قراءات سياسية » توظيفات متعددة: حروب التجنيس السياسي في دول الإقليم


tajnees_300

عزة هاشم(*)

تُعد قضية التجنيس واحدةً من القضايا شديدة الحساسية التي يصعب الخوض فيها دون محاذير، ذلك لأنها ترتبط ارتباطًا مباشرًا بسيادة الدول وهويتها، وليس من المستغرب أن تنشأ بسببها العديد من الصراعات والنزاعات داخل الدول، أو بين الدول وبعضها، وتزداد حساسية التناول عند التحدث عن 'التجنيس السياسي'، ونقصد به هنا منح الجنسية لأفراد أو طوائف بعينها دون مسوغات وإجراءات قانونية بغرض تحقيق مكاسب سياسية.
ويُعد التجنيس حقًّا من الحقوق التي يجب أن تكفلها الدول لمواطنيها؛ حيث تنص المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في عام 1984، على أن 'لكل إنسان الحق في الحصول على جنسية، ولا يجوز أن يُحرم إنسان بصورة تعسفية من جنسيته، ولا من حقه في تغيير جنسيته'، أي أن لكل إنسان في العالم الحق في أن تكون له صلة قانونية بدولة من الدول، وهو حق من الحقوق الإنسانية التي تمنح الناس ليس فقط الشعور بالهوية، وإنما أيضًا تمنحهم الحق في حماية دولة ما، إلى جانب حقوق سياسية ومدنية كثيرة، ولهذا فغالبًا ما يوصف التجنيس بأنه 'حق الحصول على الحقوق'.
ولكن تحول موضوع التجنيس من كونه قضية حقوقية تكفل حقوق الأفراد، وتُنظم علاقاتهم ببعضهم بعضًا وبالدولة التي يقطنون فيها، إلى أداة سياسية يتم استغلالها من قبل الأفراد والأنظمة والدول في الحروب السياسية الداخلية والخارجية. وتتعرض السطور التالية لأوجه التوظيف السياسي للتجنيس (التجنيس السياسي) في دول الإقليم.
ظهر على الساحة العامة في السنوات القليلة الماضية الكثير من الجدل حول الاستخدام السياسي للتجنيس في دول الإقليم، وهو ما نتج عنه العديد من التوترات والصراعات والأزمات السياسية بين دول وبعضها، أو بين أفراد وأنظمة، أو أفراد وبعضهم بعضًا داخل الدولة الواحدة، وفيما يلي عرض لأهم القضايا المثارة في الوقت الراهن والمرتبطة بقضية التجنيس السياسي في المنطقة.

1. أزمة البحرين وقطر.. هل هي 'حرب تجنيس'؟
أعلن وزير الداخلية البحريني الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة، وقف دولة قطر عملية تجنيس مواطنين بحرينيين، مشيرًا إلى اتخاذ الإجراءات التنظيمية والمنفذة لهذا الموضوع، والتي ترتكز على الاحترام المتبادل لقوانين البلدين الشقيقين بما يخدم المصلحة العامة، وتماسك دول مجلس التعاون الخليجي وترابطها، وذلك وفقًا لما ورد في صحيفة 'الشرق الأوسط' بتاريخ 19 نوفمبر 2014.
وترجع الأزمةُ إلى قيام مملكة البحرين بانتقاد شديد اللهجة لدولة قطر جاء على لسان وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وذلك بسبب قيام قطر بتجنيس أفراد عوائل بحرينية 'من خلال إغرائهم بالحصول على بعض المزايا'، مشيرًا إلى أن قطر خصت بذلك عوائل محدّدة، وفئة من دون الفئات الأخرى، من غير مراعاة للقوانين المنظمة لذلك في مملكة البحرين. وقد كشف وزير الخارجية البحريني عن أن هناك مشروعًا قطريًّا لإغراء البحرينيين بالجنسية القطرية، تحت عنوان 'الانتماء العالي'، معتبرًا ذلك محاولةً لإفراغ البحرين من أهلها، وأنه ينطوي على التفرقة بين شعب البحرين؛ إذ تُقْدِمُ قطر على تجنيس السنة فقط من القبائل العربية، وتُغلق الباب أمام الشيعة البحرينيين.
وقد جاءت قضيةُ التجنيس هذه لتضيف جانبًا آخر للخلافات بين قطر والبحرين التي هي إحدى الدول الخليجية الثلاث، إضافة إلى الإمارات والسعودية، التي بادرت منذ أشهر إلى سحب سفرائها من الدوحة المتهمة باتباع سياسات مهدِّدَة لاستقرار المنطقة.
وفي الوقت الذي تنظر فيه البحرين إلى التجنيس بوصفه حربًا تشنها قطر على أمنها القومي؛ يرى عادل أبو طالب في مقاله المنشور في 'الأهرام العربي' بتاريخ 14 أغسطس 2014 أن إثارة القضية هذه الأيام -خصوصًا من جانب قطر- ما هو إلا 'لعبة' تسعى من خلالها قطر إلى الضغط من أجل إتمام عملية المصالحة الخليجية في القضية المعروفة إعلاميًّا باسم أزمة السفراء الخليجيين بين قطر وكل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين، وأن الهدف من وراء ذلك هو الضغط من أجل حلحلة مواقف الأطراف الأخرى المعارضة لجهود المصالحة.
ولعل حروب التجنيس سابقة على الأزمة بين البحرين وقطر، وطالت جماعات وتجارب عديدة في جميع أنحاء العالم، فيما عُرف بإعادة توزيع السكان لأسباب سياسية، وكانت أوروبا الغربية في قرون سابقة هي أول من كرس هذه التقاليد في العصور الحديثة، تلتها الولايات المتحدة بعد حرب التحرير.

2. هل هناك 'تجنيس طائفي' في البحرين؟
التجنيس الطائفي هو منح الجنسية لجماعات أجنبية من مذهب معين بهدف إحداث تغيير ديموغرافي في البلاد، من خلال تغيير التركيبة السكانية لصالح طائفة على حساب الطائفة الأخرى.
وقد واجهت حكومة البحرين في الآونة الأخيرة اتهامات بمنحها الجنسية البحرينية لأفراد وعشائر سنية بهدف تغيير التركيبة السكانية لموازنة ثقل الأغلبية الشيعية، وذلك بهدف تحقيق مكاسب سياسية تتمثل في دعم وجود الحكومة، وزيادة عدد مؤيديها في المؤسسات العامة وصناديق الاقتراع، وهو ما دفع العديد من المنظمات الحقوقية البحرينية والكثير من أبناء الطائفة الشيعية للقيام بتنظيم العديد من الندوات والتظاهرات والوقفات الاحتجاجية للتنديد بسياسات التجنيس التي تتبعها الحكومة.
وعلى الرغم من عدم إمكانية الجزم بصحة أو خطأ ذلك بسبب عدم إعلان الحكومة البحرينية عن أرقام رسمية لعدد المجنسين، فإن هناك حرب أرقام شنتها المعارضة التي اتهمت النظام بأنه قام بتجنيس 95 ألف أجنبي خلال الفترة من 2002 إلى 2014، بنسبة 17.5% من التركيبة السكانية الحالية، في الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة البحرينية أن معدلات التجنيس طبيعية، وتتم بموجب القانون البحريني الذي ينص على أن تمنح الجنسية لغير البحرينيين العرب بعد قضائهم ما لا يقل عن 15 عامًا على أراضي الدولة، أما بالنسبة للأجانب غير العرب فالمدة تكون 20 عامًا على الأقل، مع إتقان اللغة العربية، وقد اعتبرت العديد من الصحف الموالية للحكومة أن الحملة التي تشنها المعارضة 'ضجة مفتعلة قوامها الكذب والتلفيق'، واعتبرت أن وصول عدد المجنسين عبر 12 عامًا إلى 95 ألف مجنس 'ليس صحيحًا'، مشيرة إلى أن 'العدد الحقيقي لا يكاد يرقى إلى 10% من هذا العدد الذي وصفته بـ'المفبرك'.

3. الفلسطينيون وأزمة الوطن البديل:
مع حصول الفلسطينيين على صفة المراقب غير العضو بالأمم المتحدة تحاول إسرائيل ابتكار سبل جديدة لفرض سيطرتها على الدولة الفلسطينية، وذلك باللجوء إلى التجنيس وتوظيفه سياسيًّا من خلال:
&bascii117ll; ما تمارسه من ضغوط وما تقدمه من إغراءات مالية للفلسطينيين لمنحهم جنسيات أوروبية وأمريكية في مقابل بيعهم لديارهم، وخروجهم من موطنهم، لإحكام قبضتها عليها.
&bascii117ll; السعي لمنح الجنسية الإسرائيلية لسكان القدس الشرقية بوصفه السبيل الوحيد للحياة دون صعوبات، وهذا حتى يصح ادعاؤها بأن جميع الموجودين في القدس هم من حاملي الجنسية الإسرائيلية، ومن ثم فلا حاجة لعودة المدينة للسيادة الفلسطينية.
وفي هذا الإطار، طرح رئيس البيت اليهودي، وزير التجارة والصناعة في الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينت، في مقال له نشر في موقع 'وول ستريت جورنال'، ما وصفه بـ'خطة الاستقرار'، وهي خطة للسلام مع الفلسطينيين تشمل ضم مناطق 'ج' التي تقع تحت السيطرة الكاملة للسلطة الفلسطينية إلى إسرائيل، ومنح سكانها المواطنة الإسرائيلية، وإزالة الجدار العازل، بما يسمح بحركة حرة للفلسطينيين. وبحسب الخطة، فإن المواطنين الفلسطينيين الذين يسكنون في المناطق 'أ' و'ب' سيعيشون في ظل حكومة ذاتية، 'يصوتون في انتخابات مستقلة خاصة بهم، ويديرون مدارسهم، ويصدرون تراخيص البناء لديهم، ويديرون حياتهم بأنفسهم'.
ويبدو أن هذه ليست الأزمة الوحيدة المتعلقة بتجنيس الفلسطينيين، حيث تعالت الأصوات في وسائل الإعلام المصرية في الآونة الأخيرة لتبدي تخوفها من زيادة عدد الفلسطينيين الذين تجنسوا بالجنسية المصرية بعد أن كانوا مُستثنين من هذا القرار بموجب قرار للجامعة العربية، وطلب قديم من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات للحفاظ على الهوية الفلسطينية، إلا أنه تم السماح لهم بعد ثورة 25 يناير بالتجنس بالجنسية المصرية.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الداخلية المصرية على لسان اللواء حسين الريدي رئيس مصلحة الجوازات في حوار أجرته معه صحيفة 'الوطن' بتاريخ 15 فبراير 2014 أن عدد الفلسطينيين الذين تجنسوا بالجنسية المصرية بعد الثورة لا يتجاوز 24 ألف فلسطيني، ابتداء من مايو عام 2011 - فإن وسائل الإعلام المصرية نقلت أخبارًا عن حملة تجنيس تمت في عهد الرئيس السابق محمد مرسي لما يزيد عن 50 ألف فلسطيني، من أبرزهم محمود الزهار القيادي البارز في حركة حماس، وهو ما دفع العديد لادعاء وجود مشروع لتوطين الفلسطينيين، وجعل سيناء (الوطن البديل) لهم في ظل عدم اكتمال السيادة المصرية على هذه المنطقة، لتتعالى الأصوات في مصر مطالبة بالاكتفاء بمنح الفلسطينيين (وثائق سفر)، منددين بقرار الرئيس السابق محمد مرسي منح الفلسطينيين حق الدخول لمصر بدون تأشيرة أو موافقة أمنية.
وتثار نفس الإشكالية في الأردن، ففي الوقت الذي تطالب فيه بعض الأردنيات المتزوجات من غير الأردنيين بمنح الجنسية الأردنية لأبنائهم، تقابل مطالبهم بتحفظ وحساسية نابعة من كون أغلبية النساء المطالبات بجنسية لأبنائهن متزوجات من مواطنين فلسطينيين، وأغلبهم يحملون صفة اللاجئ، وهو ما أثار إشكاليتين رئيسيتين؛ الأولى تتمثل في أن منح الجنسية لأبناء الفلسطيني ينظر إليه على أنه بمثابة تفريغ للأرض الفلسطينية المحتلة من أهلها، وهي رسالة سيئة للعالم بأن الأردن يقبل بفكرة الوطن البديل, والإشكالية الثانية تتمثل في أن منح الجنسية يفتح بابًا واسعًا للعبث بهوية الدولة الأردنية، وإخلال بالتوازن الديمغرافي.
(*) باحث في علم النفس الاجتماعي

موقع الخدمات البحثية