قراءات سياسية » الحرب على الإرهاب ومقايضة بيرغدال

بول بيلار(*) - "ميدل إيست أونلاين" 3/6/2014
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
يبدو أن لدى بعض منتقدي صفقة المقايضة التي أعادت الرقيب بيرغدال إلى الوطن، في مقابل خمسة أشخاص من طالبان أفغانستان كانوا سجناء في غوانتنامو، نقطة صحيحة. ويلاحظ النائب مايك روجرز، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي، أن كل تبادل بالمعتقلين ينطوي على إمكانية التشجيع على أخذ رهائن من خلال إظهار أن للرهائن قيمة تبادلية.
لهذا السبب كان مبدأ "لا تفاوض مع الإرهابيين" أساسياً في السياسة الأميركية الخاصة بمكافحة الإرهاب، على الأقل في السياسة المعلنة، للعديد من الأعوام ومع تعاقب الإدارات المتعددة، جمهورية كانت أم ديمقراطية.
طوال معظم تلك الأعوام، لم تتغير سياسة مكافحة الإرهاب الأميركية عملياً بشكل كبير باعتبارات أخرى أيضاً، وعولت على مجموعة مألوفة من الأدوات في جهد استهدف إيجاد وإحباط وإلقاء القبض على الإرهابيين ومعاقبتهم على النحو المناسب. وقد اشتملت هذه الأدوات على موارد تفعيل القانون، وعلى سجل طويل من ملاحقة وسجن الإرهابيين بنجاح من خلال نظام العدالة الجنائية.
في الأثناء، جرى استخدام القوة العسكرية بشكل اختياري ومقنن في الغالب للرد على أعمال الإرهاب برعاية الدولة. وقد عكس تقنين استخدام القوة حقيقة أن نشاطات الإرهاب التي تهددنا أكثر ما يكون، مثل المخططات التي حيكت في مدن غربية (أو أعدت في مدارس الطيران الأميركية) لا تنتج العديد من الأهداف العسكرية الجيدة.
ثم، قبل أكثر قليلاً من عقد مضى، تم غرس رمح إيديولوجي في داخل مكافحة الإرهاب. جرى إعلان "حرب على الإرهاب"، وأزيلت الفوارق -أو نسيت- بين مكافحة الإرهاب والحرب، في المفهوم وفي الممارسة على حد سواء. وأي شخص لم يقبل الإزالة كان عرضة لتوجيه اتهامات له بالضعف.
هذا التغيير الموجه إيديولوجياً أثار مشاكل متعددة تستمر في شل أيدينا وإعاقتنا حتى اليوم، بما في ذلك إعاقة الجهود الرامية إلى تقليل نشاط الإرهاب. وثمة أداة معينة، الأداة العسكرية، والتي أعطيت الأولوية مع قليل من الاعتبار للكيفية التي تتسم فيها كل أدوات مكافحة الإرهاب، بما فيها هذه، بأن لها عيوباً تماماً كما أن لها مزايا.
لقد تمددت قائمتنا من الأعداء لأن المزيد من الناس أصبحوا أعداء لنا أثناء لجوئنا إلى استخدام القوة العسكرية. وأفضت الجهود الدؤوبة التي بذلها البعض في الكونغرس للمحافظة على تلوين "الحرب" في مكافحة الإرهاب إلى ظهور معوقات سيئة الطالع أمام التنفيذ الفعال، سواء للحرب أو لمكافحة الإرهاب على حد سواء، بما في ذلك مقاومة استخدام نظام العدالة الذي كان يؤتي أكله في الماضي، وإدامة تلطيخ الصورة، والاعتقال الذي يتفادى القانون في مرفق الاعتقال في غوانتنامو.
لقد كانت واحدة من هذه المعوقات -وهو متطلب الإخطار مسبق للكونغرس قبل نقل أي سجناء من غوانتنامو- هي التي دفعت إدارة اوباما إلى اتخاذ قرار بأن عليها أن تستخف به من أجل عدم تفويت فرصة استعادة بيرغدال.
إذا كنت تريد شن حرب، فسيكون القبول بتقاليد وممارسات معينة، والتي ظلت منذ أمد طويل جزءاً من العمل الحربي. وواحدة من تلك الممارسات هي تبادل الأسرى. وما تزال هذه التبادلات تحدث منذ قرون بين المتحاربين.
تبدو مقايضة بيرغدال-طالبان أكثر شبهاً بكثير بتلك المبادلات مما تشبه أي نوع من الصفقات التي تشتمل على رهائن إرهابيين. ومن الطبيعي أن بيرغدال جندي أميركي أصبح أسيراً أثناء خدمته العسكرية في أفغانستان (التفسير الآخر الخاص بكيفية انفصاله عن وحدته ووقوعه في أيدي طالبان هو موضوع مختلف).
يقال إن الخمسة من عناصر طالبان الذين سلموا إلى قطر كانوا متورطين في بعض الأعمال الدنيئة في الحرب الأهلية الأفغانية، وليسوا من الرجال الذين تريد لابنتك الاقتران بأي منهم وتعود به إلى الوطن. إنهم ليسوا إرهابيين مدانين سبق وخططوا لتفجير قنابل في مدن غربية وخرجوا الآن من سجن في بلد غربي، وإنما هم قادة عسكريون لنظام بدائي منخرط في تنفيذ تلك الحرب الأهلية. وبذلك، يكونون مثل بيرغدال، أسرى من الميدان.
لعل الرسالة المناسبة الموجهة إلى أعضاء الكونغرس أولئك وغيرهم من المنتقدين المغرقين في محو التمييز بين الحرب ومكافحة الإرهاب، والذين يجدون الآن خطأً في صفقة بيرغدال هي: إنكم لا تستطيعون الحصول على الأمرين معاً. فإذا قمنا بشن الحرب، فإننا سنفعل أشياء مقترنة بالحرب، بما في ذلك تبادل الأسرى. ومهما كانت حرقة القلب التي تشعرون بها راهناً بسبب الصفقة، فإنها ليست أكثر من تداعٍ سلبي آخر للارتباك المفاهيمي والعملي الذي كرستموه.
سيساعد توضيح أن هذه الصفقة هي بالفعل تبادل لأسرى ميدان معركة ولا شيء مطلقاً يشبه إطلاق مجرمين من أجل تحرير رهائن احتجزوا في عملية إرهابية، في التقليل إلى الحد الأدنى من الخطر الذي يتحدث عنه عضو الكونغرس روجرز. وستكون أفضل طريقة لتقليل خطر وقوع جنود أميركيين إضافيين في أيد عدوة أفغانية، تكمن في إخراجهم من أفغانستان. وذلك لن يحدث في وقت قريب، لكن الرئيس يقول لنا إنه سيتم مع نهاية العام 2016.
في الأثناء، قد يسأل أعضاء الكونغرس أنفسهم، كما يفعلون في العادة عند بعض المواضيع الأخرى: "ما كانت إسرائيل لتفعل؟"، إن الحكومة الإسرائيلية تصنع شيئاً كبيراً من عدم التعامل مع مجموعات معينة لا تحبها مثل حماس، لكنه عندما يتعلق الأمر بتبادل أسرى، فإنها تتوافر على سجل طويل في الحقيقة من صفقات التبادل.
قبل عامين ونصف العام، توصلت إسرائيل إلى صفقة مع حماس، والتي أطلقت إسرائيل بموجبها 1027 سجيناً فلسطينياً في مقابل إطلاق سراح رقيب إسرائيلي واحد، جيلعاد شاليط. وقال المسؤولون الإسرائيليون إن السجناء المفرج عنهم كانوا مجتمعين مسؤولين عن مقتل 569 إسرائيلياً. وبذلك المعيار تكون الولايات المتحدة قد حصلت من خلال تبادل بيرغدال على صفقة جيدة فعلاً.
(*) ارتقى في سنوات خدمته الثماني والعشرين في وكالة الاستخبارات الأميركية ليكون واحداً من كبار المحللين في الوكالة. وهو راهناً أستاذ زائر للدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون.
(*) نشر هذا المقال تحت عنوان:  War on Terror and the Bergdahl Swap
 

موقع الخدمات البحثية