قراءات سياسية » تقييم الفترة الرئاسية الأمريكية

في عام 2006 تساءل المؤرخ في جامعة برينستون سين ويلينتز ما إذا كان جورج بوش الابن هو أسوأ رئيس أمريكي على الإطلاق، ويعتقد ويلينتز بأن الكثير من المؤرخين سيعدونه أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة، ويندرج بوش ضمن قائمة أسوأ خمس رؤساء جنباً إلى جنب مع فرانكلين بيرس وبوكانان و ميلارد فيلمور بالإضافة إلى هاردينغ الذي تدور شكوك حول وضعه ضمن هذه القائمة نظراً لأنه قد ورث مشاكل إقتصادية من سلفه ويلسون.

إن الفشل في الرئاسة يأتي من أحد أمرين: قد يكون مصدره ظروف خارجة عن إرادة الرئيس، أو أن سياسات الرئيس تسببت في خلق أزمة في البلاد.

بالنسبة لبوش فإن سياساته الخارجية سبب الحكم عليه بالفشل، أرسل الجيوش الأمريكية لتحتل دولاً في العالم الإسلامي بهدف 'نشر الديمقراطية' على الطريقة الأمريكية وفي آخر المطاف أثبتت خياراته فشلها فالجماعات المرتبطة بالقاعدة منتشرة الآن على مساحات كبيرة من الدول التي استهدفتها السياسة الأمريكية. وبالإضافة إلى ذلك فقد استنزفت الحروب موارد الحكومة المادية ما أوصل البلاد لعجزٍ مالي ودفعها إلى إتباع سياسات تقشف صارمة، واندلعت الأزمة المالية عام 2008 في عهده.

وبالنسبة للرئيس الحالي باراك أوباما فإن حكم التاريخ على فترة رئاسته مرتبط بمصير نظام الرعاية الصحية الذي تبناه وماسيؤول إليه الوضع الاقتصادي في البلاد وما يمكن أن يحدث من تطورات في مسيرة 'الحرب على الإرهاب'.

إن أداء الإدارة الأمريكية في مجال 'مكافحة الإرهاب' وعجزها عن وضع حد لإنتشار التنظيمات الإرهابية رغم إعلانها تحقيق العديد من الإنتصارات الوهمية والتيقن من أن 'الحرب على الإرهاب' استحالت حرباً مستدامة لا نهاية لها, كلها تشكل علامات فارقة في تقييم فترة حكم الرئيسين بوش وأوباما.

تعلن واشنطن أنها تخوض حرباً على الإرهاب أينما وجد وتنفق الإدارة الأمريكية مليارات الدولارات في مجال مكافحة الإرهاب، وبالرغم من المبالغ الطائلة التي خصصتها إدارة الرئيسين المتعاقبين بوش الابن وباراك أوباما لمحاربة الإرهاب، ذكر رؤساء لجان الاستخبارات في مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين مؤخراً أن الإرهابيين العالميين قد اكتسبوا بالفعل أرضية في العامين الماضيين وأن الولايات المتحدة غدت أقل أمناً مما كانت عليه قبل عام، ويأتي ذلك على عكس ما توقعته إدارة أوباما بأن الإرهاب العالمي قد تلقى ضربة قاضية بمقتل أسامة بن لادن وهجمات الطائرات بدون طيار التي استهدفت قيادات في التنظيمات الإرهابية في مختلف بقاع العالم.

خاضت واشنطن حربين رئيسيتين في إفغانستان والعراق بإسم 'الحرب على الإرهاب' في عهد الرئيس بوش، وتسلم أوباما ذاك الإرث الثقيل، أعلن أوباما عن عزمه فرض استراتيجية مغايرة عن سلفه في إدارة الحروب الأمريكية في الخارج، وبالرغم من ذلك عمل على زيادة عدد قواته في أفغانستان بعد فترة وجيزة من دخوله البيت الأبيض.

وفي كتابه 'الواجب: مذكرات وزير أثناء الحرب' يذكر روبرت غيتس الذي استلم وزارة الدفاع في آخر عامين من عهد بوش، وأول عامين من عهد أوباما، أن أوباما كان رئيساً عديم الخبرة لجهة محاولة تغيير المسار في حربين، ويضاف إلى ذلك عامل مهم، وهو تركيزه على مسألة إعادة انتخابه.

وأشار غيتس إلى إنعدام الثقة بين الرئيس أوباما وكبار قادة الجيش الأمريكي، ويعتقد بقوة أن نائب الرئيس جو بايدن قد عمل على تسميم تلك العلاقة ضد القيادة العسكرية، علاوةً على الاستجوابات العدوانية المشبوهة من قبل مستشار الأمن القومي توم دونيلون والتي كثيراً ما انطوت على إهانة القادة العسكريين.

ويقول غيتس: 'لم أشهد مركزية وسيطرة للبيت الأبيض على مجلس الأمن القومي بهذا الشكل منذ عهد الرئيس ريتشارد نيكسون ومستشاره هنري كيسنجر'، ورفض الرئيس أوباما الاستماع إلى نصيحة كبار المستشارين في الأمن القومي والاستخبارات حول عدم تسليح المتمردين ضد حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، وبالتالي بأن تأخذ الحرب الأهلية في سورية مسارها. يعكس هذا شخصية الرئيس أوباما القلقة وغير المستقرة في العلاقة مع مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة.

وبينما تركز الولايات المتحدة جل إمكاناتها لمكافحة الإرهاب في الخارج، لا تسخر هذه الحكومة شيئاً تقريباً للتعامل مع التطرف في الداخل الذي ينمو بإطراد، ولا تزال واشنطن تفتقر إلى إستراتيجية فعالة للحيلولة دون إنخراط أمريكيين في مجال التطرف والإرهاب، وتشير المعلومات إلى تورط أمريكيين في أنشطة إرهابية عدة إبتداء من تفجيرات ماراثون بوسطن إلى الهجوم الذي استهدف 'ويست جيت مول' في نيروبي، كينيا، وصولاً إلى شخصيات في القيادات العليا في تنظيم &laqascii117o;القاعدة" متمثلة في شخص رئيس الدعاية آدم غدن. وتتوقع الباحثة هدية ميراحمادي, زميلة زائرة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى ورئيسة 'المنظمة العالمية لتنمية الموارد والتعليم, نمو هذه المجموعة من المتطرفين الأمريكيين في ضوء الحرب الأهلية الدائرة في سورية التي تقدم أرضاً جديدة ومتاحة نسبياً لتدريب الإرهابيين.

وتدرك الحكومة الأمريكية الخطر المرافق لنمو وإنتشار التطرف في الداخل، وفي هذا الصدد، صاغت الحكومة الأمريكية أول خطة لها لمواجهة التهديد الناشئ من الداخل في عام 2011 تحت مسمى 'خطة تنفيذ الإستراتيجية لتمكين الشركاء المحليين لمنع التطرف العنيف في الولايات المتحدة، إلا أن الخطة محدودة الأفق بسبب عدم وجود موارد للميزانية فضلاً عن وجود عيوب تحد من إمكانية التطبيق العملي للخطة، يحيل مشروع مكافحة التطرف الداخلي دوراً كبيراً للمجتمعات المحلية  كـ'مجموعة عمل المجتمع المتدين' التي ينبغي أن تتعاون مع وكالات إنفاذ القانون المحلية، ولكن لم يتم تحديد آليات التعاون ولا صلاحية الهيئات المحلية في التدخل لمجابهة الأشخاص المتطرفين أو المعرضين لخطر التطرف، وتهدف مجموعات العمل المجتمعية إلى مجابهة أسباب التطرف العنيف مثل الاغتراب الاجتماعي، والاضطرابات النفسية، والمظالم السياسية والأيديولوجيات التي تستمد أفكارها من تنظيم 'القاعدة'.

توصي الباحثة ميرا حمادي بضرورة متابعة وتفعيل برامج الشراكات المحلية وتأمين إنتشارها في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، ومن خلال تمكين المنظمات الشعبية وتعزيز العلاقات بين وكالات إنفاذ القانون والمجتمع المسلم، بإمكان الحكومة الأمريكية تحسين قدرة المجتمعات المحلية بشكل كبير بحيث تستطيع أن تشكل خط الدفاع الأول ضد المتطرفين المحليين.
المصدر:  مركز الدراسات والأبحاث الاستراتيجية

موقع الخدمات البحثية