قراءات سياسية » تقييم سياسة أوباما الخارجية


المسرح العالمي لم يتحوّل بعد إلى ملجأ الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال ولايته الثانية، بل بات مسرحاً لإخفاقاته، وأزماته، وانهزامه. صحيح أن سياسته الخارجية بدت ناجحة إلى حد ما عندما ترشح لولاية ثانية، إلا أنها تتحوّل راهناً إلى فشل.

روس غريغوري ـ محرر بارز في المحيط الأطلسي

يعمد الرؤساء عادةً، بعد مواجهتهم المعارضة الداخلية في ولايتهم الثانية، إلى الاستدارة نحو المسرح العالمي ليحققوا إرثهم، فيحاولون التقرب من الصين وطي صفحة الحرب الباردة، فضلاً عن السعي وراء السلام في الشرق الأوسط.
لكن المسرح العالمي لم يتحوّل بعد إلى ملجأ الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال ولايته الثانية، بل بات مسرحاً لإخفاقاته، وأزماته، وانهزامه. صحيح أن سياسته الخارجية بدت ناجحة إلى حد ما عندما ترشح لولاية ثانية، إلا أنها تتحوّل راهناً إلى فشل.
لا شك أن الإخفاق مصطلح نسبي، فما زال غزو سلفه العراق يُعتبر الإخفاق الأميركي الأكبر في حقبة ما بعد حرب فيتنام، ولم تستطع أي من صعوبات أوباما أن تضاهي تلك الكارثة فداحةً، فضلاً عن ذلك، يعجز كثيرون من منتقدي سياسة أوباما الخارجية المحافظين بغالبيتهم (الذين يعتبرون أن أوباما أضعف مكانة الولايات المتحدة في العالم، وأنه يبالغ في حذره من اللجوء إلى القوة العسكرية) عن رؤية مدى الضرر الذي ألحقته حرب العراق بالمصالح الأميركية، والعدد الكبير من المشاكل الراهنة الذي يمكن إعادته إلى أخطاء ارتُكبت عام 2003.
لكن غياب معمعة مماثلة لما شهدناه في العراق لا يعني النجاح، ويجب ألا يحكم التاريخ على هذا الرئيس وفق معيار حدده دونالد رامسفيلد، فيُعتبر أوباما مسؤولاً عن المبادرات التي سعى وراءها، والاستراتيجيات التي قبِل بها، والأولويات التي حددها، ويبدو أن كل ما يرد على هذه اللائحة يلاقي الفشل.
لنبدأ مع ليبيا، موقع حرب أوباما الاختيارية، فيطغى تركيز الجمهوريين المفرط على بنغازي على واقع أن ليبيا ما بعد القذافي تحوّلت عموماً إلى كارثة، وباتت حكومتها معطلة وأراضيها ملجأ آمناً للمجاهدين، في حين أضحى سلاح حاكمها السابق ومقاتلوه عاملاً يزعزع استقرار إفريقيا السوداء (على سبيل المثال، وقع بعض هذه الأسلحة على الأرجح بين أيدي أخطر خاطفي نيجيريا، حركة &ldqascii117o;بوكو حرام&rdqascii117o;).
لننتقل بعد ذلك إلى سورية، حيث أكّدت سياسة الإدارة المعلَنة أن على بشار الأسد الرحيل وأن ثمة &ldqascii117o;خطاً أحمر&rdqascii117o; (سيُفرض بالقوة، إذا دعت الحاجة) بشأن استعمال الأسلحة الكيماوية، ولكن يبدو اليوم أن الأسد لن يرحل، بل يحقق النصر، في حين انهارت ادعاءات البيت الأبيض بشأن تحقيق التقدم في مسار الأسلحة الكيماوية مع إقرار وزير الخارجية الأميركي جون كيري أخيراً أن &ldqascii117o;المعلومات الأولية&rdqascii117o; تشير إلى &ldqascii117o;عدد من الحوادث&rdqascii117o; التي استخدمت فيها حكومة الأسد أخيراً غاز الكلور.
لا تبدو الصورة أفضل عندما ننظر جنوباً أو شرقاً، ففي إسرائيل، انتهت مساعي كيري الأخيرة لدفع المفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية قدماً بإخفاق متوَقَّع، أما في العراق، فالأوضاع تغلي والنفوذ الإيراني ينمو، ويعود ذلك في جزء منه، كما أشار ديكستر فيلكنز من مجلة &ldqascii117o;نيويوركر&rdqascii117o; الشهر الماضي، إلى تردد البيت الأبيض الذي قوّض مفاوضات كانت ستؤدي على الأرجح إلى ترك قوة أميركية صغيرة إنما أساسية لترسيخ الاستقرار في العراق.
نشهد اليوم مفاوضات مماثلة بشأن وضع القوات في أفغانستان، لكن احتمالات نجاحها تبدو أكثر سوداوية: فقد أخفقت زيادة عدد الجنود التي أمر بها أوباما (بتردد مماثل) في تكرار نجاح عملية الجنرال ديفيد بتريوس لإنقاذ العراق، ومع أن الأميركيين لم يغادروا أفغانستان بعد، فثمة صعوبة في كبح لجام حركة طالبان.
أما بالنسبة إلى مشاريع البيت الأبيض الدبلوماسية الكبرى، فقد انتهى أحدها (عملية &ldqascii117o;إعادة ضبط&rdqascii117o; العلاقات مع روسيا) في مستنقع الأزمة الأوكرانية، ومع أن الثاني (الانفتاح على إيران) لم يصل إلى خواتيمه بعد، تقترب المهل المحددة من نهايتها، ويشكّل هذا المسعى الأمل الأفضل المتبقي الذي قد يتيح للإدارة أن تحقق إنجازاً يبدل النموذج القائم اليوم، ورغم ذلك، يظل هذا الأمل ضعيفاً (ويزداد تعقيداً، مثلاً، مع سعي إيران المتواصل لتطوير صواريخ بالستية)، وسيتضح في النهاية على الأرجح أن أوباما زعزع التحالفات الأميركية القائمة في المنطقة ليحقق مكاسب محدودة جداً.
وماذا عن &ldqascii117o;الاستدارة نحو آسيا&rdqascii117o; المنتظرة؟ أخبروني حين تحدث، وربما سيكون لدي حينذاك ما أقوله بشأنها.
لا أهدف من كل ما ذكرته أعلاه إلى الإشارة إلى أن كل قرارات أوباما لم تكن صائبة (أتعاطف مع قرار التحرر بالكامل من العراق، ويسرني أننا لا نملك 50 ألف جندي يحاولون احتلال سورية)، أو أن ثمة تبديلاً سياسياً جذرياً يمكنه أن يحلّ كل هذه المشاكل، ففي عالم صار بالتأكيد خارج سيطرة الرئيس الأميركي، قد تؤدي حتى أحكم الخيارات إلى نتائج مخيبة للآمال.
لكن معظم الرؤساء ينجحون في تحقيق بعض الانتصارات الواضحة، فلا يتسنى للجميع بالتأكيد إنهاء الحرب الباردة، لكنهم يحظون على الأقل بمبادرة دبلوماسية ما تمكنهم من ترك إرث إيجابي (حتى جيمي كارتر حظي باتفاقات كامب ديفيد) أو بتدخل عسكري أو إنساني (حتى جورج بوش الابن حظي بمبادرة الإيدز في إفريقيا) يبدو ناجحاً.
ولكن باستثناء قتل أسامة بن لادن (&ldqascii117o;استثناء&rdqascii117o; تقلل من أهميته نهضة الإرهاب الإسلامي الجديدة)، إذا انتهى عهد أوباما الرئاسي اليوم، لا أعرف أي إنجازات كبيرة في السياسة الخارجية سيركز عليها بمنطق المدافعون عن أوباما.
ما زال الوقت كافياً لتبديل هذا الوضع: فقد تستغل الإدارة بذكاء مبالغة فلاديمير بوتين المحتملة، أو تعقد صفقة نووية دائمة مع إيران، أو تصوغ استراتيجية تكبح جماح النزعات القومية المتنامية في شبه القارة الهندية وأطراف المحيط الهادئ.
لكن الحوادث الأخيرة لا تعزز آمالنا في هذا الصدد، على العكس، قد تتلخص محاولات الدفاع عن سياسة أوباما الخارجية في المستقبل بخمس كلمات: &ldqascii117o;لم يغزُ العراق على الأقل&rdqascii117o;.
المصدر: مركز الناطور

موقع الخدمات البحثية