قراءات سياسية » آليات تجنيد التنظيمات الإرهابية في سوريا للمقاتلين الأجانب

أضحى تدفق المقاتلين الأجانب على ساحة الصراع الأهلي المحتدم في سوريا بمثابة تهديد عالمي عابر للحدود في ظل توجس المؤسسات الأمنية والاستخباراتية في دولٍ عديدة من التهديدات الأمنية النابعة من عودة هؤلاء المقاتلين إلى دولهم بعدما ترسخت لديهم منظومة المعتقدات الراديكالية المتطرفة، واكتسبوا مهارات قتالية غير تقليدية. إلا أن التساؤل الأهم الذي بات شاغلا لمختلف المؤسسات البحثية الأمريكية والأوروبية يتمثل في كيفية استقطاب التنظيمات الإرهابية في سوريا للمتطوعين الأجانب، مخترقين بذلك كافة نطاقات الإجراءات والتدابير الوقائية التي اتخذتها تلك الدول.

daaesh_300
مؤشرات تصاعد الاهتمام العالمي

لم يكن اعتبار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق يمثلون التهديد الأمني الأخطر للدول الأوروبية في 17 يونيو الفائت سوى مؤشر على مدى الاهتمام العالمي الذي باتت تحظى به قضية المقاتلين الأجانب في سوريا، لا سيما بعد أن كشف وزير العدل الأمريكي إيريك هولدر في منتصف يوليو الجاري عن تعقب مكتب التحقيقات الفيدرالي FBI عددًا من الأمريكيين العائدين من سوريا، للتحقق من مدى إمكانية تنفيذهم عمليات إرهابية على غرار حادث تفجير بوسطن في أبريل 2013.
وقد تعززت المخاوف العالمية من تهديدات العائدين من سوريا عقب قيام خلية إرهابية يتزعمها مواطن فرنسي عائد من سوريا يُدعى مهدي نموش بالهجوم المسلح على المتحف اليهودي في بروكسل ببلجيكا في 24 مايو الفائت، وهو الحادث الذي أسفر عن مقتل ثلاثة أشخاص، وأعقب ذلك إعلان جين ساكي -المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية- عن قيام مواطن أمريكي يلقب بـ'أبو هريرة الأمريكي' ينتمي لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) بتنفيذ تفجير انتحاري ضد قوات نظام الأسد، وهو ما أعقبه تأكيد مسئولين أمريكيين عن توجه 70 أمريكيًّا للقتال في سوريا.
ولم تقتصر المخاوف من عودة المقاتلين الأجانب على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وإنما امتدت إلى دول آسيا، فقد أشار نائب وزير الداخلية الماليزي وان جونايدي توانكو في مطلع يونيو الفائت إلى أن عودة المقاتلين الماليزيين من سوريا باتت تشكل تهديدًا للأمن والاستقرار، خاصةً بعد قبض الشرطة الماليزية على خلية إرهابية محلية مكونة من 16 من الإرهابيين المرتبطين بتنظيم داعش. وفي السياق ذاته أشارت وزيرة خارجية أستراليا جولي بيشوب Jascii117lie Bishop إلى إلغاء الدولة لعدد كبير من وثائق السفر الخاصة بمواطنين نتيجة التأكد من سفرهم إلى سوريا، بينما تواجه إندونيسيا تهديدًا أكثر خطورة نتيجة تجدد نشاط الجماعة الإسلامية بزعامة 'أبو بكر بشير' و'أمان عبد الرحمن'، وإعلانهما تأييد توجهات تنظيم داعش بتأسيس دولة إسلامية نواتها سيطرته على نطاقات متصلة في سوريا والعراق.
وعلى مستوى تقديرات عدد المقاتلين الأجانب غير العرب في سوريا، أصدرت مجموعة سوفان البحثية الأمريكية The Soascii117fan Groascii117p دراسةً أعدها ريتشارد باريت Richard Barret ـ الرئيس السابق لفريق الأمم المتحدة لمراقبة طالبان والقاعدة ـ في يونيو الفائت، أشارت إلى أن التقديرات الرسمية تؤكد وجود ما لا يقل عن 12000 من المقاتلين الأجانب في سوريا ينتمون لحوالي 81 دولة، فيما يقدر عدد المقاتلين المنتمين لدول غربية بحوالي 3000 مقاتل أغلبهم أعضاء في تنظيم داعش، الأكثر قدرة على اجتذاب وتجنيد المقاتلين الأجانب.
في المقابل، أصدر المركز الدولي لدراسة التطرف بالجامعة الملكية في لندن International Centre for the Stascii117dy of Radicalisation تقديرات مغايرة في منتصف أبريل 2014 حول وجود ما لا يقل عن 11 ألف مقاتل أجنبي، من بينهم 1900 متطوع من دول أوروبية، ويأتي على رأس قائمة المتطوعين مواطنون فرنسيون وصل عددهم إلى حوالي 421، تليها بريطانيا بحوالي 366، وحوالي 269 من بلجيكا، و249 من ألمانيا.
وتظل تدفقات المقاتلين عبر منطقة الشرق الأوسط لسوريا الأكثر كثافة مقارنة بمختلف دول العالم، حيث تتصدر تونس قائمة الدول التي ينتمي إليها المقاتلون في سوريا مع وجود 3000 مقاتل تونسي في سوريا، تليها السعودية التي يصل عدد المتطوعين المنتسبين إليها حوالي 2500، ثم المتطوعون المغاربة الذين يُقدر عددهم بحوالي 1500، بينما يقدر عدد المقاتلين الجزائريين بحوالي 200 فرد.
وفي هذا الإطار أكدت دراسة جامي ديتمر Jamie Dettmer حول تهديدات المقاتلين الأجانب للدول الأوروبية، والتي نشرها معهد الشرق الأوسط بواشنطن Middle East Institascii117te في مطلع يوليو الجاري؛ أن تدفقات المقاتلين على سوريا تعد بمثابة طفرة غير مسبوقة في الانتشار العالمي للتنظيمات الجهادية مقارنةً بالحرب الأفغانية السوفيتية في ثمانينيات القرن الماضي التي لم تتمكن إلا من استقطاب 10 آلاف متطوع من الدول العربية والإسلامية فقط، واستندت الدراسة إلى نتائج دراسة إمبريقية أجراها توماس هيجهامر Thomas Hegghammer في فبراير 2013 على المقاتلين الأجانب في حروب أفغانستان والشيشان والبوسنة والهرسك، والتي أثبتت أن 11% من المقاتلين الأجانب العائدين من بؤر الصراعات الجهادية ينضمون لخلايا إرهابية محلية تقوم بعمليات إرهابية على غرار العمليات الإرهابية التي شهدتها لندن ومدريد وموسكو وبالي في إندونيسيا.
الفئات القابلة للاستقطاب
تُشير بيانات المقاتلين الأجانب في سوريا إلى أن أغلبهم ينتمون للفئة العمرية التي تتراوح بين 18 و29 سنة، وهو متوسط أعمار يقل نسبيًّا عن الحروب الجهادية السابقة في أفغانستان والشيشان والعراق الذين تراوح متوسط أعمارهم بين 25 و35 عامًا، وعلى الرغم من انتماء بعض المقاتلين الأجانب للجيل الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين والعرب للدول الأوروبية، فإن قطاعًا غير محدود من المقاتلين ينتمي للتيارات الإسلامية خاصة من معتنقي الأفكار السلفية والجهادية.
ويصل أغلب المتطوعين إلى سوريا بدون تدريب عسكري أو خبرات قتالية سابقة، بينما تقوم بعض خلايا التنظيمات الجهادية بتأسيس معسكرات للتدريب لتأهيل المتطوعين قبل إرسالهم إلى ساحة القتال في سوريا، على غرار تنظيم أنصار الشريعة في ليبيا الذي يقوم بتدريب المتطوعين من الجزائر والمغرب وتونس في ليبيا على مهارات القتال، كما يقوم حزب الله اللبناني وفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني بتدريب المتطوعين الشيعة الداعمين لنظام الأسد.
أما الدوافعُ الرئيسية لتوجه أغلب المقاتلين الأجانب إلى سوريا فتتمثل في: الشعور بالاغتراب، والسعي لتأكيد الهوية والانتماء الديني من خلال الجهاد في سوريا التي تعد بمثابة 'أرض آخر الزمان' لدى بعض قيادات التنظيمات الإرهابية، ولا ينفصل ذلك عن رغبة المتطوعين في الشهادة، ونصرة أهل السنة في مواجهة 'الأعداء الكفار'، يُضاف إلى ذلك الرغبة في الحياة في دولة خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية، وإعادة إنتاج نموذج الخلافة والدولة الإسلامية، وهو ما يجعل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الأكثر جذبًا للمتطوعين الأجانب.
وفي السياق ذاته، تسيطر نزعات العداء المذهبي تجاه الشيعة على المتطوعين الذين يتم استقطابهم للقتال في سوريا نتيجة ثلاثة عوامل رئيسية، أولها الانخراط المتصاعد لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني وميليشيات حزب الله اللبناني والميليشيات العراقية في الدعم العسكري لبقاء نظام الأسد، أما العامل الثاني فيرتبط بالنسق العقدي لقيادات وكوادر التيارات الجهادية في سوريا القائم على منظور السلفية الجهادية المناهض للشيعة الذي يصنفهم ضمن فئة الخارجين على صحيح الشريعة في العقائد والعبادات، ويرتبط ذلك بانتماء نظام الأسد للطائفة العلوية التي يُنظر إليها من جانب السلفيين كطائفة دينية منشقة.


daaeshstyle_300

آليات استقطاب المتطوعين الأجانب
تكشف مراجعة تدفقات المقاتلين الأجانب على بؤرة الصراع في سوريا عن صعود جيل جديد من الإرهابيين يخالف كافة الأنماط الجامدة والنماذج المسبقة في تحديد المواطنين القابلين للاستقطاب من قبل الجماعات الجهادية، فضلا عن التحولات الهيكلية في وسائل استقطاب المتطوعين للقتال في سوريا. ومن الآليات التي تعتمد عليها التنظيمات الإرهابية في استقطاب المتطوعين ما يلي:
1- القيادات الدينية: تعتمد التنظيمات الجهادية في سوريا على استقطاب المتعاطفين من خلال تحفيز القيادات الدينية المحلية للمسلمين في الدول الأوروبية والآسيوية، ومن هؤلاء: 'أبو بكر بشير' و'أمان عبد الرحمن' من قيادات الجماعة الإسلامية في إندونيسيا، والداعية الأمريكي فلسطيني الأصل أحمد موسى جبريل، والداعية الأسترالي موسى سيرانطونيو، حيث يؤدي الدعاة وظيفة محورية في الدفع بالمتعاطفين إلى التطوع إلى جانب التنظيمات الجهادية، سواء بالتشجيع لدعم المقاومة، والتصدي لجرائم الأسد، أو الترويج لإقامة دولة الخلافة، انطلاقًا من سوريا. على مستوى آخر تقوم قيادات دينية أخرى بجمع التبرعات لصالح التنظيمات الجهادية على غرار الشيخ زهير عيسى شيخ الجامع الأزهر في جنوب غرب مدينة سيدني الأسترالية.
2- التواصل المباشر: يقوم العائدون من سوريا بدور مركزي في تحفيز مزيد من المتطوعين للتوجه إلى ساحات القتال السورية؛ إذ رصدت السلطات الأمنية الأسترالية قيام خالد شارو -العائد من سوريا- باستقطاب عددٍ من الشباب للتوجه لمساندة تنظيم داعش، وكان أحد المتطوعين الذين اجتذبهم محمد العُمر، والذي تربطه صلة قرابة بأحد الإرهابيين الذين تمت تصفيتهم في تفجيرات سيدني وملبورن عام 2005. على ذات الصعيد رصدت صحيفة 'دير شبيجل' الألمانية في 2 يوليو الجاري وجود اتجاه لدى المتطرفين لاستقطاب النزلاء في السجون الألمانية للانضمام للجماعات الجهادية عقب قضاء فترة عقوبتهم، ورصدت الصحيفة قيام أحد الجهاديين السابقين ويُدعى 'حسام الدين ماير' باستقطاب عدد من زملائه، خاصة الألمان المسلمين والعرب والأتراك، للانضمام لتنظيم داعش لدى انتهاء فترة عقوباتهم في أحدث المؤسسات العقابية في فرانكفورت، وهو ما ارتبط بتحفيز من جانب الداعية الألماني المتطرف بلال فيلبس.
3- الخلايا المحلية: أشارت دراسة آرون زيلين Aron Y. Zelin الصادرة عن اتحاد الشراكة من أجل السلام Partnership Fore Peace Consortiascii117m في واشنطن في مايو 2014، إلى وجود شبكات للاستقطاب المحلي للمقاتلين الأجانب تستمد طاقتها من المنظمات الأهلية، على غرار جماعة 'المهاجرون في بريطانيا'، والخلية المتطرفة المسماة 'شريعة في بلجيكا' في بلجيكا، ومجموعة 'فرسان العزة' في فرنسا، وجماعة 'ملة إبراهيم' في ألمانيا، يرتبط ذلك بتفكيك السلطات الأمنية الإسبانية لخلية استقطاب للمقاتلين إلى سوريا، مكونة من 6 أشخاص في مطلع يوليو الجاري عقب قيامها بتسهيل سفر ما لا يقل عن 26 مواطنًا إسبانيًّا إلى ساحة القتال في سوريا.
4- شبكات التواصل الاجتماعي: شهدت عمليات استقطاب المتطوعين للقتال في سوريا طفرة في توظيف مواقع التواصل الاجتماعي، حيث رصد تقرير صادر عن معهد الشرق الأوسط لدراسات الإعلام بواشنطن Middle East Media Research Institascii117te (MEMRI) في 18 أبريل الماضي تحولا هيكليًّا في نمط الخطاب الذي توجهه التيارات الجهادية بهدف اجتذاب المتطوعين؛ إذ تصاعد التركيز على صناعة صورة أكثر جاذبية عن الجهاد في سوريا بالتركيز على قدرة ممارسة حياتهم العادية، مثل: استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، والإفادة من بعض المزايا مثل غنائم الحرب، وتيسيرات الزواج، وإمدادات الطعام، والسيارات الخاصة، فضلا عن التركيز على تصوير لحظات تلقائية تتضمن أنشطة اجتماعية عفوية جذابة، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك وتويتر وإنستجرام ويوتيوب).
على مستوى آخر، تركز منتديات وصفحات التنظيمات الجهادية في سوريا على اجتذاب التعاطف العام من خلال نشر صور ومقاطع فيديو لجرائم نظام الأسد، واستغلال بعض المساحات الافتراضية غير المطروقة لتبادل الخبرات، وتقديم نصائح للمتطوعين الجدد حول الاحتياطات الصحية، وأمن الحدود، ومتطلبات اللغة للتعايش في سوريا، وتركز منصات الإعلام الجهادي على بث رسائل متطرفة حول 'حتمية الجهاد لتأسيس الدولة الإسلامية' و'محاربة الكفر والإلحاد' و'نصرة أهل السنة والمستضعفين' و'مكانة الشهداء'.
5- منظمات الإغاثة الإنسانية: تركز الجماعات الجهادية في سوريا على استقطاب الناشطين والمتطوعين في جهود الإغاثة الإنسانية في لبنان وتركيا والأردن من خلال دور قيادات التيارات السلفية في التواصل مع الناشطين الأكثر تعاطفًا والقابلين للاستقطاب، ودعوتهم لزيارة سوريا، وتفقد واقع المأساة الإنسانية، ثم تقوم التنظيمات الجهادية في سوريا، خاصة تنظيم داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام، بإقناعهم بالانضمام لصفوف المتطوعين، وتلقينهم المعتقدات التكفيرية، وتدريبهم على المهارات القتالية، وتصنيع المتفجرات، أو إعدادهم لتنفيذ تفجيرات انتحارية.
سياسات مكافحة تدفق المقاتلين
تعتمد أغلب الدول على فئتين من السياسات في التعامل مع تدفق المقاتلين على ساحة القتال في سوريا، أولها يتمثل في ردع المتطوعين من الذهاب لسوريا من خلال العواقب القانونية المتمثلة في مصادرة جوازات السفر، وإلغاء الجنسية، والمحاكمة، أما الفئة الثانية من السياسات فتتمثل في التركيز على مساعدة العائدين من سوريا على الاندماج في مجتمعهم، وتأهيلهم فكريًّا، ونزع التوجهات الراديكالية من معتقداتهم.
وعادةً ما تجمع أغلب الدول بين كلتا السياستين في مكافحة تدفق المتطوعين على سوريا، حيث تجمع السلطات البريطانية -على سبيل المثال- بين حذف وتقييد الدخول للمواقع والصفحات المخصصة لتجنيد المتطوعين على شبكة الإنترنت، كما تقوم وزارة الخارجية البريطانية بإلغاء وثائق السفر لمن يثبت التحاقهم بالتنظيمات الجهادية في سوريا، ويتوازى ذلك مع قيام مؤسسات المجتمع المدني البريطانية بحملات توعية لمنع الشباب من السفر إلى سوريا، والالتقاء بعائلات المتطوعين المحتملين لسوريا.
وأطلقت فرنسا برنامجًا لمكافحة التطرف في أكتوبر 2013 يتضمن استراتيجية لمنع القاصرين من مغادرة فرنسا من دون موافقة أولياء أمورهم، وتشديد الرقابة على المواقع الإسلامية التي تجند المتطوعين للقتال في سوريا، وإطلاق حملات توعية لتشجيع الآباء والأمهات على الإبلاغ عن أي تحول في سلوكيات ومعتقدات أبنائهم، كما حظرت ألمانيا ثلاث منظمات سلفية نتيجة تورطها في تأسيس شبكات تجنيد للمتطوعين للقتال في سوريا، بالإضافة إلى تأسيس مراكز لتقديم المشورة للأسر حول بوادر التطرف لدى أبنائها، وفي السياق ذاته أصدرت هولندا قانونًا يجرم التوجه للقتال في سوريا، وبموجبه منعت عددًا من المقاتلين من العودة إلى هولندا، وأسست وحدة أمنية لتعقب العائدين ومحاكمتهم.
وعلى المستوى العربي، أصدرت المملكة العربية السعودية في فبراير 2014 قانونًا ينص على فرض عقوبات على المشاركة في أنشطة إرهابية خارج المملكة، أو الانتماء لجماعات دينية متطرفة أو منظمات تصنف على أنها إرهابية محليًّا ودوليًّا، أو دعم تلك التنظيمات، أو تبني أيديولوجيتها، أو التعاطف معها، والدعم المالي وهو ما دفع 300 من المقاتلين السعوديين للعودة من سوريا خشية تطبيق القانون عليهم، كما كثفت المملكة من الاعتماد على برامج الرعاية والمناصحة المصممة لتصحيح معتقدات المتعاطفين مع الجماعات الإرهابية، ذات الأمر ينطبق على الجزائر التي حققت خبرات متراكمة في التعامل مع الجماعات الإرهابية منذ تسعينيات القرن العشرين، ومن ثم أصدرت مبادرة للتواصل مع عائلات المتطوعين بسوريا لبحث أسباب هجرتهم، وكيفية التواصل معهم لحثهم على العودة، على أن يتم إخضاعهم لبرامج لتصحيح معتقداتهم، وتأهيلهم لإعادة دمجهم في المجتمع.
وإجمالا ينبغي تجاوز سياسات مواجهة تدفق المقاتلين الأجانب على سوريا في الإجراءات والتدابير الأمنية المتمثلة في فرض عقوبات على من يثبت انضمامه للجماعات الجهادية، ومصادرة جوازات السفر، وإسقاط الجنسية، وتقييد المجال الافتراضي، ورقابة شبكات التواصل الاجتماعي، والحد من مستوى الخصوصية، حيث إن الأبعاد الإعلامية والمجتمعية تظل الأكثر أهمية، وفي هذا الصدد تلجأ بعض الدول الأوروبية والعربية لسياسات أكثر فاعلية، مثل: التواصل مع عائلات المقاتلين، وتصميم برامج رعاية فكرية للعائدين من سوريا لإعادة دمجهم في المجتمع، ومعالجة التوجهات الراديكالية الغالبة على تفكيرهم De-Radicalization.
ولا ينفصل ذلك عن ضرورة تكوين قواعد بيانات للمقاتلين الأجانب في سوريا، وتحديد مدى خطورة كل منهم على الأمن، وتأسيس مراكز اتصال للإبلاغ عن بداية بعض الميول المتطرفة لدى أي من أفراد الأسرة، وبث رسائل مضادة للتنظيمات الإرهابية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، واختراق دوائر الاتصالات المغلقة لخلايا التجنيد، والتركيز على تناقضات خطابهم وتوجهاتهم مع ممارساتهم الإجرامية في التعامل مع المدنيين، خاصة في ظل الصراع المحتدم بين داعش وجبهة النصرة في سوريا.
المصدر: المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية

موقع الخدمات البحثية