدام بوكو حرام على اختطاف أطفال لاستخدامهم كمفجرين انتحاريين ربما يكون مؤشرًا ينمّ عن ضعف الجماعة لا عن قوتها، على حد قول الباحثيْن.
استغلال الأطفال ظاهرة عالمية
وأوضح ميا وجون أنه بغضّ النظر عن الدافع وراء استغلال الأطفال، فإن هذه الممارسة من قبل الجماعات الإرهابية هي الآن ظاهرة عالمية، حيث بدأت محاولات لتجنيد الأطفال تظهر حتى في البلدان المتقدمة. ففي أغسطس 2013، نُشر تسجيل فيديو تجنيديّ على الإنترنت يظهر فيه ثلاثة أعضاء صغار في حركة الشباب ينتمون إلى مدينة مينيابوليس الأمريكية، حيث قال أحد الصبية، ويدعى تروي كاستيغر، أمام الكاميرا: 'آه لو تعلمون يا شباب مقدار ما نشهد من مرح هنا. هذه هي ديزني لاند الحقيقية. لا بد أن تأتوا إلى هنا وتنضموا إلينا'.
وفيما بين عامي 2007 و2008، اختفى 22 مراهقًا وشابًّا أمريكيًّا من أصل صومالي من مينيابوليس، حيث ظهر بعضهم فيما بعد كمفجرين انتحاريين يعملون لصالح حركة الشباب. وفي سبتمبر 2014، رحل العديد من الفتيات الصوماليات عن ولاية مينيسوتا الأمريكية للانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في سوريا.
ورأى ميا وجون أنه على الرغم من أن جهود التجنيد التي تقوم بها الجماعات الإرهابية غالبًا ما يتم تشبيهها بعملية الحصول على جنود أطفال في أماكن كأفريقيا وأمريكا اللاتينية، فإن هناك اختلافات أساسية يجب إدراكها عند محاولة صياغة حلول لوضع حد لهذه المشكلة المتنامية. فالجنود الأطفال هم في أغلبهم أيتام تأخذهم الجماعة عندئذ و'تتبناهم'.
وبما أن هؤلاء الجنود الأطفال يتم إلى حد كبير، إكراههم على الانضمام إلى الجماعة، فإنهم يخضعون لتدريبات أقوى ويتم تلقينهم من خلال الأنشطة الجماعية العنيفة التي تهدف إلى غرس الولاء للجماعة في نفوسهم. كما أن تجنيد الجنود الأطفال ينطوي أيضًا، وبشكل نمطي، على استخدام القوة أو الخطف أو المخدرات، في حين تستخدم الجماعات الإرهابية عملية تلقين يغلب عليها الطابع التدريجي بحيث يبدو الأطفال كمشاركين راغبين في المشاركة.
ولفت الباحثان النظر إلى أنه بالإضافة إلى إنشاء فروع ومعسكرات تدريب للشباب، يبتكر كثير من الجماعات الإرهابية دعاية مستهدفة لإغراء الأطفال بالانضمام إلى قضيتها، وبعدئذ تستخدمهم في أدوار مساندة في الطهي والتنظيف وحمل الأغراض بل وحتى تهريب الأسلحة، ريثما 'يكبروا بدرجة كافية' – عادة 16 أو 17 سنة – للقتال على الجبهة.
التدريب على المهام الانتحارية
وقال ميا وجون عند تدريب الأطفال الصغار من أجل تنفيذ مهام انتحارية أو الاشتباك على خط الجبهة، تحاول الدولة الإسلامية في العراق والشام سلب حساسيتهم تجاه العنف بتعريضهم لعمليات قطع الرؤوس الفعلية أو المسجلة على شرائط فيديو. ففي شهر أغسطس الماضي، تشارك خالد شروف، الإرهابي المطلوب رقم 1 في أستراليا، صورة على موقع التواصل الاجتماعي 'فيسبوك' لابنه الصغير جدًا وهو يحمل رأسا مقطوعة بكلتا يديه. وفي يناير 2014، نشرت الجماعة الإرهابية صورة على فيسبوك لـ'أصغر مجاهد' لديها في حلب، وكان يوازن سلاحًا آليا فوق أحد المتاريس.
وأضاف الباحثان أن الوحدات العائلية تظل مصونة في كثير من التنظيمات الإرهابية، حيث يصحب كثير من الرجال الذين ينضمون إلى الدولة الإسلامية في العراق والشام عائلاتهم معهم. وداخل هذه الشبكات (ما يسمى الدولة الإسلامية في حالة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام)، يتم تشجيع الأعضاء على تدريب أطفالهم كي يشكلوا الجيل التالي من المجاهدين.
وعند تجنيد أطفال من خارج الوحدات العائلية التي ينتمي إليها الأعضاء، وتحديدًا عن طريق الإنترنت، تستخدم الجماعات الإرهابية طرقًا مماثلة للطرق التي يستخدمها المعتدون جنسيًا، وهي كسب الثقة وخلق الألفة وتلبية الحاجات العاطفية ثم عزل الضحية عن الأهل والأصدقاء.
في نهاية المطاف، يقول الباحثان، تبدأ الجماعة الإرهابية في تحويل وجهة النظر الأخلاقية لدى الضحية. وفي حالة الدولة الإسلامية في العراق والشام، يُخضع الإرهابيون الأطفال لمشاهدة تسجيلات فيديو عنيفة، مثلما يعرض المعتدون جنسيا المواد الإباحية على ضحاياهم. وفي كلا السيناريوهيْن، يُدفع الطفل إلى اعتقاد أن العنف أو السلوكيات الجنسية غير السوية شيء سويّ. فإذا قاومت الضحية أو تدخل أحد أفراد الأسرة، تستخدم الدولة الإسلامية في العراق والشام الابتزاز أو الإكراه للحفاظ على السيطرة.
وأشار الباحثان إلى أنه في عام 2014، أغرت الدولة الإسلامية في العراق والشام صبيًا سوريًا عمره 14 سنة يدعى أُسيد برهو بالانضمام إلى صفوفها. حاول والدا برهو منع ابنهما من الانضمام إلى الجماعة، بيد أن أحد أعضاء التنظيم أتى إلى بيتهم وهدد بقطع رأس الأب.
بعد أن رحل برهو عن بيته وبدأ تدريبه مع الدولة الإسلامية، أدرك أن الجماعة أكثر التزامًا بالعنف منها باتباع التعاليم الدينية التي لقنوه إيّاها لتجنيده، لذا فإنه تطوع لتنفيذ عملية انتحارية على أمل أن يستغلها للفرار. وعندما اقترب من المسجد الشيعي الذي كان يُفترض أن يقوم بتفجيره في بغداد، سلّم نفسه إلى الحراس. ووفقًا لما قاله أُسيد فإن تنظيم الدولة أجرى له غسيل مخ: 'غرسوا في ذهني فكرة أن الشيعة كفار ولا بد من قتلهم'.
صعوبة دمج الأطفال في المجتمع
عملية إعادة دمج الصبية من أمثال برهو في المجتمع ليست بالهينة. وهنا يشير ميا بلوم وجون هورغان إلى أنها عكفا على مدى العاميْن الماضييْن على إجراء بحث عن انخراط الأطفال في الجماعات الإرهابية في باكستان والعملية التي يعاد بها تأهيلهم. وخلال آخر زيارة قام بها في يناير من هذا العام، التقيا بالأخصائيين الاجتماعيين وأخصائيي الصحية العقلية الذين يقومون حاليًا بعلاج ما يزيد على 900 طفل تحت سن 16 سنة. أكثر من نصف هؤلاء الأطفال تم اختطافهم وتدريبهم على أيدي طالبان، كُلًّا بغرض تقديم الدعم وتنفيذ الأنشطة الإرهابية على الجبهة، مثل القتال المسلح والتفجيرات الانتحارية.
لم يكن الأطفال الذين التقاهم الباحثان - والذين ادعى بعضهم أنهم اختاروا في سن مبكرة عند 6 سنوات أن يصيروا مفجرين انتحاريين - مدركين في ذلك السن لما ينطوي عليه ذلك. كان ببساطة يرددون كالببغاوات دعاية طالبان الدينية والسياسية، مثل الكراهية لأمريكا.
كيفية إعادة تأهيل الأطفال
وأكّد ميا وجون أن وضع حد لهذه الظاهرة المعقدة والمتزايدة سوف يتطلب نهجًا مبتكرًا يعالج الضرر النفسي الذي ألحق بالأطفال، وكيفية إلغاء برمجتهم أيديولوجيًّا، وتدريبهم مهنيًّا لئلا يعاودوا الانجراف إلى هذه الأنشطة، والأهم من هذا كله كيفية إعادة دمجهم في المجتمع.
ولفت الباحثان إلى أن منشآت إعادة التأهيل الباكستانية تتبنى نهجًا متعدد الجوانب لتلبية الحاجات النفسية لدى الأطفال الذي تعرضوا للصدمة نتيجة ما رأوا، ونتيجة ما أُكرهوا على فعله في أحوال كثيرة. ثمة برنامج آخر من هذا القبيل هو 'صباؤن'، وهو منشأة لإعادة التأهيل تقع في وادي سوات وتوفر علاجًا نفسيًّا للاضطرابات الإجهادية اللاحقة للصدمة التي يصاب بها معظم هؤلاء الضحايا صغار السن. بالإضافة إلى ذلك، يقدم 'صباؤن' علاجًا مهمًّا فيما بعد التأهيل، حيث يرعى الأطفال بعد إعادة دمجهم في قراهم وعائلاتهم.
وشدّد ميا وجون على ضرورة من إدراك الفروق الدقيقة في تجنيد الأطفال على أيدي التنظيمات الإرهابية؛ فهذا يسمح بالصياغة المناسبة للتدابير المضادة، التي تحتاج إلى المزيد من البحوث والاهتمام الكبيرين. ومن دون ذلك، فإن الدائرة المفرغة المتمثلة في تجنيد إرهابيين أطفال ستواصل نموها فحسب. فكثير من هؤلاء الأطفال يتم استهدافهم وتجنيدهم وتلقينهم ونشرهم إلى أن توقع بهم السلطات وتتاح لهم فرصة لإعادة تأهيل وربما عيش حياة سوية.
عرض : طارق راشد ـ باحث في العلوم السياسة
المصدر: المركز الاقليمي للدراسات الاستراتيجية ـ القاهرة